فلسفة النفس والموجود الاول :

يظهر أن البحث حول فلسفة النفس يتخطى إلى دراسة الوجود والحق والموجود ؛ الذي هو عين الحق من ناحية القوة والفعل والادراك أزاء ما يمكن فهمه من المبادئ الطبيعية العامة . ولكي نسهل الموضوع يقتضي ان نعطي ايضاحاً عن مفهوم النفس . ولهذا يجب أن نضع حديث سيد الموحدين امام المتقين أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد في هذا المجال حينما سأله قائلاً : يا أمير المؤمنين أريد أن تعرفني نفسي ، فقال : يا كميل وأي الانفس تريد ان أعرفك ؟ قلت : يا مولاي وهل هي إلا نفس واحدة ؟ قال (ع) : يا كميل إنما هي أربعة ؛ النامية النباتية ، والحسية الحيوانية ، والناظقة القدسية ، والكلية الالهية ، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان :

فالنامية لها خمس قوى : ماسكة ، وجاذبية ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربية . ولها خاصيتان : الزيادة والنقصان ، وانبعاثها من الكبد ؛ والحسية الحيوانية لها خمس قوى ؛ سمع ، وبصر ، وشم ، وذوق ، ولمس * ولها خاصيتان : الرضاء والغضب ، وانبعاثها من القلب ، والناطقة القدسية لها خمس قوى : فكر وذكر ، وعلم ، وحلم ونباهة ، وليس لها انبعاث وهي أشبه الاشياء بالنفوس الملكية ، والكلية الالهية لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء وعز في ذل ، وفقر في عنى ، وصبر في بلاء ، ولها خاصيتان : الرضا والتسليم ن وهذه التي مبدؤها من الله وإليه تعود ، قال الله تعالى : [ ونفخت فيه من روحي ] ،

وقال الله تعالى : [ يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية ] والعقل وسط الكل .ولكي نمهد للموضوع نقول : إذا حدث الانسان فأول ما يحدث فيه القوة التي يتغذى بها وهي القوة المغذية ثم بعد ذلك القوة التي بها يحس الملموس مثل الحرارة والبرودة ، وسائر القوى التي بها يحس المطعوم ، والتي بها يحس الروائح ، والتي يحس بها الاصوات ، والتي بها يحس الألوان والمبصرات كلها . مثل الشعاعات . ويحدث مع الحواس بها نزوع إلى ما يحسه فيشتاقه أو يكرهه . ثم يحدث فيه بعد ذلك قوة اخرى يحفظ بها ما ارتسم في نفسه من المحسوسات بعد غيبتها عن مشاهدة الحواس لها ن وهذه هي القوة المتخيلة . فهذه تركب المحسوسات بعضها إلى بعض ، وتفصل بعضها عن بعض ، تركيبات وتفصيلات بعضها كاذبة وبعضها صادقة ، ويقترن بها نزوع نحو ما يتخيله ثم من بعد ذلك يحدث فيه القوة الناطقة ؛ التي بها يمكن ان يعقل المعقولات . وبها يميز بين الجميل والقبيح . وبها يجوز الصناعات والعلوم ويقترن بها ايضاً مزوع نحو ما يعقله ، فالقوة المغذية منها قوة واحدة رئيسة ومنها قوى هي رواضع لها وخدم ، فالقوة المعذية الرئيسة هي من سائر اعضاء البدن في الفم والرواضع والخدم ، متفرقة في سائر الاعضاء . وكل قوة من الرواضع والخدم فهي في عضو ما من سائر اعضاء البدن ز والرئيسة منها هي بالطبع مدبرة لسائر القوى . وسائر القوى يتشبه بها ويحتذى بافعالها . حذو ما هو بالطبع غرض رئيسها الذي في القلب . وذلك مثل الكبد والمعدة ، والاعضاء الخادة هذه . والاعضاء التي تخدم هذه الخادمة والتي تخدم هذه ايضاً . فإن الكبد عضو يرؤس ويرأس فإنه يرأس بالقلب ويرؤس المرارة والكليسة وأشباههما من الاعضاء . وعلى هذا توجد سائر الاعضاء ، والقوة الحاسة

