الوحدة وقراءة التراث

 

 

ولايظنن احد بأن ذلك طعنٌ في التراث وإلتزام جادة العصرنة ، بل هو تأصيل للتراث في أحسن حالاته ، وهو الأستئناس وطرد أي تجميع لاينسجم وطبيعة الواقع المتحرك ؛ ومن ثم الحكم عليه ، ولاينبغي كذلك السماح في الحوار بأن تتشكل قناعة تراض ، أو عواطف أهتزازية ذات علاقات مغيئة بالظرف السياسي وطبيعة الحاكم .

 

وإذا اعتبرت هذه المقدمات كقاعدة في التأسيس لحوار بناء ، فقد يبدو الأمل بقيام مجتمع يمتلك الحدّ الأدنى من الشعور الوحدوي قريب المنال . وكما قلنا فإن الحوار من أجل الوحدة لابد أن يركز على فهم موضوعي للحاجات ، التي تعتبر ضرورية في مجال إيصال التوجه الوحدوي إلى غايته قطعاً .

وهذا التركيز يتعلق بالاختراق المنظم والمنسق للأفكار المحافظة المتطرفة وذات الصبغة التقليدية ، مع إن هذا الأختراق ليس مرجواً منه أن يؤدي إلى إلغاء فوري للاعتبارات العرفية ، والتقاليد الإجتماعية التراثية  التي ثبتت مخالفتها لنتائج الحوار العلمي .

 

فاحوار العلمي من اجل الوحدة يجب أن يركز بالضرورة على مفاهيم التطور الإجتماعي ، والحاجة الماسة إلى إجراء تغيير في السلوك والمعتقد . والتغيير يشكل التركيز على عناصر الخلل والسلبية في التعامل ، وإعتبار ذلك جزءاًمن حضارة وتعاليم غريبة لاتستقيم مع أداء المرحلة ومتطلبات الواقع ، وبهذا يتسنى طرح الأفكار الوحدوية عبر الحوار الديمقراطي العلمي بشئ من الموضوعية والعقلانية والأعتدال ، ليتمكن كما قلنا من تلافي أكبر قدر من الإحباط الناتج عن طبيعة التطبيق  الوحدوي او بسبب فعل عناصر عملية ، والتلاقي يتطلب النظر إلى حركية الوحدة وموجهاتها قطرياً وأقليمياً .

 

فالذي لايقبل الجدل ان مرحلة الأنتقال إلى المجتمع الوحودي ذات أبعاد وخصائص تكوينية وتشريعية وسيكيولوجية على غاية من التعقيد والتشابك ، ولكنها في الوقت نفسه تمثيل المراحل الطبيعية أو الأساسية في الأنتقال إلى حدود مجتمع الأرادة والأختيار .

فالمجتمع الوحدوي ، المنبثق من عقل الحوار العلمي ، يجب ان يؤمن بأن مبادئ الحقوق الدستورية والحريات الأساسية والحقوق المدنية تخضع لنوع من التكامل الأجتماعي والسياسي ، يوفق بين مجمل النواحي القانونية والأخلاقية السائدة قبل الأنجاز الوحدوي ، وصيغة ذلك لاتنتزع من الشعارات السياسية التي لاتوازي بين الحاجة والواقع ، والتي تستخدمها بعض القوى صحيحة في نفسها خاطئة في طريقة التطبيق ، تؤدي للوقوع في المحذور كالتقية . وإذا جرى الحوار الوحدوي وهو ملغوم بعناصر التقية المضادة فإن ذلك لايخدم هدف الوحدة بل يساهم في تحطيم قواها ، وبالتالي يتم الألتفات عليها من خلال المبدأ القائل : ( الصحيح ما أنا عليه وأصحابي ) والموظف في غير محله وفي غير مجاله التخصصي التداولي .

