مبدأ الخير العام لدى آرسطو

ثم يسترسل في تعدد الأسباب والعوامل . فيشير إلى ؛ وخلا الفوارق المبنية على الغنى . هناك الفارق المبني على المحتد أو على الفضيلة , أو على شئ أخر من هذا النوع إذا وجد

, فمن الظاهر إذن أن الضرورة تقضي بقيام سياسات متعددة تختلف الواحدة عن الأخرى أختلافاً نوعياً . لأن تلك العناصر التي تتألف منها الدولة تختلف فيما بينها أختلافاً نوعياً . إذ أن السياسة نظام لسلطات الدولة , والجميع يعتمدون في إنشاء ذلك النظام إما على أقتدار المشتركين في السلطات . وإما على مساواة ما تشملهم جميعاً . وعنيت بهذه المساواة التي تعم المعسرين مثلاً أو الموسرين . أو التي تعمهم جميعاً . فضروري إذن أن تتعدد السياسات بتعدد النظم القائمة على تفوق بعض عناصر الدولة أو على تفاوت تلك العناصر , إن آراء أرسطو حول موضوع المعسرين والموسرين فيما يخص نظام الدولة والحركة السياسية قائم على دراسة الحقائق التي تشارك في صنع القرار السياسي . ولأن دعوته متعلقة بالدفع الكلي للمشاركة في أمور الدولة لا يستثني من هذا الحال حالات التناقض والتداخل العضوي التي تسبب الأختلاف في الدولة . وعادة لا يعزيه إلى الحركة الذاتية بل إلى التقسيم الأجتماعي . ولهذا مال بدراسته العلمية المقارنة ليوضح جدلية التلازم في واقعي علم الحياة وعلم السياسة . حينما سلط الضوء على الأختلاف الطبيعي بين انواع الحيوانات وأنواع الدول , ولذلك فهو يجد صورة من تلازم وظيفي تكويني لا يمكن التخلي عنه او الانطلاق بدونه . ولهذا فهو يرى أن ؛ مما نسلم به إذن أن الدولة تضم عناصر عدة لا عنصر واحداً . فكما أننا إن رُمّنا أن نحصي أنواع الحيوانات نبدأ أولاً بتحديد ما ينطوي عليه ضرورة كل حيوان كبعض الحواس ومن ثم عندما تحصى كل تراكيب الأعضاء الممكنة تكون تلك التراكيب الممكنة أنواع الحيوان وتتعدد أنواع الحيوان بتعدد تالف الأعضاء الضرورية فعلى هذا النحو عينه أن رُمّنا أن نحصي أنواع السياسات الكبرى التي ذكرناها نبدأ بإحصاء عناصر الدولة لأن الدول لاتتألف من قسم واحد بل من أقسام كثيرة كما قيل مراراً . وهي على ثلاثة أقسام : منها قائم على أعداد القوت والأخر خاص بالعمال والثالث أهل الأسواق ولو أردنا أن نناقش تلك الأراء عند أرسطو ومقارنتها لتبين لدينا أنها آراء العدد والطبقة والخير العام , ورأي العدد معروف في التصنيف اليوناني الشائع للدول إلى موناركيه يحكمها الفرد . وارستقراطية تحكمها أقلية وديمقراطية تحكمها الأكثرية , ولكن هذا التقسيم لا يكون ملبي الحاجة الأجتماعية إذا لم يَسًدْ فيه الخير العام الموازي في نظره إلى الإتجاهات والمصالح المتعددة , ولعل التعبير اليوناني ميال إلى نحو ما في تمثيل سيادة الخير العام في دول ترتقي إلى مستوى البوليتي التي تحكمها الطبقة المتوسطة , وحاكمية البوليتي تضفي على الأجتماع نوعاً من التوازن والأعتدال في أنحاء السياسة والإقتصاد والتنظيم الطبقي الأجتماعي . وهذا النوع من الأتجاه لا يتمكن حصوله وتوفره في دول الموسرين أو المعسرين لما في الأثنين من نزعة راديكالية خاصة . وهذا التصور الأرسطي يكاد يكون فريداً في نظرته إلى الواقع السياسي . لأنه يضفي على المجموع نظام ضبط تقبله الأكثرية وعلى المستويين مما يشجع الجميع في الأندفاع نحو تحقيق المصالح المتقابلة والمشتركة . وهذا الرأي من أرسطو يعتبر سابقة عهد له في حياة المجتمع اليوناني آنذاك . ولو طبقنا هذه النظرية المقارنة على أوجه الحياة السياسية في أكثر البلدان نراها على أقل تقدير بحاجة إلى مفاهيم توحي للوهلة الأولى عن خير عميم له مساس مشترك في حياة الفعل والأنفعال في المجتمعات الأنسانية المختلفة , ولهذا فالخير العام لهو مدلول آني