النظريات الوحدوية

 

لقد طرحت في الفكر الإنساني إنماط من النظريات الوحدوية منها :

 

1 – النظرية العامة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 التي نسمعها عادةً من أفواه المتخصصين وغير المتخصصين ، وهي التي لاتحمل من الموضوعية والواقعية أدنى نصيب ، وعادة ما يجري التنويه بها في المناسبات العامة والأحتفالات والنشاطات البروتوكولية . وهي تفسير بسيط لواقع المجتمع ولحاجاته ، بحيث تصف للفرد المسلم الصيغة الأعم لشعار ( وأعتصموا بحبل الله جميعاً ) بدون أية تحليلات في مجالات الفكر الإجتماعي والسياسي لظروف التعددية الفكرية عند المسلمين .

وإذا أرادت الخوض في مجال الأفكار الدينية فلا تتحدث إلاّ عما هو إجتهادي محض ؛ كالوقوف في الصلاة وهيئته ، وعناصر الصلاة الأخرى من سجود وقنوت ، والخمس ، والمتعة ، وطبيعة الحديث النبوي وأهميته ، وقضية القرآن أي انها تبحث في مجال ليس هو الساحة الخصبة التي يجب الأتكاء عليها في مجال الخبرة الوحدوية . أذ من المسلمات هنا ان تأتي أولاً قضية :

 

أ – الأيمان بالله .

ب – الأيمان باليوم الآخر .

ج – العمل الصالح .

وكل ما سواها فروع مجالها التداولي ما يثبت من الأدلة للمجتهد ، وكما ان عنوان النظرية عام ، فكذلك طبيعة التطبيق عامة أقتضاءً ، وفيها لايُلزم أحدٌ إلاَّ بهذه المقررات التي لاتبحث في الوجود وعدمه ، بل بالفطري وأدواته ، وهذه صالحة في حدود التجربة ، ولكنها تحتاج إلى التعمق بعد النزول إلى الإيمان الذي تتشكل عناصره الأولية مما يلي :

1 – الإيمان بمحمد (ص ) نبياً ورسولاً .

2 – الإيمان بكتابه كوحي أنزله الله على قلبه .

والكتاب هذا مشتمل على نوعين من المعارف هما :

أ- الغيبي الأعتقادي .

ب – السلوكي الرسالي .

وفهم الغيبي والسلوكي ليس مطلقاً ، بضميمة قول الإمام علي (ع) عن القرآن أنه ( حمال اوجه ) ، أي ان مفهوم النسبية هو الأصل في فهمه ، ومن هنا أقتضى عدم التعميم ورفض مقولة مطلق الزمان والمكان التي يتحنط تحتها أصحاب المقولة السلفية الشهيرة : ( إبقاء ما كان على ما كان ) مع أعترافنا بقدرة النسبي على تجاوز الزمان والمكان في حدود الأستئناس والمطابقة ، وهي أشراط طبيعية منتزعة من عقل الواقع . وهذا كله كما ترى في حدود الوحي ، فما بذلك بما يُنسب إلى سيدنا محمد (ص) من أخبار وأحاديث وروايات . فإذا كانت النسبية هي الحاكمة على فهم الوحي ، فمن باب أولى ان تكون النسبية عنصر فعل ونشاط تشكيل ذلك ،

لأن الحديث والخبر المحمدي هو في الواقع مجموعة معانٍ لها أشراط وطبيعة ومقدمات تتدخل عوامل البيئة والثقافة والسياسة والإقتصاد في صنعها وقولبتها ، وهذا منا ناظر إلى مرحلة التدوين التي جاءت لاحقاً . والحوار الوحدوي في هذا يشكل عنصر بناء وتقدم بلحاظ طبيعة الأجتهاد وقواعده ومقدماته ، التي كانت في الماضي عند الأصوليين عبارة عن أربعة هي ، ( الكتاب ، والسنة ، الأجماع ، القياس  أو العقل )

 

لكنها في الحاضر عند جمع من الأصوليين عبارة عن : الكتاب وحده [ مفهوم النص ] وأما السنة فهي للأستئناس والتأييد ، أما الأجماع فهو على الضرورات الدينية فقط ولا حجية فيه ما دام مستنده معلوماً ، وأما العقل فهو الدليل الكاشف عن موافقة مفهوم النص ومخالفته للواقع ، أذ النص ساكن بطبعه والتفعيل مهمته المطابقة تحقيقاً للمقولة الرائجة والصحيحة : ( صلاحيته لكل زمان ومكان ) .

