المقدمة
لاريب ، أن الخطاب الحسيني في طبيعته المعرفية ، لم يأخذ البعد الأستراتيجي في النظام المعرفي إلا متأخراً ، ولم يُعنى بمنهجيته ورموزه الفلسفية إلا داخل محتوى القصص التاريخي ، والإطار ــ المثيولوجي ــ والمخيال العام ، ومن الزاوية التي تنسجم آلياً مع البعد الزمني ، والصياغة الأدبية ، والنص الروائي الذي تحدث عن تاريخية الثورة الحسينية ، طبيعي جداً أن يرافق هذا الأنشاء حشد ضخم للإجواء العاطفية ، أنه التخزين اللاواعي من أجل السيطرة على أدوات الخطاب وآلياته ، سواء في محتواه وتربيته ، أو ببنيته وتكوينه ، وليس شرطاً أن يكون فاعلاً في الساحة الجماهيرية .ولا شك أن الثقافة التي كانت سائدة غلبت في كثير من الأحيان المنهج الذي تتبناه العقيدة الحاكمة ، والسلطة المرجعية للدولة ، وسيطرتها على أدوات العمل ومنظومته الفكرية ، وهذا يعني بالضرورة تشكيل جملة يسبغ عليها الطابع القبلي صفة الديمومة والاستمرار ، واحياناً الحقيقة الموضوعية ، ومن أجل ذلك تم تبني ذلك على المستوى المذهبي لأن هذا التبني يساهم في ممارسة نوع من التعيبر ، الآخذ بالحسبان أستغلال الفرص في بيان صحة المقولات وطبيعتها ، وانها عملية داخلة في بنية النظام ، إذا ما عرفنا الجو العام الذي كان حاكماً في تلك المرحلة ... نعني بذلك التضاد السياسي في الرؤية والمنهج ، وهو تضاد عملي يقوم على مصلحة كسب الجمهور ، وتأطير رغباته بأتجاه تدعيم سلطة النظام ، وهذه عملية مقصودة بكل تفاعلاتها وحركاتها ، وحتى نظامها التطوري .أذن هناك إشكالية موضوعية تعبر عن مشاكل متعددة ، منها على المستوى الفني والجمالي والذوقي والدرامي وتراجيديا الخطاب المعرفي ، واحيانا ً في سلسلة الرواة والنص والرجال وطبقاتهم ، واخرى على المستوى العام ونظام الجماعة والسلوك السياسي وسلطة الأعراف الشعبية ، ومدى التأثير والقبول الجماهيري في هذا الرأي أو ذاك ، وعليه فالإشكالية تخص مجمل تراث الخطاب الخاص بوقعة كربلاء ، والعام بطريقة التلقي .وهنا يجب التنويه إلى الجانب ــ الأيبستمولوجي ـــ لذلك التراث ومحتواه وأطاره ، وقدرة العقل على تأسيس ، وأنتاج مشروع حضاري ، يقدم للأنسانية عطاء المسيرة الجهادية الخالدة ، وبذلك نكون قد وصلنا إلى الجانب الأهم في هذه القراءة ، وتحديداً بتوظيف أدوات العمل ، خدمة للخطاب وأبرازه بدءاً من شكله ـــ المثيولوجي ــــ ووصولاً إلى أطار ــ الأيديولوجية ـــ المبدعة القابلة للروح النقدية ، حالما يكون ذلك النقد يتناول عنصري القوة في الذاتية والموضوعية ، وهنا تبرز تلك الوسائل كأليات تستخدم لمصلحة ذلك الخطاب وعلاجاته ومدى تأثيره في العقيدة ، أذا ما أعتبرنا أن العقيدة تشكل الجزء الأهم والأكمل في مسيرته ، ومن هنا جاز أن نسأل عن معنى ذلك الخطاب ودلالته على الصعيد المعرفي مقارناً بما يتبناه التراجيديون والتقليديون وأصحاب القصص الوهمي الخرافي .