توطئة 1 – ما هو
مضمون خطاب
المشروع
الوحدوي ،
وما هي جوانب
الضعف
والقوة فيه ؟ 2 – ماهي
التحديات
التي تواجه
هذا المشروع
في الحاضر
والمستقبل ؟
وهل تختلف
عن تلك التي
واجهته في
الماضي
وبماذا
تختلف ؟ 3 - هل
المشروع
الوحدوي
الإسلامي ما
زال قادراً
بمضمونه
القديم
وصيغته
القديمة على
مواجهة
قضايا
الحاضر
وتحديات
المستقبل أم
لابد من
مراجعته ،
وبالتالي
لابد من رؤية
جديدة ؟ (1) لنحاول
رسم بعض
معالم
الجواب عن
هذه الأسئلة . إما أن
يكون
المضمون
الإسلامي
للوحدة يعني
التحول
الدراماتيكي
من طائفة إلى
آخرى ، كأن
يصبح الشيعي
سنياً
والسني
شيعياً
وبالعكس . على
أن تتحد جميع
العقائد
والأحكام
الفقهية
والكلامية
الأصولية
لجميع
المسلمين في
أرجاء
العالم ،
بحيث تصبح
الفروع
والأصول
واحدة ،
وتنتفي كل
أشكال
التعددية
والأنقسام
الفكري
والسلوكي
والعقيدي ،
فهذا التصور
سطحي وغير
تنموي وغير
بنيوي
ولاتحرري
وغير منطقي
ولا عقلي ،
ويحتاج إلى
قوة بيانية
وبرهانية
فوقية
ومتعالية
لتعليله
وإثباته ،
وذلك أمر غير
متصور . وإما ان
يكون
المشروع
تجريبياً
بمعنى أنه
كان وليد
التجربة
والممارسة
والفعل ورد
الفعل ، أكثر
من كونه
مشروعاً
نظرياً
متماسكاً
ومتكاملاً ،
فهذا أيضاً
غير صحيح لأن
الفكر
والممارسة
أو النظرية
والتطبيق
كانا يسيران
جنباً إلى
جنب متساوين
، وأحياناً
متزاحمين ،
في كل حركة
الإسلام
وخاصة في عهد
النبوة وعهد
الخلافة
الراشدة أي
في الصدر
الأول من
التطبيق . إن
الإسلام في
خطه البياني
العام طرح
شعار الوحدة
كشعار واقعي
تعبوي
وتحريضي ،
وهو الشعار
الذي عبر عن
مشروعه
الحضاري ،
أما مضمون
ذلك فمعروف ،
إذ أنه يعني
الأتجاه
المؤول
والمبرمج
للعناصر
المشتركة
والفاعلة في
ساحة الأمة
الإسلامية ،
التي تجمع
الطوائف
والفرق
المختلفة ،
وهذه
العناصر هي
القوى
المحركة في
تدعيم
المسيرة
االعلمية
وثوابتها
البنائية
المعلنة . فال
مشروع
الوحدوي ، في
ظل النظام
الإسلامي
ليس خطاباً
سياسياً
منفصلاً عن
المرحلة
ووعيها
وزمنها
وتارخها ، بل
هو ذلك الوعي
بالتاريخ ،
إذ المسلمون
جميعاً بحسب
طبيعة ذلك
الوعي
يعتقدون : ـ
بنبي ورسول
واحد وقبلة
واحدة وقرآن
واحد ـ وهذه
المشتركات
تشكل في
العقل
الإسلامي
الكل
المتجانس ،
الكل القادر
على تكثيف
معطيات
الواقع
وصبها بقالب
يمكنه حلّ
جميع
الأختلافات
في العقيدة
والشريعة ، لأنها
ستقع في
دائرة العقل
الكاشف
وقدراته
الطبيعية
الفائقة في
عمليات
البحث
والتنقيب
الإجتهادية
والفكرية ،
التي لاتنفك
جدلاً عن
قضيتي
الحرية
والإرادة
التامتين . وهذا
التوجه
البياني ليس
مدعاة
لايجاد
الفرقة
والأختلاف
في وحدة الكل
الإسلامي ،
بل لعله يدفع
ـ الكل ـ إلى
أمتلاك
القوة
التدبيرية
والعقلية ،
في ما دتي
الفكر
والممارسة .
