مبدأ الغاية

تعتبر قضية النبوة حاسمة إلى حد الامكان في أصلها وعللها وغاياتها . ولعل أكثر الأمور أستجابة لمنطق الوجود هو الغاية الفاعلة ، والغاية القابلة والغاية التامة ، فاشتراط أياً منها مربوط بوجود علة من شننها لا تنفك وتكون حاكمة أحياناً في الوجود المؤدي لها ؛ كالاعتبارات الجسمية والقوى الغضية وانفعالات النفس وتجرداتها ، وكل هذه في الفعل معلول من القوة التي هي وجود لا ينفك عنها بطبعه ، من هنا كانت القضية العقلية ومجالها مترتبة على حسب القدرة والأتصال بالوجودين ، مع انها ممكنة بذاتها للفعلين ؛ أي هي ممكنة بوجود سببها وسبب الوجود ، ولا انفصال بينهما ؛ إذ الانفصال معناه التجاوز على قوانين العقل . من هنا كانت النبوة ذات غاية في وجودها وشأنيتها وهو المبدأ الأعلى في كمال البشرية ، إلا وهو الهداية باتجاه الله او العالم العلوي ، وقطعاً ليست هي أمر أرتكازي على مبدأ القوة وحده ، لأن ذلك منه يحصل بفعل وجوده ولكن المر يتعلق بالناحية العملية ، وهذه لا تتم إلا بكون العقل النظري قد أمن بالحد الأوسط ، ونظرية القياس المنطقي للحدود والبراهين ، لكنها تؤخذ من التعاريف والتعاريف ليست خيالية ترتسم في ذهنه بمجرد تصورها ، بل هي وجودات عينية مخلوقة لا ندركها نحن ، كون ذهننا في غايته القصوى محدوده تجاه تلك الوجودات الخارقة . فالعقل عنده إنما يتصور المبدأ والغاية ، فيتصور الوجود بحدوده وابعاده . ولهذا فيكون التصديق به من باب كون برهاناً لوجود القوة كالتصور المتعلق بالملائكة ، فهم بعين الوجود مخلوقات ثابتة ، ذات هيئات أزلية خاصة متجلية بعين الوجود لذهن النبي ، لكنها ممتنعة على وجه المشاهدة للاشخاص العاديين ، كون تعلق غاية الوجود النبوي بهم ، أما لأنه يتسلم الوحي منهم او كون تلك المخلوقات علل لانكاشاف نور النبوة منه له ، وهي ممكنة في الحالين تامة اليقين عقلاً وهدفاً ، ما دام الكل يتعلق بالمطلب الطبيعي هو العبادة على العالمين .

ولا يتم التصديق دون الوجود ، وقطعاً الوجود الطبيعي لا الخيالي أو الامكاني ثبوتاً في حالة النبوم ، فهو بالأثبات يؤدي إلى كون الوجوةد حاصلاً ولكنه تعلق بالوجود ، الذي يكون جنساً لا نوعاً ، إذ أنه يظهر كون النوع ترجيح لافراد مختلفي امكان الثبوت والعدم فيهما امكان حقيقي ن لكنه قبال الجنس امكان عمومي ن وذاتاً هو يفترق اما لمزية الغاية من نبوته ، او أن مطلق روحه خاصة لأنها تشتمل على معنويات وكمالات مختلفة على حد الوجود والذهن ، فما كان ممكناً به كانت علته ممكنة واصبحت غايته متعلقة بأصل الامكان ن إن لم تكن هي علة فيه ن وقطعاص الغاية لا تكون هنا سلبية لن موضوعها مطلق الوجودب . ومع احتمال السلبية فيه فيلزمه تعلق الحكم به على كونه حيثية سلبية ، وهذه ممتنعة في مبدئنا ممكنة في غيره لأنها هنا بمثابة الملكة الحاضرة المتعلقة ربالوجود النبوي العيني ، ومع وجودها السلبي يقتضي الممانعة والمنافات وكان على ذلك إنها غير وجودية في الأصل عندنا ، اما ما نسب إلى أبن العربي فيمكن تأويله بحسب موضع الوجود لا موضع اللفظ ، فالمعنى فيهما مختلف وقد يراد ما ذهبنا إليه كون العقل والوجدان هما طرف الأصل في الغاية ، وهو السعادة الأتم والخير الأتم والفضل الأتم .. الخ . وهذه لا توجد بمفردها دون كمال مطلق ؛ يجعل الغاية تامة في الموجودات  المخلوقة ونسبة الكل إلى العقل الأول هو كونه يعقل ذاته ، لذلك يوجب كيفية أيجابية كون الخير كله فيه ، فيتبع صورته الموجودية المعقولة لنظام الكل وعليه فهو إذ تكون منه الغاية لا يجاد النبوة ، لأنه مريد لها والإرادة التي تخصه ليست كإرادتنا بالوجود لا قوة عندنا غير قوة التصور ، لكونها تامة . بالقوة وتارة بالفعل ومنشأ الغاية إنما هو مبدأ للكل فلا يجوز أن يكون غير هذه الجهة ، فإنه إ كان يعقل الكل ولا يعقل أنها منه ومنسوبة إليه ، فيعقل الكل من الكل لا من ذته ، وقد منعنا هذه عنه ، فعقله للكل على الجهة التي تخصه هي إرادة . وبالطبع لا تكون ذاته حاملة لارادة أو قدرة غير الماهية أو قوى مختلفة في الماهية ؛ هي غير الماهية المعقولة التي هي ذاته ، والغاية يجب أن تكون من علمه وإرادته لا مغايرة فيهما لمفهوم علمه وإرادته ، لأنه بالعلم والارادة عنده واحده أقتضى كون الغاية منه للنبوة واحدة ، ( إلا ليعبدون ) وهذه تناسب نفس طبيعته الكلية ، باعتبارها مأخوذه من مبدأ ذاته لا متوقفة على شئ آخر .