إن المشكلة تبرز لا ككونها صراع بين معرفتين ، أو نظامين من المعارف ، بل تبرز في جوهر التاريخ وفي الوعي الأجتماعي والثقافي والحضاري للتاريخ ، وهذا يدل على أن جوهر التاريخ يخضع لنظام الضبط القائم على فلسفة العلة والمعلول تلك الفلسفة التي تتبنى نظرية قراءة الماضي قراءة تقدمية تجعل منه حاضراً بمفرداته ، لا قراءة رجعية تعيد العقل المعاصر ليعيش الزمن الثقافي السابق عيشة جامدة غير متحررة من أوهام الماضي ومسوحه التقليدية ، فهي تبرز التاريخ لا على أنه مجرد سجل لحوادث ووقائع خضعت بالضرورة لحكم الزمن وأجوائه السياسية والثقافية والإجتماعية ، بل أنها تظهره ككل مؤثر في عملية الربط بين عنصري الأصالة والمعاصرة ، فلنقف عند هذين العنصرين ولنحاول تبني مشروعنا الثقافي في القراءة بناء على مقولتي الزمان والمكان اللتين تؤثران في قدرة العنصرين على صعيد الرؤية التحليلية الموضوعية . وهذه النقطة بالذات تدعونا إلى قراءة تأملية تطبيقية للأوراق التاريخية لأبراز قيمة الخطاب فيه ، وذلك من اجل أعادة كتابة التاريخ ، وهذا يدعو بدوره لقراءة في التاريخ المعنوي ، أذن فكيف يقرأ التاريخ ؟ قبل الأجابة على هذا السؤال لا بأس أن ننبه إلى بعض المحاولات المبدعة التي قام بها جماعة من العلماء من أجل تخصيص المادة التاريخية على ضوء الحاجات البشرية ونظام الجماعة ، وهذا يعني تلك المحاولات في دراسة التاريخ ( لأبن خلدون ) في مقدمته وبعض اللمحات الرائعة التي سجلتها فلسفة التاريخ عند ( كانط وهردر وهيغل وكوندورسية وخروتشيه ) وغيرهم ، وهذه الدراسات على أختلافها من جهة آليات العمل ووسائله لكنها تغني الباحث في مجالات ربما تكون أكثر أستجابة لمنطق القراءة التاريخية ، وان كانت المحاولة عند ( كوندروسية ) محاولة في وعي التاريخ لكنها تعرضت لنقد من قبل أخرين حينما قالوا ، بأن ذلك تكرار وأجترار في أعادة الماضي بروحه وبمقوماته ، وأنه لا بد من تأكيد تام على العلم بالمستقبلات فهي الأكثر تحديداً لمعالم الحاضر ، هذه المحاولة النقدية ليست تحليلاً تأملياً بالمعنى الأكاديمي التقني الحرفي ، ولكنها محاولة في تفسير عوامل القوة والضعف ، وإن كان في بعضها تقويم تاريخي غير واعٍ ، أنه التقويم الذي يسجل المنحى العام والذي يخضع بالضرورة ــ للميكانيكية ــــ التي تتبناها المدرسة التحليلية الأوروبية في الوعي التاريخي وعناصره ، لقد قال ( جان مارتيان ) :لايمكن للتاريخ أن يكون غاية في نفسه ، وسير البشرية لا معنى له إلا إذا رأينا أزاء ظرف غير محدد بزمن ( الكلامية والسياسة ص 56 طبع بيروت ) . . ]بمعنى إننا لن نتمكن من إبداء وجهة نظر معينة إلا إذا خرجنا من دائرة التأطير والقوالب الجاهزة المعدة سلفاً والتي لايمكن المساس بها أو تلك الأمور المصونة التي تعلو على الإنسان ذاته ، وبالتالي فهي دعوة لمحاربة نظام الصيرورة والطبيعة ، لأن التاريخ جزء منها بل هو الجزء الذي يبرز سننها وقوانينها والإرادات المتحركة والثابتة فيها .