الفصل السادس مفهوم الخطاب في القراءة التأريخية الخطاب الأول إن حركة الإمام الحسين كانت طبق رأي جميع العقلاء والساسة في ذلك العصر ، ولم يكن عمله على خلاف رأيهم ، يعني أن ثورته لم تكن ضد رغبة وأرادة عقلاء ذلك الزمان ، بل أستمدت قوتها من رأيهم ، ومن الأدله على ذلك ماكتبه إليهم من رسائل وخطابات وما عمله في الساحة السياسية . بديهي ان أهم مبدأ يعتز به الإسلام ، هو مبدأ الشورى في العمل السياسي والإجتماعي ، وهو عنده الآصل الأساس في البناء الإسلامي الشامل ، ولما طرح الإسلام هذا المبدأ كشعار في العمل السياسي كانت الدنيا تضج بالاحكام الطغيانية والديكتاتورية الفردية عند الرومان وفي بلاد فارس ، فليس للشعب عندهم حق في المشاركة بصياغة القرار السياسي ..وقد ورد هذا المبدأ في النص القرآني مخاطباً رسول الله : ( وشاورهم في الأمر ) آية 158 من آل عمران ، ومعنى الخطاب ، أن يا رسول الله شاور الناس في ما يهم مصلحة أجتماعهم ، ولما كان التكليف منوط برسول الله فقد عمل الرسول بناء عليه وشاور الناس في أمور أجتماعية وعسكرية وسياسية متعددة، وربما فعل الرسول بالشورى الأصحاب تاركاً العمل برأية في كثير من المواقع كما في معركة بدر وأحُد والخندق (2)(راجع كتابناالأسس السياسية وامذهب الواقعي ص 235 ـ 348 ) .وهكذا فعل أمير المؤمنين مع أصحابه في شؤون البلاد الإجتماعية والسياسية وكذلك في حروبه ، فقد دعا الناس إلى إجتماع عام وشاورهم . في ما يخص حرب صفين وعمل وفق رأي الأكثرية (3)(راجع شرح بن أبي الحديد للنهج ص 171 ـ 195 ) وهكذا فعل الإمام الحسين عندما خرج من المدينة كتب قائلاً : أسير سيرة جدي محمد وأبي علي بن أبي طالب (4)مقتل الخوارزمي ج1 ص189 ) والإمام من أحرص الناس تطيبقاً لنهج جده وابيه ومبدأ الشورى أصل نبوي عقلي قرآني محمدي علوي . ولابد بناء عليه أن تكون حركته داخل في سياق المبدأ ونظامه . فالإمام لم يتحرك مباشرة إلى الكوفة تلبية لدعوة رجالها ، بل أنه حاول أن يأخذ رأي عامتهم ليرى ما إذا كانوا مع تحركه أم لا ، وفي الأتجاه الشوروي أرسل بن عقيل سراً إلى الكوفة ليقف عند ذوي العقل والدراية ويستطلع رأي الناس عن قرب ، وقد كتب الإمام في رسالته مع مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة قائلاً : .. ( وقد فهمت كل الذي أقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إليَّ أنه قد أجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكاً إنشاء الله .. )(لأرشاد الشيخ المفيد ص 204)(1) ونلاحظ في هذا النص أن الإمام قد أولى أهمية خاصة لرأي العقلاء والساسة المخلصين فيما أذا كانوا مع ثورته وتحركه أم لا ؟ والإمام أكدفي رسالته تلك على أمور لاثة تعتبر معرفتهن على غاية من الأهميةوالرر الأمور هي الثلاث كلمات : 1 ـ الملاء 2 ـ وذو الحجى 3 ـ وأهل الفضل وذوي الحجى هم العقلاء وأهل الرآي والحكماء .وأهل الفضل كلمة تعني الزيادة وأهل الفضل هم الأكثرية فهماً وشعوراً بالجانب السياسي والإجتماعي . والإمام كما ورد في النص . أمر مسلم بن عقيل أن يأخذ رأي هؤلاء جميعاً بأعتبارهم الأكثر فهماً بالأوضاع الإجتماعية والسياسية وشؤون الدولة وأحوال الناس . وأيضاً أمره أن يطلع بدقة على وجهات نظرهم تجاه القضايا السياسية الملحة ، ويؤكد الإمام على الجانب الأهم وهو فيما لو قدم إلى الكوفة هل يستطيع أن يستلم الحكم بسهوله وما هي الأمور المساعده في ذلك ؟ وهل هناك إجماع حول تحركه أم لا ؟ ولما كان مسلم مكلفاً بنقل وجهات النظر تلك إلى الإمام فقد كتب إليه أن جموع المخلصين من أهل الرأي والحكمة وأهل الفضل يؤيدون قدومكم إليهم ، وأخذ زمام الحكم في الكوفة ، وهذا كان له كبير أثر في حركة الإمام وتوجهه نحو الكوفة .إذن فلم يكن تحرك الإمام إلى الكوفة عفوياً أو تلقائياً ، أنما كان مشروطاً برأي الملأ وذوي الحجى والفضل ، ويُفهم من ذلك ان الإمام لو كان يعلم بأن رأيهم على خلاف ذلك لما تحرك إليهم ، وهذا القول نلتزم به وقد جاء في كتاب الأخبار الطوال قرينة عليه ؛ ( يا ابن عم قد رأيت أن تسير إلى الكوفة فننظر ما اجتمع عليه رأي أهلها فإن كانوا على ما أتتني به كتبهم فعجل عليَّ بكتابك لآسرع القدوم عليك وإن تكن الأخرى فعجل الأنصراف ) (2) (الأخبار الطوال ص 23 )إذن فمسلم كان مكلفاً بالتحقيق في أوضاع الكوفة ومأموراً بأن يبعث الأخبار الدقيقة والمفصلة عن ذلك لأن عمله هذا ثقيل وحساس ويحتاج إلى تأمل وإعادة نظر في كل ما يسمع أو يرى وبعد أن قام بتحقياقته في غضون الأربعين يوماً كتب إلى الإمام : يخبره ببيعة الناس له ويأمره في القدوم عاجلاً (3) (الأخبار الطوال ص 205 ــ والأرشاد الشيخ المفيد ص 205 ) ومعنى ذلك أن الناس قد أجتمع رأيهم على نصره وبيعته وبالخصوص ذوي الرآي والسياسة وإن الظرف السياسي والأجتماعي مناسب لدعوته لتشكيل الحكومة الألهية . : فأكثر أنصار أهل البيت كانوا في العراق وبالذات في الكوفة التي كانت مهد خلافة الإسلام بعهد أمير المؤمنين ، ولما كانت نتيجة الأستطلاع الذي قام به مسلم في الكوفة فأن الإمام حاول أن يستطلع رأي شيعته وأنصاره في مدن العراق الأخرى كالبصرة والحجاز ، فقد كتب رسالة إلى زعماء البصرة ضمنها نصاً واحداً في العمل من أجل إحياء السنة وإماتة البدعة ، والعمل بكتاب الله وسنة نبيه (ص) وهذا نص رسالته إليهم ( إن السنة قد أمُيتت وإن البدعة قد أحُييت وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ..) (1) (راجع تاريخ الطبري ج4 ص266) ومن بين تلك الشخصيات التي بعث إليهم الإمام برسالته هذه [ الأحنف بن قيس الشخصية العربية السياسية البارزة ] والذي كان يُضرب به المثل في التعقل والفطنة والدراية .أيضاً بعثها الأمام إلى يزيد بن مسعود النهشلي الذي أجاب الإمام بكتاب يتضمن أستعداده لنصرته وتلبية أمره وطاعته (اللهوف ص 38 ــ 34 ) وهذا الرأي منهم يُضاف إلى رأي أهل الكوفة وزعمائها في لزومية التحرك من الإمام وكذلك فعل الإمام عندما أستطلع رأي أهل الحجاز من بني هاشم في تحركه ومن بينهم محمد بن الخنفية ومسلم بن عقيل وزين العابدين وعلي الأكبر وأبي الفضل العباس وأخوه مسلم .. وقد حصل الإمام من جميع تلك المشاورات واللقاءات والتحقيقات والكتب سواء منه مباشرة أو من ممثليه في الحجاز والكوفة والبصرة ، على النتيجة التالية : إن شيعته وأنصاره يرون في تحركه ضرورة إسلامية ملحة وأن عدم التحرك في ذلك الوقت يُعد من الذنوب الكبيرة ، وقد كان لبعض شيعته هؤلاء دور ، مؤثر في نهضته ، وسنذكر بعضاً منهم مع ترجمته كما نص عليها العلماء 1 – سليمان بن صرد الخزاعي) عظيم له قدر وشرف في قومه وشهد مع علي بن ابي طالب مشاهده كلها الجمل وصفين والنهروان ) ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 2 ص 351 ابن الأثير طبع بيروت )(3) .2 – المُسيب بن نجية الكوفي) خرج مع سليمان بن صرد وأستشهد معه في معركة عين الوردة [ التوابين ] شهد القادسية ومشاهد الإمام علي كلها الجمل وصفين والنهروان ) (تهذيب التهذيب ج 10 ص 154 العسقلاني طبع بيروت (4) .3 – رُقاعة بن شداد البجلي الكوفي ) قال النسائي ثقة وذكره أبن حبان في الثقات [ تهذيب التهذيب ج 3 ص 281 ] .4 – حبيب بن مظاهر الأسدي) من شيعته ومن المؤسسين لحركته في تشكيل الحكومة ، وقد أرسل إلى الإمام مع جماعة من أهل الكوفة يطلبون منه القدوم [ تاريخ الطبري ج4 ص 261 بتصرف ]5 – ( محمد بن بشير الهمداني) هو الذي دعا لأجتماع أهل الكوفة قال : أجتمع أهل الكوفة بمنزل سليمان بن صرد ، وذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه فقال : لنا سليمان أن معاوية قد هلك وإن حسيناً قد تقبض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكة ، [ تاريخ الطبري ج 4 ص 261 ـ 264 ] .6 – (مسلم بن عوسجة الأسدي ) والذي قيل فيه أنه من محبي أهل البيت وكان أميناً لسر مسلم بن عقيل والرابط بينه وبين الناس [ تاريخ الطبري د 4 ص 270 ] وقال فيه أحدهم : اما والذي أسلمت له لرُب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم لقد رأيته يوم سلق أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تتأم خيول المسلمين [ تاريخ الطبري ج 4ص 332 ] .7 – (هاني بن عروة المرادي )؛ وهو الذي آوى بن عقيل في بيته وتحمل في سبيله الموت ويروي أنه قال لأبن زياد : أشخص إلى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم ، فإنه قد جاء حق من هو أحق من حقك وحق صاحبك [ مروج الذهب ج 3 ص 67 ] .8 - (شريك بن الأعور بن الحارث الهمداني) ، شهد مع علي صفين وكان من ذوي رأي وصلاح وهو الذي قال لمسلم ابن عقيل عندما عاده ابن زياد في منزل هاني : إن هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس فأخرج إليه فأقتله ثم أقعد في القصر ليس بينك وبينه فأن برئت من وجعي هذا سرت إلى أهل البصرة وكفيتك أمرها [ تاريخ الطبري ج 4 ص 271 ] .9 – يزيد بن مشعود النهشلي ) كان من زعماء البصرة الذين كاتبهم الإمام وقد أجاب الإمام بما يسر الخاطر وقد دعا بني تميم وبني حنظلة وبني سعد للإنضمام تحت رايته [ اللهوف ص 38 ــ 44 ابن طاووس ] .10 – (يزيد بن ثبيط ــ وفي الطبري نبيط ــ) قال السماوي في أبصار العين ثبيط بالثاء المضمومة والياء المفتوحة ــ العبدي وكان من شيوخ البصرة ومن الذين أمنوا برسالة الحسين وكان له عشرة أبناء فقال لهم : أيكم يخرج معي فأنتدب معه إبنان له هما عبد الله وعبيد الله فقال لهم : أني قد أزمعت على الخروج ، وأنا خارج .. حتى أنتهى إلى الحسين [ تاريخ الطبري ج 4 ص 263 ] .11 – عبد الله بن يزيد بن ثبيط العبدي) أختار الوقوف مع الحسين كما ورد ذلك في ترجمة أبيه [ تارخ الطبري ج 4 ص 263 ] .12 – عبيد الله بن يزيد بن ثبيط العبدي) وهو الأبن الثاني من أبناء يزيد اللذين خرجوا لنصرة الحسين [ تاريخ الكبري ج 4 ص 263 ] .جملة أعتراضية إن يزيد بن ثبيط كان شديد التمسك بالإمام الحسين وبرسالته . وقد روي الطبري : أنه لما دخل ابن ثبيط في رحلة بالأبطح ، وبلغ الحسين مجيئه . فجعل يطلبه وجاء ابن ثبيط إلى رحل الحسين فقيل له أنه خرج إلى رحلك فأقبل في أثره ، وجلس الحسين في رحل يزيد بن ثبيط حتى ، جاء ، فلما وجد يزيد بن ثبيط الحسين جالساً في رحله قال : ( بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا ) يونس آية 58 ، وجلس إليه فأخبره بالذي جاء له بخير ثم أقبل معه حتى أتى فقاتل معه فقتل هو وابناه [ تاريخ الطبري ج 4 ص 26313 – عمرو بن عبد الله أبو ثمامة الصائدي كان مخلصاً في إيمانه وتقواه وكان أميناً لسر مسلم بن عقيل يجمع المال والسلاح وكان ثقة صدوق [ الآرشاد ص 187] حتى قيل في حقه أنه مثال الكمال في الصبر والأستقامة والشجاعة وهو القائل يوم عاشوراء مخاطباً أبي عبد الله : لا تُقتل حتى أقتل دونك .. وأحب أن ألقي ربي وقد صليت معك هذه الصلاة التي قد دنا وقتها [ تاريخ الطبري ج 4 ص 334 ] .14 – عابس بن أبي شبيب الشاكري رجل الإخلاص والتقوى حضر أجتماعات زعماء الكوفة حول بيعة الإمام وقد ذهب إلى مكة ليلاقي الإمام فيها وهو القائل : إني لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم ... والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه لأجيبنكم إذا دعوتهم ، ولأقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله [ تاريخ الطبري ج 4 ص 264 ] .ولقد قاتل يوم عاشوراء قتال الأبطال حتى قال عنه أحدهم : هذا أشجع الناس وقال أيها الناس هذا أسد الأسود هذا أبن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم رجل لرجل فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة قال : فرمي بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شدّ على الناس فوالله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب [ تاريخ الطبري ج 4 ص 338 15 – قيس بن مسهر الصيداوي الكوفي رجل الأخلاص والأيمان جاء إلى مكة ليلاقي أبي عبد الله وكان أميناً لسره ، أرسله إلى الكوفة مع مسلم بن عقيل ولكنه رجع إلى مكة حاملاً رسالة من مسلم بن عقيل إلى الإمام رجع من المضيق من بطن الخبيت [ تاريخ الطبري ج 4 ص 262 ــ 263 ] من مكة إلى الكوفة ، وقد بعثه الإمام إلى الكوفة يدعوهم إلى أستقباله ، قال الطبري ( وأقبل قيس مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى أذا أنتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن النمير قائد شرطة ابن زياد إلى الكوفة مسجوناً .... وقال له ابن زياد أصعد إلى القصر فسب الحسين بن علي فلما صعد القصر ، قال : أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله أبن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه , ثم لعن عبيدالله ابن زياد ... فأمر به ابن زياد أن يُرمى به من فوق فرُمي فتقطع فمات [ تاريخ الطبري ج 4 ص 297 ـ 298 ] .16 – زهير بن القين البجلي رجل الأيمان والطهر ذهب إلى فتح بلنجر وحرب أرمينيا قبل مقتله بأربعين عام ، ولما عزم على الخروج مع الحسين قال لأصحابه : ألا فمن أحب مكنم أن يتبعني ، ومن رغب عن ذلك فإنه آخر العهد مني ، ثم قال : سأحدثكم حديثاً غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي ، أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم فقلنا : نعم ، فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم [ تاريخ الطبري ج 4 ص 298 ـ 299 ] .روي الطبري أنه لما زحف القوم يوم عاشوراء يُريدون حرب الحسين خرج إليهم زُهير بن القين على فرس له ذنوب وهو شاك في السلاح فقال : يا أهل الكوفة نذار لكم عن عذاب الله نذار إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن إخوة على دين وملة واحدة ... ثم قال : إن الله قد أبتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد لينظر ما نحن وأنتم عاملون .. إلخ خطبته الشهيرة فقال له الحسين : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه ، وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والأبلاغ [ تاريخ الطبري ج 4 ص 324 ] .17 – الطرماح بن عدي الطائي رجل الأيمان والنصيحة ، روي أنه لما رأى جيش الحر بن يزيد الرياحي قد حاصر الحسين قال له : والله إني لأنظر فما أرى معك أحداً ولو لم يُقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم مُلازميك لكان كفىفإن أردت أن تنزل بلداً يمنعُك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى أجا أمتنعنا والله به عن ملوك غسان وحمير ، والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجا وسلمى من طئ فو الله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتينك طئ رجالاً وركباناً ثم أقم فينا ما بدا لك فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم .. فقال له الحسين : جزاك الله وقومك خيراً إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الأنصراف ، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه ...وروي أن الطرماح بعد ذلك قال للحسين : إني قد أمُترت لأهلي من الكوفة مُيرة ومعي نفقة لهم فأتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فو الله لأكونن من أنصارك ، قال : فإن كنت فاعلاً فعجل رحمك الله ، قال : فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل قال : فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت فأخذ أهلي يقولون إنك لتصنع مرتك هذه شيئاً ما كنت تضعه قبل اليوم فأخبرتهم بما أريده ، وأقبلت في طريق بني ثُعُل حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات أستقبلني سماعة بن بدر فنعي الحسين [ تاريخ الطبري ج 4 ص 306 ـ 307 ] .18 – الضحاك بن عبد الله المشرقي رجل القتال الذي جاء للحسين يُخبره خبر الناس قائلاً : جئنا لندعو الله إليك بالعافية ، ونحدث بك عهداً ونخبرك خبر الناس [ تاريخ الطبري ج 4 ص 317 ] وقد قاتل يوم عاشوراء راجلاً وقال : قتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد أخر ، وقد أذن له الحسين بالأنصراف من المعركة يقول : ثم أذن لي الحسين بالخروج فركبت فرسي وأستويت على متنها ورميت بها عُرض القوم ، وقد تبعني منهم خمسة عشر رجلاً .. [ تاريخ الطبري ج 4 ص 339 ] وقد روي الضحاك بن عبد الله المشرقي كثيراً من وقائع أحداث كربلاء ، وهو الذي روي خطبة الإمام يوم عاشوراء قال : أبو مخنف حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال : لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب .. الخطبة [ تاريخ الطبري ج 4 ص 321 ـ 323 ]19 – المختار بن أبي عبيدة الثقفي رجل السياسة وهو الذي أنتقم من قتلة الحسين وقد أمتلك الكوفة وكان من أتباع أهل البيت كما يظهر من سيرته .. ولهذا أتخذ مسلم بن عقيل بيته مقراً كما روي ذلك لوط بن يحيى قال : ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيده [ تاريخ الطبري ج 4 ص 264 ] وهذا يدل على أن للمختار دوراً مباشراً في حركة مسلم داخل الكوفة وبين أهلها ، وقد روي الطبري أنه لما خرج مسلم في الكوفة وبين أهلها ، خرج معه المختار براية خضراء ركزها على باب دار عمرو بن حريث محارباً ابن زياد ، [ ولما أعتقل مسلم تخفى المختار وقد أعطى ابن زياد جائزة لمن يعثر على المختار ] ثم أتى به وحبسه [ تاريخ الطبري ج 4 ص 206 ] وقد أطلق ابن زياد سراحه من السجن بكفالة عبد الله بن عمر زوج أخت المختار الذي توسط له عند يزيد فكتب يزيد إلى أبن زياد أن يطلق سراحه من السجن [ الحسين في طريقه للشهادة ص 108 ] .20 – برير بن خضير الهمداني من أصحاب أمير المؤمنين كان معلماً للقرآن في الكوفة ، قال عنه أحد أعوان عمر بن سعد : إن هذا برير بن خضير القارئ الذي يُقرُئنا القرآن في المسجد .. وقد روي الطبري أن زوجة قاتل برير قالت لزوجها عندما رجع من المعركة : أعنت على أبن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد أتيت عظيماً من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً [ تاريخ الطبري ج 4 ص 329 ] وقد ذكر الطبري إن بريراً كان يهازل عبد الرحمن يوم عاشوراء فقال له عبد الرحمن : دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل فقال له برير والله لقد علم قومي إني ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله أني لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا إن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا [ تاريخ الطبري ج 4 ص 321 ] .إن الأسماء التي ذكرناها هنا تمثل الساسة والعقلاء في ذلك الزمن وقد أجتمعت كلمتهم كما مر في تراجمهم على لزوم تحرك الإمام وإن تحركه يمثل أحد الضرورات الواجبة وعدمها يمثل الذنب الكبير ، وقد ساهم البعض منهم بقوة في حركة الإمام من أجل تشكيل حكومة العدل الالهي على يديه ومن بين هؤلاء سُليمان بن صرد والمُسيب بن نجية وحبيب بن مُظاهر والمختار بن أبي عبيدة ، ومنهم من لحق بالحسين بعد أستشهاد مسلم كحبيب بن مظاهر والبعض أودع السجن كسليمان بن صرد والمختار (الحسين في طريقه للشهادة ص 6) )طبيعي أن هؤلاء النفر من الرجال قد أختاروا هذا الطريق من دون ضغط أو ممارسات فوقية إنما هم قد دعتهم الحاجة بعد هلاك معاوية لأعادة الحكم للشورى وأختيار الإمام الحسين لهذا الحكم ومن البديهي أنهم قد توصلوا إلى هذه النتيجة وهي ؛ لما هلك معاوية كان يزيد لا يستطيع أن يُقيم النظام كما كان على عهد معاوية ، وإن الوضع العام قد تغيرت معالمه ولئن يزيد معلوم لدى الكافة وضعه وخلقه وطبيعته ، وليس غير الإمام رجلاً قادراً على تولي الحكم الخلافة المسلمين نعم إن الذين ذكرناهم لم يكن واحداً منهم من بني هاشم وهذا يعني أن قرارهم بدعوه الإمام كان يقوم على حسابات أسلامية ومصالح عليا يتطلبها النظام العام وأن الإمام لما بعث مسلم وأشترط عليه أن يستقرئ الأوضاع الداخلية ضمن المعايير المنطقية ورأي الساسة والعقلاء كان يهدف إلى أن يجعل التصورات منطقية على الواقع ، والإمام لم يغفل دور بني هاشم في عملية التغيير والبناء لذلك شاورهم في الأمر ودعاهم إلى نصرته والدفاع عن اهدافه ، ولقد أبدى البعض منهم أرتياحاً ملحوظاً لهذه العملية ووجدوا فيها أنتصاراً لقيم السماء في تشكيل حكومة العدل الألهي المؤسسة على أمر الشورى ومن بين أولئك الرجال الذين شاورهم وشاركهم في الرأي 21 – علي بن الحسين زين العابدين .22 – علي الأكبر بن الحسين23 – العباس بن علي بن طالب .24 – مسلم بن عقيل .25 – الحسن بن الحسن المعروف بالحسن المثنى .26 – أبو بكر بن علي بن أبي طالب .27 – عبد الله بن علي بن أبي طالب .28– جعفر بن علي بن أبي طالب .29 – عثمان بن علي ابن أبي طالب .30 – ( محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن علي الأصغر (تاريخ أبن عساكر ص 228 تحقيق المحمودي )(1)31 – جعفر بن عقيل .32– عبد الرحمن بن عقيل .33– محمد بن عقيل .34 - محمد بن أبي سعيد بن عقيل .35 – عون بن عبد الله بن جعفر أبن زينب .36 – ( محمد بن عبدالله بن جعفر (هو ليس أبن زينب بل أمه أخرى كا ذكر في مقاتل الطالبيين ص 91 )(2) .37 – محمد بن عقيل ـ استشهد في كربلاء . ( مقاتل الطالبين ص 94)(3)38 – عبد الله بن مسلم بن عقيل ـ استشهد في كربلاء (مقاتل الطالبين ص 94)(4) .39 – أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ استشهد في كربلاء (مقاتل الطالبين ص 87 )(5) .وهؤلاء جميعاً من بني هاشم ساهموا في رأيهم تجاه حركة الإمام الحسين ونهضته وقد أعتبروا أن المشاركة فيها أمراً واجباً ولازماً وضرورياً .هل فرض الإمام رأيه على الأخرين ؟ لاينبغي لأحد أن يظن بأن الإمام قد فرض رأيه بالأكراه على بني هاشم وأنه قام بعمل أرتجالي خاص وذلك لأنه وسيرة الإمام علي القائمة على مبدأ الشورى التشاور وليس على الغلبة والأكراه . أولاً : إن الإمام لم يفعل ما يخالف حكم الله وسنة نبيهثانياً : وأنه من غير الجائز أن نعتير شخصيات بارزة مثل العباس ومسلم بن عقيل شخصيات طفيلية او أنها تابعة دون وعي وأختيار وإرادة وأنهم شاركوا في ملحمة ووقائع نهضة الإمام دون بحث وتشاور وأبداء الرأي ووجهات نظر في هذه المسألة الحساسة .. وعند تتبعنا لخطوات عمل مسلم في الكوفة نجدها خطوات قائمة ومرسومة ضمن خطة المبدأ في التشاور إذ أنه لم يفرض على اهل الكوفة البيعة اللإمام وإنه لم يكن مأموراً بفرض ذلك قطعاً . والإمام لم يفرض رأيه على بني هاشم بل تركهم أحراراً فيما ينتخبون وبعد ذلك يقرروا ما يريدون . وهذا الأمر السلوكي من قبل الإمام نلاحظه فيمن شاركه في النهضة من إخوته من بني أبيه ، قال الطبري كان لعلي بن أبي طالب أربعة عشر ولداً (1)( تارخ الطبري ج 4 ص 119 )في حين لم يشاركه في النهضة من أخوته إلا ستة كما ذكر ذلك أصحاب السير والتاريخ . وهذا دليل قوي فيما نحن بصدده فالإمام لم يُجبر أحداً على المضي معه والأشتراك وإياه في نهضته ، وقد ذكر ابن طاووس : أن عمر بن علي بن ابي طالب أخو الحسين كان على خلاف رأي الإمام في نهضته ويذكر أنه قد بايع يزيد (اللهوف ص 27 ) وقد قال الإمام الحسين قبيل خروجه من المدينة لمحمد بن الحنفية ؛ إنما خرجت لمكة بأخوتي وبني وأبناء أخوتي وأبناء عمومتي ورأيهم من رأيي (2)(مقتل الخوارزمي ج1 ص188 ) وهذا دليل أخر على أن الإمام إنما أكد على رأيهم وأنهم إنما جاؤوا معه بإرادتهم وأختيارهم النساء والشورى هناك ملاحظة يلزم أن نؤكدها قبيل البدء في الدخول بعنوان البحث ؛ تعتبر المرأة في النظام الإسلامي الجزء الأهم في ذلك النظام ومن هنا فالبلدان التي تطبق فيها شريعة الإسلام تعطي للمرأة دوراً في المشاركة فيما يهم البناء الحضاري داخل حدود الدولة سواء في القضايا الإجتماعية والسياسية والثقافية وفي أحيان كثيرة القضايا العسكرية ، وإن لها كامل الحق في التصويب والتخطئة للمقررات واللوائح والبنود التي تتناول الأدارة والنظام والإقتصاد ولعل أكمل مثال لدينا في هذا الإتجاه ، البيت النبوي ونساء النبي وبناته خاصة .. .والثورة الحسينية أمتداد في عمق الزمن الحضاري لذا تكون المشاركة فيها قائمة على مبدأ الحرية في الأختيار والتبني والطرح والممارسة ، من هنا كانت مشاركة زينب وأم كلثوم تدخل في هذا الأطار وتحافظ عليه إنها لم تكن مشاركة عاطفية إنما كانت تبنياً لمشروع حضاري وفكري وسياسي . يعني التبني لقضايا سياسية لابد أن يكون لهن رأياً كامل فيها بحرية وأسقلال . وقد ذكر الطبري ان بنات علي كن سبع عشرة بنتاً (4)(تاريخ الطبري ج4 ص119) ولم تشارك الإمام في نهضته منهن إلا زينب وأم كلثوم [ ويقول الطبري فاطمة ج 4 ص 353 ] فزينب كانت على علم كامل بمجريات الثورة ولذلك نشاهدها تخاطب يزيد في الشام وابن زياد في الكوفة بخطاب بليغ عميق مرهف يتدفق منه الوعي المدرك للهدف السياسي لثورة الإمام وغاياتها ، ونفس الشئ بالنسبة لأم كلثوم التي واجهت اهل الكوفة بخطاب بليغ تتدفق منه معاني الثورة السياسية فقد ذكرتهم بمبادئ الثورة وأسسها ، وهذا يعني أنهن كن في كامل الحرية والأختيار فيما أخترن من نهج وطريق وهذا الأمر الذي جعلنا نضيفهن إلى قائمة المؤيدين من ذوي الخبرة والرأي والمعرفة السياسية، وهذا هنا تأكيد نضيفة إلى حيثيات الثورة وأبعادها فلولا تلك الرؤية لما كان لهن ذلك الدور الريادي في قيادة الإعلام الموجه ضد حكومة يزيد وأعوانه ، وقد مارسن ذلك الدور على أكمل وجه وشواهد التاريخ والمواقف البطولية التي وقفنها لدليل على عمق الهدف الذي جاهدن مع الحسين في سبيله ؛ وأنا أجزم فيما أدعي بأن النصاب معهن أكمل لمبدأ الشورى ونظام العمل به هذه الجماعات التي ذكرناها من أهل العلم والوعي السياسي والتي كان لها دوراً في حركة الإمام ونهضته ، طبيعي ان العقلاء من اهل الكوفة الذين يؤيدون حركة الإمام كانوا أكثر من ذلك بكثير بل ربما وصل عددهم إلى مئة ألف أو يزيدون وإليك التفصيل في البيان المعنوي الأتي :فكتب أهل الكوفة للإمام بأن لك فيها مئة ألف سيف فلا تتأخر (1) (الأرشاد ص 201 ) وقد بعث الإمام مسلماً ليستطلع له صحة هذا القول ويعرف حقيقته وهل كان ذوو الحجى والرأي منهم معه أم لا ؟ وكان مسلماً قد بعث برسالة إلى الإمام يخبره فيها بأجتماع أهل الحجى والفضل منهم معه في جهاد عدوه عدو الله ... وقد أيد بعض المؤرخين ما كتبه أهل الكوفة للإمام بأن له فيها مئة ألف سيف ومنهم 1 – الذهبي في سير النبلاء قال : ( بلغ مجموع الناس الذين كاتبوا الإمام على نصرته مئة ألف رجل .2 – الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي قال : إن مسلم بن عقيل أخذ البيعة من أهل الكوفة كلهم [ تلخيص الشافي ج 4 ص 183 ] .3 – قال الشيخ المطهري : إن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها [ النهضة الحسينية ج1 ص 220 ] .ولو أجرينا فحصاً دقيقاً لهذه المئة ألف رجل المستعدون للقتال تحت راية الإمام ، فكم يكون عدد الملمين بالمسائل السياسية منهم ؟ لعلك تقول لي : أن الكوفة بلدة سياسية مثيرة للجدل وأن ما نسبة 5% منهم على وعي سياسي فيما يدور في شؤون الخلافة الإسلامية وممالكها . وبناء على تلك النسبة يكون ما مجموعه خمسة آلاف رجل من الذين كتبوا للإمام على قدر كاف من الوعي السياسي .ولو تنزلنا وأفترضنا أن 1% منهم بلغوا الرشد في الوعي السياسي لكان عندنا ألف رجل ممن كتب إلى الإمام على مستوى لآئق من الثقافة والوعي السياسي ، وكتاب مسلم بن عقيل للإمام يخبره بأجتماع ذوي العقل والرأي والمشورة ، ومسلم لم يذكر لنا أسمائهم جميعاً ولذا فلا نستطيع تحديد عددهم على وجه الدقة ولكن العدد يتراوح ما بين الآلف إلى الخمسة ألآف . وما ذكرناه نحن من أسماء كان يمثل الخط الأبرز والأكثر نفوذاً في الوسط الإجتماعي والأدق تحديداً لملامح الوضع السياسي له أنذاك . وعليه ظهر بطلان قول القائل بأن حركة الإمام لم تكن على رغبة وإرادة أهل العقل والمشورة . وأتضح ان القول عار عن الصحة ولا دليل عليه سوى المخيال العاطفي الأسطوري ، والأمرعندنا واضح ولمن أراد المزيد فعليه الدقة والتحقيق والتأمل فهي أدوات ووسائل أنتاج بارزة في عمليات الفهم الذهني المستقرئ لمعالم التاريخ وقضاياه ..هدف الحزب الأموي يبدو إن الحزب الأموي وخلاياه وأنصاره دعموا ذلك القول من أجل ممارسة فن التلفيق الإعلامي الذي يهدف إلى تجريد الثورة الحسينية من رصيدعا الشعبي والسياسي والعقلي ، أراد الحزب أن يقول أنها ثورة ضد المصالح وطموحات الناس وأن ذوي العقل قد وقفوا ضدها لأنها تتبنى مشروعاً متعالياً فوقياً لا يأخذ بالحسبان طريقة التفكير العاقلة ومراحلها ، وأنها تستهدف شق وحدة الأمة ونشر الأرهاب وأنتهاج سلوك عدواني ضد قرار الأمة ورأيها ، فقد أشاع الحزب الأموي مرحلياً أن الإمام رفض الأستماع لنصيحة المحبين وذوي العقل من قومه ، وأن تحركه كان ضد رغبتهم وأن أياً من رجال الدين لم يبارك تحركه ذلك . ومن هنا فتحركه ضد الشرع والدين وأن القضاء عليها حاجة أسلامية ومطلباً عقلانياً هكذا كان يبث الحزب الأموي دعايته المغرضة ! والأمر الذي يدعو للدهشة أن كثيراً من وعاظ السلاطين وإلى يومنا هذا يمارسون نفس الدور تجاه ثورة الإمام ، فقد ذكر أحدهم أن الإمام الحسين قتل بسيف جده لأن الرسول قال : ( من أراد أن يُفرق أمر هذه الأمة وهو جميع فأضربوه بالسيف كائناً من كان ) (1) (العواصم من القواصم للقاضي أبو بكر أبن العربي ص 232 وهذا الأدعاء الباطل يخالف سيرة الإمام في دعوته وتحركه فهو لم يبعث مسلم إلا ليأخذ البيعة ويرجع الأمر شورى والذي هو أحق به من غيره وبرضا أهل الكوفة وموافقتهم ، وأن كان العكس أمره أن يعود عاجلاً إلى مكة . فالإمام إنما يقوم بذلك ليثبت للدنيا أن حركته إنما هي حركة كل الناس وطبقاً لآرادتهم ورغبتهم ، وقد نوه الإمام إلى ذلك حينما قال للحر بن يزيد الرياحي وجماعته : ( .. أيها الناس إني لم أتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علىَّ رسلكم أن أقدم علينا فأنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فأن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وأن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين أنصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم .. ) (الأرشاد للمفيد ص 224 )2)وهذا الإعلان من الإمام يأتي رداً مباشراً ضد الحملات الدعائية التي يقوم الحزب الأموي بها ، إذ يؤكد على أن مجيئه يأتي أستجابة لرغبة جماهيرية من أهل الكوفة ، لا لأنه جاء نتيجة لرغبة خاصة مخالفة لرغبة الناس وهذا المعنى يطرحه الإمام لا لمجرد الدعاية فهو يقول : وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين أنصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه .. وهذا تأكيد منه بأن مجيئه كان نتيجة لرغبة الناس وإذا لم يف الناس بالتزاماتهم تجاهه فإنه ينصرف من حيث أتى ، لأن تحركه يهدف إلى تغيير واقع وحياة الناس ودون مشاركتهم بذلك لا يتم ذلك التغيير المرجوا من التحرك ، لكن الحزب الأموي وأنصاره حاولوا إشاعة لون من الدعاية التي تحكم على الثورة بأنها كانت ضد رغبة وطموح أهل الكوفة مستفيدين من بعض الوجوه الأنتهازية ، وأيضاً رغبة في تدعيم خطوطهم الدفاعية في أنحاء الدولة ، ولو أفترضنا صحة الأدعاء الأموي في أن أحداً من أهل العقل والرآي لم يكونوا مع تحرك ونهضة الإمام فهذا الأفتراض يقودنا إلى سلسة أحتمالات وكلها تخالف سيرة وسلوك الإمام ، فلو قلنا ؛ أن عقلاء القوم كانوا على خلاف مع حركة الإمام ! يقودنا هذا إلى نفي كل ما جاء مدوناً في التاريخ عن لسان الإمام أو من خلال كتبه وممثليه ..إن الحزب الأموي يهدف من وراء ذلك الزيف الإعلامي والدعائي تدعيم سلطته وأبراز الجانب السلبي من مواقف الأنتهازيين الذين كانوا على الضد مع البيت العلوي ، وبالتالي تدعيم خطوطهم الدفاعية مستفيدين بالقدر اللازم من تصريحات بعض وعاظهم وعاظ السلاطين كما مر عن صاحب القواصم .
ماذا يعني مخالفة رأي العقلاء ؟ قلنا أن من أبداعات الإسلام العظيمة أنه جاء بمبدأ الشورى في وقت كانت الدنيا تضج بألوان متعددة للإحكام الطغيانية الأستبدادية الجاهلة ، جاء الإسلام بهذا المبدأ العظيم في حين تمارس الدكتاتورية بأبشع صورها عند ملوك فارس وقياصرة الروم .. في مثل تلك الأعصار التي تنتهك فيها حقوق الإنسان علانية وتداس كرامته وحريته وأستقلاله ، جاء ليجعل منه أصلاً وأساساً في التعامل ، فقد أمر النبي الحكام أن يرجعوا إلى الناس في حل قضاياهم يشارونهم فيها ، ولم يكن ذلك من النبي عملاً ظاهرياً كما يتوهمه البعض بل كان امراً واقعياً ، ونفس الشئ فعله أمير المؤمنين أيام خلافته إذ أقامها على أساس مبدأ الشورى [ راجع في ذلك ما دونه ابن ابي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ج3 ص 171 ــ 195 ] . وقد وردت في الحث على الشورى أحاديث متعددة فعن النبي قوله : ( مشورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله ، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فأياك والخلاف فإن في ذلك العطب ) (1)(وسائل الشيعة ج8 ص 426) وقد فعل الإمام الحسين بهذا المبدأ إلى أقصى حدوده ولعل الرواية التي نقلناها عن مقتل الخوارزمي ج1 ص 189 تشير إلى هذا المعنى في تبني سيرة جده وأبيه عليهم السلام ، ومشاورة العاقل الناصح في الأعمال الكبيرة أمراً قرآنياً والشواهد فيما فعله النبي والإمام علي كثيرة ، وكلها تستهدف التأكيد على رأي العاقل فإنه دليل الإنسان في الأجتناب عن الوقوع في التهلكة ومنه يُفهم قول الإمام الحسين هذا : إني باعث إليكم أخي وأبن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي أنه قد إجتمع رأي ملآكم وذوي الحجى والفضل مكنم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرآئت في كتبكم . (الأرشاد للمفيد ص 204 )(2)وهذا القول تأكيد على أهمية رأي العقلاء وأصحاب الأختصاص ، ومنه يظهر أن ثورة الإمام قامت على هذا المبدأ وذلك من مفاخرها ، إذ أنها قامت على أساس العمل بسيرة النبي والإمام علي وسيرتهما كان أساسها الشورى ، إذن فلا يصبح ما أدعاه مدع بأن حركة الإمام من مفاخرها أنها لم تأخذ بعين الأعتبار رأي العقلاء وأهل النصح ! فهذا الأدعاء يخالف علناً منهج القرآن في الدعوة والتبليغ والأقناع والحاكمية فالقرآن يقول : ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أول الألباب ) الزمر آية 18فالثورة التي لا تملك وسائل أقناع وتقوم ضد أرادة العقلاء لا يمكن ان تقنع الناس بصحة توجهاتها حتى وأن أمتلكت القوة فالقوة لا تعني القدرة على الأقناع بقدر ما تعني الأرهاب والأستبداد والظلم وهذا ليس من شؤون عمل الإمام ثم لو تأملت طبيعة الإسلام فستجده قام على الأقناع والأقتناع لا أكراه كما يحلو لبعض المستشرقين أتهامه به . وبعد فالإمام لم يأت عنه نقلاً يقول : إن من مفاخر ثورتي ، أنها قامت على عكس رأي العقلاء ، فهذا الأستنباط بسيط وليس هناك ما يعضده نقلاً أو عقلاً بل الأمر على عكسه نقلاً وعقلاً والأن لو أفترضنا أن جميع العقلاء كانوا على خلاف حركة الإمام ، فهذا يعني أن العقلاء إنما أقاموا تصوراتهم ضمن المعايير المادية ، ولا حظوا أن حركته لا تؤدي إلى تحقيق أهدافها وليس لها حظاً من النجاح ، ولكن هذا الأفتراض ليس صحيحاً لأن من بين الرجال الذين كتبوا للإمام بالقدوم شخصيات معروفة في حساباتها المادية ضمن موازين الربح والخسارة أمثال شبث بن ربعي وحجار بن أبجر وعمرو ابن الحجاج ، فهم لم يكتبوا إليه إلا بعد أن رأوا أن جميع الناس معه وإنه بناء على تلك الشروط فإنه سيكسب النصر ويتولي الحكومة لذلك كتبوا إليه : ( ... فأقدم على جندلك مجندة ) (2) 00تاريخ الطبري ج4 ص 262 )فهؤلاء على علم بالجو السياسي العام وانهم خوفاً من عدم اللحوق بالقافلة كتبوا بعدما رأو الناس وزعماء الكوفة كسليمان وحبيب يلحون بالطلب من الإمام بالقدوم إليهم ، وأنهم وجدوا بذلك الجمع نصراً لا محال لذا كتبوا مع الكاتبين إليه . ومن الظريف أن كتابهم كان أخر الكتب التي وصلت إلى الإمام .. ومن هذا العرض السابق يبدوا أن العقلاء وأصحاب الرآي وأهل السياسة من مؤمنين ومن أهل دنيا . كانوا مع الإمام في نهضته ما حقيقة البيعة ليزيد قال بعض الكتاب أن ثورة الإمام الحسين قامت نتيجة لأسباب ثلاث هي :1 – طلب البيعة من الإمام ليزيد ، والإمام رفض ذلك .2 – دعوة أهل الكوفة للإمام من أجل تشكيل الحكومة .3 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .هذه الأسباب الرئيسية للثورة ، ولكن دار جدل حول ما أذا كان الإمام مستعداً للبيعة أم لا ؟ قالبعض قال : أن الإمام كان مستعداً لبيعة يزيد ، وهذا القول بسيط وليس ذي بال ولكي نوضح بساطة هذا القول وعدم دقته نقول : لو أفترضنا فرض المحال أن الإمام وافق في كربلاء على بيعة يزيد فأن هذا الأمر لا يّمكنه من الحرية . ولا يمكنه الرجوع إلى المدينة بل أن على الإمام أن يظل تحت أرادة ابن زياد . ونحن نعلم أن الإمام لما حوصر من قوات ابن زياد فإن الإمام قد حارب على جبهتين الأولى قام بتوضيح إلى الناس بأن خلافة يزيد هي ضد الفرآن والإسلام العزيز لذا فلا يمكن قبولها ، وبالتاي فلا يجوز مبايعة يزيد والجبه الثانية : أن مبايعة يزيد في هذا المكان تعني الذلة وهذا ما لا يرضاه الإمام إذ هيهات منه الذلة ، وهذا يعني أنه لايمكن أن يبايع يزيد ، أذن فلا يمكن قبول الأفتراض القائل ، بأن الإمام في أيامه الأخيرة كان مستعداً لمبايعة يزيد وسبحان الله ونعوذ بالله من ذلك الأفتراض !وقال البعض أن الإمام لما علم بقتل مسلم ويئس من النصر أراد أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة حكومة يزيد . وهذا القول أيضاً بسيط وليس له ما يؤيده تأريخياً وعلمياً وأني أجده لوناً من التطفل على ثورة الإمام وأهدافها المعلنة والصريحة أراء أبتدائة لعل قائلاً يقول : كيف لأحد ان يكتب على عكس الحقيقة ؟ ولكي نُجيب على السؤال لابد من أعطاء توضيح كبيان للمطلب . اذ أن هناك أتجاهين لدى العلماء فيما يكتبون الأتجاه الأول : يمثل الأتجاه الواقعي في التأليف ويقوم على تبني آخر النظريات العلمية التي تؤسس أفكاراً في البحث والتحليل والدراسة ، والمؤلف حينما يتناول تلك النظريات يقيمها ضمن محتواها الواقعي فقد يرفضها . وهذا الأتجاه يقوم على مدركات العقل واستنباطهالأتجاه الثاني : يمثل الأتجاه البدائي المندفع السريع في أحكامه وهو لايعتمد على الدقة والملاحظة والمراجعة والإصلاح والتكميل وإذا وجد فيه نقصاً فلا يعاد أصلاحه وتكميله ؛ أنما يظل كما هو .1 – فالبعض يعتمد في كتاباته على ما يحفظ وما يتذكر ، ولاريب ان الحفظ والتذكر فيهما أشتباهات كثيرة2 – والبعض يكتب على ما في ذهنه وقد يرد مطلباً ويكتبه ويكون نقيضاً لما في الضمير .3 – والبعض يكتب وهو في حالة الشك والتردد في المطلب وربما نوى تحقيق ما كتب ولكنه لم يفعل .4 – والبعض يكتب المطالب الواردة في الذهن على أنها استنتاجات ثم يتبين خطؤها ؟وأذا تبين ذلك نقول : أن أكثر منتجات الأراء في ثورة الحسين عند الكتاب والمؤلفين تقع في زاوية الأتجاه الثاني من فن التأليف ، وهذا في أعتقادي راجع إلى كونهم ليسوا من اهل الأختصاص والمعرفة . ولو كانوا كذلك لدققوا فيما يكتبون قبل ان تعرض منتجاتهم على الناس ليتمكنوا من إعادة وترتيب ومنهجية المواد التي تناولوها بالدرس والتحليل . ولكنهم يعرضون منتجاتهم كما هي ؛ لذلك يقع الخطأ ويظهر التذبذب ، ولو حللنا هذه الملاحظات الأربع التي ذكرناها ضمن الأتجاه الثاني لتبين لنا 1 – أن الأعتماد على الحفظ يؤدي بالكاتب أن يأتي بمخاريق لا أساس لها من الصحة ، كعرس القاسم يوم عاشوراء مثلاً ، كما ذكرها الشيخ حسين الكاشفي ، الذي قال عنها الشيخ المطهري :أن قصة عرس القاسم في الظاهر من المستحدثات وانها لاتتجاوز زمان السلطنة القاجارية في أيران وهو زمان الشيخ الكاشفي ؛ وهذا القول من المطهري فيه خدشة لأنه ذكر أنها أستحدثت بزمان القاجارية وهو ) زمان الشيخ الكاشفي ذلك لأن الكاشفي توفي سنة 910 هجرية في حين قامت الدولة القاجارية سنة 1931 هجرية ، ومنه يظهر أن بين زمن وفاة الكاشفي وزمن تأسيس الدولة القاجارية 283سنة . ولو أفترضنا أن الكاشفي وضع قصة عرس القاسم قبيل وفاته ب17 عاماً لكان الفاصل بينهما 300 سنة ، ومن هنا يظهر أن قول المطهري قائم على الحفظ والتذكر2 – الكتابة على ما يناقض الضمير وهذا يؤدي إلى مخاريق معنوية كالقول بأن معاوية والأمويين عملوا لمحو أصلين من أصول الإسلام هما : التفرقة العنصرية بين العرب والعجم ، والثاني : التمايز الطبقي بين الفقراء والأغنياء .. وهذا القول مخالفاً لطبيعة الإسلام أذ أن التفرقة العنصرية ليست أصلاً من أصول الإسلام بل أن الأصل هو المساواة بين كافة أفراد الجنس الإنساني ، وبأعتقادي أن كاتب هذا الأمر قد أخطأ التعبير أراد شيئاً وكتب آخر ، وأيضاً التمايز الطبقي ليس أصلاً من أصول الإسلام بل أن الأصل هو العدالة الأجتماعية في تقسيم الثروة والمال والوظائف .3 – الكتابة في حال التردد والشك وهي تؤدي إلى مخاريق كثيرة كالقول بأن الإمام الحسين عنما ألتقى بالحر دعا الناس لينضموا إلى قافلته من اجل أن يُراق أكثر عدد من الدماء ، أذ أنه يعلم أن مساعدتهم له لا تحقق له النصر أو تساعده في أمر دعوته ، أذن فدعوته إليهم أنما يُريد بذلك أن يُراق دماً أكثر ليكون هذا الدم الشئ الذي يكتب جريمة الأعداء وعظمها . ولهذا هم يقولون أن دعوته لعبيد الله بن الحر الجحفي والضحاك بن عبد الله المشرقي وبني أسد تأتي في هذا السياق . ولكنهم وقعوا في ضيق مما كتبوه فهل أن الإمام دعا عبيد الله بن الحر والضحاك المشرقي قبل أم بعد ملاقاته بالحر بن يزيد الرياحي ؟ وهذا يعني أن المؤلف لا يدري ما أذا كانت الدعوة قبل أم بعد الملاقاة اذن فهو شاك في الدليل لذلك استطرد قائلاً الرجوع إلى التاريخ .. أن القول بأن الإمام أراد من دعوته تلك أن يُراق دم كثير ليكون لطمة عار بوجه الأمويين ، هذا القول بسيط ذلك لأن الإمام قال لأصحابه ليلة العاشر من المحرم من أراد منكم الأنصراف فليذهب ليس عليكم من ذمام ، وأني قد أذنت لكم بالأنصراف ، وايضاً لو كان الأمر كذلك لما سمح الإمام للضحاك المشرقي أن يتركه يوم عاشوراء . اذ ان الضحاك أستئذن الإمام بالآنصراف بعد أن قاتل معه وقتل رجلين وقطع يد آخر . روي الطبري ان الضحاك جاء للإمام وقال له : يابن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك أقاتل عنك ما رأيت مقا تلاً فإذا لم أر مقاتلاً فإنا في حل من الأنصراف فقلت لي نعم . قال صدقت وكيف لك بالنجاة ؟ إن قدرت على ذلك فأنت في حل (1)( تاريخ الطبري ج 4 ص 339 ) . ولو كان هدف الإمام هو أراقة الدماء فلما قبل شرط الضحاك من الأساس ، ولما سمح له بالأنصراف يوم عاشوراءعود على بدء البعض قال أن الإمام بعد أستشهاد مسلم ويأسه من نصرة أهل الكوفة أبدى أستعداده لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في معارضته لحكومة يزيد .وقلنا ان هذا القول لا ينطبق على الواقع وليس هناك ما يؤيد سواء في كتب التاريخ أو ما جاء مروياً عن اهل البيت . هنا يجدر التنبيه إلى أنه قد يظن البعض فيما يرى لأول مرة فيحكم على أساسه فيأتي حكمه مخالفاً للواقع واليك المثال : يقول بعضهم أن الإمام تحرك لمجرد دعوة اهل الكوفة له ولو كان غير ذلك لبايع يزيد ولما قام بثورة ضده بمعنى انه لولا تلك الدعوة من اهل الكوفة لما ثار ضد حكومة يزيد وأصبحت حكومته حكومة السلطان العادل وأيضاً جعل بيعة الإمام ليزيد مشروطة بدعوة اهل الكوفة وهذا يعني انه لولا دعوتهم لصار خروجه بغياً نعوذ بالله ....وبالتالي يظهر ان هذه الآراء لا تنطبق على الحقيقة الموضوعية والشواهد التاريخية ومنطق العقل وأكثر ما تؤدي إليه الفهم المشوه لحقائق التاريخ أن تعليل الثورة الحسينية بالأسباب الثلاثة التي ذكرناها سابقاً وهي دعوة أهل الكوفة ، وبيعة يزيد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ليس تعليلاً دقيقاً ولا علمياً لأن امتناع الإمام عن مبايعة يزيد ليس قسيماً للآمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل انه أحد مصاديقه . لأن حكومة يزيد أحد المنكرات بل أكبرها ، وعدم بيعة الإمام ليزيد تعني النهي عن هذا المنكر ، كذلك فدعوة أهل الكوفة هي أحد مصاديق الأمر بالمعروف . أنها تؤدي إلى تشكيل حكومة إلهية بقيادة الإمام الحسين وقبول دعوة اهل الكوفة عامل مساعد في تحقيق المعروف وهو ذاته معروفاً ..لذا فرفض الإمام مبايعة يزيد كان نهياً عن المنكر وقبوله دعوة أهل الكوفة كان أمراً بالمعروف ، وبعبارة أدق ، دعوته عمل بالمعروف يأتي كمقدمة لتحقيق معروف أخر هو تشكيل حكومة العدل الألهي بقيادة الإمام الحسين ومن هنا يتضح عدم دقة التعبير القائل أن أسباب ثورة الإمام الحسين كانت ثلاثة لأن هذا التقسيم كما تبين ليس دقيقاً ولا علمياً ، لأن ذلك التقسيم يشبه قولنا : الإنسان يقسم إلى ثلاثة أقسام1 – حيوان ناطق ، 2 – سلمان ، 3 – أبوذر ،وهذا ليس صحيحاً لأن الحيوان الناطق هو الأنسان ، وأي نوع من الجنس البشري كسلمان ومحمد وابو ذر هم مصداق من مصاديق الحيوان الناطق ، ومصداق الشئ ليس قسيماً للشئ بل هو منه . من هنا ظهرت الخدشة في أسباب الثورة وتقسيماتها لأنه أبتنى على المسامحة . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فالتقسيم من حيث الدرجات ليس دقيقاً ولا علمياً أيضاً . لأنه ينبغي أن تكون النسبة بين أفراد الدرجات كلية ومقاييسه بين الافراد ، لأن الافراد الكلية تقع في مقابل بعضها بعضاً أي في رديفها . ولكن النسبة بين الكلي وبين أفراده ومصاديقه لاتصح . لأنه لا يكون الكلي في مقابل أفراده ولا في رديفهم بل هو شامل لهم وحاوي عليهم ,,, مثلاً يصح أن نقول : ان سلمان أعلى من أبو ذر درجه ، هذه النسبه تصح لأن كل واحد منهم انسان ورديف للاخر . ولكنه لايصح أن نقول ؛ ان درجة الإنسان أعلى من سلمان أو درجة سلمان أعلى من الإنسان ! لاتصح لأن الإنسان ليس في مقابل سلمان بل ان سلمان فرد من أفراده وهو شامل له وحاوي عليه ، انه مصداق من مصاديقه وفرد من افراده ليس إلا .. ولو اعتبرنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنصراً أو عاملاً ففي هذه الحالة تصح النسبة بين عامل البيعة وعامل الدعوة ، فنقول ؛ إن عامل عدم البيعة ليزيد أهم من عامل دعوة أهل الكوفة ، مصداق للآمر بالمعروف إذن فهما في مقابل بعضهما بعضاً ورديف لبعضهما بعضاً .. ولكن ليس صحيحاً أن نقول ؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من عامل عدم البيعة ومن عامل دعوة أهل الكوفة ، لأن عامل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس في مقابل هذين العاملين ، بل أنه شامل لهما ويحتوي عليهما . وكل واحد منهما يعتبر مصداقاً من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا في قبالهما . وقد أشرنا فيما تقدم إلى أنه ليس بين الكلي ومصاديقه نسبة ، أذن فيكون قولنا ؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من عدم بيعة يزيد ومن دعوة أهل الكوفة . يشبه قولنا ؛ الإنسان أهم من سلمان ومن أبي ذر . وقد فصلنا البحث في المعادلتين كما سبق ... ومنه يتبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أهم من عاملي الأمتناع عن البيعة وعامل الدعوة لأن هذا القول ليس دقيقاً ولا علمياً بل أنه مبني على نوع من المسامحة في الأحكام والتعبير الدقيق هو ان نقول ؛ أن ثورة الإمام الحسين هي ثورة أصلاحية قامت على أساس الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد ورد ذلك بلسان الإمام حينما خرج من المدينة أذ بعث برسالة إلى أخيه محمد بن الحنفية يقول فيها : ( إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .. ) ( مقتل الخوارزمي ج1 ص 188 )(1) وتفسير هذا النص يعني ؛ أن الإمام أمتنع عن بيعة يزيد ولبى دعوة أهل الكوفة ، لأن حكومة يزيد منكر عظيم ولا بد أن يعمل على هدمها وينهي عن تأييدها ، والأمتناع عن البيعة من قبل الإمام لاينحصر باللفظ فقط وأنما بالعمل أيضاً والأمتناع يعني تكريس الجهد لنفي هذا الظلم ولما كانت خلافة يزيد منكراً فالأمتناع يمثل النهي عن ذلك المنكر . ودعوة أهل الكوفة مصداق للامر بالمعروف لذلك رتب الإمام عليه أثراً بعد مكاتبة مسلم بن عقيل له . وتشكيل حكومة العدل الألهي أمراً بالمعروف ولما رأى الإمام أن الشرائط المساعدة في تشكيل الحكومة متوفرة تحرك نحو الكوفة ، ولما حوصر هو ومن معه بكتائب جيش أبن سعد صار الحفاظ عنده على أصحابه أمراً بالمعروف فدعا إلى نبذ العدوان والرجوع من حيث أتى ، وأعتبر الاستسلام لأبن زياد منكراً وامتنع وبقوة عن ذلك ، ولما هجم الأعداء عليه دافع وبصلابة حتى أستشهد ، عليه أفضل صلاة المصلين ، فالإمام ما قام بشئ إلا وان يكون أما مصداقاً للامر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، لأن أساس ثورته كانت على ذلك ، ومن هنا لا يصح أن نجعل من عامل عدم مبايعة يزيد أو دعوة أهل الكوفة مقابل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى نجعل من ذلك تسلسلية في اسباب الثورة ونقول ؛ الأولهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثاني عدم بيعته ليزيد ، والثالث دعوة أهل الكوفة قال البعض أن الإمام لو لم تؤخذ منه البيعة ليزيد لما ثار عليه ، وايضاً فإنه لا فرق بين حكومة يزيد وحكومة معاوية وليس للإمام قصد بالجهاد الأبتدائي على حكومتيهما هذا القول يتفرع إلى مطلبين هما المطلب الأول اما حول ثورة الإمام وسببها طلب البيعة منه ليزيد ، فهذا رأي أبتدائي وسطحي ولا ينطبق على الواقع ، لأن الإمام بعد هلاك معاوية تعرض إلى حملة مكثفة من قبل الحكومة لأجباره على البيعة في فترة كانت الحكومة فيها ضعيفة ومهزوزه لذلك بدأ الإمام بأستقراء الوضع السياسي والعسكري ، وهل أن الشروط مناسبة لتشكيل حكومة العدل الألهي التي تقضي على الظلم ؟ هنا ينبغي القول ؛ أن روح الجهاد الأبتدائي في المرحلة الأولى للثورة كان موجوداً عند الإمام . وهذا يعني ان حكومة يزيد لو لم تزاحم الإمام فإن الإمام يفكر في الكيفية التي يمكن أن يقضي بها على ظلم الدولة الأموية ، ولذلك يأتي أستقراء للأوضاع السياسية والعسكرية داخلاً في هذا الأتجاه ، لأنه يُريد من ذلك الأستقراء معرفة ما اذا كانت الشروط الموضوعية لتشكيل حكومة العدل الألهي متوفرة أم لا . أما لماذا لم يفكر الإمام بالثورة على معاوية فهناك اسباب عدة منها أن حكومة معاوية كانت قوية والثورة عليها لاتحقق أهدافها ، ولأنه كان ينتطر هلاك معاوية كما جاء في رسالته إلى اهل العراق (الأرشاد للمفيد ص 179 )(1) فأنه ينتظر ليرى رأيه ، ومن تلك العبارة يتضح أن الإمام كان يُفكر بالثورة حتى في حياة معاوية ، وأنه بعد هلاك معاوية أعاد تقييمه للوضع السياسي والعسكري وقراءته ، ومدى ملائمة الشروط والظروف للثورة على يزيد . وهذا التحليل يدحض قول القائل ؛ بأن الإمام لو ترك دون ان يبايع لما ثار عليه ، نجده قولاً لا ينطبق على الواقع ولا يدل عليه المطلب الثاني اما القول بأنه لا فرق بين حكومة يزيد وحكومة معاوية .. فأن هذا القول رأياً غير صحيح لأن بين الحكومتين فروق كثيرة ، والإمام لديه النية في الثورة عليهما ولكن ضمن الشروط المناسبة ، وقلنا ان الإمام كان يفكر بالثورة على معاوية ولكن الشروط الموضوعية لم تكن مناسبة لذلك أنتظر حتى يهلك ، وأما الجهاد الأبتدائي ضد حكومة معاوية فأن ذلك سيؤدي بالثورة إلى الفشل والتحطيم والدثر . نعم أن الإمام لم يسكت عن مظالم حكومة معاوية على الأطلاق بل كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قولاً وعملاً ولعل من أبرز الشواهد على ذلك الكتاب الذي وجهه الإمام لمعاوية وعدد فيه جرائمه وأنتهاكاته المفضوحة تجاه الأمة الإسلامية ، وأعتبر حكومة معاوية عدوان وظلم وفتنة كبيرة حلت بالأمة الإسلامية : ( وأني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ..) ( رجال الكشي ص 50 )(2)ملاحظة ان الإمام الحسين عاش في ظل حكومة معاوية بعد وفاة الإمام الحسن عشر سنين ولم يقم بالثورة عليه لكنه قام بالثورة مباشرة بعد هلاك معاوية فهل هناك فرق بين الحكومتين ؟ وقد دار جدل حول هذه النقطة بالذات فجماعة قالوا : أن معاوية كان رجل يقوم بالشعائر الدينية ويحفظ في الظاهر شعيرة من شعائر الإسلام ، وأن خطره على الإسلام بحيث يكون فيه القيام عليه ضرورة أسلامية ، وهكذا فعل الإمام الحسين .. وجماعة قالوا : لم يكن معاوية يراعي شعائر الإسلام ولا فرق بينه وبين يزيد ، لو كان معاوية يراعي شعائر الإسلام في الظاهر لرضي عنه أمير المؤمنين علي ولترك تحت يده بلاد الشام في ظل حكومته المركزية ، وبالتالي لما أحتاج الإمام إلى تلك الحرب الضروس وما كلفت من قتلى بلغ تعدادهم السبعين ألفاً وبقدره من المجروحين وقبل التحكيم مرغماً في وقت الحرب ورجوعه إلى الكوفة منكسر القلب مجروح الجنان ، ولو كان معاوية يحفظ ظاهراً من الإسلام لما جيش الإمام الحسن أربعين ألفاً قاصداً لتغيير معاوية ، وما جرى بعد ذلك من صلح مفروض ، كان قبوله أشد ألف مرة من الموت .الظاهر أن معنى حفظ ظاهر الإسلام ، أنه كان يعمل السوء والفحشاء خفية وإنه لم يعمله أمام أعين الناس ولكن ما كتبه التاريخ يعلن أن معاوية أرتكب أفدح الجرائم والجنايات أمام أعين الناس ، فهل هناك جرم أكبر من سب أمير المؤمنين علي على منابر المسلمين التي بناها بجهاده ودمه . وكذبه على النبي صلاته الجمعة يوم الأربعاء وقتله بدون ذنب الصحابي عمر بن الحمق الخزاعي وجماعته وحجر بن عدي واصحابه ، وتحويله الخلافة إلى ملك يتوارثونه ؛ إقامة الحواجز والتفرقة العنصرية والطائفية أو لم تكن تلك الجرائم علنية وأمام الملأ ّ وقد قال الإمام علي في حقه : ( وظاهر غيه مهتوك ستره ) والإمام علي أكثر منا معرفة بهذا الشخص المعكوس ، أذن فلا يحق لقائل أن يقول أن معاوية كان يحفظ ظاهراً من الدين ، فمعاوية هو الذي خلف أبنه على الحكم المعروف بفسقه وفجوره او ليس ذلك ذنباً عظيماً ؟ ومنه ينبغي القول : ان حكومة يزيد هي واحدة من جرائم معاوية ، أذن فلا يجوز القول بأن الإمام لم يثر على معاوية لأنه كان يحفظ ظاهر الدين بل أنه لم يثر لأن حكومة معاوية كانت اكثر استحكاماً بين سنوات الأربعين والخمسين للهجرة ، ومعاوية كما لايخفى سياسي مخادع لذلك فأي نوع من الثورات المسلحة سيكون مصيرها الفشل وبالتالي فلا تحقق النتيجة المرجوة منها ، ومن ذلك يتبين قول الإمام الحسين لأهل الكوفة حينما كاتبوه بعد وفاة الإمام الحسن للثورة ضد معاوية ، إنه لم يعطهم جواباً ولكنه وعدهم خيراً أن ينتظروا حتى يهلك معاوية ، وأما حكومة يزيد بعد هلاك معاوية فكانت حديثة العهد ضعيفة البنية ويزيد ذاته يفتقد للمقدرة والعقل السياسي وأنه متجه سادية نحو اللهو والفسق والفجور ، وان دعوة أهل الكوفة وأهل البصرة تحقق للإمام فيما لو تحرك 50% من عوامل النصر .أذن فبين معاوية ويزيد فرق ولكن القائلين به لم يتفقوا على نوعية ذلك الفرق ومعناه وكيفيتة ، ونحن نرجح القول الثاني لما له من حقيقة وواقع وينطبق على ما في الشواهد التاريخية
لماذا قيل ان معاوية كان يحفظ ظاهر الإسلام ؟ لعل الذين قالوا بذلك أنما أرادوا أعطاء تعليل لأسباب ثورة الإمام الحسين ولماذا لم يثر في عهد معاوية ؟ فهم يرون أن الإمام قام بثورته من أجل نصرة الدين والإسلام بعدما عرضته حكومة يزيد لخطر فادح ، واذا لم يضحي الإمام بنفسه فإن يزيد سيقضي على الإسلام ، وانه لابد من أن يُقدم الحسين نفسه حتى يوقف ما يقوم به يزيد تجاه الإسلام ، ولو كان الأمر كذلك فأنه يتبادر إلينا السؤال التالي ، لماذا لم يضح الإمام بنفسه في عهد معاوية ؟ وحينما يواجهون بهذا السؤال ، يتجه أصحاب النزعة الأولى ضد المسلمات التاريخية قائلين ؛ إن معاوية كان يحفظ ظاهر الإسلام ، وإنه في زمانه لم يتعرض الدين في أصوله إلى الخطر ولذلك فلا لزوم لئن يقدم الحسين نفسه للقتل ، ونحن لانقبل هذا المذهب التراجيدي ، ونقول ، أن القول بأن معاوية كان يحفظ ظاهراً من الدين ، فيه مدح واضح لمعاوية ، وبعد فنحن لانقول أن الإسلام خاوي أو ضعيف حتى يتمكن فاسق مثل يزيد ان يقضي عليه ، فالإسلام في ذلك الزمان قد أمتلك القسم الأكبرمن بلاد المشرق وأفريقيا وجنوباً إلى عدن وشمالاً إلى سواحل البحر المتوسط وشرقاً حتى جرجان ، والإسلام يمتلك منهاجاً يقوم على كتاب مقدس هو القرآن العظيم الذي يُدرس في كل الحواضر الإسلامية وتخرج منه علماء وفقهاء كان يزداد عددهم كل يوم ويزداد تمسك الناس به كذلك ، هذا الإسلام بهذه الأيديولوجية ليس من السهل أن تزله حكومة أو فرد أنه أقوى من كل قوى الناس المادية لذلك ظل وسيظل صامداً قوياً عبر الدهور .الوليد كان أشد على الإسلام من يزيد واجه الإسلام في حياته حكومات وحكاماً ظلمة أشد فسقاً وعتواً من يزيد وظل قوياً شامخاً يتحدى جبروت الظالمين وطغيانهم ، فالوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي تولى سنة 125 هجرية في زمن أمامة الصادق كان بإتفاق جمهور العلماء والمؤرخين أفسق من يزيد قبل حكمه وبعده وقد كان قبل خلافته خليعاً ماجناً حيث قال له هشام بن عبد الملك ؛ أنا لا أدري أن كنت مسلماً أم لا ّ، لأنه كان يفعل الموبقات بالجهر والعلانية ، وقد ولاه هشام الحج سنة ستة عشرة ومائه فحمل معه كلاباً في صناديق وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة ؛ وحمل معه الخمر وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويشرب فيها الخمر فخوفه أصحابه وقالوا : لانأمن من الناس . ( عليك وعلينا معك ) الكامل في التأريخ ج4 ص 467 أبن الأثير . يقول المسعودي : ( هو أول من حمل المغنين من البلدان إليه ، وجالس الملهين وأظهر الشرب والملاهي والعزف في إيامه ... وغلبت شهرة الغناء في أيامه الخاص والعام وأخذ القيان وكان متهتكاً ماجناً خليعاً (مروج الذهب ج 3 ص 213 ). (2) الوليد كان غارقاً في الشهوات والموبقات ومرة أنشده أبن عائشة شعرأ مغنى فأطرب الوليد، فقال له الوليد : أحسنت والله ياأميري ، أعد بحق عبد شمس فأعاد فقال : أحسنت والله بحق أمية أعد فأعاد فجعل يتخطى من أب إلى أب ويأمره بالأعادة حتى بلغ نفسه فقال : أعد بحياتي فأعاد فقام إلى أبن عائشة فأكب عليه ولم يبق عضواً من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى أيره يقبله فجعل أبن عائشة يضم ذكره بين فخذيه فقال الوليد : والله لازلت حتى أقبله فأبرأه فقبل رأسه وقال : واطرباه ! واطرباه ! ونزع ثيابه . فألقاه على أبن عائشة وبقي مجرداً إلى أن أتوه بثياب غيرها (1)(مروج الذهب ج 3 ص 215 ) . إن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ألحد في شعر له ذكر فيه النبي وأن الوحي لم يأته عن ربه قال تــــلعـــــب بـالخــلافــة هـــــاشـــمــي بـــلاوحــي أتــاه ولاكــتاب فـقـل لـله يمـنـعنـي طـــعـا مـي وقــل لــله يمــنعـــــني شـرابـي ودليل آخر على كفره وألحاده أنه ذات يوم أستفتح بالقرآن فخرجت إليه هذه الآية : ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد * من ورائه جهنم ويسُقى من ماءٍ صديد ) سورة أبراهيم الآية 15 ، 16 )(2) فدعا بالمصحف فنصبه غرضاً للنشاب وأقبل يرميه ويقول :أتوعـــد كـــل جـــبار عــنـــيــد فـــهـــا أنـــــا ذاك جــبــار عـــــنــــيــدُ إذا مـا جـئـت ربـك يــوم حــشر فقـــل يــارب مــــزقـني الـــولــــيـــد (مروج الذهب ج 3 ص 216 )(3)الإسلام أذن تحمل هكذا حكام فاسقين أفسق من يزيد ، ولكنه لم ينته وظل شامخاً قوياً صلباً صامداً ، وقد مر الإسلام بغزو تتري خطير ولكنه لم ينته ، وما يعانيه الإسلام اليوم من غزو ثقافي وفكري وسياسي وعسكري من الشرق والغرب ومع ذاك يتقدم ويجاهد من أجل دفع شرهم وبقوة ، أذن فلا تصح مقالة القائلين بأن الإمام الحسين قام بثورته من أجل أن يقتل نفسه لكي لا يقضي يزيد على الإسلام ، ولو كان ذلك صحيحاً لكان على الإمام الصادق أن يقتل نفسه حتى لايقضي الوليد بن يزيد على الإسلام ، أنا لا أعلم بالضبط ماذا يعني قولهم ذلك ؟ فقولهم باطل لزوماً لعدة أعتبارات منها 1- الذين يقولون بأن معاوية كان يحفظ ظاهراً من الدين يخالفون النصوص التأريخية والمسلمات الموضوعية فأبن أبي الحديد يقول ؛ يشك أصحابنا في أن معاوية كان مسلماً أم لا ؟ وبعد أن يعدد جرائمه وجناياته تجاه الإسلام والقرآن العظيم يورد أدلة كان ينفي نبوة محمد ويقول ؛ أن حال معاوية ليس بأفضل من حال أبن ملجم والخوارج وأقرانهم (شرح أبن أبي الحديد ج 5 ص 129 ــ 130 ) (42 – في قولهم هذا مدح ضمني لمعاوية وهو على عكس رغباتهم القبلية ، لأن معنى ذلك يجعل القيام عليه خارجاً على الإسلام ، ولذلك فهم وقعوا بأشكال معنوي في الصورة التي يمكن أن يبرروا فيها الحرب بين الإمام علي ومعاوية .3 – والذين يقولون بأن حكومة يزيد تقضي على الإسلام يعلمون جيداً أن الإسلام قد مر بحكام فسقة أعتى من يزيد ولكنه لم ينته وظل قوياً صامداً ، فالناس في أنحاء البلاد الإسلامية قد تعلقت قلوبهم به وليس من الممكن ان يزيله منهم فاسق مشهور بفسقه . وأعتقد ان القائلين بذلك لو تعمقوا بما كتبوه ودققوا كلامهم حول ثورة الإمام لما قالوا بأن الإمام تحرك لكي يقتل نفسه من أجل أن يُوقف يزيد من القضاء على الدين ، فثورة الإمام تمثل تحركاً حضارياً في عمق الزمن تعني البناء الشامل للإنسان ومستقبله وحاضره وماضيه ، ولذلك فلا يصح أن يُقال أن الإمام أراد أن يقتل نفسه ليمنع يزيد من القضاء على الدين . يقولون أن الإمام بعد أن ألتقى بالحر ابن يزيد الرياحي دعا جماعة أمثال عبيد الله أبن الحر الجحفي والضحاك أبن عبد الله المشرقي وجماعة من بني أسد بزعامة حبيب بن مظاهر من اجل مساعدته ، وكذلك فعل يوم عاشوراء عندما طلب من جيش أبن سعد ، وهدفه من ذلك كله أن يُراق دم كثير حتى يعكس صدى وأبعاد ثورته ! ولم تكن دعوته لهؤلاء من أجل النصر وطلب المساعدة في ذلك بل لكي يُقتلوا معه .. وسنذكر بعض مقالات القوم في هذا الأتجاه ، ونرى ما إذا كانت صحيحة أم لا ؟1 – قالوا : ليلة العاشر من المحرم كان الأمر جدياً وأنه سيُقتل الحسين حتماً لذلك أرسل حبيب بن مظاهر إلى بني أسد ليلتحقوا به ويُقتلوا معه ، لأنه يُريد من كثرة القتل ان يصل نداء هذا الدم إلى أسماع العالمين .2 – وقالوا : الإمام أراد ان يبين مدى أستبداد يزيد وجناياته لذلك قدم نفسه للموت ، ومن أجل ذلك فعل لأنه يعلم ان لا وجود للنصر بهذه العصابه .3 – وقالوا : لماذا أرسل الإمام حبيب بن مظاهر ليلة عاشوراء إلى بني أسد ؟ولماذا يُلزم أصحابه بأن لا يقتلوا أنفسهم ؟ فهو أراد أن يكتب بدمه ودمهم فداحة ظلم حكم يزيد لكي لاينمحي أبداً 4 – وقالوا : أن معني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ثورته يُلزم أن توسع دائرة الدم لكي يكون العامل الأهم في الأعتراض وأبراز مدى الجريمة التي تمارسها أجهزة حكم يزيد ...وأنك بصير فيما يُريده القائلون بهذه المقالات أنهم يُريدون ان يقولوا : إن الإمام بعد أن ألتقى بالحر بن يزيد الرياحي ووجد إن الأبواب أمامه قد أغلقت وأنه دخل في حصار عسكري ولانجاة له منه وأن قتله أصبح قطعياً ، دعا هذه الجماعة أمثال عبيد الله الجحفي والضحاك والمشرقي وطائفة من بني أسد فالظاهر في دعوته أياهم مساعدته ولكنه في الواقع أراد منهم ان يُقتلوا معه ، لأن أنصاراً بهذه الكمية وهذا العدد لا يمكن أن يكون لهم تأثيراً في نجاته من هذا الطريق المسدود ، فحينما يُقتلون معه يكون دمهم هو النداء الذي يعترض على جرائم يزيد وعماله ، وهو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر لا في حدوده الضيقة ، بل دائرته الواسعة التي يسمعها كل الناس .أذن فالإمام في تلك المرحلة لم يفعل لوقف حمام الدم ، بل عمل من أجله ، ولذلك لم يأمر أصحابه بعدم قتل أنفسهم أو أن يتركوه ، ولم يقل إن البقاء معي محرمٌ عليكم ، لأنه يُريد من قتلهم أن تختلط الدماء ويكون المطالبين بثأرهم قبائل متعددة ليكون له تأثيراً أجتماعياً واسعاً وبالتالي يكون أشمل في عكس صورة النداء الذي تبرزه تلك الدماء المظلومة .. نعم هم لم يصرحوا بالقول ، أن الإمام دعاهم لكي يقتلوا أنفسهم ولذلك لم يحرم عليهم البقاء معه . هم فقط أستنبطوا من جملة الحوادث والأراء هذا الأعتقاد وحاولوا تعميمه على أهداف ثورة الإمام لأنهم أعتقدوا أن قتل الإمام صار قطعياً فلا مبرر لدعوته هؤلاء إلا ذلك وإلا لما دعاهم من رأس .
رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي يقولون : إن الإمام الحسين تحرك إلى الكوفة بعد كتاب مسلم بن عقيل إليه ، تحرك لكي يُقيم حكم الله العادل ، ولكنه بعد سماع نبأ أستشهاد مسلم جمع أصحابه وأهل بيته للتشاور معهم فيما يودون عمله ، وهل يريدون الرجوع أم الذهاب إلى الكوفة ؟ وكانت نتيجة الشورى أن يذهبوا إلى الكوفة ، ولما ألتقوا بجيش الحر بن يزيد أراد الإمام أقناع الحر وأصحابه بالأنضمام إليه وتحت رايته ولكن الحر رفض ذلك ، بل طلب الحر من الإمام أن يأتي به ليُسلمه إلى أبن زياد . ولكن الإمام رفض ذلك وبناءٌ على هذه المستجدات غيّر الإمام برنامج عمله وأراد الرجوع ولكن الحر لم يوافق على ذلك ، بعدما خاطبه الإمام بكلام وقع في نفس الحر موقعاً أمره من خلاله أن يتخذ الجانب الشمالي لطريق الكوفة بحيث لايؤدي به إلى الكوفة ولا يرجعه إلى الحجاز . وكتب الحر إلى أبن زياد يخبره بذلك وعندما وصلت قافلة الحسين إلى أرض كربلاء وصل كتاب أبن زياد إلى الحر وفيه يأمره بأنزال الحسين بأرض لا ماء فيها ولا حماية ، ونزل الحسين وأهله وأصحابه في اليوم الثاني من المحرم لسنة 61 هجرية قهراً وعنوة في كربلاء ، بعد ذلك جاء عمر بن سعد بجيش جديد وكان مكلفاً بالقضاء على الحسين ... كان برنامج الإمام الرئيسي من وقت ملاقاته بالحر وإلى أن نزل أرض كربلاء هو الأبتعاد عن الوقوع في الحرب معهم وأن يحاول مع القوم الرجوع إلى الحجاز ليتمكن من القيام بما يقتضيه التكليف مستقبلاًويظهر ذلك في أول لقاء بين الإمام ومبعوث أبن سعد ، أذ لما سأله رسول أبن سعد عما جاء به ؟ قال الحسين كتب إليَّ أهل مصركم هذا ان أقدم فأما ، أذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ( الأرشاد ص 227 )(1) ونفس الأمر قاله الإمام إلى أبن سعد عندما ألتقاه سراً في الليل وكذلك أعاده الإمام يوم عاشوراء وتقريباً قاله الإمام ما يقرب من الخمس مرات ، ولكن تلك الجهود السلمية كانت تصطدم بوجة الرفض والعدوان التي يبديها انصار الحزب الأموي ، وهم قد وضعوه تحت سطوة خيارين أما التسليم دون قيد أو شرط إلى أبن زياد وأما أن ينتظر الهجوم العسكري عليه ، ولو سّلم دون قيد أو شرط إلى أبن زياد فإنه أن لم يقتله سيُملي عليه شروطه ومطاليبه وهذا مالا يرتضيه الإمام . لذلك تحَّمل الإمام يوم عاشوراء ما تحمل دفاعاً عن الإسلام وأرادته في الحياة وقد سخر الإمام كل طاقاته لذلك الهدف وقام بكل عمل وقائي وتدبيري ودفاعي ممكن ليواجه الحملات العسكرية بقوة وبصلابة ولربما ساعد ذلك في أنتصاره تحقيقاً لقوله تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله ) البقرة آية 249 ، ولما أدُخل إلى المعركة كان دفاعه بطولياً شامخاً كانت أحتمالات النصر فيه واردة جداً لولا أن العدو لم يُراع الأصول الإنسانية المرعية في الحرب ، وفي مثل هذا الجو سقط الحسين شهيداً خالداً كخير من أسُتشهد على الأرض من بني البشر وصار نبراساً وسيداً للشهداء على أمتداد حركة الزمن والتاريخ ـ كان ذلك رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي بتصرف منا مراعاة للحاجة ولظروف الكتابة المعاصرة (تنزيه الأنبياء ص 179 ـ 182 ــ وتلخيص الشافي ص 182 ــ 188 ــ وكتاب الأرشاد للشيخ المفيد (2) ـ بعض العلماء وافق على وجهة نظر السيد المرتضى والشيخ الطوسي ورجح أحتمالات النصر ب 50% ولكنه هذا الرأي قبيل أستشهاد مسلم ولما أستشهد مسلم كان لهؤلاء البعض رأي آخر يخالف وجهتا النظر لدى السيد المرتضى والشيخ الطوسي في بعض الموارد نحن نذكرها تضميناً للفائدة :1 – إن هؤلاء البعض لديهم أعتقاد بأن الإمام قد حسم مستقبله بعد أستشهاد مسلم وسماع خبره وأنه لا محالة مقتول في حين كان السيد المرتضى والشيخ الطوسي يحتملان النصر حتى بعد سماعه لمقتل مسلم وأن كان ذلك أملاً ضعيفاً2 – إن هؤلاء البعض يعتقدون إن الإمام لم يعمل لوقف نزيف الدم والركون إلى مبدأ السلام بدل الحرب ؛ في حين يعتقد السيد المرتضى والشيخ الطوسي إن الإمام قام ما بوسعه من أجل الخروج من دائرة الحرب .3 – إن هؤلاء البعض يعتقدون إن الإمام من وقت ملاقاته بالحر عمل على جمع أكبرعدد من الناس ليُقتلوا معه من أجل إراقة أكبر عدد من الدماء ، وهذا الأعتقاد على عكس ما يقوله السيد المرتضى والشيخ الطوسي تماماً .4 – إن هؤلاء البعض يعتقدون بأنه لم يكن لدعوة الإمام للناس مايُبرره سوى إنه أراد أن يُقتلوا معه ، في حين يرى السيد المرتضى والشيخ الطوسي إن دعوة الإمام للناس كانت تهدف إلى تقوية خطوطه الدفاعية من أجل كسب المعركة والنصر ، ودعوته للآفراد والجماعات تأتي في هذا السياق ، ومن ذلك يتبين .1 – إن قتل الإمام لم يكن قطعياً حتى بعد قتل مسلم بل إن أحتمالات النصر قائمة وموجوده ولها ما يبررها ويدعمها على الساحة العسكرية وعلى أرض الواقع .2 – وفي تلك المرحلة عمل الإمام ما بوسعه من أجل الأبتعاد عن دائرة الدم ولهيب المعارك وأخطارها .3 – ولم يفعل الإمام بعد ملاقاته بالحر على كسب الناس من أجل أن يستشهدوا معه .4 – وقد دعا الإمام الناس لنصرته بعد أن إلتقى بالحر من أجل تقوية خطوطه الدفاعية لا من أجل أن تسُفك دماؤهم ، وهنا لابأس أن نذكر مجموعة أدلة تؤيد رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي .الدليل الأول إن الإمام طرح خمس مبادرات سلمية للرجوع إلى الحجاز من حين ملاقاته بالحر إلى يوم عاشوراء ، كانت ..المرة الأولى ؛ قبل صلاة الظهر أذ خطب الإمام بالحر وجيشه قائلاً :أيها الناس إني لم أتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علىَّ رسلكم أن أقدم علينا ... وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين أنصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم ( الأرشاد ص 224 )(1المرة الثانية ؛ بعد صلاة العصر [ حيث إن الحر وأصحابة صلوا جماعة خلف الإمام ] أذ خطب الإمام بالحر وأصحابه قائلاً : ....وأن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به علىَّ رسلكم أنصرفت عنكمم ( الأرشاد ص 225 )(2والمرة الثالثة ؛ عندما ألتقى برسول أبن سعد ، فحينما سأله الرسول عما جاء به وماذا يُريد ؟ قال الإمام : كتب إلىَّ أهل مصركم هذا أن أقدم فأما أذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم (الأرشاد ص 228 )(3والمرة الرايعة ؛ عندما ألتقى بأبن سعد ليلاً .. قال أبن سعد ؛ هذا حسين قد أعطاني عهداً أن يرجع إلى المكان الذي هو منه آتي . ( الأرشاد ص 229 )(4)والمرة الخامسة ؛ يوم عاشوراء قبل أن يلتقي الجمعان خطب الإمام بالناس بخطبة بليغة قال فيها : أيها الناس أذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض (تاريخ الطبري ج ص 323 ) (5) . من هذا الأمر الذي دعا إليه الإمام من وقت ملاقاته بالحر حتى يوم أستشهاده . يفيُدنا بأمور منهاأولاً : إن القول بإن مصير الإمام صار قطعياً بعد أستشهاد مسلم هذا القول ليس صحيحاً ، لأنه لا يكون لرجوعه أي معنى وأنه لغو فلا ريب يكون طلب الرجوع من حيث آتى دليل على إنه يحتمل أن لا يُقتل .ثانياً : وأن الإمام فعل المستحيل من أجل أن يُوقف نزيف الدم وما تؤدي إليه الحرب .ثالثاً : وإن الإمام لم يكن ليًريد أن يُسفك دم كثير لأنه قد نهى عن القتل حتى يوم عاشوراء .ورابعاً : ولم يدع عبيد الله الجحفي ولا الضحاك المشرقي ولا بني أسد من أجل أن يُقتلوا بل دعاهم من أجل حمايته وتقوية خطوطه الدفاعية .نعم يجب أن لايُفهم أن معنى رجوع الإمام من حيث آتى أنه راضٍ عن حكومة يزيد وإنه يُريد أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر لا وأنما يوفر الشرط الموضوعي المناسب الذي يمَّكنه بالقيام بوظيفته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نحو آخر ....الدليل الثاني إن الإمام كان قد خطب القوم خطاباً بليغاً يوم عاشوراء قال فيه : أما بعد فانسبوني فأنظروا من أنا ثم أرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فأنظروا هل يصح لكم قتلي وإنتهاك حرمتي ؟ أولم يبلغكم ماقال رسول الله ليَّ ولأخي الحسن والحسين أبناي ، ... أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب أبن بنت نبي غيري فيكم ولافي غيركم ؟ أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ( الأرشاد ص 234 )(1) ؟ ... إلى آخر ما قاله فالإمام أراد من هذا الكلام أن يُحرك فيهم جميع ما يمكن التأثير عليهم نفسياً وسلوكياً وعاطفياً ، لقد مارس الإمام أقصى درجات الوعي الخطابي وفنونه مستفيداً بكل ما يمكن جعله حجة روحية وعقلية عليهم ، وهذا النص يدلنا على امور يمكن الأستفادة منها في كلامة :الأمر الأول ما يقال بأن الإمام جاء لكي يقتل نفسه ليس قولاً صحيحاً لأن ذلك ما لا يُريده الله ولا يرضاه إن يرى حسيناً مسفوكاً دمه .الثاني : إن الإمام سعى في خطابه لردع القوم من التوجهات العدوانية والحربية ضده ، وهذا يعني إنه لا يُريد لأصحايه أن يُقتلوا ، ومنه يتضح بطلان قول القائل إن الإمام سعى من أجل الحرب .الثالث : ويثبت من خطابه هذا إنه لم يدع أحداً من أصحابه لسفك دمه بل دعاهم لنصرته وتقوية دفاعاته .الدليل الثالث إن أصحاب الإمام فعلوا ما بوسعهم لكسب الأنصار للإمام يوم عاشوراء من معسكر أبن سعد ، ومن بينهم حبيب بن مظاهر الذي حذر القوم من عاقبة قتل الحسين ، خرج حبيب إلى القوم عصر يوم التاسع من المحرم وأتجه إلى القوم بخطاب بليغ قال فيه ؛ ... أما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه وعترته وأهل بيته وعبّّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالإسحار والذاكرين الله كثيراً (تاريخ الطبري ج 4 ص 316 )(2 ) .وأيضاً ماقاله زهير بن القين يوم عاشوراء قبل أن يلتقي الجمعان ، خرج إلى القوم كما يصفه المؤرخون وكان راكباً على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح ، خطب القوم وقال لهم ؛ ... نذار لكم من عذاب الله نذار إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم .. إن الله قد إبتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم (تاريخ الطبري ج 4 ص 323 ــ 324)(3) . وهذا العمل من أصحاب الإمام دليل على إنهم يُريدون من القوم أن ينصروا الحسين ويقفوا معه لمحاربة عدوان حكومة يزيد ، وإن ينتهوا مما عقدت عليه عزائمهم فإن قتل الإمام جريمة كبيرة ستظل تلطخ وجه التاريخ وتذكر بالذم فاعليها مدى الدهور ، إن أصحاب الإمام في كلامهم هذا يمثلون رغبة الإمام وطموحه لأنهم كانوا عالمين بنيته وما يُريد ، ولو قلنا : إن حبيباً وزهيراً كانا يعتقدان بأن الإمام يُريد أن يسفك دماءهم ودماء القوم فلا نجد في دعوتهم للناس وتحذيرهم من الحرب وعدم الأشتراك بقتلهم أي معنى . أذن فالإمام لم يدع رجال من أمثال عبيد الله الجحفي والضحاك المشرقي وجماعة من بني أسد من أجل أن يسفك دمهم بل دعاهم لكي يساعدوه في موقفه ومن أجل تدعيم خطوطه الدفاعية ليكسبوها قوة ومنعة الدليل الرابع يقول الضحاك بن عبد الله المشرقي قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين بن علي فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه فرد علينا ورحب ورحب بنا وسألنا عما جئنا له فقلنا : جئنا لنسلم عليك وندعو الله بالعافية لك ونحدث بك عهداً ونخبرك خبر الناس ، وإنا نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك ، فقال الحسين : حسبي الله ونعم الوكيل ــ قال : فتذممنا وسلمنا عليه ودعونا الله له قال : فما يمنعكما من نصرتي ؟ فقال : مالك بن النضر علىَّ دين وليّ عيال ، فقلت له : إن عليّ ديناً وإن ليّ لعيالاً ولكنك إن جعلتني في حل من الأنصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنكً ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً ( تاريخ الطبري ج 4 ص 317 )(1روي الطبري عن لوط بن يحيى عن عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبدالله المشرقي قال : .... أدخلت فرسي إلى الفسطاط بعد أن رأيتُ أصحابي تعقر خيولهم وأقبلت أقاتل معهم راجلاً فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر ... فلما أذن ليَّ أستخرجت الفرس من الفسطاط ثم أستويت على متنها ثم ضربتها حتى أنتهت إلى شفيه ، قرية قريبة من شاطئ الفرات ، فلما لحقوني عطفت عليهم ( تاريخ الطبري ج 4 ص 339 )(2 ) ...من ملاحظة هذه القصة يتبين لنا إن الإمام لم يكن يُريد من دعوته للضحاك المشرقي أن يسفك دمه بل كان يُريد منه النصرة على العدو ، ونلاحظ في النص المتقدم إن الضحاك كان قد أشترط على الإمام إن لم يجد مقاتلاً ذهب لحال سبيله ، ولولا ذلك الشرط وقبوله من الإمام لما جاز للضحاك الأنصراف من المعركة . ومن هنا يظهر إن دعوة الإمام للضحاك كانت واقعية تنسجم مع طبيعة الهدف الذي يتحرك الإمام من أجله الدليل الخامس من الأمور الجديرة بالإهتمام في حركة الإمام هو عدم السعي من قبله للبدء في الحرب ، أو إن يكون السبب في إشعالها وقد عمل الإمام في هذا الإتجاه حتى آخر لحظة من مراحل جهاده ، ولنا فيما نقول شواهد منها :1 – عندما أجُبر الإمام بالنزول في أرض كربلاء ، وقبل أن يأتي أبن سعد في جيشه قال زهير بن القين للإمام : يا أبن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسين ما كنت لأبدأهم بالقتال (الأرشاد ص 227 ) .2 – ويوم عاشوراء لما أقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين فيرون الخندق في ظهورهم ، والنار تضطرم في الحطب والقصب ، الذي كان ألقي فيه فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته يا حسين ! أتعجلت النار قبل يوم القيامة ؟فقال الحسين : من هذا كانه شمراً ؟ ورام بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين من ذلك فقال له : دعني حتى أرميه ، فإنه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسين : لا ترمية فإني أكره أن أبدأهم ( الأرشاد ص 234 ) (1 نلاحظ إن الإمام لم يُريد أن يكون هو البادي في إشعال نار الحرب ، وطبيعي إن موقف الإمام هذا يمثل السمو البشري والكمال المتناهي لأنه يُريد أن يترك للقوم فرصة الرجوع إلى رشدهم والعودة إلى عقولهم ، وهذا تجسيد متناه لما نطلق عليه بالشخصية الحسينية في المبنى والمعنى . من أجل هذا أيصح أن يُقال إن الإمام سعى لقتل أكبر عدد ممكن ؟ وهل يصح القول بأن الإمام بعث حبيب بن مظاهر إلى بني أسد أن يُقتلوا ؟ وهل يصح القول إن الإمام لما لم يوجب على أصحابه الأنصراف عنه ، فإنه أراد أن تتوسع دائرة الدم ، لتحكي قصة الظلم الذي تمارسة الحكومة الأموية ؟ ومعلوم إن ذلك لا يصح لأنها ضد مبادئ الدين وأصوله والإمام هو الممثل لهذه المبادئ والأصول ؛ لذا فلا يمكن إعتبار قول من تلك المقالات لأنها باطلة ، ولا تنطبق مع الواقع وأصول الشريعة الدليل السادس إن قتل المسلم المؤمن بلا ذنب ، جرماً عظيماً ويُعد من الكبائر ، يقول الله تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه ، وأعد له عذاباً عظيما )(النساء آية 93) (2) . ومن جانب آخر فإن دفاع المؤمن عن نفسه واجباً شرعياً ، إذن ففي ساحة المواجهة بين المعتدي والمعتدى عليه يمثل المعتدي دور المنكر ؛ والمعتدى عليه دور المعروف وفي ساحة كربلاء كان الأعتداء على العباس منكراً عظيماً ، ودفاع العباس عن نفسه وعن دينه معروفاً عظيماً وكبيراً ، ونعلم إن أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقتضي القيام به بحسب الضرورة والحاجة والإمكان ، فأحياناً باليد وأخرى بالسان او بالقلب ، وكلما تعدد النهي عن المنكر تعددت وسيلة الأقلال من المنكرات ، ولو قلنا : إن الحسين أراد ان يقتل أكبر عدد من انصاره وعمل من اجل ذلك ، لكان هذا القول يعني زيادة عدد المنكر على يد الحسين وهذا خلاف الشرع كما تعلم ! ولكن قلنا إنه دعا عبيد الله الجحفي والضحاك المشرقي والطرماح بن عدي وغيرهم من أجل أن يزداد عدد قواته الدفاعية ، لكان ذلك زيادة في المعروف ، وحفظاً على أن تزهق الأرواح ، وهو يُريد بذلك أن يدافع هؤلاء عن قضيتهم ومبدأهم في الحياة ودفاعاً عن أنفسهم ضد هجوم الأعداء ، ولكن لو جعلنا هذه الدعوة من أجل أن يُقتلوا معه هدفاً في دعوته فإن ذلك أمر منكر وحاشى للإمام إن يفعل أو يدعو إلى منكر ! ثم هل يجوز نسبة ذلك الشئ للإمام الذي قامت ثورته على النهي عن المنكر ؟ ((من النصوص التأريخية يُستفاد إن الإمام بعد ملاقاته بالحر ، يئس من إقناع الحر بوجهة نظره)) سعى واقعاً لكسب أكبر عدد من الأفراد يضيفهم إلى أصحابه ، حتى لو كان ذلك رجلاً واحداً ، يقول الطرماح بن عدي كنت قادماً من الكوفة مع أربعة من انصار الحسين جاؤوا ليلتحقوا به ويقول : إن قد أمترت لأهلي من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم فأتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك ...قال : فإن كنت فعجل رحمك الله ، قال : فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل (تاريخ الطبري ج 4 ص 307 )(1)وخلاصة الدليل السادس كلآتي ؛ إن قتل أي واحد من أصحاب الإمام وأنصاره يُعد منكراً عظيماً ، وعليه فيجب النهي عن ذلك المنكر والوقوف بوجهه الذين قالوا بأن الإمام دعا ليقتل أكبر عدد من أصحابه بعد سماعه نبأ قتل مسلم يستندون في دعواهم إلى دليلين الدليل الأول ؛ يقولون إنه بعد سماع نبأ مقتل مسلم صارت أحاديثه وخطبه أعنف وأقوى ..الدليل الثاني ؛ يقولون إن الإمام لم يحرم على أصحابه البقاء معه ليلة عاشوراء ، وهذا دليل على إنه يُريدهم جميعاً للقتل .أما حول الدليل الأول ؛ فلم يوضح لنا القائلون ؛ بأن أحاديث وخطب الإمام بعد سماع نبأ مقتل مسلم أصبحت أقوى ، وأعنف فلم يوضحوا بالضبط ماذا يعنون بذلك ؟ هل يُريدون من ذلك ؛ بأن الإمام بعد سماع نبأ مقتل مسلماً سعى من أجل سفك دمه ودم أكثر أصحابه ؟ ثم إن خطب الإمام الواردة في التأريخ قبل وبعد مقتل مسلم ، ليس فيها ما يدل على ذلك . بل لعل أقوى خطب الإمام وأعنفها كانت يوم عاشوراء ، فقد جاءت الخطبة في لحنها وفي بلاغتها وما تضمنته من نصوص وكلام مؤثراً أورد فيها الدليل تلو الدليل والحجة أثر الحجة في بيان غير قابل للرد من اجل أقناع القوم بسلامة موقفه وخطورة موقفهم ، أراد أن يوضح لهم فيها إن السلاح والحرب هي الأداة الفعالة في الحسم ، وأمرهم بالكف عن الحرب وإراقة الدماء ، فإن ذلك ليس له ما يبرره أو ضرورة تدعوا له ، وإنه إنما يأتي أستجابة لنزعة العدوان والشر والأنانية والغرور وطلب الدنيا والكراهية لدى أبن زياد ، وما يبديه هذا الفاسق من شعور تجاه أهل البيت الإمام في خطبته التاريخية تلك سعى لنهي القوم عن المنكر الذي يُريدون فعله من خلال قتله وقتل أصحابه ، ولم يأمرهم في خطبته بذلك ، ولو نفذ ابن سعد وأعوانه ما جاء في كلام الإمام لما قتل الحسين وأنتهكت حرمته ،فليست الحرب معه بل إن الحرب والواقعية ينبغي ان تكون ضد ابن زياد وحكومته ، وبالتالي فالخطبة لا يُستفاد منها القول ؛ بأن الإمام أراد أن يقتل نفسه وجميع أصحابه بل لعل العكس هو المستفاد من كلامه ، ثم كيف يرضى الإمام عن حرب صدرت بإرادة أبن زياد ؟ وكيف يقدم دمه رخيصاً تبعاً لرغبة أبن زياد وأعوانه ؟ أما حول الدليل الثاني الدليل جاء بلحن السؤال نصيغه كالتالي لماذا لم يُحرّم الإمام على أصحابه البقاء معه ليلة عاشوراء ؟ وأستدلوا بأنه لمّا لمّ يُحرّم ذلك ، فإنه أرادهم أن يُقتلوا معه من أجل أن يُسفك أكبر عدد من الدماء ... يجب القول إبتداء : إن الإمام لا يستطيع تحريم ما ليس محرماً ، ولا يمكن للإمام أن يصدر حكماً أو يُفتي بأمر يكون مخالفاً لشرع الله وحكمه . فبقاء أصحابه في كربلاء معه عمل مشروع ومن أفضل الأعمال والحسنات ، وإنهم قد أختاروا البقاء معه من أنفسهم وتحركوا معه من مكة لتشكيل حكومة العدل الألهي في الكوفة ، ولما جاءهم نبأ قتل مسلم جمع الإمام أصحابه وشاورهم في الأمر ، وقال لهم في ظل تلك الشروط العوده إلى الحجاز أم الذهاب إلى الكوفة أوفق ؟ فقالو جميعاً إنهم مع الذهاب إلى الكوفة وفضلوا البقاء معه ، وإذا ما وقعت الحرب فإنهم سيدافعون عنه بأرواحهم وهذا ما حصل يوم عاشوراء تماماً ، إنهم وجدوا في موقفهم هذا عملاً بالمعروف ومصداقاً بارزاً له ، والإمام لا يستطيع أن ينهى عن عمل المعروف او يفتي على خلافه . صحيح أن الإمام في تلك المرحلة سعى لعدم نشوب الحرب وصحيح أيضاً من البداية وحتى النهاية كان يعمل لترك الحرب وما يؤدي إليها بل لم يكن راضاً عنها ... ولما كان جو الكوفة السياسي مضطرباً غير مستقر وإمكانية التغيير فيه على أبن زياد قائمة ووقوع الحرب أمراً محتملاً وليس ببعيد عن الذهن ، وفي مثل هذه الصورة . لينبغي على الإمام وأصحابه أن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم سواء ظلوا أحياء ام أستشهدوا أولاً : لم يكن قال جميع أصحابه أمراً قطعياً لذلك فإن احتمالات الموت أو الحياة لأي واحد منهم واردة ، وهذا ما يؤكد بقاء جماعة منهم لم يستشهدوا .ثانياً : ولم يكن موت الواحد منهم دماًَ مسفوحاً دون معنى ، بل إنها الشهادة في طريق الهدف المقدس ، ومثل هكذا دفاع مأمور به غير منهي عنه .. ثم لو كان الأمر كما يظنون لكان على رسول الله أن يُحرم على أصحابه البقاء معه في معركة أحُد ، ولما لم يفعل يعني إنه لم يرد أن يُقتل أكبر عدد منهم . ثم لو كان ذلك كذلك فلما لم يُحرم الإمام علي على أصحابه البقاء معه في معركة صفين ؟هل يُريد أن يُقتل أكبر عدد منهم ؟ ومن حقنا أن نسأل ما شكل هذا لأستدلال ؟ وماذا يعني هذا المنطق المثيولوجي ؟ هل من أحد من العقلاء يقول إن النبي في أحُد وعلي في صفين والحسين في كربلاء كانوا يُريدون أن يُقتل أكبر عدد من أصحابهم ؟ أي منطق هذا ؟ نعم نحن نعلم إن النبي والأئمة عملوا ما بوسعهم أن يدرؤا بالكلمة الحسنة السيئة من أجل الحد من مظاهر العدوان والأستبداد والقتل والحروب .. ذكر في التاريخ إن عدداً من أصحابه وأهل بيته ظلوا أحياء ، ولم يستشهدوا كالحسن المثنى وعمرو بن الحسن ومحمد بن عقيل وآخرين (حياة الإمام لحسين د 3 ص 314 باقر شريف القرشي (1) . فهل كان بقاء هؤلاء على قيد الحياة موجب لغضب الإمام وعدم رضاه ؟ وهل يقبل عاقل للإمام أن يغضب لبقاء أهله وأصحابه ؟ قال صحاب أسرار الشهادة ؛ إن قتل الإمام أمراً حتمياً ، ولا بد أن يقع حتى لو كان معه جيش كبير ، لأنه لا بد أن يستشهد في سفرته تلك ، وأن أي جماعة تضم إليه فإنها حتماً سُتقتل معه ، وإن الإمام أمر مسلم ان يأخذ البيعة من أهل الكوفة ويدعوهم جميعاً لكي يُقتلوا معه !! ( أسرار الشهادة ص 27 ) (1) . وهذا الرأي يوافق قول القائلين ؛ بأن الإمام بعد إن سمع مقتل نبأ مقتل مسلم علم يقيناً إنه سيُقتل ، دعا الناس لكي يُقتلوا معه .وهذه الآراء تقوم على أعتقادات خاطئة مفادها ، إن الإمام أراد لهم أن ينالوا فيض الشهادة ونورها العظيم ، وإلا فغير ذلك لا تبرير لمقالاتهم السابقة . ولكن هذا الرأي يخالف ما كان يؤمن به السيد المرتضى والشيخ الطوسي في أن أحتمالات النصر للإمام كانت قائمة حتى بعد سماع خبر مقتل مسلم . ولذلك برروا دعوته للناس هي من أجل تحكيم خطوطه الدفاعية وقدراته القتالية ، فيما لو حصلت مواجهة ، ونحن نؤيد هذا الرأي لزعماء الطائفة الشيعية ، إذ إن مئة ألف رجل كانوا في الكوفة كقوى مستعدة للقتال ولكن ينقصها القائد الذي يوجهها والذي له القدرة على تسخيرها بالشكل المناسب ، وبموت مسلم ظلت هذه القوات قائمة فهي لا تنتهي بموت قائدها .ولعل أصحاب الخبرة العسكرية يقولون ؛ إن القوات لا تزول بموت القائد سيما وإذا وجدت من هو أكفأ من القائد السابق . إذن فيجب القول : لو ترك الإمام ضمن تلك الشروط حراً في دخوله إلى الكوفة ، فإن أحتمالات النصر ومرجحاته كبيرة وكثيرة جداً ؛ والشاهد على ذلك إن أصحابه بعد إن شاورهم في أمر مقتل مسلم وحالة الوضع الجديد ، وخيرهم بين الرجوع إلى الحجاز أو الذهاب إلى الكوفة ، أختاروا الذهاب إلى الكوفة وقال له بعضهم : والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع ( الأرشاد ص 222 )(2) . وهذا الرأي هو الذي رجحه الإمام وأستحسنه ولذلك أمر بإدامة التوجه نحو الكوفة ، لأن أحتمال النصر كانت قائمة للإمام حتى يوم عاشوراء ونحن نؤيد ذلك الرأي ونقول 1 – إن قوات الإمام تقاتل بإيمان وصبر وشجاعة من دون خوف من الموت .2 – وإن قوات العدو تقاتل من دون إيمان وصبر وشجاعة بل مدفوعة للحرب دفعاً .3 – وإن قيادة الإمام تضفي على الأمر قوة وحكمة وصلابة ودراية وحزماً .4 – وإن في كثير من الحروب يكون المنتصر فيها هم القلة على الكثرة . والأمثلة من التاريخ كثيرة نقتطف منه ما يليأ : في حرب طالوت مع جالوت ، أنتصر طالوت بجنوده الثلاثمئة وثلاثة عشر على جيش جالوت العظيم المؤلف من مئة ألف مقاتل ( تفسير القرطبي ج 3 ص254 )(3 )ب – في معركة بدر الكبرى أنتصر المسلمون وهم قلة على عدوهم من الكفار وهم كثرة من جهة العدة والعدد .ج – في سنة 125 هجرية جرت معركة بين يحيى بن زيد ورجاله السبعون وعمرو بن زرارة وجنوده العشرة آلاف فهزمهم يحيى وقتل قائدهم ( الكامل ج4 ص 472 )(1 )..وهذه المعركة جرت في زمن الإمام الصادق في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك الماجن سئ الصيت د – في بداية الغزو الرجعي للفكر الوهابي سنة 1219 هجرية أستطاع أمير مكة الشريف غالب بأربعين رجلاً أن يُهزم جيش الوهابين من أربعة آلاف مقاتل هزمهم في منطقة المدرة ( كشف الأرتياب ص 26 لسيد محسن الأمين )(2 ) .والشواهد في التاريخ على ما نقول كثيرة جداًيتبادر إلى الذهن سؤال يطرح نفسه في مجريات الموضوع هو ؛ إن معركة أحُد التي قادها رسول الله تشبه في نتائجها وقعة كربلاء من حيث إن جيش التوحيد أصُيب بهزيمة عسكرية .. فهل يصح أن نقول إن رسول الله سعى في معركة أحُد من أجل أن يستشهد أكبر عدد من أصحابه ؟ وعلة ذلك حتى يسمع العالم صوت النبي المرفوع ضد الطغيان . وذلك فإن وقعة صفين تشبه وقعة كربلاء فهل يقال إن الإمام علي أراد من الحرب حتى يقتل أكبر عدد من أصحابه ؟ أي عاقل في الدنيا يقبل هذا الهراء ؟ تحليل بدون معنى يقول البعض : إن الإمام تحرك لكي يُقتل ومنذ البداية ، وهذا القول ناتج عن تحليل خاطئ للتأريخ وللأحداث التي جرت في ساحته ، فهم يقولون ؛ إن من ثمار ونتائج ثورة الإمام الحسين هو قيام ثورات متتالية ، كثورة التوابين ، وثورة المختار ، وثورة زيد ويحيى ، وقيام محمد ذو النفس الزكية وأخيه أبراهيم في البصرة ... إن العبارة القائلة ؛ إن ثورة الإمام كانت المبدأ للثورات الأخرى ، وتعني إن تلك الثورات هي أمتداد لثورة الإمام ومنه أستمدت الألهام وإن ثوراتهم كانت من أجل أن يستشهدوا أصحابها وقادتها ، ولكن هذا التحليل ليس صحيحاً ولا ينطبق على الواقع ، إذ أن كل الثورات التي حدثت بعد وقعة كربلاء كان هدفها النصر على العدو لا لكي يستشهد أصحابها ، وعليه تكون عقيدة القائلين ؛ إنه لما كانت تلك الثورات تبعاً لثورة الإمام وكان هدف الإمام أن يستشهد هو وأصحابه هذا القول ليس منطقياً ، ومخالفاً للقواعد والمناهج المقررة وحقائق التاريخ الممكنة والملموسة المبحوثة والمدروسة .وهناك ملاحظة ؛ فلو كان تحرك الإمام من أجل أن يُقتل لما كان لثورته أي هدف ، ولما صارت قدوة وأسوة للثورات التي لحقتها ، لأنه سيكون القول بهذه الصورة ، لما كان هدف الإمام أن يقتل نفسه فإن عدوه قد أوصله إلى هدفه ، وبذلك تكون شهادة الإمام شئ لا أثر له ولا يصلح الأقتداء به ، نعم يكون فناً تراجيدياً يحكي قضية قدم فيها الإنسان نفسه ، لا لشئ ، إلا. لأن هدفه كذلك ، أليس هذا أقرب إلى الأنتحار منه إلى القتل ؟ولكن الإمام قام بثورته من أجل شعوب المنطقة والشعب العراقي خاصة ولكن الحكام الطواغيت لم يسمحوا له بتأدية هذا الأمر وقتلوه ظلماً وعدواناً متحدين طموح الناس ورغبة الإمام . من هنا صارت ثورته مثلاً للثورات ! الأخرى لأنها تدعوا إلى سيادة القانون ، ولم تكن إلا كما قيل ؛ أنها ذاتية في العدالة وعرضية في الشهادة .ثورة الإمام كانت مبدأ للثورات ضمن هذا الأتجاه لا النزعة المثيولوجية وأصحابها التراجيديون والأنزوائيون الذين لا يجدون في ثورته إلا الجانب المأساوي وصوروه لأنفسهم شكلاً سلبياً عاشوا معه أرتزاقاً وتطفلاً على أهداف السماء ورسالاتها الخالدة ، فطوبى لمن وعى أهداف الإمام وأبتعد عن الأرتزاق وأشكاله المتعددة ...ملاحظة والذين قالوا بأن الإمام تحرك لكي يقتل نفسه ، وإنه ينبغي للآخرين أن يهتدوا بهذا الهدي ويقتلوا أنفسهم أيضاً ، بمعنى إن على جميع الثوار أن يقتلوا أنفسهم ، ولا يفكروا بالنصر على العدو ؛ وإنه يُلزم إدامة هذا النهج على طول المسيرة البشرية وإلى يوم القيامة ، أي إن أهل الحق يجب أن يُقتلوا ويظل أعداء الله أقوياء وهذا التبرير ما يسعى له طواعيت الدنيا على أمتداد العصور ، لكن أليس هذا التبرير يجعل الإمام يعمل بإرادة الأعداء وما يُحقق رغباتهم ؟ وهذا التبرير مزدوج فالإمام يقع فيه ضحية لإرادة العدو، والعدو يُحقق إرادة الإمام لأنه في ذلك التبرير تصير إرادة الإمام وإرادة الأعداء واحدة ، لأن إرادته أن يقتل نفسه وهم يحققون له هذه الإرادة . ومنه يكون عملهم محققاً لإرادة الإمام ومطلوب إليه ! ولكن كيف يكون هذا ؟ فهل إن إرادة الإمام على عكس إرادة الله ؟ أم ماذا ؟ تبرئة يزيد إن القول ؛ بأن الإمام تحرك لكي يقتل نفسه بإرادته ، فإن ذلك القول حتماً سيبرئ يزيد مما أقترف من جرم ، ويصير فعل يزيداً تنفيذاً الإرادة الإمام ، وبمعنى أدق إن قتل الإمام وأصحابه وأهل بيته والطفل الرضيع وسبي العيال والإهانة التي حصلت عليها نساءه وبناته وأخواته كلها كانت تبعاً لإرادته . هذا المعنى هو الذي يُبرئ يزيد من هذه الأنتهاكات المفضوحة والأعمال الخطيرة ، لأن ما فعله هو وأبن زياد كان تنفيذاً لإرادة الإمام ورغبته ... وهذا المعنى يجر إلى إنه لو تساءل الإمام السجاد لم قتلتم أبي وأنتهتكم حرمته ؟ لقيل له إنما قمنا بعمل كان من إرادة أبيك ، وهكذا يكون جوابهم لزينب حينما قالت ليزيد : أمن العدل يابن الطلقاء تحريرك إمائك ونسائك وسوقك بنات رسول الله من بلد إلى بلد يتطلعهن الشريف والدنئ (اللهوف ص 182 ) (1) . .. بل لعلهم يُريدون أجراً على ما قاموا به لأنه كان رغبة الإمام وإرادته ، وكما ترى إن هذه المقالة تخالف وروح الإسلام وشريعته ، وما يتبناه الإمام على الصعيد الواقعي ، وهي بعد رد للأهداف المعلنة للإمام كما هو وكما موجود في كتب التأريخ وسيرة أهل البيت ، وليس سراً إن تبرئة يزيد ناتجة عن تلك المقالات وتلك المخاريق والزيف الذي لا يعلم أصحابه ما يقولون وإلا فمراجعة بسيطة لأدب الثورة الحسينية يعكس خلاف هذه المقالات ، ويؤكد أصالتها وصحة متبنياتها وذلك لا يحتاج إلى مزيد بيان ..قلنا في كتابنا وقعة كربلاء ، إن هدف الإمام هو تشكيل حكومة عدل إلهي ، وإن حركته من مكة كانت بناء على تلك الأسس وكان أمله بالنصر كبيراً وقد أثبتنا ذلك في حينه بالدليل ، ومنه قول الإمام للفرزدق ( فأن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه .. (الأرشاد ص 199 ) (1) وقلنا ؛ أن كلام الإمام هذا يوضح بجلاء هدف الإمام وما يطلبه في الدرجة الأولى وهو تشكيل حكومة العدل الألهي التي تقضي على مظاهر الظلم والعدوان والأحكام الطغيانية، ونفس هذه المبادئ كانت المحرك الأساس للإمام إضافة لذلك وجود قوى شعبية تطالبه بالقدوم إليها في الكوفة وغيرها من المدن إحياء للسنة وإماتة للبدعة ، وهذه تشكل النعمة الواقعية والحقيقية وعليها يُلزم الشكر لله جلت قدرته أن وفق لها قال البعض : قضية تشكيل الحكومة أمراً بديهياً ولا ينبغي صرف كل هذا الوقت والجهد من أجل إثباتها ، ولكنه في المسألة تلك مسألة ثورة الإمام يوجد قولان عدا بعض الأقوال النادرة والشاذة ، والقولان يعتبران عمدة بحوث العلماء وأهل التحقيق :القول الأول يعتبرتحرك الإمام من وقت خروجه من المدينه كان من أجل إن يُقتل هو وأهل بيته وتقع نساءه وحريمه أسرى بيد العدو ! وهذا القول ناشئ من وجود بعض الروايات التي وضعت من قبل الدساسين وصارت هذه الروايات مورد أعتماد ، ومن بين تلك الروايات ما يُنسب للإمام الصادق انه قال : ( فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين الخاتم الثالث فوجد فيه ، إن قاتل وأخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ... ( وقعة كربلاء ص 313 )(2) روي هذاالحديث المفضل بن صالح (ابو جميلة) قال عنه العلامة الحلي : كذاب يضع الحديث ( خلاصة الرجال ص 258)(3) . وأيضاً ما رواه أبن طاووس في اللهوف قال : سار محمد بن الحنفية إلى الحسين في الليلة التي أراد الخروج صبيحتها عن مكة فقال : يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك .. قال : أتاني رسول الله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا . فقال له ابن الحنفية : فما معنى حملك هؤلاء النساء وأنت تخرج لمثل هذه الحال ؟ قال : قد قال لي ؛ : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا !! (اللهوف ص 55 ) (4) وقد فصلنا البحث في هذا الحديث هنا في هذا الكتاب في الفصل الخامس ... بناءٌ على هذه الروايات يرى أصحاب هذا القول إن الإمام مأمور أن يقتل نفسه وأن يسبي عياله ونساءه ، فعلى أساس الرواية الأولى يكون الأمر أمراً إلهياً غيبياً مختصاً بالإمام ، ومن هنا يرتبون أثراً على ذلك بأن الإمام مكلفاً بأن يقتل نفسه لا ان يُقيم دولة وحكومة ....القول الثاني يعتبر تحرك الإمام قائماً على حقائق موضوعية ودراسة دقيقة للوضع السياسي وأستقراء شاملاً لأوجه العلاقات داخل الخلافة ، وأنه لما أمتنع عن بيعة يزيد كان يطمح إلى معرفة رغبات الناس فيما يقولون وفيما يكتبون خصوصاً تلك الدعوات من أهل الكوفة والتي تطالبه بالقدوم لتشكيل حكومة عدل ألهي ، وقد يكون من جملة أستقراء للوضع أرساله مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليكتب له بدقة عما يجري هناك ، ولما رأى الإمام كل ما وقع لديه من قرائن تدل على رغبة جماهيرية أكيدة وطموح شعبي واسع في تشكيل الحكومة لذلك فقد تحرك نحو الكوفة ، ولكنه بعد الحصار الذي فرض عليه لكي لا يدخل الكوفة ولا يلتقي بشيعته وأنصاره وما عُرض عليه بالتسليم دون قيد أو شرط لأبن زياد ليرى فيه رأيه ويقتله كما فعل بمسلم ، رفض الإمام ذلك لأنه يعلم أن دمه سيذهب هدراً ، ولا بد من مجابهة المستجدات بما ينسجم وطبيعتها . لأن أهدافه ورسالته ستتعرض إلى محو لو سلم إلى ابن زياد ، ويعلم أيضاً أنه يقدم نفسه رخيصة وذلك ما يتعارض وقول الله سبحانه ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ولذلك لم يستسلم الإمام ولم يلق سلاحه وظل مدافعاً عن اهداف الرسالة ومبادئها العظام حتى لقي ربه شهيداً مضمخاً بدم الولاء للحق وللعدل وللأنسانية . هذا القول تبناه جمع من المجتهدين ومراجع الإسلام كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي ، وهؤلاء المراجع كان لهم الدور الرئيسي في تأسيس مسائل الأجتهاد وضبط قواعده وفنونه ، ولذا لم يعتبروا في قضايا ثورة الحسين روايات ضعيفة او مجهولة السند او مراسيل كالروايات التي ذكرناها آنفاً ، هؤلاء العلماء أعتمدوا على ما ورد صحيحاً بلسانه أو نصوصاً تأريخية موثقة قابلة لئن تكون مادة علمية في البحث والتحليل والعرض والدراسة . فالشيخ المفيد روي أحداث وقعة كربلاء بسند معتبر حتى صار كتابه الأرشاد في هذا المجال متناً تأريخياً معتمداً في قضايا وأحداث الثورة الحسينية في كافة الصعد .وهكذا كان تحليل السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ( أنظر كتب تنزيه الأنبياء ص 179 ــ 182 ــ وتلخيص الشافي ج4 ص 182 ــ 188)(1) لأحداث وقعة كربلاء تحليلاً منطقياً وعلمياً . خلاصة ما قلناه في القول الثاني كانت الأراء الأكثر قبولاً في الوسط العلمي والسلطة المرجعية العقلية الباحثة ، وظل هذا القول هو الأتجاه السائد في تفسير قضايا الثورة حتى القرن السابع الهجري ، وهو زمن شياع القول الأول بلسان صاحب اللهوف ومنه ذاعت شهرة الحديث المجهول السند القائل بلسان حالهم ( إن شاء الله أن يراك قتيلا) والسبب في شياع مثل هذه الأخبار هو ؛ كون كتاب اللهوف صغيراً ومفيداً ، وكان متنه هو المادة المقروءة في مجالس العزاء ، ولم يتصد احد من العلماء للرد على بعض ما جاء فيه ، فأخذت تلك المرويات أخذ المسلمات وأنتشرت في وسط العامة بحيث صار كلامه نصاً مقدساً ـ والذنب في ذلك للعلماء وأهل الأختصاص والخبرة ـ وهذا الأمر كان سبباً مباشراً في أندثار أقوال مراجع المسلمين أمثال المفيد والمرتضى والطوسي وأنتشار مقالات صاحب اللهوف وبذلك أدخلت المقولة الأسطورية لتحل مكان الحق القائم على المسلمات العلمية العقلية .الخطاب الثاني قيل ؛ إن الإمام لو كان له جيشاً كبيراُ لما أصبحت ثورته مقدسة . هذا الخطاب له جانبان الأول : إن الإمام ليست لدية قوات كافية ، هذا الأمر يخالف النصوص التأرخية المعتبرة ،ذلك لأن أهل الكوفة قالوا في كتابهم للإمام : وأن لك فيها مئة ألف سيف ( الأرشاد ص 201 وتاريخ الطبري ج 4 ص 294 (1) ولما بعث الإمام مسلم إلى الكوفة ليستقرئ له وضعها كتب إليه قائلاً ؛ إن لك مئة ألف سيف فلا تتأخر ( الأرشاد ص 182 )(2) . وهذه الأخبار تعني إن لديه قوى كافية في تشكيل الحكومة ، ولذلك نراه سَرّ لسماع هذه الأنباء الواردة إليه من الكوفة وبناء عليها تحرك من مكة إلى الكوفة ، وقد كتب إلى أهل الكوفة وهو في الطريق إليهم ، أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم وأجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ...فإذا قدم عليكم رسولي فأنكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه (الأرشاد ص 220 ) (3) .وهذا الكتاب يُظهر بأن الإمام كان قد تحرك وهو مطمئن لهذه القوات . وبالنظر لما كتبه أهل الكوفة وبالنظر لما كتبه مسلم وبالنظرلأطمئنان الإمام نفسه لهذه القوى ، لذلك قال لهم أنكمشوا في أمركم وجدوا ، وهذا يعني أن تشكيل الحكومة أمر ميسور فأثبتوا على ما أنت عليه فإني قادم إليكم لنشكل معاً حكومة العدل الإلهي ... مع العلم إن الإمام طلب النصر والمساعدة مع ذلك من أهل البصرة وقد أيده جمع منها ، وبناء على هذه القرائن وتأسيساً عليها إن قوات الإمام كانت كافية لتحقيق أهدافه التي تحرك من أجلها . وطبيعي جداً أن يكون أمله بالنصر أملاً قوياً وأحتمالاً كبيراً . فإن ما نسبة 50% من تلك القرائن تحقق له النصر ، ولما كان كذلك فثورته لم تكن قائمة على ما عنده من الأهل والأصحاب ، بل كانت له مئة ألف سيف عدا اهل البصرة وقوى جديدة ، عمل لكي تنضم إليه ، وهذا الأمر دونته كتب التاريخ وأما خلافه فلا نجده مذكوراً فيما نعتبره مصادر تاريخية معتبرة .الثاني : وأيضاً فمقالتهم التي أبتدأنا بها الرأي الثاني لاتنطبق على الواقع لعدة أمور منها :1 – فالإمام علي حينما تحرك إلى صفين كان معه من المقاتلة مئة ألف أو يزيدون سار بهم لمجازاة معاوية ، ولكنه سقط منهم ما يقارب الثلاثين ألفاً شهيداً ومثلهم جرحى ثم قبل التحكيم مرغماً تاركاً سوح المعركة لينتظر نتائج المحكمة ، فهل كان الإمام علي في حربه مع معاوية ليست حرباً مقدسة بسبب الذين كانوا معه مئة ألف ؟ وماذا تعني قلة العدد وكثرته في كون الثورة تلك أو غيرها مقدسة أم لا ؟ ما دخل ذلك في قدسية الثورة ؟ وهل ترتبط القدسية بالعدد ؟ومن يقول بذلك من العقلاء ؟2 – والإمام الحسن تحرك لمجازاة معاوية في أربعين ألفاً من المقاتلة ، ولكنه لأسباب متداخلة وكثيرة من بينها الخيانة والنفاق لدى بعض أصحاب الإمام أرغمته تلك الأسباب لقبول الصلح مع معاوية تاركاً وعائداً إلى المدينة ، فهل كانت كثرة عدد المقاتلين لدى الإمام الحسن سبب في كون قيامه غير مقدس ؟ وماذ تعني الكمية العددية في التقديس من قريب أم بعيد ؟ فالأمر المقدس هو في ذاته كذلك ، فالثورة من أجل العدل والحق والحرية لا تجعلها الكثرة مقدسة بقدر ما تحمل هي في ذاتها من جوهر ومبادئ بعيدة من الحسابات العددية ، أن قدسية الثورة من اجل المبادئ الألهية شئ مستقل بعيد عما نسميه أعرافاً ودينوية ، نعم للقلة والكثرة أثر في موازين القوى المادية على أساس الصراع الطبيعي لا أساس القدسية ، وما إلى ذلك .فالتقديس متعلق بالهدف وليس بشئ أخر مطلقاً ، ومن هنا فنحن نقبل القول الأول على أساس أن الإمام كانت لديه قوات كافيه ، والقول الثاني على أساس ان الكثرة ليست سبباً في قدسية الثورة ، فالشئ المقدس هو الهدف الألهي الرباني لا غير .مجموعة أسئلة 1 – هل يمكن للإمام تشكيل حكومة بدون قوى كافية ؟2 – أليس ما قاله مسلم عن مئة ألف سيف قادر على تشكيل حكومة عدل إلهي ؟3 – هل يمكن للإمام أن ينتصر أو حتى على أحتمال 50% بالنصر لو لم يكن لديه مئة ألف مقاتل ؟4 – وهل أن الثورة المسلحة في الكوفة والبصرة قادرة على تشكيل الحكومة ؟5 – ثم هل يمكن أعتبار ثورة الإمام ثورة رجل واحد بعد أن سمعنا عن التفاف أهل الكوفة والبصرة لمساعدته في تشكيل الحكومة؟فالحقائق التاريخية والموضوعية تشير إلى التفاف واضح وأكيد من أهل الكوفة ، وبعض زعماء البصرة حول قيادته وإذا كان ذلك كذلك ، فهل يصح القول أن الإمام لم يكن يعتمد على اهل الكوفة ؟ وهل أنه يطمح بتشكيل الحكومة دون وجود قوى كافية لذلك ؟ إن أحتمال 50% بالنصر أحتمالاً مناسباً ومعقولاً ويدل على حجم النسبة وإحصائية القوات .. من مجموع الأقوال في البحث يتضح أنه لا الجانب الأول كان صحيحاً والقائل بأن الإمام لم يكن لديه قوة كافية ، ولا الجانب الثاني معقولاً . والقائل بأنه لو كان للإمام قوى كبيرة لما أصبح قيامه مقدساً . فالجانب الأول غير مقبول من جهة النصوص التاريخية لأنها تخالفه . والجانب الثاني مردود من جهة كونه أستنباط سطحي وغير واقعي ، والأمثلة في التاريخ وفي حياة الناس كثيرة ، ولكننا نقول لمن يستنبط مثل تلك الآراء ، إن الجواد قد يكبوا أحيلناً الخطاب الثالث قيل أن بعضهم قال للأمام إنك مقتول في سفرتك هذه إلى الكوفة ، فقال لهم : وأنا أعلم بأني مقتول فيها . ولم يوضح لنا هؤلاء من أين أخذوا هذا القول ؟ وعلى أي أساس أعتمدوه في تحليلهم ؟ فلم يقولوا لنا ؛ من الذي قال للإمام ذلك القول ؟ وفي أي زمان ؟ وفي أي مكان ؟ وماهي عبارته بالضبط ؟ ونحن في بحثنا سنوضح بالتفصيل بعض أسماء الأشخاص الذين لم يوافقوا على سفرت الإمام تيك حتى يتوضح لنا ما حقيقة الأمر وما هو ؟ ولا نود أن نبحث بالرجال الذين أتخذوا موقفاً عدائياً من حركة الإمام أمثال عمرو بن سعيد حاكم مكة الذي قال للإمام : إني أعيذك بالله من الشقاق (تاريخ الطبري ج4 ص 292 ) فالرجل لم تكن نيته حسنة أبداً وكان يتحدث من مصلحة الحكومة فهؤلاء لا نقصدهم في بحثنا ، ولكننا سنتناول بالبحث رجالاً لم يكن لهم سوء نية تجاه الحسين ويشخصون الأمر بحسب المصلحة والنفع ، وقد أعتبرت آراؤهم مجرد أجتهادات شخصية ولذلك فقد كانت مخالفة لوجهة نظر الإمام وسنبحث أقوالهم وما قيل في حقهم وجواب الإمام لهم .1 – ابن عباس ـ ابن عم النبي وهو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب من الصحابة وكان يسمى حبر الأمة لعلمه وتفقهه ، وكان مشهوراً بمعرفته بالأمور السياسية ، وقد خالف الإمام في سفرته إلى الكوفة ، يقولون أنه ألتقى بالإمام في مكة مرتين ، وفي المرة الأولى قال للإمام : أرجف الناس إنك سائر إلى العراق ، فبين ليّ ما أنت صانع ؟قال : إني قد أجمعت المسير في يومي هذين ، فقال ابن عياس : أتسر إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم ، فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبى بلادهم ، فإنهم (أنما) دعوك إلى الحرب والقتال ولا أمن عليك أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلونك ، وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك فقال له الحسين : وإني أستخير الله وأنظر ما يكون ..وفي المرة الثانية قال للإمام : إني أتصبر ولا أصبر إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والأستئصال ، إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم .. فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصوناً وشعاباً ؛ وهي أرض عريضة وطويلة ولأبيك بها شيعة وأنت على الناس في عزلة فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك فإني أرجوا أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين : يا أبن عم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، ولكني قد أزمعت على السير .. (تاريخ الطبري ج 4 ص 287 ــ 288 ) (2) هنا يبدي ابن عباس وجهة نظر سياسية تحليلية ، وفيها يُرجح السفر إلى اليمن لا إلى العراق وأنه يحس بالخطر على الإمام في رحلته إلى الكوفة ، وأنه يبدي تخوفه عليه من القتل ، وأن الإمام قال له إني أستخير الله ، وأنظر ما يكون ثم قال له الإمام : أنك ناصح مشفق ولكني قد أزمعت على السير ، ونحن نلاحظ في كلام ابن عباس ليس فيه تأكيد حتمي على أن الإمام سيُقتل 100% ، ونلاحظ أن الإمام لم يقل له إني أعلم بذلك ، بل أن كل ما فعله ابن عباس هو تحليل عام للوضع السياسي بأحتمالاته وحيثياته ، فهو قد قال : أخاف أن يخذلوك ويقتلوك ، والإمام لم يتحدث في جوابه عن القتل أو عدمه ، وروري المسعودي صاحب المروج أن الإمام ( قال لابن عباس ؛ يابن عم أنك لي ناصح وعلي شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إليَّ بإجتماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي وقد أجمعت على المسير . (مرج الذهب ج 3 ص 55 ) (3 )2 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أحد أبرز الساسة في ذلك العصر ، وقد كان من المخالفين لسفر الإمام إلى الكوفة وهو ابن جعفر الطيار وزجته زينب الكبرى بنت الإمام علي ( ولا يُعلم بالضبط ما أذا كانت تحت عصمته أم لا في زمن تحرك الإمام إلى الكوفة ) روي عن الإمام السجاد أنه قال : لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر مع أبنيه عون ومحمد ؛ أما بعد فإني أسألك بالله لما أنصرفت حين تنظر كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك وأستئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب .. وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد فكلمه وقال : أكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان وتمنيه فيه البر .. ثم كتب عبد الله بن جعفر الكتاب وختمه وبعثه مع يحيى بن سعيد فلحقا بالإمام فقالا أقرأناه الكتاب وجهدنا به ، وكان مما أعتذر به إلينا إن قال : إني رأيت رؤية فيها رسول الله وأمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له عليَّ كان أولى ، فقالا له : فما تلك الرؤية ؟قال : ما حدثت أحداً بها وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي .(تاريخ الطبري ج4 291 ــ 292))ونلاحظ أن عبد الله بن جعفر لم يكتب للإمام أنك مقتول حتماً ، ولم يجبه الإمام : وأنا أعلم بذلك مئة في المئة . كل ما في الأمر أنه عرض عليه وجهة نظر سياسية لاحظها ابن جعفر حين قال له : أسألك الأنصراف وأنا مشفق عليك من هذه الرحلة أن يكون فيها هلاكك . وقول الإمام له : أمُرت بأمر أنا ماضٍ له ، علي كان أولى ! والإمام قطعاً هو المترجم والمفسر لذلك الأمر ، ويكون الآمر بلحاظ معنى تحرك الإمام : أنه تحرك من مكة إلى الكوفة لتشكيل حكومة العدل الألهي وإن حوصرت فلن أدعو للحرب من أجل كسب الأنصار وإن لا أنزع السلاح أو أسلم بدون قيد أو شرط لأن ذلك من الذلة والهوان وأمُرت ان لا ألقى بيدي إلى التهلكة ، وإن هاجمني العدو أدافع حتى النفس الأخير ، وهذه المفردات المعنوية تعبر عن مسيرة الإمام وهي المعنى التفسيري لرؤياه ) ...3 - عبد الله بن مطيع : أحد أبرز الرجال في المجال السياسي آنذاك ، وهو من المخالفين لسفر الإمام نحو الكوفة ، روي أنه بينما كانت راحلة الإمام تسير نحو الكوفة إذ انتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل ههنا فلما رأى الحسين قام إليه فقال : يا ابن رسول الله ما أقدمك ؟ فقال له الحسين ؛ كان من موت معاوية ما قد بلغك ، فكتب إليَّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله بن مطيع : أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة رسول الله ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً ، والله إنها لحرمة الإسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب ... قال فإبى إلا ان يمضي ( تاريخ الطبري ج4 ص 298 )(2) ونشاهد إن هذا الكلام من ابن مطيع يمثل تحليلاً سياسياً للوضع في الدولة الإسلامية لذلك نراه يقول : لئن طلبت ما في أيدي أمية ليقتلونك ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً ، ونلاحظ أن الإمام لم يعطه جواباً على بعض تساؤلاته ، ولم نرى في كلام ابن مطيع ما يدل على كلمة : أنك مقتول حتماً وكلمة (لئن) في بيانه تأتي بمعنى لو حرف أمتناع لوجوده .