 

 

***

 

البنية السياسية للمشروع الوحدوي

 

 

أذن فنظرية الوحدة يجب أن تتسامى إلى الحيز الذي تبناه التنزيل الحكيم في مقولتي ( الأعتصام والتعاون ) في مجاليهما وحدود تفاصيل حركيتهما . فالوحدة كفلسفة دينية ، حاجة إلزامية شعورية تتعدى أطر التنظير البيروقراطي لتواجه الأزمة الفعلية لواقع الأمة الإسلامية وشعوبها المستضعفة ، والإسلام بإعتباره صاحب المشروع يركز في تبنيه للوحده على الجوانب الأكثر الحاحاً وتصدياً للوجود الإسلامي ككل . فهو يعالج قضايا التعددية في إطار رفض السلبية وعدم الأعتراف بالآخرة ، فإذا تمَّ هذا ، تبنى التعددية كمنهج لبيان طريق الوحدة . كذلك يعالج الإسلام حالات التمزق التي تثار من الداخل ومن الخارج ، ويعالج أيضاً حالات التدني والضعف التي نعيشها من التركيز على اهمية فتح مجالات العمل وكسب المعرفة وإمتلاك القوة في حالتي الأعداد والعدد .

من هنا فالمشروع الوحدوي في بنيته السياسية لابد ان يأتي عبر الحاجة لرفع التبكيت والظلم والمعاناة وألوان الأضطهاد المختلفة . وعليه فالمشروع الوحدوي سياسياً يعالج حالات مستعصية تعيشها الأمة من الجهل والفقر والأمية والمرض ، ويحاول جاهداً حلها موضوعياً وواقعياً . ومعلوم يقيناً ان وجود تلك الحالات مكنت قوى الأمبريالية من سحق إرادة الأمة ، والإنتفاع من أمكاناتها وخيراتها وثرواتها الوطنية والقومية ومقومات وجودها الحضاري .

 

ورجال الوحدة مهمتهم التنبيه إلى هذا وذلك ، وتحليل طبيعة التعاقب السياسي الأمبريالي على النهب في صوره  المختلفة :

من همينة الإقتصادية والثقافية والفنية والتربوية ، ووسائل إنتاج حربي وعسكري وتقسيم البلاد المقصود سياسياً في ــ سايكس بيكو ـ  . وهذه هي حال البلاد الإسلامية والعربية

 

إن مسائل الضم والإلحاق والبتر والجز تمثل وجودية موضوعية نعيشها ، ولذا  فإن مهمة الوحدويين التغلب على هذه الصور من خلال تقديم وتحليل يخدم مصلحة المجتمع القطري والإنسان بشكل عام ، ومن ثم توظف عناصر القوة البنيوية بأتجاه البناء والأعمار والتقدم والأستقرار ، ومكافحة الجهل بأنوعه والتخلف والبيروقراطية ، والنزعات المحلية والبيئوية  والطائفية والحزبية الضيقة .

فالفكر الوحدوي يستوعب ضرورة جميع جوانب هذه السياسة ، وقبل كل شئ يستوعب تلك النواحي المرتبطة بنشاطات المجتمع وسلوكه السياسي في ظروف مختلفة . ذلك لأنه يحلل أوجه النشاط الإجتماعي والشعبي من واقع التجربة ، أي من داخل منظومتها وأدوات تشكيلها .

 

وهذا التحليل تقومه القوانين الموضوعية في البحث . من خلال جملة الأفكار والمقومات الإجتماعية والمفاهيم العلمية الملامسة لأوجه التطور الأجتماعي الملموس من خلال ما يلي :

1 – تكوين سمات للوحدة سياسياً وأجتماعياً .

2 – معرفة طرق ووسائل التنظيم الأجتماعي والسياسي .

3 – مراقبة وتنظيم السلوك الإجتماعي سياسياً .

4 – الضم والأشراف على مسيرة السلوك السياسي .

وإذا جرى هذا في المنحى المتصور إسلامياً ،فإنه سينتج مفاهيم وتصورات عن الوحدة لدى الفرد ولدى الجماعة ، ومحاولة أستيعاب القوى المضادة من خلال المعرفة الكلية التامة في حالاتها . إذ ما من وجود موضوعي في الكون يقبل ان يعيش الدهر كله في حالة توتر دائم ، فعناصر التوتر ذاتها ستحكم على هذا الوجود بالزوال والفناء ، والفرد الوحدوي هو جماعة وحدوية تؤدي دوراً مزدوجاً في المسرح الأجتماعي والثقافي والسياسي ، وإسلامياً في مجالي العقيدة والشريعة ، مما يشكل لديه شعوراً طبيعياً فطرياً قائماً في حدّ ذاته  على حب الخير وإلتزام جانب الوحدة وتنظيمها الإجتماعي .