فالنبوة المعقولة التي تحدث ضمن أسرار الوجود تكون سبباً لوجوده ودليلاً على طبيعته ، لأنها لا تصدر إلا بفعل منه هي تمام قدرته ، كما أن تجلي الانبعاث الكلي مطلق الوجود ، كذلك مبدا الإرادة فيها هو انبعاث القوى الشوقية فيه ، لكي تعلق أمر وحكم في وجود الممكن الذي هو حقيقة من معلولاته ولولاه لما كانت الوجودات ممكنة لا طبيعة ولا عقلاً لا متناع قانون العقل الحكم فيها نظرياً أو بالتجريد ، لكنها تجريداً تحتج إلى علة تكوينية أخرى مستقيمة من طبيعتها ، وهذا ممتنع بوجوده الطبيعي ، لكنه تخيلاً ممكن . والآصل فيه الطبيعة لا الخيال ، ولكنها تيقى أي الغاية أيضاً معلول لكونها ممكنة وذات على معينة ، تخلف بها حال الوجود المعلولي الآخر لوجودات مختلفة ، وهذا التبرير محله العقل وقضيته الطبيعة وهي متميزة للحال وحدها ، إذ كونها معلول أقتضى كون علتها غائية أيضاً ، لتناسب الوجود الحالي وإتصافه بصفة الكل المخلوق ، مما تكون عنده واحدة بحسب المفهوم ، إذ أنه لا يمكن تصور الكل الكامل إلا بواسطة أجزائه ، هذا على مستوى الضرورة المخلوقة . ولو سلمنا بها لكانت الحسابات الرياضية هي أصل منطقنا ، وذلك مع ماله لا يوافق مبدأ الغاية الكلية التي لا تنظر إلى الاجزاء مفردة لتصيغ منها قادة باتجاه موجد الغاية ، إذ أمكانه كما هو جزئي كذلك هذا من سبق الضرورة فيهما مما يقتضي المحدودية وفي البرهان يثبت محالية الاطلاق بل الذي فيه القضايا كلية مع أحكامها الكلية تظهر أنها تتعلق بالوجود الكلي وغايته القصوى ، التي تنتهي إلى السعادة القصوى للبشرية ، فيتم كون النبوة غاية في ذاتها ، وغاية الله لكنها للطرف الالهي وسيلة لتبليغ الاحكام والاوامر الالهية ، في حين ذاتها يتعلق بالمعرفة اليقينية البعيدة عن المعارف المصطنعة ، والمتعارف عليها فهي ليست كمية ولا تشديدية ولا أيضاً تحليلية وتجريبية بل هي كما وصفها النبي (ص) يقينية إلى حد لو كشف له الغطاء ما أزداد يقيناً .