وابن مطيع كان له كلاماً مع الإمام في مكة يقول فيه : لئن هلكت لنسترقن بعدك .( تاريخ الطبري ج 4 ص 261 )) (2) وكلامه هنا حول الموت ليس قطعياً ولم يكن يجزم مئة بالمئة ، بل أنه متردد في أمره حول قتل الإمام والتردد ظن والظن لا بديل في باب القينيات إنما هو دخل في باب الأحتمالات4 – عبد الله بن عمر : وهو من الذين خالفوا الإمام في سفرته تيك ، قيل أنه لما سمع بالإمام قد تحرك نحو العراق لحق به وقال له : أين ذاهب ؟ فقال له الإمام : نريد العراق فإن أهلها قد دعونا للبيعة ، فقال ابن عمر : أذكرك الله إلا ما رجعت وفي رواية أخرى ، لا تخرج فإن رسولله خير بين الدنيا والآخرة فأختار الأخرة ، وإنك بضعة منه ولا تنالها ـ يعني الدنيا ـ ثم اعتنقه وبكى وودّعه ، فكان يروي عن أبن عمر قوله : غلبنا حسين بن علي بالخروج (الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ص 67 أبن العديم تحقيق الدكتور سهيل زكار طبع دمشق . 2) .كما ورد في هذه النصوص فقد تحدث عن قتل الإمام ولكنه لم يُجزم بذلك ، ولم يقل له الإمام شيئاً عن مقتله أو عن غيره ، وابن عمر لا يعلم الغيب وتحدث في أمر عام ، ولكنه لم يتحدث عنه بشكل غيبي يعلم ما تكنه الإيام ، فلو أعتبرنا هذه المرويات قابلة للإعتماد فإننا نلاحظ فيها أنه كان قد أشار في كلامه إلى معنى الدنيا ، وكأن الخلافة والحكومة الإسلامية أمر دنيوي ولا علاقة له بالدين ، وأنه لا يصح للإمام ـ أن يطالب بالحكم لأن ذلك شأن دنيوي متهم الإمام في توجهاته ، ولو تتبعنا سيرة وسلوك ابن عمر لوجدناه من الذين لم يبايعوا علياً ، ولكنه بايع معاوية ويزيد ، فهو يقول للإمام لا تفكر بالخلافة لأنها من شؤون الدنيا ، أقبل حكومة الظالمين وتعهد على نصرتها ولا تدعوا لتحكيم الدين وإقامة حدود الله فهذه ليست من شأنك إنها من شأن يزيد لأنها في الدنيا ، أبن عمر هذا يقدم نفسه فقيهاً يوضح للإمام معنى التكليف ما يجب فعله ؟ وكأنه أعلم بالمصلحة والمفسدة من الإمام أي هراء هذا ؟ هذا المتفقه يقول لأبن رسول الله لاتطلب الخلافة فإنه تعني الدنيا ، وكأن حكم رسول الله والخلفاء من بعده أهل الدنيا أم أن هذا الحكم متعلق بالحسين وحده ؟ ومن هنا وافق وبايع كل الظالمين وخالف الحسين في حركته الأصلاحية 5 – عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي : ذكره أبن عساكر بأسم ـ أبو بكر عبد الرحمن ـ ولعله يكون كنيته له ، روي أنه لما أرادا الإمام التحرك نحو الكوفة قال عمر المخزومي : أتيت الحسين فدخلت علية وهو بمكة وأثنيت عليه ثم قلت : يا أبن عم لحاجة اريد ذكرها لك نصيحة فإن كنت أنك تستنصحني وإلا كففت عما أريد أن أقول ، فقال : قل فوالله ما أظنك بسئ الرأي ولا هوى القيبح من الأمر والفعل ، قال : قلت أنه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق ، وأني مشفق عليك من مسيرك انك تأتي بلداً فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ولا أمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ، ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه ، فقال الحسين أجزاك الله خيراً يا ابن عم ، والله علمت أنك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ، ومهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي مشير ,,, ( تاريخ الطبري ج 4 ص 287 )(1)فيكون كلام المخزومي هذا تحليلاً للوضع السياسي ويظهر أن عنده تخوفاً وشكاً فيما لو لم ينتصر الإمام ونلاحظ أن جواب الإمام له : أنك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ومهما يقض من امرٍ يكن ، فلم يقل أني مقتول مئة بالمئة ولم يقل له أنك ستُقتل حتماً وكلاماً شبيهاً بذلك ، وكلام الإمام هذا يشبه كلامه للفرزدق حين ألتقاه فقال له : إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته (تاريخ الطبري ج 4 ص 290 )2 )6 – عمر بن لوذان : كان شيخاً من بني عكرمة ، روي أنه لما مرّ الإمام ببطن العقبة ونزل فيها ، ألتقاه هناك وسأل الإمام عما يريد وأين يتجه ؟ فقال له : أريد الكوفة ، فقال : أنشدك الله لما أنصرفت فو الله لا تقدم إلا على الأسنة وحدّ السيوف فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطؤا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً ، فأما على هذه الحال التي تذكرها فأني لا أرى لك أن تفعل . قال له الإمام : يا عبد الله أنه ليس يخفى عليّ الرأي ما رأيت ، ولكن الله لا يغلب على أمره (تاريخ الطبري ج 4 ص 301 )ويبدو من كلامهم السابق أن هؤلاء جماعة لا علم لهم بما تم بين الإمام وأهل الكوفة من كتب ومراسلات ، وأنهم بعيدون عن الوضع القائم هناك لذا جاءت كلماتهم تدل على الأشفاق ، وأنهم يرون ان الحكم الصحيح هو عدم المسير إلى الكوفة ، ولكننا نرى أن الإمام كان يقول كلاماً ينسجم مع طبيعة المرحلة ولغة المخاطب ، وأنهم جميعاً لم يقولوا أنك مقتول قطعاً ، ولكنهم أبدوا ملاحظات حول الوضع السياسي ، وكان جواب الإمام ينطلق في ظل تلك التحاليل السياسية وما لديه من قرائن وعلامات على خلاف ما يظنون ...كان هؤلاء الجماعة يخالفون الإمام في تحركه نحو العراق ، وقالوا أن أحتمالات الحرب واردة والخسارة فيها واردة أيضاً ، هؤلاء النفر خالفوا ضمن هذا الخط القائم على تحليل سياسي للوضع العام ، ولكننا نرى مخالفين أخر ولكن بصورة أكثر حدّة وتطرفاً فالبعض منهم لأوجب البيعة ليزيد وأعتبروا أن أي قيام ضده يمثل خطأ نحو الفرقة بين المسلمين فهذا أبو سعيد الخدري روي أنه قال : غلبني الحسين بن علي على الخروج وقد قلت له : أتق الله في نفسك وألزم بيتك فلا تخرج على أمامك . (الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ص 67 أبن العديم تحقيق الدكتور سهيل زكار طبع دمشق (4 )وروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قوله : كلمت حسيناً فقلت له : أتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض ، فوالله ما حمدتم ما صنعتم فعصاني (الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ص 67 أبن العديم تحقيق الدكتور سهيل زكار طبع دمشق (5) . وأظن أن هذه الروايات صاغها أعوان الدولة والحزب الأموي ووضعوها بلسان أصحاب رسول الله حتى يكون لها أثراً شعبياً واسعاً ، من اجل الترويج لصحة إمامة يزيد وخلافته ، فالظاهر أن صحابة رسول الله أجل وأكرم من هذا الزيف المجعول على لسانهم ، وتأريخياً لا يسمح الطعن بهم أو نسبة هذه المرويات لهم ، فهذه المرويات هي جزء من حملة دعائية قامت بها السلطات الأموية للحد من النقمة والتذمر الذي حدث في البلاد الإسلامية بعد مقتل الحسين فأشاعوا تلك المرويات ونسبوها إلى صحابة رسول الله للتخفيف من ثقل الجريمة وبشاعتها وشناعتها ، وفي هذا السياق رووا عن أبن عمر قوله : أن الحسين رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن يتحرك ما عاش وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإن الجماعة خير الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ص 67 أبن العديم تحقيق الدكتور سهيل زكار طبع دمشق (1) .هذا اللون من التهريج الأعلامي الرخيص الداعي إلى السكون والركون على الظلم وجنايات الطواغيت ، يصورون للناس أن الخير كل الخير بالانقياد إلى سلطة الجبابرة والمنحرفين معتبرين حكوماتهم خير .. .يظهر مما مضى أن الذين خالفوا الإمام بسفرته تيك لم يقولوا : أنه مقتول حتماً لكنهم أشاروا بالرأي وأحتمالات النصر والخسارة ، وما في ظلها من موازين سياسية وعسكرية وأدارية ، وقد رجح البعض منهم عدم إمكانية تحقيق النصر كأبن عباس الذي قال : لا أمن عليك ، وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك ( تاريخ الطبري ج 4 ص 287 )(2) ، وكلمة ( لاأمن) تعني ؛ أنه يحتمل أن لا تنتصر في الحرب ، وليس معناها أنك مقتول مئة بالمئة ، وهذا التحليل من ابن عباس قائم على دراسة الوضع الذي كان فيه وعاصره ، ولم يكن عنده علم بالوضع الجديد للكوفة وما هي شعبية الإمام ؟ في حين هذه الأمور كانت واضحة ومشخصة عند الإمام فما في رواية المسعودي يظهر من قوله لأبن عباس : أني لأعلم أنك لي ناصح وعليَّ شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إليَّ بأجتماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي وقد أجمعت على المسير إليهم ( مروج الذهب ج 3 ص 55 ) (3) ، وما في جوابه لأبن عمر : أن أهل الكوفة دعوني وقد بايعوني ( تاريخ أبن عساكر ص 193 مجلد الإمام الحسين تحقيق المحمدي )(4) ... وبناء عليه يكون تحليل الإمام للوضع السياسي في مقابل ابن عباس كالآتي : يا ابن عباس أنك لا تعلم خبر أهل الكوفة وبيعتهم أياي وقد أتفقوا جميعاً على نصرتي في تشكيل حكومة العدل الألهي من أجل أن نعيد الحكم إلى وضعه الطبيعي ، وقد كتب إلىَّ مسلم بن عقيل : أن أكثر الناس معك إلا فالعجل العجل ، وبناء على ذلك وبناء على رغبة ذوي الفضل والحجى من أهل الكوفة وما كتبوه ليّ فإني ذاهب إليهم لنقيم معاً حكم الله ونقضي على حكومة الظالمين . والإمام قد رجح رأي سليمان بن صرد الخزاعي وحبيب بن مظاهر وعابس بن أبي شبيب الشاكري على رأي أبن عباس ، لأنهم دعوه على نصرته والدأب معه والعمل لتشكيل حكومة العدل الألهي لذلك قرر الخروج والمسير نحو الكوفة ، ولو ترك الإمام حراً في الدخول إلى الكوفة لتغير الموقف وأنقلبت الموازين ولتبين صحة آراء ابن مظاهر على آراء ابن عباس ، ولكن الذي حدث أن القوم قد حاصروه ومنعوه من التوجه إلى الكوفة ، وهذا ليس دليلاً على صائبية رأي ابن عباس ولكن تغير الشروط الموضوعية هو الذي حال دون الرجاء ...الخطاب الرابع وعلق بعض المتقولة أن الإمام رغب ظاهراً التسليم بلا شرط . فهذا الرأي بأعتقادي بسيط ويقوم على الظن لمكان كلمة (ظاهراً ) في البين ، والحقيقة على عكس هذا الرأي تماماً ، فقضية الرجوع من حيث أتى الواردة بكلام الإمام لا تعني التسليم دون شرط كما يحلوا للبعض أطلاقها ، لأن غاية ما تفيد كلمة (ظاهراً) الظن والظن لايغني عن الحق شيئاً وخصوصاً في مقامنا هذا ، نحن نعلم أن الإمام طرح ثلاث مقترحات على ابن سعد حينما وقع الإمام في الحصار العسكري والمقترحات الثلاث تؤدي إلى أنهاء حالة الحرب والعدوان ولو قبل أبن زياد تلك المقترحات لما وقعت الحرب ، ولما جرت فيها من ويلات إلى الآن صداها يؤرق الدنيا ويقلق الظالمين ، قال الحر بن يزيد الرياحي لأبن سعد يوم عاشوراء وهو يؤنبه ، إلا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله ؟ (الكامل في التاريخ ج 3 ص 421 أبن الأثير )(1) . وأيضاً نجد صدى المقترحات الثلاثة وردت بلسان ثلاثين رجلاً من جيش ابن سعد حينما أعترضوا عليه قائلين : ألا تقبلون من أبن بنت نبيكم واحدة من الخصال التي عرضها عليكم ؟ وقد التحق هؤلاء النفر بمعسكر الحسين وأستشهدوا معه في كربلاء ، وهذا يبين أن مقترحات الإمام ثلاثة وليس واحدة كما يحلو الأصرار عليه من البعض . وقد ذكر أبراهيم بن مالك الأشتر هذه المقترحات الثلاث وذلك في سنة 67هجرية حينما ألتقى بجيش ابن زياد في منطقة الموصل ، قال أبراهيم الأشتر مخاطباً جيشه وحاثهم على القتال : يأ أنصار الدين وشيعة الحق وشرطة الله هذا عبيد الله بن زياد بن مرجانه قاتل الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله حال بينه وبين بناته ونسائه وشيعته وبين ماء الفرات أن يشربوا منه وهم ينظرون إليه ومنعه أن يأتي أبن عمه فيصالحه ومنعه أن ينصرف إلى رحله وأهله ومنعه الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله (تاريخ الطبري ج 4 ص 554 )(2) ... هذه المقترحات التي فصلها ابراهيم الأشتر هي نفسها التي نبه إليها الحر والجماعة التي ألتحقت بالحسين من معسكر أبن سعد ، ولم نجد فيها كلمة [ تسليم بلا شرط أو بدون شرط ] فما في الطبري الجزء الرابع صفحة 554 . عن ابراهيم الأشتر ليس فيها لكلمة التسليم دون شرط ، إذن فمن أين أتت هذه الكلمة الزائدة ؟ ولو كان في مقترحات الإمام هذا المعنى أو ما يشير إليه لقبلها العدو . لأنها تعني نزع سلاح الإمام والدخول إلى الكوفة أسيراً . نعم التسليم دون شرط كان أقتراح ابن زياد الذي رفضه الإمام بقوة قائلاً ؛ ألا وأن الدعي ابن الدعي ـ يعني بن زياد ـ قد ركن بين أثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك وحجور طهرت ونفوس أبية ... ألخ كلامه . وهذا الكلام تأكيد لما قلناه أن الإمام رفض مبدأ التسليم وبقوة وجاهد حتى هوى إلى الأرض صريعاً شهيداً محتسباً ليظل نشيد الخالدين مدى الحقب .الخطاب الخامس يقول البعض ؛ لماذا قبل الإمام الحسن الصلح ولم يستشهد كما فعل الإمام الحسين ؟ هذا الرأي ورد بلحن السؤال ؛ وهو ناشئ من عدم تشخيص واقعي لماهية الثورة الحسينية ، لأن أصحاب هذا الرأي يتصورون ، أن الإمام ، ثار من أجل الشهادة ، ولذلك دخل الحرب مع يزيد مع قلة الناصر ، وهذا التوجه في تفسير الثورة هو الذي جعلهم يقولون ما دام كذلك ، فلماذا لم يفعل الإمام الحسن مع معاوية كما فعل الإمام الحسين مع يزيد ويستشهد كما استشهد ؟ وحتى نوضح المطلب ينبغي القول ؛ أن لا فرق مطلقاً بين سياسة الإمام الحسن والإمام الحسين تجاه الظالمين والموقف من حكومة الظلمة وأيضاً لا فرق في سياستهم تجاه مسائل الحرب والسلام ، وهما معاً يعتقد أن الحرب مع معاوية أو يزيد لا بد أن تتوفر فيها الشروط الموضوعية المناسبة كوجود قوات مؤهلة وقادرة وكافية وهذا الشرط لازم ولا بد من توفره ، فلو لم يكن كذلك فلا ينبغي دخول الحرب وخوض غمارها ، ولا بد أن تؤجل حتى حين ، يكون لديهم من القوات ما يؤدي الغرض ويرفع رأية الدين ... وهذا التأكيد منا هو من مقتضيات العقل والطبيعة وسنة الحياة . ولكن بعض الناس حاول أن يجد فرقاً بين سياسة الإمام الحسن وسياسة الإمام الحسين في هذا المجال ، ولهذا نرى مقولات لبعض أهل السنة تزعم بأن الحسين ألقى بيده إلى التهلكة ، وأنه أخطأ في حربه مع يزيد لأنه كان يعلم أن حرباً كهذه خاسرة لا محالة ، وقد أخذ بعض اهل الشيعة هذا المعنى منهم وقال : إن الإمام كان يُريد أن يقتل نفسه ، ونحن نرى أن هذين القولين على خلاف الحقيقة والواقع . فالإمام الحسين لم يكن خاطئاً في حربه ولا أنه أراد أن يقتل نفسه ، بل أنه عمل كل ما بوسعه من أجل أنهاء حالة العدوان والحرب التي يسعى الحزب الأموي إلى أشعالها ... وحالة رغبت الحزب الأموي عن طموح الإمام وأشعلوا الحرب التي قتل فيها الإمام مظلوماً هو وأصحابه وأهل بيته خير من في الأرض ، لتضل تلك الرغبة لغة العدوان والأستهتار بالمبادئ على طول الزمان وعرضه ...ينبغي التنبيه ؛ إلا أنه يوجد طريقان في تناول أهداف الثورة الحسينية ؟أولهما المنهج التدويني الشكلي الذي لايليق ولا يدقق فيما يكتب ولذلك تجد التفاوت فيه أحياناً حتى في الكتاب الواحد وهذا ناتج عن تشتت بين الرؤية والمنهج لأنه لا يقوم على أصول منضبطة وقواعد تأريخية ولغوية وسلطة مرجعية صحيحة . وثانيهما : النظرة الموضوعية الملتزمة القائمة على الدقة والتأمل في عرض الفكرة على القواعد العلمية المعمول بها في منهاج البحث ولغة النص وطريقة الأستنباط والملاحظات الفكرية لما يّدون وبالتالي فالاختلاف حاصل كأمر طبيعي ناشئ من الأختلاف في الرؤية ومنهجية البحث وطريقة الالتزام بالحقائق العلمية الموضوعية وصيانتها ، وعلى أي أعتبار فالإنسان مخلوق تكاملي بل كل يوم هو في شأن من التطور والتكامل ، ولهذا لا ترى أثنين من الفقهاء متفقين على مسألة واحدة ، ذلك لأن الأبداع والتجديد والتطوير هي الحركة الحضارية للبشرية المبدعة ومن هنا نفهم الأختلاف بين القديم والجديد وبين السلفي واللاسلفي بين القراءة للمعلوم وللمجهول ، وثورة الإمام الحسين نالها من هذا الأختلاف الأمر الكثير حتى قيل أنه ذهب لكي يقتل نفسه ، أو بتعبير أحدهم أن الإمام قام بعمل أنتحاري لكي ينهض الأمة من رقدتها إلى ما هنالك من أقاويل ، ولا عجب من ذلك لأنها جاءت بلسان بشر وجل من يكون كلامه واحداً فالله وحده صاحب هذا الوصف يقول في وصفه للقرآن وحجج القائلين بنكرانه ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً)
|
|
|
|