نظريات العوامل المؤثرة في الوحدة

 

1 – العوامل الجغرافية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأثرها في تشكيل مجتمع يحمل صفات موّحدة ، وله رؤية موحّدة تجاه مجمل الظروف والقضايا التي تحيط به ، ورؤية محددة للعلاقات مع الطبيعة وطريقة التعامل معها ،

( ولهذا قسمت الأمم بحسب هذا العامل إلى مجتمعات جبلية وسهلية  بدوية وحضرية .. ) وقد مال ابن خلدون إلى هذا التقسم في مبدئه ( العصبية) .

2 – العوامل البيالوجية :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد أدعت الفلسفة البرجوازية والأحزاب النازية عمق هذا العامل في قضية الوحدة ، فالشعوب التي تنتمي بايولوجياً إلى عناصر عضوية واحدة ، لها طبيعة في التوحيد أكثر من غيرها ، ومنه نشأت فكرة التقسيم المزعوم إلى شعوب آريّة وشعوب سامية تحمل كل منها جينات بيالوجية خاصة ،

3 – العامل الأنتربولوجي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا العامل جعل من المهتمين بالتاريخ والأجناس والسلالات البشرية ، وبدراسة الطبيعة ودراسة شكل وطبيعة الأنتاج والتأسيس المجتمعي يقولون : بأن هؤلاء ينتمون إلى وحدة بشرية معينة ، شكلت مجموعة علاقات خاصة قامت عليها مجتمعاتها ، وعلاقاتها بالأشياء الأخرى المحيطة بها ، ولعل دارون يميل إلى هذا التقسيم .

4 – وآخرون قالوا بالعامل الطبقي . ودور وسائل الأنتاج ومعاداة البرجوازية إلى مظاهر الأشتراك في اللغة والجنس والأرض .

وقد جاءت تفسيرات مختلفة في الفترة المتأخرة لظاهرة الوحدة ، تميل جميعها إلى طبيعة المصلحة وطبيعة النظم السياسية الحاكمة . ولهذا أنشأت جمعيات ودور ثقافية ومنتديات وصحف خاصة في هذا المجال . وعلى أي اعتبار ، فالنظريات العامة قائمة أساساً على مفهوم المصلحة المشتركة ، ولعل فريقاً من المؤلفين والباحثين آمن بالظاهرةعلى أنها فعل مشترك لدوافع تاريخية ذات مصالح فلسفية معينة ، كالإيمان بالجبر او الإيمان بمبدأ العلّية . فصار للوحدة بهذا الأعتبار نظريات متعددة ، تختلف وتتفق حسب طبيعة المرحلة والمكان والزمان وحاجات المجتمع ، والأختلاف والأتفاق اعتبره ــ أرسطو ــ يعود إلى عوامل بيئوية طبيعية ، وهذا منه يعود للأصل اللاتيني القائل ؛ بالعلاقة المشتركة بين التربة وولاء الجماعة ــ وهذا ما جعل بوسويه ــ يعتبر الأرض أماً ، ولم يبق الأمر منحصراً هنا بل تعداه إلى طبيعة الصياغات القانونية والمجتمعية المنبثقة من ذلك والمتأثرة بعوامل بيئوية وطبيعية ( فمونتسكيو ) يجعل الطبيعة البيئوية ذات أثر مباشر في تكوين روح الشرائع ، وبى الفيلسوف الأبداعي ــ هردر ــ بأن البيئة الطبيعية مسؤولة بصورة رئيسية عن نشوء الوحدة ، وتفرعاتها من شجرة الوجود الكبير .

وأما المسلمون فنظرتهم للوحدة نظرة تتعلق بالأحساس بالجانب الروحي والعقلي لتعاليم السماء ، فالنظم الإجتماعية والقانونية والسياسية والولاء للوطن وللتربة وللبيئة وللجماعة مفاهيم تحددها ضوابط شرعية والهية  ، وهذا التصور يجمع بين الإيمان بقوى الطبيعة المادية والقوى الروحية في الحياة والكون .

وهذا كله لايشذ عن النظرة التي توحي للإيمان المشترك بالضرورات الدينية والأعتقاد بالأصول الطبيعية ، وهذه بمجملها كفيلة بالقضاء على كل الدوافع ، والترسبات التي تخلقها طبيعة الأحزاب الضيقة ، ومناهج التعليم المدرسي ، والزعامات المرجعية المحلية التي تنتج ظاهرة الأنعزال وسياسية الأعتزاز بالذات . مع ان الإسلام يسعى للوصول بالفرد إلى مستوى الكمال ،

ولا ياتي ذلك من خلال سيطرة النزعات المرجعية والحزبية المحلية . فالمرجعيات الدينية المزيفة والأحزاب السياسية الضيقة الأفق لاتساعد على النمو والتطور والتقدم المجتمعي ، مع أننا نجزم واثقين بأن الإسلام المحمدي الوحدوي أستطاع ويستطيع التأثير على التطور الأجتماعي ، فالشواهد التاريخية أثبتت وبالذات في فترة ما بعد فتح العراق والشام ، انه بالوحدة تم هذا الفتح وهذا الأنتصار على دولتين عظيمتين في ذلك الوقت كانتا تغتصبان  الأرض العربية ، وتفرضان على شعوبها معتقدات وسلوكيات مغايرة لطبيعة إنسان المنطقة آنذاك . فكان الفتح نتيجة من نتائج الوحدة الباهرة . والوحدة هي المفتاح السحري التي يتم بها ومن خلالها فتح الأوطان وتحرير الإنسان .

ولكن هل الوحدة الطبيعية متقدمة على الوحدة الإسلامية ؟

والجواب : أننا لانرى فرقاً بين الوحدة الطبيعية والوحدة الإسلامية بلحاظ قوله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) أي يوم تحول البشر إلى كائن عاقل ، وجعله خليفة في الأرض بعد تأهيله وتدريبه للأمانة التي تصدى لحملها ، في هذه اللحظة جعل الله الإسلام الدين الذي أرتضاه لهذه الأرض سلوكاً واعتقاداً ، فهو بقرينة النص المتقدم يمثل فطرة الإنسان وعقله وروحه ، وهنا يجب التنبيه إلى عنوان الإنسان أذ أخذ على نحو العموم والإطلاق ، والإسلام بهذا اللحاظ هو الإنسان المجرد عن التوسعة والتضييق التي مارستها الملل والنحل ، ولكن لو اخذ مفهوم ـ الإسلام ـ بالمعنى المضيق ، أي خصوص الذين آمنو بمحمد بن عبد الله (ص) نبياً ورسولاً . فالوحدة الإسلامية الأسمية هنا تأتي متأخرة رتبة عن الوحدة الطبيعية ، وهذا موافق لما تبديه نظرية المعرفة في علم الإجتماع عند آدم سميث ، وهو قريب من الأفتراض الذي قدمته النظرية الإجتماعية المعاصرة ، التي حددت إن مقدار الشعور بالوجود هو الذي يحدد الإسبقية .. وضمن ما قدمنا تصبح الوحدة بالمفهوم العام طبيعة أسلامية ، وهذا يصدق حتى على المعارف بالكلية سواء أكانت تجريبية تطبيقية أو إنسانية أفتراضية ، وعندها تصح مقولة دعاة ـ أسلمة المعرفة ـ التي يتبناها فريق من العلماء المسلمين الإصلاحين .  

 

***