وشرط ذلك كله
وجود مجموعة
ضوابط
منهجية
واسعة الأفق
وموضوعية
الحركة وهي
ضرورية
لازمة ،
لأنها دعوة
واقعية
منطقية
للتعامل مع
ما يطرح من
قضايا
ومفاهيم
علمية
وفكرية ، وهي
بدورها تؤدي
إلى احترام
متبادل
ومسؤول
لجميع
الآراء
والأفكار
الأخرى ،
خدمة لقضايا
التنمية
وتعزيزاً
لروح
الأبداع
الجاد
الفاعل ، مع
تهيئة كافة
المقدمات
واللوازم
والمعدات
وآليات
العمل
الأستدلالي
المفيد ،
والمؤدي إلى
بيان الحجة
وإثباتها ،
وكشف الدليل
الواقعي
بالبرهان
والأستنباط
وتعقيب الحق
، والسماح
للقعل بأن
يجوب ساحة
الفكر بحرية
وعلمية
تحقيقاً
لمصلحة
الإجتماع
وأهداف
الأمة
النبيلة من
خلال عنصر
الحياة في
المشروع : 1 – إثبات
الحق
بالدليل
والبرهان
المفيد
للعلم
اليقيني . 2 – كشف
الحقيقة من
خلال
الأستنباط
المشروع
وضمن الأدلة
والقواعد
الدينية
والعقلية . إن
جدلية إثبات
الحق وكشف
الحقيقة
جدلية
وجودية ، أي
أنها تخضع
لقوانين
الوجود
الطبيعي
والعناصر
المؤثرة فيه
سلباً أو
إيجاباً ،
ولعل كثيراً
من الفلاسفة
الأغريق
وعلماء
اللاهوت
مالوا إلى
نزعة
التفريق بين
الحق المطلق
والحقيقة
النسبية
المتغيرة ،
وهذا
التفريق له
ما يبرره إذا
ما أخذنا
بعين
الأعتبار
المزايا في
كل من الحق
والحقيقة
وطبيعتها . فعلم
الصيرورة
مثلاً مجاله
الخصب عالم
الحقيقة ،
وأما عالم
الحق
فالذاتي فيه
ممنوع من
الصرف لذلك
تمتنع
الصيرورة
فيه ، ومن هنا
يجد المرء
الفاعل
كثيراً من
التناقضات
والتقاطعات
، وكلها تبقى
مقيدة بحدود
الطبيعة
والماهية ،
ومن هنا تأتي
أحكامها
نسبية بنفس
الدرجة التي
هي عليها . ملاحظة : ـــــــــــــ تزداد
في الآونة
الأخيرة
نغمة مفادها :
إن حضارتنا
تكمن في
إبقاء ما كان
على ما كان
وهي بذلك
تعبر عن الجو
التراثي
الذي يسيطر
على الفكر
والعلم
الديني في
أطار الواقع
وسلطة
المؤسسات
والمرجعيات
الدينية . إن
التراثيين
يستخدمون
هذه الأيام
وبكثافة
مصطلحاً
دينياً في
غير محله ،
وذلك
المصطلح هو
ــ الردة ــ
التي ذكرها
في التنزيل
الحكيم في
سياق تاريخي
ومعرفي معين .
ولكن هذا
السياق
وبفعل سلطة
المرجعيات
غدا عنصر
فعالاً
بيدهم يرمون
به كل من
خالفهم في
مجال
العقيدة
والشريعة . أي
أنهم أفرغوه
من محتواه
وإطاره
المعرفي
التاريخي
وألبسوه
مفهوماً
وأطاراً
فقهياً
سلطانياً . بمعنى
أدق : إن مصطلح
ـ الردة ـ
معرفياً نحا
به فقهاء
العصر
الوسيط منحى
يلائم طبيعة
الحاكم
المستبد
الظالم ،
فأصبح ـ
المرتد ـ في
عرف المتفقه ويعني
: كل مخالف
لأصول
المذهب
السياسي
والفقهي
والكلامي ،
وهو بناءٌ
على مخالفته
يجب قتله ،
ولهذا حكموا
عليه بذلك ،
والحكم
نقرأه في كل
الكتب
والدفاتر
والأوراق
الكلامية
والفقهية
والسياسية . وبهذا
اللحاظ
القيمي يصبح
ــ المرتد ــ
إنساناً
يمتلك رؤية
محددة عن
قضايا
سياسية
وفقهية
وكلامية ،
ولكنها رؤية
مغايرة
لسلطة
المرجعيات
والأحزاب
والمؤسسات
التي تتخذ من
الدين
شعاراً لها .
