حديث ـــ إن الله قد شاء ان يراك قتيلاً

يقولون : ان الإمام الحسين لما عزم على الخروج من مكة بقصد العراق قال لأخيه محمد بن الحنفية ( إن النبي أمرني قائلاً ؛ أخرج فأن الله قد شاء أن يراك قتيلا) ، ولكن قبل أن ندخل بتفاصيل معنى الحيث حاولنا التحقيق من مصادر الحديث التاريخية والروائية ، وبعد جهد التحقيق وصلنا إلى النتيجة التالية : ان هذا الحديث لم يوجد في أي من المصادر التاريخية التي تحت أيدينا والتي سندرجها بالتسلسل الزماني لها ؛

ويعني أن الحديث لم ولا يوجد في الكتب التاريخية إلى حدود النصف الثاني للقرن السابع ، ولكنه في الفترة التي تلت النصف الثاني من القرن السابع الهجري وجد في كتب المقاتل وأشتهر على الآلسن بشكل عجيب نتيجة لكثرة ترديده وإليك أسملء المصادر والمراجع التاريخية والروائية والتي لم يذكر فيها هذا الحديث وهي حسب التسلسل الزماني لها :

1- الإمامة والسياسة أبن قتيبة الدينوري 276 هجري
2-
الأخبار الطوال أبو حنيفة الدينوري 290 هجرية
3-
تاريخ اليعقوبي أبن واضح بعد 292هجرية
4-
تاريخ الطبري محمد بن جرير 310 هجرية
5-
العقد الفريد أبن عبد ربه 328 هجرية
6-
الكافي الكليني 329 هجرية
7-
مروج الذهب المسعودي 349 هجرية
8-
مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصفهاني 356 هجرية
9-
الإرشاد الشيخ المفيد 413 هجرية
10-
روضة الواعظين الفتال النيشابوري 508 هجرية
11-
إعلام الورى لأمين الإسلام الطبرسي 548 هجرية 12- مقتل الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم 568 هجرية
13-
التهذيب لأبن عساكر علي بن الحسن الشافعي 571هجرية
14-
الكامل لأبن الأثير 630 هجرية
15-
تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي 654 هجري

وهذه الكتب جميعاً لم تذكر هذا المطلب ولم توجد فيها عبارة ( أخرج فإن الله قد شاء ان يراك قتيلا) وهي جميعها كتبت قبل النصف الثاني من القرن السابع الهجري . ولكننا نلاحظ ان السيد ابن طاووس المتوفي سنة 664 هجرية أدرج هذا المطلب في كتابه اللهوف ، وبعده نُقل إلى كتب كثيرة ومختلفة منها البحار ، ناسخ التواريخ ، نفس المهموم وغيرها ، وقد أشتهرت هذه العبارة في الكتابين الأخيرين فاقت التصور . ولا شك أن المنشأ الرسمي لنقل هذه الكتب للعبارة أما مباشرة من كتاب اللهوف أو غير مباشرة عنه .

وكتاب اللهوف كما تعلم كتب في أواسط القرن السابع الهجري .. ولكي تقف على المطلب بوضوح إليك عين ما كتبه صاحب اللهوف المرحوم السيد ابن طاووس ؛ وسيدور بحثنا حول عبائر ما جاء في كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الثقة

( وعلى الأصل أنه كان لمحمد بن داوود القمي ) بالاستاد عنه أبيه عبد الله قال : سار محمد بن الحنفية إلى الحسين في الليلة التي أراد الخروج صبيحتها عن مكة فقال : يا أخي ان أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى ، فأن رأيت ان تقيم فأنك أعزُّ من في الحرم وأمنعه فقال : ياأخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يستباح به حرُمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البحر فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك فقال :

أنظر فيما قلت فلما كان في السحر أرتحل الحسين فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال بلى قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ّّ قال : أتاني رسول الله بعدما فارقتك فقال : ياحسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً فقال ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون فيما راجعون فما معنى حملك هؤلاء النساء وأنت تخرج على مثل هذه الحال ؟ قال ، قد قال لي : أن الله قد شاء أن يراهن سبايا وسلم عليه ومضى (1) عبد الكريم بن طاووس اللهوف ص 55