قريب ومدلول عميق بعيد ومع الأحتمالات الذهنية فتصديق المقولات الدالة على لون جديد في التعامل السياسي في الدول حاجة يجب تقديرها . وأعتبرها خطوة تسجل لذوي العقول الكبيرة . الذي لا يشك أن أرسطو واحداً منهم . على تقدير تقريراته الفلسفية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية . التي تهدف إلى بناء حركة وواقع أجتماعي سياسي يمارس الأيجابية في كل زواياه التعاملية ولهذا فيظل التصور الأرسطي أكثر الأشياء في وقته يرتبط بالحقيقة الموضوعية . التي توفق بين حالتي الوجود . وهي ليست نظاماً مثالياً بحيث تكون فصائله العلمية في حدود الموازنة والأعتدال . غير متوازية بذات الخط الذي هو أستقرائي بالدرجة الأولى تجريبي بالدرجة الثانية , وهذا الأستغراق الفكري المثير الذي رتبه أرسطو . إنما تعضده حرية التعبير والقدرة على التحرر العقلاني . ومع أن الأعتقاد الذي تولده التجربة حول عهد أرسطو تثيرعدة شبهات وحقائق في كون الحرية والقدرة , لم تكونا على ما يرام بلحاظ الفلسفة العلمية لنشوء الظاهرة السياسية ونظريتها عند أرسطو . من خلال مبدأ الخير العام الذي اعتقد به كفرد لتحصيل المنفعة البشرية في شؤون الدولة والنظام المختلفة , ولكن هذه النظرية ما كادت لتدوم في الوسط الأغريقي بعد ان أنتج الفكر السياسي نظرية فلسفية رواقية جديدة تنظر إلى العالم كله كمدينة واحدة وتنادي بالقانون الطبيعي . وتبشر بالمواطن العالمي وتبوئ العقل منزلة رئيسية كصانع للقوانين ومنظم للدولة , ويغلب على هذه الفلسفة الطابع العملي .ولعلك تلاحظ هذا المنهج واضح عند شيشرون الذي يعتبر الإنسان متعلقاً حقاً بالفضيلة كفن من الفنون وأنبل مجال لممارسة الفضيلة هو المجال السياسي . بحيث تطبق في حكم الدولة , ويذهب به التصور إلى اعتبار المواطن الذي يلزم جميع الناس باحترام الحدود التي تفرضها القوانين وبالأذعان لشرائع الحكام ارفع شأناً من الأساتذة الذين يعملون هذه المبادئ . والحق أن نظرية أرسطو يمكن دحضها من وجه , وهو انه تصرف حقيقة الموجودات عن مفهومنا لها والحال ان الحقيقة هي تطابق المفهوم والوجود ولهذا ظهرت للعيان مناهج تجريبية للعلوم الطبيعية والإجتماعية . ومنطلق هذه المناهج للمفهوم الجديد للإنسان كملاحظ ومجرب الذي أحله بيكون محل مفهوم أرسطو المتأمل . ولهذا فهو يعتبر الإنسان خادم للطبيعة ومفسر لها . ولذلك يستطيع أن يفهم ويعمل بقدر ما يلاحظ في الواقع . والفكر مجرى الطبيعة ولا يستطيع أن يعرف ولا ان يفعل شيئاً وراء ذلك , ولهذا فقد شن حملة واسعة على المنطق القياسي . وأعتبر ؛ ان القياس يتألف من قضايا . والقضايا تتألف من كلمات والكلمات هي رموز للمبادئ . فإذا كانت المبادئ مضطربة ومجردة من الوقائع بعجلة فلا أساس للبناء الذي يقوم عليها , وهذه الطريقة المنهجية ليست رداً على أفكار أرسطو . لأنه لم يدعو للأعتراف بالمسلمات دون حقائق حقائق علمية عقلية . ولأن الأستقراء الحقيقي عنده لم يكن القياس الجامد . بحيث تصدق عليه اعتراضات بيكون . وهذا المنهج قد تابعه ديكارت . ولكنه أستفاد من المنهج الرياضي القائل . بأن النزعة العقلية الذاتية كافية في إثبات البرهان . وأقامت الدليل دون الأعتماد على حجج وبراهين من الغير . والذي يقصده هو الجدل القياسي المنطقي . ولكن ديكارت وأشبهه وقعوا في خلط عقيم . لأن منهجهم في معرفة الحقيقة غير واضح . لأن الجدليين لا يستطيعون تكوين قياس صحيح يؤدي إلى نتيجة صادقة ما لم يكونوا على علم سابق بمادته . أي بنفس الحقيقة التي يستدلون عليها في قياسهم ؛ ومن هذا نخلص إلى أنهم لا يتعلمون شيئاً جديداً من تلك الصورة وحدها . وأن الجدل المعتاد لا فائدة منه أصلاً لمن أراد البحث عن الحقيقة !!!