ولقد تحدث
التنزيل
الحكيم عن
مفهوم ـ
الأرتداد ـ
على نحو عام ،
أي انه لم
يحدد على وجه
الدقة
المفاد
الحركي
لمعنى ـ
الأرتداد ـ
بل هو مطلق ( من
يرتد منكم عن
دينه ) والدين
عموم وخصوص ،
والمراد كما
في سياق
المعنى
العام الذي
يمكن تأطيره
بما أصطلح
عليه بمفهوم
ــ العمل
الصالح ــ . وعندما
ذكر التنزيل
الحكيم ذلك
لم ينس البتة
التأكيد على
الحرية
كواقع
وكضرورة
وكحاجة ،
حرية
المعتقد ،
وحرية
السلوك .
والحرية
شعار تعبوي
صيغ في
التنزيل على
النحو
التالي : قال
تعالى : { فمن
شاء فليؤمن
ومن شاء
فليكفر } . وقال
تعالى : { قل
وإناّ أو
إياكم لعلى
هدىً أو في
ضلال مبين } . والحرية
نفرأها كذلك
عند محمد
بن عبد الله
(ص) النبي
والرسول
أعتقاداً
وسلوكاً ، بل
أنه أعتبرها
الموضوعي
المساوق
لطبيعة
الوجود
الإنساني . فهو
القائل : ( أول
الإيمان
الشك في الله )
ــ أو ( الشك
أول الإيمان ) . والحرية
في هذا
السياق
عبارة عن
أمتلاك
الإنسان
نفسه وعدم
خضوعه
للمؤثرات
العقيدية
والسلوكية
التي تفرضها
المدارس
الفرقية
والمذهبية
الكلاسيكية . إذن
فالحرية في
الأعتقاد
وفي السلوك
شرط أقتضائي
لازم لصحة
الأعتقاد
والسلوك ،
لكن المدارس
الفرقية
العتيقة
تعتمد على (
التقليد )
كنهج مدرسي
أكاديمي
مطبق في
التعامل مع
الأشياء
والموضوعات
ومع ضغوطات
الواقع
وقلقة
العرضي
والشاقولي ،
وأهل
التقليد
يتمسكون
دائماً
بالشعار
القائل : ( من لم
يقلد مات
ميتة جاهلية )
ووضعوا من
أجل ذلك
الأحاديث
المزورة
والأخبار
المكذوبة ،
ومن بينها ما
ورد في
التفسير
المنسوب
للإمام
الحسن
العسكري (ع) (1) وكذا
كان اهل
التقليد
يتبنون ما
قاله
الشعراني عن
علاقة : ( الشيخ
بالمرتد ) تلك
العلاقة
المكونة
للأدب
الصوفي
والفقهي في
آن معاً . وهذا
السلوك
الدوغمائي
جعل
الكثيرين في
عصرنا
يعتبرون
التقليد آفة
خطيرة لأنها
تحدّ من نشاط
وإبداع
الإنسان
وتجعله
أسيراً
لسلطة
الأوهام
والخرافات ،
مع أن
الإنسان
وجودياً خلق
من أجل غاية
نبيلة راقية
ذكرها
التنزيل تحت
بند : ( أفحسبتم
إنما
خلقناكم
عبثاً ) أي إن
الغاية من
الخلق هو دور
الإنسان في
الخلافة
وعمارة
الأرض
والحياة
والكون ، ومع
التقليد
ينتهي والى
الأبد دور
الإنسان في
الخلافة
والعمارة . ولذلك
نلاحظ وقوف
رجال
السلطات
المرجعية
الدينية عند
نقاط
تاريخية ما
ورائية هي من
بنات عصر ذلك
الزمان بكل
مفرداته
اللغوية
والمعنوية ،
وهم بالتالي
ليسوا