بقي ان نقول : إن النظرية العامة لا تعلن براءتها من الأخطار التي ثبتت مخالفتها للقواعد والأصول ، فلا زالت سلطة التراث تسيِّر الحاضر بدل ان تكون من شواهده ، ولازالت الأخبار والقصص ، التي ثبت انها من بنات عصر الإنحطاط ، تأخذ حيزاً من الأهمية والتقدير ، ولازال العمل جارياً بمقتضى الخبر المكذوب : ( تفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة واحدة في الجنة والبقية في النار )

مع ثبات بطلان هذا الخبر ، كوافد توراتي ألتصق بالفكر الإسلامي عنوةً ، ومع ذلك يعمل به زعماء الطوائف العامة تعتني بالهوامش ، وتعلن البرءة من كل من يحاول تحليلها تحليلاً موضوعياً ، قائماً على قواعد وأصول منطقية وعقلية صحيحة .

 

2 – النظرية الخاصة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه النظرية هي الأكثر تحديداً لملامح وسمات الفكر الوحدوي ، لأنها نظرية الكشف عن العلل والأسباب التي باعدت بين المؤمنين ، وهي تحاول جاهدة تسليط الضوء عليها معتمدة على الصحيح والصريح المقبول منطقياً والمعتمد في قواسم الحوار . وساحة هذه النظرية مجالي العقيدة والشريعة ، أي البحث في مكامن الأختلاف والأفتراق والجمع فيهما ، ومحاولة تهذيب وعلمنة الأوراق المبحوث عنها عقدياً وشرعياً ، والبحث في هذه النظرية يلزمه الحياد والأخلاص والشعور بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية ن والبعد ما امكن عن التطير والحماقة وإسقاطات العرف وما هو سائد سياسياً او أجتماعياً . ولعل هذه النظرية هي التي تبناها الأنبياء والأولياء والمصلحون عبر التاريخ ، وسيأتي الحديث عنها في باب الوحدة الديني والسلوكي .

 

3 – النظرية الثالثة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي نظرية طرحها بعض الساسة وعلماء الأجتماع ، تنحو بالفرد منحى الأفتراض في الصيرورة الألزامية المدعومة من قوى إقتصادية معينة ، كقوى ضاغطة فارضة لمبدأ ( الأمر الواقع ) الذي لايجوز الخروج عنه وعليه . وهذا النوع يجري ممارسته لدى الحكومات الدكتاتورية والحكام الظلمة ، ولدى السلطات المرجعية الدينية الرسمية صاحبة التفويض ، أو تاتي عبر القمع بحجة الأخطار العدوانية الخارجية وحالات التمرد الداخلية مع ضغوطات اعلامية مكثفة .

والإسلام يرفض مفهوم صيرورة الفرد المسلم وحدوياً من خلال الجبر التاريخي والسياسي وغيره ، ولكنه بمفهوم الصيرورة تلك سياسياً ضمن الصيغة الأعم التي تقوم على قواسم مشتركة وكبيرة عند المسلمين ؛ كقضايا المصير والحرية والإستقلال والعدالة .والإسلام في ذلك لايحتاج إلى مبررات عاطفية وتصورات سكيولوجية [ كما تحاول بعض الحكومات التي تدعو للوحدة على أساس عاطفي ] بل إنه يحتم العملية على أساس قوانين الحرية والأختيار لدى الفرد والدى الجماعة على حدٍ سواء .

***