2 – فيزياء القانون الرأسمالي :

 إنَّ النظام الرأسمالي بطبيعته : إنه يركز نشاط الأفراد على أنفسهم ، ويسجن كل إنسان في أنانيته ، إنك حين تجعل المصلحة الشخصية هي المحرك الأساسي للحياة المشتركة ، وتنتزع من هذه الحياة المشتركة كل ما يجعلها حياة مشتركة حقاً بل تهدم المبدأ الذي يقوم عليه كل مجتمع أعني تضامن هذا المجتمع . (1)

وهذا التصوير المنطقي قائم على حقيقة الوضع القائم من قلق الإعتقاد والأفكار التي هي قوانين تختزل العلل الرئيسية بحيث تصبح قائمة على فعل الإعتقاد والوضع اليسكيولوجي بأثره .وهذا الوضع الرومنطيقي في العقلية الرأسمالية ناتج من نظرة عامة تبناها المفكرون السياسيون والإجتماعيون قائلة بأن العقل الرأسمالي لايفهم نفسه ولا يؤمن بنفسه ولا يملك إيماناً مشتركاً يمكنه من مقاومة الإنحلال وقد عبر ( تشترتون )  عن  جوهر هذا الرأي تعبيراً مجازياً بقوله إن العقل قد فقد الإطمئنان في جوهره لأنه يقوم على الرأي القائل بأن جميع الناس يعملون الشئ  نفسه ولأسباب مختلفة ، واعتقد أن عنصر الخلاف في العقل الرأسمالي قائم بدرجة معينة على تصور رسمه ( مانهايم) بقوله أعتقد من الممكن أن يحدث التغيير في العقل الرسمالي بإيجابية إذا ما اهتم بالتكامل الديني وأشكال التكامل الأساسي الأخر في العقل الليبرالي ...

ونحن الآن نرى أن نظاماً اجتماعياً أياً كان لا يستطيع أنَّ يحافظ على نفسه إلى درجة مقبولة إلا على أساس عقيدة توضع سلمياً بحيث يؤدي أداءً جديداً الدورالذي كانت تؤديه العقيدة (1) .

إن بعض المظاهر الثابتة للعقل البشري تشير إلى الحاجة لأن يقوم المجتمع على أساس ديني ، وثمة عدة عوامل سيكولوجية تجعل هذه الحاجة أكثر إلحاحاً في وضعنا الحاضر ، وهذه يجب أن ترتكز على قانون في التبني يصبح دستورياً يعالج الحالات الإجتماعية جميعاً ، ويرتب الأثار حسب العلاقات الطبيعية في المجتمع .

ولكن هذا التصور مقدم من الناحية الوضعية والإعتبار الواقعي إذ الإحتمال الذي قدمه الفلاسفة والمفكرون إيجاد وضع قائم بمستوى العقل الطبيعي للبشر وذلك رد فعل بإزاء الواقع الموضوعي الذي يعتبره المجتمع رأس تعلق ذات القانون به وشرطه عدم الإنفصال بالمؤثر عن الطبيعة القائمة إجتماعياً وهذا يرتب اللزوم في الفعل والإنفعل وهو ما لا يقره القانون الرأسمالي إذ الفائدة مقدمة في الإنتفاع وهي أولية كبرى في الوضع الإجتماعي الرأسمالي وظاهرة اللزوم المتداخل مع القانون يعتبر حرية من الوعي القائم على درجة الفعل في القوة في حال الفاعلية والمفعولية ، وهذه قائمة بدرجة على نبذ وزر التنفيذ للقانون بصيغته الجعلية الخاصة وبذلك سقطت الفكرة  التقليدية القائلة :