الرجاء ولا
الأمل بل
لعلهم
يساهمون ، عن
عمد أو بدونه
، بتخلف
المجتمعات
اللإسلامية
بحيث غدت
سّماعة
للإخبار
منفعلة بها
غير فاعلة
وغير منتجة
وأكثرها
مستهلك في ظل
عصر التقنية
والتطور
العلمي
الرهيب . إن
مساهمة رجال
السلطة
المرجعية في
التقليل من
دور العقل في
النهضة
والإصلاح
وإعادة
البناء ، هو
العلة
المباشرة
التامة في فك
العلاقة بين
الدين
والحياة عند
الكثيرين ،
فلطالما كان
العقل
محكوماً
عليه
ومطروداً من
الساحة ،
فإنه
بالتقابل
المنطقي
يحدث
الأنفكاك
والنزوح إلى
ساحات
وميادين عمل
أخرى ، تساهم
في التوعية وزيادة
الأنتاج في
المديات
التي تتحرك
فيها . لقد ساد
في فترة من
التاريخ ،
ولازال يعمل
به ، ذلك
القول
الشهير : ( من
تمنطق فقد
تزندق ) أي من
فكر بعقله
وبإدواته
المعرفية
العلمية
وبحرية فهو
عندهم ـ
زنديق ـ يجب
في حقه كل شئ
من التهم
والدعايات
المغرضة
والقذف بكل
قبيح . والزنديق
( كلمة فارسية
معربة ) هو
الذي لم يضع
على عقله
حجاب
التقليد ، أي
أنه المنفتح
على الواقع
الموضوعي
يقرأه
بعقلانية
وهدوء دون
إضافات أو
زيادات او
لواحق ،
ينفتح على كل
الساحات
ويتحرك في كل
الدوائر ،
يحلل وينقد
بعلمية من
دون إساءة أو
تهميش
للآخرين
مهماً كانت
درجاتهم
العلمية
والفكرية . إن ( من
تمنطق فقد
تزندق ) مقولة
غاضبة على
دور العلم
الجديد في
صناعة
المواد
وتحويلها
إلى ـ ما ينفع
الناس ـ لذلك
سادت في
الوسط
الديني الذي
يرفض النظام
المعرفي
ويؤمن
بالفوضى
والاضطراب
والاهتزاز
والخلط
اللامعرفي
لقضايا الحق
والباطل
بقضايا
الحلال
والحرام ،
فصار الحلال
عندهم حقاً
والباطل
حراماً
والعكس
بالعكس في
إتجاهات
وأحكام
وموضوعات
التاريخ
والفقه
وأصول
الكلام
والفلسفة . من أجل
هذا تضخم
مفهوم ــ
الأرتداد ــ
تضخماً لا
تاريخياً
ولا معرفياً
خاصة بعد
الحكم الذي
أصدره أحد
رجالات
الدين على
كاتب روائي ،
ذلك الحكم
الذي أوجد
موجة من
الأرهاب
المتقابل
بين الفكر
والفكر
المضاد .. ولكن
كيف تعامل ــ
التنزيل
الحكيم ــ مع
مفهوم
الأرتداد ؟ لانود
الدخول في
بحث لساني
للكلمة ،
ولكننا
سنرتل بعض
الآيات التي
ورد فيها ذكر
الأرتداد
ومن ثم نتبين
الحكم : قال
تعالى : { يا
أيها الذين
آمنوا من
يرتد منكم عن
دينه فسوف
يأتي الله
بقوم يحبهم
ويحبونه } (
المائدة / 54) . وقال
تعالى : { ومن
يرتد منكم عن
دينه فيمت
وهو كافر
فأولئك حبطت
أعمالهم في
الدنيا
والآخرة } (