لقد ذهبت نظرة العالم الأفريقي ( بروتوجورس) أدراج الرياح لأنها أعتقاد وبائي يجعل من التاريخ حاجة ذوقية وشخصية ، تلك النظرة التي تتجاوز الحقائق الموضوعية لتبني مكانها سلسة أعتبارات يكون الإنسان فيها قضايا ذوقية وشخصية محضة وحسب ، وهذه النظرة تدعونا للإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفاً حول الكيفية التي يجب أن نقرأ التاريخ من خلالها ، أي أننا كيف يجب أن ندرس التاريخ عملياً ؟ لقد قالوا بأن هناك أتجاهان مختلفان في دراسة التاريخ : الأتجاه الأول : التفسير الديالكتيكي ، والأتجاه الثاني ، التفسير الفطري ولا ريب أن بينهما أختلافاً كبيراً على صعيد الرؤية التحليلية ووسائلها العلمية ، فالأتجاه الأول نزعة فكرية تفسر التكامل التاريخي على إنه صراع بين الأضداد ، وهم يفسرون التكامل الإنساني على ضوء تلك النزعة ، أي أنهم لا يقفون مع التاريخ في سننه .والأتجاه الثاني لا يلغي نظام الصيرورة ولكنه يلتزم بالقواعد العلمية التي تدرس التاريخ على إنه إتجاه في الفكر صاغته العقول البشرية المبدعة والمنتجة ، أنها الصياغة التي قدمها الرسل والأنبياء ، والمصلحين كما قال(روجيه غارودي ) .. ولكن أليس في الأتجاهين نزعة قائلة بقراءة موضوعية للتاريخ ؟ ولكن تلك النزعة ليست إتجاهاً صوفياً ، وإنما حاجة إلى معرفة ذلك الموروث ، وما يدخل في خلاياه من قضايا إنسانية كالجبروالحرية والضرورة ، وكل ذلك داخل محتوى نظام الصيرورة ، والصيرورة ، ليست سوى التطور في التاريخ ... ومن أجل تعميم مقولات المشروع الذي نريد تأسيسه ، لابد أن ننوه إلى المعاني المختزلة والمعاني المتولدة من فكرة الصيرورة وأرتباطها موضوعياً بالمشروع التاريخي ، وهذا لا يتم إلا بوجود عقل يحدد لنا الفترات الزمنية التي أنتجت فيها المادة التاريخية ، وهذا الأمر يولد هنا علماً مزدوجاً بين الحقيقة الوصفية والحقيقة النوعية التي تشكل في الجهاز المفاهيمي محتواه وأسسه وأركانه ... ومن أجل أستكمال الإجابة على السؤال المطروح نقول ، أنه يجب أن نقرأ التاريخ بوعي يحقق للماضي أستقلاله ، وقيمته العلمية ويصون أهدافه عن الأنحراف والخلط ، أنها في ظاهرها أعادة بناء للتاريخ بصورة موضوعية ، ولكنها في حقيقتها أعادة بناء للوعي بصورة تاريخية وأننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء لوعينا ، وليس لتاريخنا فحسب ، بل أيضاً بالدرجة الأولى لحاضرنا ومستقبلنا .إن إعادة كتابة التاريخ على تلك الأسس هي حاجة نابعة من وعي حاضرنا ، ومن حاجته إلى تأسيس وتدعيم من الخلف ، إلى إبراز مسيرة الوعي الحضاري كما تمت في الماضي من أجل تأسيس وتدعيم الفكر الموضوعي الذي يحدث في الحاضر ، وينتظر أن يتقدم بصورة أقوى إلى المستقبل ، وبذلك نعني أن تكون إعادة متفائلة تؤمن بالزمن ، وحاجات الإنسان ، وتتطلع لتقديم الأفضل وذلك سرّ التطور والتكامل في الحياة البشرية ، إننا نريد إعادة فلسفية واقعية موضوعية تبني وتؤسس تنتج وُتنمي ، ولا نريد صوراً حالمة فقط ، ولا نريد قراءة بمستوى المنظور الخلدوني في دراسته للتاريخ لأنه كان إتجاهاً تراجعياً منقبضاً ، أنه ليس قراءة للمستقبل بل هو تكرار للمفاهيم وللحوادث بصورة ( ميكانيكية آلية ) إنه إجترار ممل لا يقدم لنا مشروعاً حضارياً متكاملاً ، ونحن لانريد هنا أن نقدم نقداً لما سجلته الخلدونية من قراءة في التاريخ ، ولكننا نريد أن نقول أنها قراءة القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة ، ولهذا لم تبن بقدر ما تجاوزت أحياناً ، وذلك لبعد المنهج الحيادي في تفكيرها .أن المشروع الحضاري يعني أن لانتكئ على التاريخ ، ونجعل منه المنبر ، بل نحلل التاريخ بحسب قضاياه وأهدافه ومنجزاته ليكون لتأريخنا عقله الفاعل المنتج الذي يسود ويحكم ، وذلك لايتم إلا إذا جعلنا تاريخنا بمنطقه الذاتي قادراً على جعل صورة المستقبل متممة لصورة الماضي ، تتميم من جهة المعنى لا من جهة الرموز والألفاظ الحرفية ، وبذلك نكون قد ربطنا ما نحن فيه حاضراً ، وما نصير إليه مستقبلاً ، وماكنا فيه ماضياً ، بمعنى دمج الماضي في المستقبل وأن يكون المستقبل ميداناً لتحقيق الماضي ، والتحقيق يتم بالأمال والطموحات التي لم يتسن لها أن تتحقق النص التاريخي هنا يطرح سؤال يقول كيف نقرأ النص التاريخي ؟ طبيعي أن النص من التاريخ هو تلك المادة المقروءة أو المسموعة منه ، ومتى يمكن قراءتها لابد من تفكيك عباراتها وتطبيقها على الزمان والمكان اللذين حدثت فيهما ، وهذا التطبيق هو جرٌ للعقل ، وأستخدامه كوسيلة في عملية التفكيك تلك ، طبعاً العقل كأداة أو كمنظومة ، وينبغي أن يكون معاصراً لنفسه ، ومحللاً للماضي على ضوء تلك المعاصرة ، وإن لا يسحب الأنجازات الفردية إلا بعد أن يتم صلاحها وصحة تطبيقها مراعياً للشروط الموضوعية هذه الشروط التي تكون الأسس العلمية للمفاصل التاريخية حالما تكون المفاصل حسية مدركة أو بأعتبارها أجزاء مترابطة ، وهذا التعميم يجعل من الماضي حاضراً إذا ما أردنا لذلك الماضي أن يستوعب الحاضر بكل أشكاله الحضارية وتقنياته ، لأنه من غير الجائز أن نجعل للزمن الثقافي المعاصر دور الحكم فقط بمعنى أن يكون جامداً متلقياً ومتقبلاً فقط ، وهذا تحجير لأبداعات الفكر البشري ، وثانياً أعطاء صفة مقدسة للموروث بكل مفرداته ، وهذا التقديس بحد ذاته عملية (طوباوية ) لأنها ستسخر العقل المعاصر لقبول جبري لا أرادي لمعطيات الماضي ورموزه ، وهذا تعطيل للزمن وتراجع وتكرار وصرف غير موفق للجهد ، أما لو أعطي للأمر حجمه الطبيعي وشكله الذي ينسجم مع روح الزمن وصحة مقولاته على مستوى التطوير والتكامل والعقلنة عند ذلك لا يكون الموروث مقدساً بقدر ماهو حاجة ضرورية ، نجد فيها وجودنا وذاتنا ، أنه الوجود الذي يسير بنا إلى الأمام يتقدم بنا ويحدد لنا ملامح المستقل ، لأننا سنكون معاصرين لأنفسنا وللمستقبل مكتسبين من الماضي قدراته وأمكاناته وعناصره وأهدافه تلك الأهداف التي تمثل الثوابت في الكل الإنساني ، وعندها نكون قد حققنا ماتجمد وكشفنا الغموض والأبهام عن التجريد ، والأشكال العدوانية للسياسة التي حكمت وسادت ثم بادت ونرى قدرتها في كتابة النص على المستوى الفردي والجماعي ، لأن المثقف أو المفكر أو السياسي أو الكاتب لايعبر عادة عن قيمه الخاصة ، بقدر ما يعبر بطريقة شعورية أو لا شعورية عن قيم جماعة أجتماعية أكبر ينتمي إليها ، وفي كثير من الحالات عن طبقة أجتماعية يدافع عنها ( إشكاليات الفكر العربي المعاصر ص 13 محمد عابد الجابري طبع بيروت ) . .