إذن فالكتب التي يتداولها معظم الناس إنما كان المنبع الرئيسي لحديثها هو اللهوف وما جاء بعده من الكتب على إن الله ــ أراد أن يرى الحسين قتيلاً ــ

( وفي كتاب أثبات الوصية ص 139 جاء فيه أن محمد أبن الحنفية قال للإمام الحسين الله الله في حرم رسول الله فقال له : أبي عبد الله إلا أن يكنَّ سبايا ) ويحتمل أن يكون مؤلف كتاب الوصية أخذ هذا المطلب من الكتاب الذي أخذ عنه صاحب اللهوف ونقل هذه الجملة عنه بشكل نقل بالمعنى

نعم هنا لابد من أن نعلم ما نقله صاحب اللهوف إلى أي حد يمكن أعتبار قيمته ؟ مع أننا نلاحظ أن كتاب اللهوف ينقل هذا الخبر بدون سند في حين أننا لا نعلم بالضبط رواة هذه القصة وكيف كانوا ومن هم ؟

وأيضاً فأننا لا نعلم أن هذا الكتاب الذي نقل عنه صاحب اللهوف إلى أي حد كان قابلاً للقبول والإعتماد ؟

وهل أن أكابر العلماء والمؤوخين أمثال ، اليعقوبي ، الكليني ، المفيد ، الفتال النيسابوري ، أمين الإسلام الطبرسي ، الذين عاشوا قبل صاحب اللهوف لم يطلعوا على هذه القصة ؟

وإذا كانوا على علم منها ولم ينقلوها فكيف يمكن الإعتماد عليها وقبولها ماداموا لم يعيروها أهتماماً معيناً ، ولم يدروجوها ضمن مطالبهم ؟

وجود معارض

مضافاً إلى ما تقدم فإن خبر صاحب اللهوف له معارض في المقام وهو خبر ( أبو مخنف ) الذي نقله عن الحارث بن كعب الوالبي عن الإمام السجاد ونقل هذا الخبر الطبري في تاريخه والشيخ المفيد في إرشاده وهذا الخبر يتحدث عن أصرار عبد الله بن جعفر على إرجاع الإمام إلى مكة ، وجواب الإمام إليه قائلاً : أني رأيت رسول الله في المنام وأمرني بما أن ماض له عليَّ كان أولى ، فقال له ابن جعفر : فما تلك الرؤيا ؟

قال : ماحدثت أحداً بها وما أنا محدث بها ؟ (2) تاريخ الطبري ج 4 ص 292 : المفيد : الأرشاد ص 200 . .

ومن هذا الحديث يُعلم ان ما قاله رسول الله في المنام للإمام لم يقله الإمام إلى أي شخص في حال أن خبر اللهوف يصرح بأن الإمام قال لمحمد بن الحنفية عن الرؤيا التي حدثه بها رسول الله وهذا في الواقع تعارض بين النقلين بين اللهوف من جهة وتاريخ الطبري والأرشاد من جهة أخرى ،

ولازم من التعارض بين الحديثين مع أنتفاء المرجح لأي منهما سقوط الأثنين من الاعتبار ، وعليه تكون المعادلة بالشكل التالي ؛ طرح ما نقله صاحب اللهوف من نقل أبي مخنف والأرشاد تصبح النتيجة عدم ، يعني نقل أبي مخنف والأرشاد ــ نقل اللهوف = عدم .

بحث في معنى الحديث

مع أن البحث في معنى الحديث بعدما تبين التعارض بينهما يكون بحثاً زائداً في المقام لوجود التعارض في البينّ الذي أسقط الحديث ، إلا أن ذلك لا يمنع من التحقيق التام والبحث المسُهب حول معاني الحديث ، وها نحن نحاول تسليط الضوء على بعض مضامين الحديث ببعض الجمل آملين الفائدة : أن لكلمة ( شاء ) في هذا الحديث أحتمالين :

1- الأول : أن تكون (شاء) تشريعية .

2 – الثاني : أن تكون (شاء) تكوينية .

الأول : أذا كانت تشريعية

لو أن (شاء) تشريعية فإن ذلك ليس بصحيح ( لأنه لو كانت تشريعية فإنها ستكون بمعنى أمر أو تكليف ) وعليه يجب أن يتعلق أمر الله بأحد هذه الأشياء الثلاثة :

أ – أن يتعلق الأمر بقتل الإمام وهذا باطل لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بقتل الإمام مطلقاً .