البقرة / 217) . وقال
تعالى : { إن
الذين
أرتدوا على
أدبارهم من
بعد ما تبين
لهم الهدى
الشيطان
سوّل لهم } (
محمد / 25) . وقال
تعالى : { ولا
ترتدوا على
أدباركم
فتنقلبوا
خاسرين } (
المائدة / 21) . وقال
تعالى : {
وارتابت
قلوبهم فهم
في ريبهم
يترددون } (التوبة
/ 45) . 1 – مفهوم
ـ الأرتداد ـ
في التنزيل
لايعني
البتة أنكار
وجود الله ،
فهذا
الموضوع ليس
مصداقاً
لهذا
المفهوم (1) 2 – ةليس
من مصاديق ـ
الأرتداد ـ
منكر الهوية
كالمشرك او
أصحاب
الثالوث
المقدس
وغيرهم . 3 – وليس
في التنزيل
الحكيم ما
يدلل على إن
من أرتد
فاقتلوه . والأرتداد
كمفهوم
لايرتبط
بقضية
الإيمان
بالله أو
الإيمان
باليوم
الآخر ، إنما
للمفهوم
مصداق آخر في
إنكار
الطبيعة
والعلاقة
معها (2) ، وكذا
للمفهوم
مصداق يرتبط
بقضية ـ
العمل
الصالح ـ
الذي هو
عبارة عن
مفهوم كلي
عام . ولعل
أقرب
المصاديق
إلى الذهن هو
ما نعبر عنه
ــ بالأعمال
المناقضة
للكليات ـ
كالبعث بأمن
العباد
والبلاد ،
والظلم
والجريمة
والقتل
والبغي
والفتنة ،
وكذا مناقضة
القيم
والمثل
الأخلاقية
والإنسانية
العامة . ويجب
الأشارة إلى
مايلي : قد يقع
الإنسان
مصداقاً
لمفهوم
الأرتداد
بالمعتى
المتقدم
ولكن لايعني
هذا ألبتة
أنه يجب او
يجوز قتل ذلك
الإنسان ــ
لمجرد
مخالفته على
الصعيد
النظري ،
فهذه
المخالفة
لامانع
ولاضير منها
، وقد قدمنا
إلى ذلك ببعض
البيانات من
التنزيل او
من كلام سيد
المرسلين ،
وفي كليهما
دعوة صريحة
لتجاوز
الأطر
الضيقة
والحواجز
الأكليروسية
والزوايا
والتكايا
التي تضعها
سلطة
الأراخنة من
التراثيين
وأصحاب
الفرق
والطوائف . وإذا
حددّنا
المفهوم
المعرفي ــ
للآرتداد ــ
خرج تخصصاً
من هذه
القيدية
جميع
اللواحق من
قبيل : ترك
الشعائر ،
وعدم
الأعتناء
بالفروض ،
وحتى الجدل
وإثارة
القلق
المعرفي ـ
الذي يقوم به
رجال في
العصر
الحديث من
الذين قدموا
أنتاجات
فكرية كان
السلف
الصالح قد
فكر بها ونبه
إليها ،
ولكنها ظلت
قابعة
كأفكار في
أطار
مفاهيمي خاص
أطلقوا عليه
أسم ــ
الشواذ ــ
كآراء أبي
حنيفة ،
وسفيان
الثوري ،
وأبي ثور ،
وأبي مسلم
الأصفهاني ،
وأبن رشد ،
والطبري ،
وابن تيمية ،
وصدر الدين
الشيرازي ،
والكسروي
صاحب كتاب
أسراار
الألف عام
وغيرهم .. فهذه
الآراء
والأفكار
يتداولها
البعض في
عصرنا
ويكتبها
آخرون تحت
عناوين
متعددة
كالتجديد
والتحديث ،
والإصلاح ،
وإعادة
البناء ،
والمعاصرة .