لأن الكاتب هو وليد المجتمع وآليات المجتمع وأدوات المجتمع لأنه يكتب من داخله بما يحتوي وما يضم من علاقات مركبة ، وعناوين مختلفة قد تبرزها ضرورات الحكم كما حدث في الأتجاهات الجبرية آبان الدولة الأموية ، وقد زحفت تلك الأتجاهات بطورها غير الواعي لتحكم على عقلية الكاتب ، وتؤطر نزعاته بلونها ليكون مايكتب في منظومتها ، وما يتلقاه منها على المستوى الفكري ، فهي تجره بلا شعور معرفي يقود إلى تدوين تاريخي مشوه تارةً في صورة النص ومنطق النص وزمن النص بحيث يكون غريباً في وجوده غير مستوعب لزمنه ، وقافزاً بحكم الجو السياسي الحاكم ليكون الصفة التوقيفية التي تطيع العقل الآتي بمنتجاتها ، ولأن الديمومة والتكرار تسبب الثبوت وتلزم الصحة ، لذلك تكون القراءة للنص لاحقاً قراءة معقدة متعبة ومضنية ، وقد تلتزم بمنهاج فكري معين تبعاً لسيادة الفكر المذهبي ، فيسود الأختلاف النظري والتطبيقي كما هو حاصل في التعددية الفكرية لمفهوم النص والخطاب الحسيني ، وعندما نقول ذلك فأننا نعلم ان تأثيره عميق على المستوى العالم وقد ساهم في ذلك الإعلام المزدوج ، ولهذا نشأ وترعرع ولازال ولكنه مترجرج ضعيف يغلب عليه الأتجاه دو النزعة الدرامية التراجيدية و(مثيولوجيا الخطاب ) ، وهذا ناشئ عن أزمة أبداعية في لغة الخطاب ، أذن فكيف يمكن أن تزول ؟ وماهو الأسلوب الأكثر أستجابة لمنطقها ؟ ذلك مانريد الأجابة عليه تحت عنوان أزمة الإبداع في خطاب المنبر الحسيني أنها ليست أزمة واحدة ، بل هي أزمات هي نماذج مختلفة من تعددية لغوية وخطابية ، فعلى المستوى اللغوي تبرز الحاجة إلى معرفة ما إذا كان الخلل في الخطاب ، أم في اللغة ؟ فإذا كان في اللغة ، فلا بد أن نستدرج المفردات مجردة ، ثم نطبقها على معانيها ودلالاتها ، فأذا كانت قادرة على أستيعاب المعاني والدلالة عند ذلك يكون التطبيق حسب قاعدة الكل والجزء اما لو كان التطبيق لا يستوعب الدلالة إلا في زمنها اللغوي كأنها توقيفية ، أو أنها متعلقة بالحدث عند ذلك تأتي الحاجة إلى الأستعانة بالعقيدة لتفسير الدلالة ، فإذا كانت من جنسها ومتضمنة لها وأنها تعبر عن طموحاتها فلا شك أن الدلالة سترتفع بالحدث إلى مصاف القانون الذي يرتب الضرورة والحرية والأختيار والجبر والعلّية ضمن مقوماتها ككل لا يتجزأ إلا إذا أستثنينا ذلك في سبيل البناء للمعلوم عند ذلك يكون مافيها معبراً عن قدرتها ، وتكون اللغة مؤدية للغرض ، وإنما يقع الخلل في الأستخدام ؛ والأستخدام له لغته الفنية الخاصة التي يجب مراعاتها ، والأصل أن تكون بحجم الزمن الثقافي المعاصر لها والمعاصرة له ، عند ذلك يتم بها أنجاز الفعل الواجب تحقيقه من خلالها ، ولكن هذا يظل حبيساً في التوافق المنطقي وإطاراته ، ولكنه يصعد فوق كل هذه الأعتبارات ليكشف عن دلالته المعنوية الثابتة والمتغيرة على أن يكون التغيير منسجم مع طبيعة العقل ومدركاته لا على الضد منه . .