مبدا العصبية لدى ابن خلون

 

إن الطريقة المنهجية العلمية التي اعتمدها ابن خلدون كانت تشبه إلى حدٍ ما طريقة أرسطو

. فهو قد يدخل مبدأ العلّة الطبيعية في دراسة الظاهرة التأريخية والأجتماعية والسياسية . ومحاولته من خلال ذلك استنباط القوانين الطبيعية لقيام الدول وزوالها . ولذلك فالدولة عنده صورة العمران وبهذا يكون قد اوجد منهجاً جديداً يمكن تسميته بعلم العمران السياسي . أو الإجتماع السياسي . وإلى ذلك يشير بقوله ؛ وأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللاً وأسباباً . واخترعته من بين المناحي مذهباً عجيباً وطريقة مبتدعة وأسلوباً . وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يغرض في الأجتماع الأنساني من العوارض الذاتية . ما يمتلك بعلل الكوائن وأسبابها . ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها . حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال ما قبلك من الأجيال وما بعدك . إن دراسة الفكر السياسي والمنهج الإستطرادي في التجاه السياسي عند ابن خلدون يوحي للباحث عن جملة آراء وحقائق يكاد يكون ابن خلدون سباقاً فيها . فهو الذي اعتبر مبدأ فلسفة التأريه وهو الذي اوجد وصفاً جدلياً رائعاً للسياسة الطبيعية والعقلية والشرعية إذ يعتبرها بقوله ؛ أن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة . والسياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية , ودفع المضار والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليهم . إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الأخرة . فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا , فالطريقة المنهجية في دراسة العلم السياسي كانت على درجة من الوعي والتكامل عند ابن خلدون . لكنها ظلت تعيش مع تجربته السياسية , ولم تنتقل لتكون فلسفة منهجية في دراسة علم الإجتماع السياسي لدى المسلمين . إذ أن ظهور فلسفة ابن خلدون جاءت متأخرة عن حركة الترجمة والتبادل بين الفكرين الشرقي والغربي . ولهذا فليس بالميسور اعتبار ما أنجزه ابن خلدون تجاه الظاهرة هو تمام الفكر الإسلامي . لأنه كما تعلم وقعوا في بعض الشبهات في دراسة للتأريخ . فقد حفلت بنوع من المقارنات الإيجابية والسلبية على الحركة التأريخية في الدول والحضارات . وإن كان اهتمامه منصباً على الحركة الأجتماعية المقارنة بين هذه الدول . ولهذا الأهتمام برزت عنده فكرة البقاء والزوال عند الحضارات . ولعله أعزاها بالمجموع إلى مبدأ العصبية الذي التزم به . ولذلك فلا تزال سورة العصبية محفوظة بين الأجيال فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب والناس لهم مغلوبون . وحينما يكون الناس قد اتجهوا إلى لذئذ الدنيا وترف الملك عند ذلك تنكسر عندهم ثورة العصبية بعض الشئ . وتؤسس فيهم المهانة والخضوع . وأما إذا اتجه الناس بحيث صاروا عيالاً على الدولة عند ذلك يفقدون حلاوة العز والعصبية . وعلى هذا الإعتبار يكون الزوال والبقاء للأمم والحضارات .ومن هذا الأتجاه فالمعيار الذي يجب أن تلتزم به الأمم عن\ه لبقاء الدولة هو العصبية وهي المقولة الجتماعية الرئيسية التي يستخدمها ابن خلدون في دراسته للدولة . وهي صلة رحم طبيعية تنشأ بين أفراد الجيل الواحد عن طريق النسب للتناصر والأتحاد والألتحام . وتمام الغاية فيها الحكم بالقهر والغلبة ولذلك فهو يرى الدول على نوعين : خلافة وملك : ويرى في الأولى السيادة للشرع مع عدم التخلي عن العصبية . وفي الثانية السيادة للعصبية مع الحفاظ على الشرع . ويبرر هذا التصنيف إلى الحد من التقاتل لأنه يراه في الأولى وازعاً ذاتياً اقناعياً . اما في الثانية فيظل خارجاً