ب – أن يتعلق الأمر ؛ بذهاب ( الروح عن البدن ) وهذا أيضاً باطل لأن ذهاب الروح من البدن من باب الأنفعال وليس من باب الفعل ، والتكليف يتعلق بالفعل لا بالأنفعال .

ج _ أن يتعلق الأمر بمقدمات القتل يعني أن الله سبحانه وتعالى أمر الإمام أن يُقدم نفسه للقتل لكي يُقتل وهذا أيضاً محكوم ببطلانه لأنه على أساس ذلك يكون تحريك الاخرين للقتل حراماً ، وبالضرورة فتحريك نفسه من أجل قتلها عمل محكوم عليه بالحرمة ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن تكون شاء تشريعية ) . أضف إلى ما تقدم فإن قتل الإمام وأسر أهل بيته ذنب عظيم لا يُغتفر ، ولا ريب ان الله سبحانه وتعالى عندما شرع القوانين لم يُريد فيها ظلماً للعباد بداهة أن الله لم يُريد من الناس أن يقولوا الكذب ، ولكنهم على خلاف أرادته يكذبون ، كذلك لا يُريد ان تكون فتنة وفساد على الآرض ولكنها موجودة ، كذلك لا يُريد أن يُقتل الإمام الحسين ولا أن يقع أهل بيته أسرى ، ولكن كل ذلك وقع فقتل الإمام وسبيت عياله . يقول الإمام السجاد : أن قتل الإمام الحسين كان ضربة ومصيبة فادحة وقعت على الإسلام والمسلمين ، ولا ريب أن الله لم يكن يُريد أن تقع مثل هذه الفادحة العظيمة على الإسلام ، وأن تلقي بستارها عليه ،

نعم ان يزيداً وابن زياد أرادا أن يُقتل الإمام ، لا أن الله أراد ذلك !

لأنه لو كان الله سبحانه وتعالى في مقام التشريع أراد أن يرى الحسين قتيلاً أذن فلماذا نهى عن قتله ؟

قد تقولون

ان القتل في سبيل الدين أمر مطلوب عند الله ، نقول في معرض الجواب : ان القتل بذاته لم يكن مطلوباً عند الله ، بل أن المطلوب عند الله هو الدفاع عن القيم والمبادئ السماوية وحماية الدين ، الذي يكون القتل فيه حالة لازمة وتعتبر أسمى غاية لانها ذات هدف عظيم ، اذن الذي يُريده الله سبحانه وتعالى هو الدفاع عن الدين لاغاية القتل ( طبعاً لايُحسن القول ؛ أنه أذا لم يكن القتل هو ما يريده الله سبحانه ، فإذن لماذا يأمر بذبح أسماعيل ؟

الجواب : ان هذا الأمر كان أمراً أمتحانياً ولم يكن ذبح أسماعيل ما يُريده الله قطعاً بل أنه لا يُريد قتله ولهذه العلة صرف إبراهيم عن قتله )

ونعود لتوضيح المطلب قائلين ؛ هل ان ضرب المظلوم أمر مطلوب ؟ طبعاً لا ، أذن فتعريض النفس للضرب أيضاً أمر غير مطلوب . وهل ان قتل المظلوم أمر مطلوب ؟ طبعاً لا ، أذن فتعريض المظلوم للقتل أمر غير مطلوب

وهل أن قتل الإمام أمر مطلوب ؟ طبعاً لا اذن فتعريض الإمام نفسه للقتل ايضاً أمر غير مطلوب ، اذن فقتل الإمام ليس غاية الله أو هدفه أو مطلوبه ، وليس غاية ومطلوب رسول الله ، وأيضاً فليس القتل هو مطلوب الإمام نفسه ، ولا مطلوب أهل الإيمان والعقل

مما لاشك فيه ان الفرد الذي يدافع عن كيان الإسلام وحضارته حتى يُقتل في ذلك الطريق ذو مقام عالٍ ، ولكن ليس من جهة القتل بذاته ولكنه من طرف الدفاع المخلص في طريق الله الذي يوصله إلى حد الكمال .