أما على المستوى الخطابي فهنا تدخل تراكيب وتعميمات كثيرة لعل من أبرزها الدور الأعلامي ــ الدور الناشر هذا الدور الذي يتولى عملية التبليغ ضمن وسائله المتاحة والممكنة ، وهنا تبرز ظاهرة الإعلام الموجه الذي يكون فيه المستمع مباشراً في تلقيه ، أي أنه الأقرب إلى الإعلامي ، وقد يكون ذلك الإعلامي رجل منبر أو واعظ مثلاً كما يحدث في مجالس العزاء والذكر الحسيني وهنا ينشأ فكر مزدوج من الطريقة التي يتلقى بها المستمع اللغة الخطابية الموجهة فهو هنا يعيش بأنصاف مشاعر أو أن صح فهو متلقي عادي ربما يؤمن وفي كثير من الأحيان يهمه أداء واجب أو تكليف أو ممارسة أعراف جرة تقليدها في السابق ، فهو مستمع وحسب ، واما لو أراد أحدهم أن يتدبر في معاني ذلك الخطاب فأنه ربما يُفاجأ بحلول بعيدة عن لحن ومحتوى الخطاب ، وربما تكون الأجابة تعبيراً عن أرتجالية يبرزها رجل المنبر تبريراً للغته أو تدعيماً لخطته الخطابية ، طبعاً هذا مشروط بكون المستمع واعياً مدركاً لما يقال ولكنه في الغالب يكون المتلقي ينظر إلى رجل المنبر نظرة مصونة عليها من التقديس الشئ الكثير وهذا الأمر يسبب قبولاً لا واعياً للمعلومات التي يتلقاها .خذ مثلاً . حينما سُئل أحدهم ؛ عن صحة ما يقال أن ( ليلى زوج الحسين دخلت وأخرجت نهديها ونشرت شعرها ) ، فما كان جواب رجل المنبر إلا أن قال إن هذه القضية خاصة بيّ وأنا أعلم بها وبمصدرها وحينما يطلب المتلقي المزيد من الأيضاح يكون الرد ربما عنيفاً أو فوقياً متعالياً وجارحاً وخارجاً عن حدود الأدب والمسؤولية .وحينما يتصدى مفكر لأزاحة هذا الغبار السوقي عن تأريخية الثورة الحسينية ، وعن المنهج اللاأدري في قضاياها يتصدى له أولئك ( الأرثوذكسيون ) باللعن والطعن والتشهير مستخدمين آلياتهم ووسائلهم تارة بالتحريف والتشويه وأخرى بالتحريم والتكفير مع أن الأمر لا يحتاج في حد ذاته إلا إلى مراجعة واعية وبسيطة وعلمية في أدب الحكمة والتحقيق ضمن قواعده المقررة فربما أهتدوا من ذلك الحوار إلى حوار يقدم ولا يؤخر يرفع من مستوى الخطيب والخطاب ليجعل منه أكثر نضجاً وأستيعاباً لزوايا الحياة ومضامينها ومعاصرتها ، وذلك ليس أبتعاداً عن رموز وخطوط الثابت من النظرية ، بل هو أدلاء بمعلومات تهم التطوير الفكري للمشروع الحضاري والإنساني لأبعاد وقعة كربلاء ــ إنه القراءة الواعية المتعلقة العلمية البعيدة عن أجواء التقديس والمسوح ( الكهنوتية والأرثوذكسية ) قراءة متقدمة معاصرة لنفسها وللتاريخ لا سلفية جامدة متخلفة عن نفسها وعن التاريخ الخطيب والسلفية عنما صدر كتابنا وقعة كربلاء أحدث موجة من الجدل في أوساط متخصصة