وكلها تتفرع
من الحرية
الفكرية
والتعددية
والأختلاف
المباح في
وجهات النظر
في القضايا
والمسائل
الحيوية . فهل
يُعدُ من جاء
بها مرتداً ؟ لعل
التصنيف
التراثي
لهؤلاء
المبدعين
يقع تحت أسم
ــ المرتدين
ــ بشكل أو
بآخر ولكن
ذلك التصنيف
مخالف
لطبيعة
وواقع
الأحكام
الواردة في
الصريح
والصحيح
المنقول . بل ولا
نجد في
التنزيل ما
يدل على
اعتبار
التفكير
جريمة
يُعاقب
عليها ، لكنه
دعا وبقوة
للتدبر
والتفكير
ونزع
الأغلال
والقيود
الجسدية
والعقلية
التي تكبل
الإنسان
وتقلل من
أندفاعته
بإتجاه
العمل
الصالح : قال
تعالى : { أفلا
يتدبرون
القرآن أم
على قلوب
أقفالها } . وقال
تعالى : { ويضع
عنهم إصرهم
والأغلال
التي كانت
عليهم } . ونجد
الدعوة إلى
التفكير
العقلي
والتدبر
العلمي وردت
في لسان
الأخبار
المنسوبة
إلى رسول
الله (ص) قال : (
تفكر ساعة
خير من عبادة
سنة ) . وقوله : (
خير الأعمال
التفكر في
خلق الله ) . وقوله : (
الشك أول
الأيمان ) . ولهذا
فالإنسان في
حدود
العلاقة
التي
ذكرناها يظل
في دائرة
الأجتهاد
النظري
المباح ،
وأما
الأرتداد ــ
الذي نسمعه
بين الفينة
ولأخرى ، فهو
إخراج متعمد
للإنسان من
دائرة
الإيمان
والإسلام ،
وهذا
الأخراج
مصدره
السلطات
المرجعية
المهزومة
أمام إبداع
الثقافة
والعلم
الجديد
ولغتهما .
اللغة التي
تعتمد على
أدوات
ووسائل
إنتاج
معرفية غاية
في الدقة
والصرامة ،
وهي بالتالي
تتحرك في
دائرة اوسع
من تلك التي
يتحرك فيها
التراثيون
وزعماء
الخلاف ،
الذين
ينشغلون
طويلاً في
الأحكام
الوظيفية
والفقهية من
طهارات
ونجاسات
وعبادات
ومعاملات . والأرتداد
كما قلنا
خارج موضوع
نكران وجود
الله ، وهو
يتموضع
بالمسائل
الملحة
والتي ترتبط
بشكل مباشر
بحياة الناس
، فالظلم من
الأرتداد ،
والجريمة من
الأرتداد ،
والبغي
والقتل
والفتنة
كلها عناوين
بارزة
لمصداق
الأرتداد ،
سواء حصل ذلك
في البلد
الواحد أو
الشعب
الواحد او في
الدين
والملة
الواحدة .
وإذا عُرّف
ــ الأرتداد
ــ مصداقاً
خرج بقيدية
التقابل
وواقع الحال
كل ما عدا ذلك . فالأرتداد
= الظلم ،
وكذلك . الأرتداد
= الجريمة ،
والفتنة ،
والبغي ،
والقتل . يظهر
ذلك في قوله
تعالى : { وإن
طائفتان من
المؤمنين
أقتتلوا
فاصلحوا
بينهما فان
بغت إحداهما
على الأخرى
فقاتلوا
التي تبغي
حتى تفئ إلى
امر الله } .فالبغي
هنا يعني ـ
الأرتداد ـ
وبناءً على
ذلك فما جرى
في التاريخ
الإسلامي ،
كالذين ــ
أرتدوا ـ في
عهد أبي بكر ،
إنما كانوا
بغاةً خرجوا
على النظام
والقانون
العام ،
وحاولوا
إثارة
الفتنة
والشغب
والفوضى
والقتل ، فهم
لهذا يجوز
قتالهم
وقتلهم ،
وهذا الجواز
لا من حيث
كونهم ـ
مرتدين عن
الدين أو
المذهب ــ
فهدة
الحيثية
لايجوز قتال
أحد من أجلها
، ذلك لأنه : قال
تعالى : { لا
إكراه في
الدين } . وقوله
تعالى : { أفأنت
تكره الناس
حتى يكونوا
مؤمنين } . وهذه
منه تعالى
قاعدة
مضطردة
لا تقبل
التخصيص أو
التقييد أو
النسخ ، إذن
فالقتال
الجائز
والمرخص
شرعياً هو :
قتال
الجماعة
التي تحاول
إفساد
النظام
العام
بالقوة
المسلحة ـ
فمن هذه
الناحية صار
القتال
جائزاً بل
واجباً . كذلك
قوله تعالى : {
أذن للذين
يقاتلون
بأنهم ظلموا ..}
. أي إن
الأذن
بالقتال
لوجود الظلم
، فالظلم هو
العلة
التامة التي
يُرخص من
أجلها
القتال
شرعاً
وقانوناً . وأما
حكم ـ المرتد
ــ فإنه
جدلاً يتحرك
في هذه
الدائرة ، إذ
لايجب قتل : أ – من سب
الله . ب – أو
تهجم على
رسول الله (ص) . ج – أو
أظهر القبيح
بحق رسالته
ونبوته . وكذ
لايجوز
تسمية من فعل
ذلك ـ مرتداً
ـ (1) فالنبي
والرسول (ص)
سمع من قومه
ومن غيرهم
الكثير من
ذلك ولم
يسُمهم ـ
مرتدين فقد
قيل عنه : كاهن
، وساحر ،
وكاذب ،
ومعُلم
مجنون ، ... ومثل
ذلك مما كان
يقوم به عرب
الجاهلية
والذي لايقل
شأناً في
السلوك عن
السب والشتم
في معاملتهم
معه (ص) . كذلك
ولايصح
إطلاق مفهوم
ـ الأرتداد ـ
على من خالف
المذهب او
الملة او
الدين ،
فالمخالفة
طريقة
مشروعة
للوصول إلى
غاية اليقين
، ولا تأتي
هذه في كثير
من الأحيان
إلاّ بتلك .