إنَّ السُّلطة المؤسسة هي في جوهرها تنبع من الشعب (1) . مع أن الواقع تكريس لمفهوم  الذاتية في السلطة وقد اعتبرت مسودة القانون الفرنسي المعبر الوحيد صياغة عن تلك الفكرة ، إذ التطبيق للقانون عبر عن العقلية المجربة للقانون وبالتالي عوضت لوائح وفقرات من القانون إلى اعتبارية المشرع والفقيه القانوني . وبعدها أصبح (الرفدندوم) للعقلية التشريعية والقضائية فأصبح  حق النقض الشعبي الذي بموجبه يستطيع الشعب معارضة أو رفض التدابير أو القوانين الصادرة عن الهيئات المختصة صورة تدوينية فقط إذ الإعتبار قام بالتدبير العقلي لهذا الحق معززاً بآراء فقهاء القانون حول تلك التدابير ، ولم يكن الإستفتاء الذي يشترك فيه الشعب بصورته ــ المباشرة وغير الباشرة ــ نافذاً إلا بعد أن يكون الرأي الشعبي قائماً على درجة من الضرورة بحيث لا تمس الشخص الحاكم أو السلطة العليا ، وأظن أن فكرة المبادرة الشعبية عقيمة لأنها لا تمثل في الواقع إلا ما يعبر عن الإرادة العامة لفقهاء القانون بما هم أصحاب سلطة في الدولة .

العزل أو الحل ما هو إلا صورة أخرى للمواقف الدراماتيكية التي توضع تمويهاً للشعب ، وبالتالي فالقانون الدستوري الذي تصُاغ عبائرهُ بلحن أدبي يوحي للمستمع بأن هناك شيئاً ما إسمه الديمقراطية .

ولكن  الواقع المنطقي هو خلاف ذلك ، فظهور الحرية السياسية على اعتبار، لا يمثل المصداقية  في ممارسة الفرد للحرية السياسية ، ثم ما قيل عن الحاجة القصوى وهي الخوف من التناقض بين مصالح الدولة والحرية السياسية للفرد ، وهذا ناشئ من حقيقة البناء المادي الذي هو في الواقع يخوض صراعاً من أجل كسب المنافع ، التي يتم فيها عادة خروج عن المألوف والإباحية والفوضى في طرق الكسب تلك .

فالرأسمالية تنظر إلى النزعة الإستهلاكية ــ أي البحث عن الألوان المختلفة للإشباع المادي بوصفها بدائل لكل الحاجات الإنسانية الأخرى .

إن البنية  الرأسمالية قائمة على كسب وإشباع  رغباتها وهذا الأمر قائم على سلب الحرية السياسية للآخرين      وإن جاز هذا التصور ـ فأن ما تعرضه دور النشر قائم على تركيز الجهود وبذل المستحيل من أجل التمويه والدعاية المفخخة لإيقاع المجموع في شعور نصف حقيقة والآخر غموض وإبهام .

وهذا ما يدل على أن الرأسمالية غير ذات محتوى فلسفي لأنها تفتقد للنظرية وللروح وللعقل وحالة انفكاك بين مفهومها للعقل والطبيعة .

وإذا كان هذا هو روح القانون فمادا تعني صلاحيته ؟

تعتبر الصلاحية القانونية  والمدنية خاصة لمجموعة معينة ، وهي صاحبة المصلحة في ترتيب لوائح القانون الدستوري . وطبيعي أن لا يضع العلماء نظريات قانونية تخالف رجال الدولة وأصحاب رؤوس الأموال الذين يتبرون أنفسهم . في ظل ولايتهم وتجمعهم ذات المصلحة المشتركة ، فلذلك يكون الوضع قائماً على :

كل عموم ليس فيه إشارة لوجود تشارك فعلي بينهما .

ومن هنا فالقوانين الدستورية تصبح معلقة حسب إرادة خاصة وهذه الإرادة تمُلى شرائط رغباتها على فقهاء القانون ، مما يجعل الأمر ليس فيه تعارض بين روح الإستثمار وروح القانون ، حال كون الإستثمار يمثل روح الطبقية والإستغلال ، فالهدف هو إيجاد مخرج قانوني للإستثمار وبالنظرية الخاصة .