وغير متخصصة تحكمت في معظمها كما يقول (فرنسيس بيكون ) : أوهام القبيلة وأوهام السوق . ولكنها في مجملها أدت غرضاً مزدوجاً كما يبدو فهي من جهة نبهت الناس إلى الطريقة العلمية في دراسة التاريخ ، وإلى الفكر التجديدي في ذلك ، ومن جهة أخرى سببت لدى الخطباء أزمة ثقة بينهم وبين الجمهور . فهم قد تأكدوا تماماً أن تلك الأذكار التي يرددونها على المسامع أصبحت خاوية لفقدانها للضوابط والقواعد العلمية المعروفة والمعمول بها في البحوث والدراسات والمحاضرات ، وانها لاتعطي أجابة منطقية عما أثارته وقعة كربلاء من حقائق وأفكار حضارية تمتد في عمق الفكر الإسلامي لتجعله معاصراً لنا وحياً فينا ، لذلك أصبح للوقعة رواجاً بين الوسط الأكثر أندفاعاً أنه جيل الشباب الجيل التطبيقي الإكاديمي الواعي الذي يرغب في تأسيس لغة جديدة في دراسة موضوعات التاريخ التي يمكنها أن تعيد كتابة التاريخ بإحياء زمنيته وتاريخيته بين أصوله وفروعه ، أعادة تأسيس للمنهج الفكري ، بكل أدواته وآلياته ووسائله ، وقد تكفلت وقعة كربلاء في حينها بوضع اللبنة الأولى في تركيب المواد التي أستخدمت كعناصر أولية في تأسيس الهدف الحسيني .لقد كانت المرّحلية الزمانيّة في النهج تقتضي تصحيح ما أطلق عليه بمنطق الشهادة كهدف ذلك المنطق الذي رتبها ذاتياً لا عرضياً ــ مخالفاً في ذلك تأكيدات علماء المعقول وأهل الميزان ، والتي تقول ، أن حركة الأولياء والأنبياء ذاتية في العدالة عرضية في الشهادة ــ ولما كانت الموجة الجدلية في أبعادها المستقبلية تثير بعض الأسئلة حول تأسيسه كمشروع إنساني على أنقاض تلك الزمانية التي تلت تحديداً النصف الثاني من القرن السابع للهجرة ، وأمتداداته الفكرية المكررة في إنتاجها ووعيها ، لذلك لزاماً علينا أن نقدم هذه الأطروحة تتميماً للمشروع الذي بدأناه في وقعة كربلاء ـــ تقريراً وتفسيراً لما ورد بلسان السلفي كعنوان لثوابت ذات صبغة دائمة ومستمرة المرموز لها بالتقليدية التي تسلب من الإنسان طاقاته العقلية المبدعة ، أنها السلفية المعتمدة على التقليد والسماع في محاكاة القضايا والأمور ، بداهة أننا لا نريد بالسلفي من يتبع رأي وفكر وسلوك السلف الصالح فأولئك كانوا بلا شك هداة وقادة ، ولعل منهجي في البحث يقوم أساساً على تحقيقاتهم وأعتماد أرائهم العملاقة ، وهذا تأكيد على أن منهجنا لم يكن بدعاً كما زعم بعضهم أو تجديداً منفصل عن ماضيه بل هو متصل معه ولكنه أتصال على أساس تقديم الأفضل وكشف كل ماخفي من الموروث بأشكالياته المتعددة ، لقد كنا مع( الشيخ المفيد وعلم الهدى والشيخ الطوسي ) في مقولاتهم وآرائهم ناصرناهم وأيدنا ما قدموه من مفاهيم وأستنباطات ..