ولايجوز
الحكم ـ
بالأرتداد
ــ جزافاً
على من خالف
رأيه رأي
الكهنة
وتجار
المؤسسة
الدينية . ولم
نجد في
التنزيل ــ
الحكم
بالقتل على
المرتد ــ
ولم يرد ذلك
ألبتة في سنة
رسول الله (ص)
الفعلية
والقولية
الصحيحة ،
وأما ما ينسب
إليه انه قال (
من بدل دينه
فأقتلوه )
فهذه النسبة
ليست صحيحة
من وجوه : الأول :
الأشكالية
المفهومية
التي تلف متن
الحديث من
مفرداته
اللغوية
والمعنوية
والارتباك
الواضح في
معنى ــ
الدين ــ وما
المراد منه ؟
أهو الدين
الطبيعي أم
الدين
الألهي ؟ الثاني :
عدم صحة
الحديث من
جهة السند
الروائي ،
وهذا ما حكم
به الإمام
مالك ، وكذلك
شيخ الإسلام
أبن تيمية في
فتاواه . فحديث : (
من بدل دينه
فأقتلوه ) ـ
موضوع حكماً
ولايعتد به
في هذا الباب . وحكم
القتل في
التنزيل لم
يرد إلا
بخصوص
المحارب
المعتدي
الظالم بحق
الجماعة
ونظام
الإنسانية
وقانونها (1) .
وإذا ثبت هذا
فإنه ليس ذاك
كما لايخفى
على اهله . إذن
فدعوى ــ
الأرتداد ــ
التي نسمعها
في وقتنا
الراهن ، هي
دعوى ذات
دوافع
سياسية
وإقتصادية
وإجتماعية ،
وهي بالتالي
ليست دينية
يقيناً ،
وإذا أردنا
الدقة فإنها
ذات دوافع
خاصة ترتبط
بمصالح
الطبقة
الدينية
الرسمية
والمرجعيات
الوافدة ،
التي ترغب
بأن تبقى
الأوراق
دائماً
بيدها . ولذلك
فهي تسعى
جاهدة لأن
تصور للناس
البسطاء
والسذج منهم
؛ بأن الخروج
عنهم هو
بمثابة
الخروج على
الله ورسوله (ص)
وهذا الحكم
هو الذي
تحاول
المؤسسة
الدينية
الرسمية
تعميمه
وزرعه في
قلوب وعقول
الناس .. بقي ان
نقول : إن
التنزيل
الحكيم دعى
إلى وحدة
الناس من
خلال وحدة
الدين
والمذاهب
فقال تعالى : {
إنما
المؤمنون
أخوة } هذا
أولاً . قال
تعالى : { إن
الذين آمنوا
والذين
هادوا
والنصارى
والصابئين
من آمن بالله
واليوم
الآخر وعمل
صالحاً فلهم
أجرهم عند
ربهم ولا خوف
عليهم ولاهم
يحزنون } وهذا
ثانياً . *** |
|
|
|