( يميز أرسطو بين المحسوس الخاص لكل جنس مثل اللمس والمحسوس المشترك لعدة حواس مثل الحركة ) فيها رئيس وفيها رواضع ، ورواضعها هي هذه الحواس الخمس المشهورة عند الجميع . المتفرقة في العينين وفي الاذنين وفي سائرها ، وكل واحد من هذه الخمس يدرك حساً ما يخصه ، والرئيسة منها هي التي اجتمع فيها جميع ما تدركه الخمس بأسرها ، وكان هذه الخمس هي منذرات تلك . وكأن هؤلاء اصحاب أخبار كل واحد منهم موكل بجنس من الاخبار ، وباخبار ناحية من نواحي الوجود ، وارشيسة كأنها هي صاحب السلطة الفوقية ، الذي عندها تجتمع اخبار نواحي الوجود من اصحاب اخبارها ، والفوقية هنا هي في القلب . ةالقوة المتخيلة ليس لها رواضع متفرقة في اعضاء أخرى . بل هي واحدة وهي  حاكمة على المحسوسات ومتحمة عليها ، وذلك أنها ةتفرد بعضها عن بعض ، وتركب بعضها إلى بعض تركيبات مختلفة يتفق في بعضها ان تكون موافقة لما حس ، وفي بعضها ان تكون مخالفة للمحسوس . وأما القوة الناطقة فليس لها ايضاً رواضع من نوعها في سائر الاعضاء . بل رئاستها على سائر القوى المتخيلة والرئيسة من كل جنس فيه رئيس ومرؤوس . فهي رئيسة القوة المتخيلة والقوة الحاسة والقوة المعذية ، والقوة النزوعية وهي التي تشتاق إلى الشئ وتكرهه ، وهذه القوة هي التي بها تكون الارادة . فإن الارادة هي مزوع إلى ما أدرك وعن ما ادرك أما بالحس واما بالتخيل وأما بالقوة الناطقة وحكم فيه انه ينبغي ان يؤخذ أو يترك ، والنزوع قد يكون إلى علم شئ ما وقد يكون إلى عمل شئ ما . أما بالبدن بأسره وأما بعضو ما منه ، والنزوع إنما يكون بالقوة  النزوعية التامة ، والاعمال بالبدن تكون بقوى تهدف لمصلحة القوة النزوعية ، وتلك القوى متفرقة اعدت لان يكون بها تلك الافعال ، والتي تكون بها الافعال تعتبر نزوعية باتجاه الجنس العام والتي يمكن ان تتحرك بالارادة ، وعلم الشئ قد يكون بالقوة الناطقة وقد يكون بالمتخيلة وقد يكون بالمتخيلة وقد يكون بالاحساس فإذا كان النزوع إلى علم شئ شأنه أن يدرك بالقوة الناطقة . فإن الفعل الذي ينال به ما تشوق من ذلك يكون بقوة ما اخرى في الناطقة ، وهي القوة الفكرية ، وهي التي تكون بها الفكرة والحدس والتأمل والاستنباط ، وإذا كان النزوع إلى علم شئ ما يدرك باحساس كان الذي ينال به فعلاً مركباً من فعلين : بدني ونفسي . في مثل الأمر الذي مشتاق إلى رؤيته ، فالاحساس نفس ذلك الامر فعل نفسي كما في سائر الحواس . فلذا تشوق إليه يعني تخيله . أي تخيل شئ ما نيل ذلك من وجوه احدها يفعل بالقوة المتخيلة ، مثل تخيل الشئ الذي يرجي ويتوقع أو تخيل شئ مضى أو تمنى شئ ما تركبه القوة المتخيلة .