إذا فمنهجنا هو الأتجاه الذي يؤسس منتجاته على التحقيق في السند الروائي والنص الروائي ومطابقته للزمن وللواقع فإذا صح أخذنا به وإلا فلا ، ولذلك وقفنا كثيراً عند أحداث وقعة كربلاء ما جاء منها بلسان الرواية ولسان الخطيب ، وحاولنا التطبيق على الواقع مستهدفين أبراز الجانب الإنساني والحضاري الحي للوقعة ، فنتج عندنا لون من الضبط الأيقاعي لرواة الأخبار ومتونها ، فحذفنا من تأريخية الثورة الحسينية رجال أشتهروا بالكذب من أمثال ( أبو جميلة وسفيان بن وكيع ) وغيرهم ، ودققنا فيما نعتبره تاريخ للسلف الصالح فوجدنا أراءهم في رجال الحديث فيما يخص وقعة كربلاء تؤكد ماذهبنا إليه ، وما سجلناه في أطروحتنا هذه ،وحاولنا جاهدين أن نجعل من هذه الأطروحة معاصرة لنفسها وللعقل كل عقل موافقة للثقافة الجماهيرية العامة ، وعلى أختلاف درجة القراء ، فهي إذن محاولة لتقريب الذهن إلى حقائق وقعة كربلاء ، ولما قدمناه من فرز موضوعي لكل مايمكن أعتباره مادة مقروءة أو مسموعة في هذا المجال ، ولربما نكون قد وفقنا للاجابة منطقياً عن السؤال الذي عاصرنا في هذه المقدمة عن الكيفية التي يجب أن نقرأ التاريخ فيها ومن خلالها ، ويكون تأكيدنا على الأزمة في كل ذلك مرجعه إلى الخطيب تأكيداً في محله لأن الخطيب المنبري لا يستخدم ولا يعتمد على أدوات وآليات العلم ويعتمد فقط على ما قد سمعه وكرره على أسماعه الخطباء الأخرين ، أنها الأزمة التي يعاصرها الفكر حينما يصطدم بتاريخية الثورة الحسينية وأهدافها .ولقد كان أهتمامنا في أزاحة بعض العراقيل في هذا الأتجاه ، لعلنا نبلغ الهدف وهو الهدف الذي يطمح إليه كل من يعشق الحسين وأهدافه وثورته عشقاً عقلياً لا مزاجياً عاطفياً تؤثر به قوى السلطة وأجهزتها ومنظومتها السلطوية كما حدث حينما منعت شعائر الحسين من الأداء ، نحن نريد بناء جيل ينسجم مع طموحات الحسين بشكلها الرسمي المقرر الصحيح لا بلونها المزيف المادي المفرق بألوان الضعف والذي يمارس الطقوس كحاجات عرفية رتيبة ويطبقها كوهم مسرحي تقوده أحياناً إلى الوقوع بالمحذور ، أننا ندعو لقراءة تأملية تطبيقية لكل الأوراق التاريخية ليكون مشروعنا حضارياً معاصراً لنفسه وللزمن الثقافي ويكون ممتداً لا أمتداداً عفوياً تلقائياً قهرياً بل علمياً وموضوعياً وقائماً على قواعد تؤسس وتنتج ولكنه ليس أنتاجاً مكرراً بل تقدمياً يدعو إلى الوحدة والتحرر وإقامة الحكم الألهي وتلك هي غاية الحسين وهدفه ولا بد أن يكون تأريخنا مواكباً لتلك الدعوة ويعمل على تحقيقها .وليس تلك عملية تصويرية أو مثالية قابعة في المخيال الأسطوري بل هي حاجة ضرورية أكدتها التجربة والرغبة والشعور بالمسؤولية تجاه ألتزامنا الواعي الحر برسالة الحسين في دنيا الناس ، وليست هي دعوى نثيرها بل هي تحديد لملامح وطبيعة الشخصية في دورها الريادي العملي لا التنظيري المتدني في سلسة مراتب الفقه السياسي وأدب السلطان الذي صاغته عقلية خطابية موجهة برموز معينة ، ومدفوعة بنظام مرجعي خاص ... فلنتجاوز كل ذلك ولنحدد رغبتنا في أن نكون معاصرين لزمننا الثقافي فاعلين فيه غير منفعلين .وهذا لا يتم إلا بحدود ما يمكن تغييره في الأحكام الزمنية لا الثابت من النظرية .[ وما توفيقي إلا باللله عليه توكلت وأليه أنيب15 رمضان 1410 هجرية 15/4/ 1990مالركابي
|
|
|