قهرياً كان هو يفضل الأتجاه الأول ؛ لأن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس . لأن الوازع فيها أجنبي . وأما الشرعية فغير مفسدة لأن الوازع فيها ذاتي . ولقد تجد آراء في هذا المجال باحثة عن الحركة والإستنباط الدال على تغير مفاهيم الخلافة وصيرورتها بمفاهيم ملكّية . ولهذا يعتبر؛ أن الأمر كان في أوله خلافة ووازع كل واحد فيها من نفسه وهو الدين . وكانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وغن افضت إلى هلاكهم وحدهم دون المافة , لكن هذا النقلاب ظل أول الأمر نعاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق , ولم يظهر التغير إلا في الوازع الذي كان ديناً . ثم انقلب عصبية وسيفاً . ثم ذهبت الخلافة ولم يبق إلا اسمها وصار الأمر ملكاً بحتاً . وهذا التعبير لديه يمكن نقله إلى الدولة الموية ما تلتها من احكام تنطبق عليها مفاهيم الإعتبار المقارن لدى أبن خلدون لأن المبدأ التام , هو الوازع الذي من أجله تمت تلك النقلابات . والذي عليه اعتقاد الجمهور أن ذلك يشمل الدين والقومية والمبادئ الإيديولوجية والتربوية والمدنية ؛ التي لها مسيس صلة بهذا الأتجاه . ولذلك فترى أن الملك إنما هو العصبية ولهذا أشار بقوله ؛ أن صاحب الدولة إنما يتم أمره كما قلنا بقومه فهم عصابته وظهراؤه على شأنه . وبهم يقارع الخوارج على دولته . ومنهم من يقلد أعمال مملطته ووزراء دولته وجباية أمواله . لأنهم اعوانه على الغلب وشركاؤه في الأمر . ومساهموه في سائر مهماته , وهذا ما دام الطور الأول للدولة ( الذي هو حلة البداوة وخشونة العيش ) فإذا جاء الطور الثاني وظهر الأستبداد عنهم والنفراد بالمجد وافعهم عنه بالراح . وصاروا في حقيقة من بعض أعدائه . واحتاج في مدافعهم عن المر بهم وصدهم عن المشاركة إلى أولياء آخرين . من غير جلدتهم , يستظهر بهم عليهم ويتولاهم دونهم فيكونون أقرب إليه من سائرهم , وأخص به قرباً واصطناعاً وأولى غيثاراً ةحاهاً ولعل الأعتقاد الأكثر تبياناً لمنهج أبن خلدون هو الخلط اللامنطقي في الجمع بين الخلافة والعصبية . لن ذلك على العتبار الشرعي يولد قولاً بوجوب الظاهرة العصبية في الدولة . بينما يجب التاكيد على ان الشرع إنما يسّن النظام للكافة على مختلف الأتجاهات والطبقات . مع توفيق تام لأنه ينظر بحسب الدرجة التامة لهم ولا يقضي إلى تغليب أو تقريب دون وجه حق . بل إلى ضابط يحدده الشرع هو الأكمل في مبادئه . وهذه لا تجب تقريب الأقرب دون اكتمال . وتحقيق هذه الضوابط في شخصه وذاته . مما يرجع بالتالي غلى مصلحة الشريعة وخير المجتمع . وهذا لا تولده نظرية الأحتمال الذي فيه قياسي رمزي غير دقيق . ولأن اتجاه الشريعة بحسب لسان الخطاب وعلى طول ذلك الخطاب . فهو أتجاه تحو بناء المجتمع ضمن ضوابط ترتبط بالحاجات النفسية . والنزعة لتطبيق تمام موارد الشرع . وأكمل هذه في المفاضلة مبدأ التقوى . كشرط اجتماعي فوق الأعتبارات الأجتماعية الأخرى . وهو يجري مع الفرد ونزعته الذاتية وعلى مستوى الرئيس أو المرؤوس وبالأتجاهات كافة . وبذلك تبطل مقولة العصبية كمبدأ من التكوين في الشرع . لكنه يصح في الضوابط التي لا تحكمها مبادئ الشريعة الحقة . لأن الشريعة إنما تدفع لإقامتها على مبادئ هي فوق الأعتبارات الأصطناعية . العقلي الذي يحكم المبادئ لا يحكم الغايات الشخصية والرجال . ومع كل هذه الأعتبارات فالنظرية السياسية لدى ابن خلدون منوطة باهتمام خاص . وتوجه يحتاج إلى تحقيق ومناقشة أكثر إيجابية ووضوحاً وذلك متروك لعلماء القانون والسياسة المسلمين . فهم بدورهم يستطيعون التركيو على الأهمية القصوى فيما تعنيه كلمات ابن خلدون اللازم له إفراد رسالة خاصة في هذا المقام !!!