وبذلك سقطت نظرية (روسو) في أصل التفاوت على أساس الكفاءات والقدرات العلمية ، لأن النظرية داعية من حيث الوجوب على المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات ، وشرط التعامل فيها قائم على سلب القدرة الذاتية للأخرين وتحويلها بإتجاه المصلحة الخاصة ، ولأن النظرية كانت مجرد رأي ، فلذلك بررها فقهاء القانون بأنها مبدأ لا يدل على الصحة لفقدانه شرط العموم اللازم الذي يرتب آثار المبدأ فعلياً ، ثم ان تشارك بالحق السياسي يحتاج إلى صلاحية من صلب الضمير وقدرته في صياغة القانون ، وإجرائه ومع العدم ، يصبح القانون مبدأ مضافاً لمبادئ اللوائح الخاصة بحقوق البشر والمدونة دون إجراء تنفيذي تقوم به الدولة من أجل تعميمه والعمل بمقتضاه .

3 – القيمة في الأشياء :

ذهب جمع من المفكرين الأوروبين إلى جعل القيمة أساساً في الجهد المتحصل من العمل المنتج ولكنهم قالوا إنها تتعلق بموجبات وشروط تقتضيها المصلحة وعلى المستويات الإقتصادية والسياسية .

ومن هنا حددوا مفهوم القيمة على أنه نفع متحصل يترتب على الإنتاج والإستهلاك والقوى العاملة ولكي نجعل هذا الأمر أكثر وضوحاً نقول :

إنَّ القيمة تعتبر من المسائل المهمة في الإقتصاد سواء من الناحية النظرية أو الفنية أو الناحية الأخلاقية ، ولكن كانت ضرورية لهذ المعنى ، فما هي القيمة ؟ وماهو الشئ الصانع لها ؟ وهل هي ترتبط بالفائدة أو أن الفائدة هي سنخ القيمة ؟ أو انها الحالة المتحصلة منها ...

لقد كانت تجربة الإنسان خلال التاريخ ناظرة إلى هذه الإعتبارات ومسجلة لها أشياء من المنفعة التي تتعلق بذات الشئ أو من الجهد المبذول بخاصة أو من عمليات البيع والشراء له .

إن القيمة الإقتصادية هي عبارة عن الفائدة الموجودة في مادة معاشية معينة ترتب آثار المنفعة من كون المادة أمراً مادياً او معنوياً له قيمة متعلقة بذاته وقد تعتبر المنفعة من عادة صرفة . فالتعليم أو الأمور الفنية قيمة تتعلق بالعمل وهذا العمل هو أساس المنفعة الذي هو في واقعه ليس عينا مادية .

إذن فالقيمة تتعلق بحاجتين ك

الأولى : مادية ، والثانية : معنوية .

ولكن القيمة تتفاوت تبعاً لذات المادة التبادلية القائمة على تعيين القيمة وهي متعلقة بالمنفعة المحسوبة بالتوجه العام . فلو اعتبرنا ان هناك حاجات تتعلق بالوجود الإنساني فهي ترتب قيمة من ذات المنفعة المتعلقة بالوجود فالماء والخبز وغيره والوجود متعلق بها فالقيمة التبادلية قائمة على المنفعة ، أما ان هناك حاجات تتعلق بمنفعة ولكنها غير ذات قيمة كالهواء والنور .

فالمنفعة ثابتة بشرطها الوجودي المتعلق بالإنسان والقيمة مفقودة لتعلق هذه الحاجة لا بالإمتلاك المحدود ذي القيمة المتخصصة ، قطعاً سيكون لها قيمة ولكن بقدر تعلق المنفعة بها فالهواء قد يكون له قيمة تبادلية عند أصحاب المختبرات العلمية والتجارب الكيميائية ، ولكن قد تتفاوت القيمة للحاجة تبعاً لقدر المنفعة منها وللإحتياج المتعلق بها مع أنها تتساوى في الوزن والكيل والحساب الزمني .

قطعاً القيمة تتعلق بالفائدة ذات المنفعة المحمولة للبشر أي أنها ترفع حاجة اضطرارية كلياً أو تكون داخلة في رفع الحاجة سواء أكانت الحاجة أمراً مادياً أو غير مادي أو عيناً يستفيد منها الإنسان أو حاجة مضادة للإنسان الغرض ان تكون متعلقة بالحاجة الإنسانية .

إذن فالمنفعة هي المقررة للقيمة وعلى ضوئها تحسب القيمة فليست هي مجردة عنها أو أنها تتبع نظاماً أخر وأيضاً فالمنفعة مشروطة بحاجة الإنسان فمتى انتفت الحاجة أنتفى شرط المنفعة لتنتفي القيمة التبادلية المتعلقة بالمنفعة .

والمنفعة بالإصطلاح الفقهي هي واقع الوسيلة للتصرف بالعين كأن تكون دالة على الإستفادة من الحاجة بالقدر المقرر والمطلوب وشرطها كما تقتضيه القاعدة هو :

أن تكون الفائدة متعلقة به على تلك الحاجة حتى لا تدخل في باب تزاحم مع الأخرين وهذا التعبير يمكن جعله بهذه الصدورة : كل شئ قابل للمبادلة بمال شرط عدم كونه هو مالاً فذاك ما نطلق عليه المنفعة ، كالجمال والنطق كونهما سبباً في كسبه المال وقابلاً في نفسه للمعارضة مع المال مع أن الجمال والنطق ليسا بثروة أو مال .

إذن لكي يتحقق شرط القيمة أن تكون عيناً .

إذن فأصبح مجملاً أن القيمة متعلقة بشروط هي :

1- أن يكون الشئ محتاج إليه .

2 – أن يكون غير متوفر في السوق .

3 – أن لا يكون مختصاً بأحد .

فلو وجد مثلاً بمقدار أقل من اللازم له فإنه لا قيمة له لوجوده من غير اختيار وطلب خاص فالمطر مثلاً لا شرط فيه لأنه ليس من شروط المورد الثاني ــ أي كونه غير متوفر في السوق ــ لأننا نفترض القيمة مع الإختيار فمع عدمه يثبت العكس أو قل إنَّ كل زيادة فوق العادة مع وقوعها تحت الإختيار فليست ذات قيمة لتعلق القيمة بشرط الحاجة لها ، فالأرض والبحار لها منفعة ولكنها لاتدخل بموارد ثبوت القيمة لأنها غير داخلة في شرط الحاجة لها ومتى دخلت في هذا الشرط تثبت القيمة عليها ، أما كون الأمر متعلقاً بالقدر اللازم له فتحسب القيمة بقدر اللزوم لأن شرط الإختصاص بأحد قطعاً مقدم فحينما يختص بفرد تنتفي القيمة له .

إذن على نفس الطريقة يمكن جعل مكان الشرط الثالث نفسه مكان الشرط الثاني :

قد تقولون إذن فالعمل هو سبب للقيمة ونقول إن القيمة غير متعلقة بالعمل بل العمل غير داخل في تحديد القيمة ، فالأشياء لا تتقدر بالعمل المعروف لها ولكن بالحاجة لها وتلك حقيقة  إجتماعية ولكن بعض الأشياء يمكن الإستفادة منها بعد عملها فالقيمة تتقرر تبعاً لها لا لعملها قد تكون الإستفادة منها بالقوة مع ذلك فالقيمة لها وليست لذات الإستفادة ولهاذا فتفاوت القيمة قائم على مدى الحاجة لها ومتى كانت الحاجة متعلقة بزمن فتسقط القيمة في زمن ربما لها في زمن قيمة والمدرك للجميع الحاجة في الطلب .