لان الدفاع في سبيل القيم والدين أعلى وأكمل مراتب الفداء والتضحية لذلك يكون الأجر متناسباً مع قيمة الدفاع ( الاجر على قدر المشقة ) نعم أن هذا الاجر في مقابل الدفاع الأكمل الذي هو غاية عند الله لا مقابل القتل المحض ( أي ذهاب الروح عن البدن ) ( ونقول في الدعاء : أرزقنا الشهادة . ومقصود ذلك ؛ ألهي وفقني للجهاد في سبيل دينك حتى أضحي بجسدي في سبيلك ، يعني أقوم بأعلى مراتب الجهاد حتى أنال أقصى مراتب الأجر ،

وهذا طبعاً ليس معناه أن أدعوا لكي أقتل نفسي أي أطلب من الله ذهاب روحي عن بدني )

ملاحظة

مقدماً ؛ يجب العلم انه وردت آيات في باب الجهاد تدعو لقتل الأعداء وتطهير الأرض من رجسهم ، في حين لم تتطرق ولو آية واحدة من الآيات كي تدعوا الناس لقتل أنفسهم : من هنا نقول ؛ أن المسلمين الذين يذهبون إلى ميادين الحرب ولم يكن هدفهم تقوية الإسلام ورفع رايته والقضاء على العدو وإنما هدفهم الوحيد هو ان يُقتلوا في ميادين الجهاد ، لا ريب ان مثل هكذا تفكير يكون محدود العطاء ، ولو أفترضنا أن هكذا فرد قتل بيد العدو فأنه بلا شك ليس له أجرفي مقابل قتله هذا ، لأنه لم يقدم ، لأنه لم يقدم أي منفعة تذكر للإسلام ، بل لعله يمكن القول ؛ ان مثل هكذا فرد قتل نفسه بيده بشكل غير مباشر ، أضف إلى ذلك فأنه لم يقدم أي فائدة يمكن قياسها مع أقل فرد في العطاء ، بل لعله ساهم بشكل غيرمباشر في تقوية شوكة العدو وسيطرته في الموقف ، نعم لو قاتل هذا الشخص في سبيل عزة الإسلام ونصرة المسلمين حتى قتل في ذلك السبيل فأن له مقاما ً شامخاً مع الشهداء ومرافقة الإنبياء ولهذا المعنى فإن أقصى مراتب الجهاد أن يجود الإنسان بنفسه دفاعاً عن المبادئ والرسالة الالهية

( والجود بالنفس أقصى غاية الجود ) وهذا المفهوم في الجهاد يعلمنا بأن هكذا أفراد حتى ولو لم ينالوا مرتبة الشهادة في سوح الجهاد فأن أجرهم سيكون عظيماً ، وعلى سبيل المثال ، لو ان شخص من المسلمين ذهبا نحو ساحة الحرب وقتل كل واحد منهم عشرة أشخاص من جيش العدو ، وأستشهد أحدهما وعاد الثاني إلى معسكره فأنه بلا ريب سيكون للاثنين معاً مقاماً شامخاً عظيماً وأجرهم سواء ولا تمييز ولا تفضيل

من أستثناء إنما الإعمال بالنيات )

والقرآن الكريم يُصرح بهذه الحقيقة في بيانه قائلاً ( إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتِلون ويُقتلون ) سورة التوبة آية 111.

ومن هذه الآية الشريفة يفهم ان الفرد الذي يُقاتل في سبيل الله والفرد يُعطي أمواله في سبيل نصرة الإسلام ، لا ريب ان الأثنين موعدهما الجنة لأنه يصدق عليهما إنهما جاهدا في سبيل الله ، وايضاً في آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى ( ومن يُقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ) سورة النساء آية 76.

والآية تصرح بأن من يُقتل في سبيل الله أو من يغلب على العدو هما عند الله في طائفة واحدة ولا فرق بينهما بل ان أجرهما عظيم دون أستثناء أو تخصيص ، ومن ذلك أصبح واضحاً أن الأجر العظيم مرهون بعوامل الفعل المؤثر من أجل تحطيم ركائز ا وتقوية شوكة الإسلام والمسلمين لا انه يقع للإنسان بمقابل أن يقتل نفسه ، نعم نستطيع القول : ان الشخص الذي قتل في حال الجهاد ولو حُرم من الحياة إلا انه وقع في اللطف المخصوص لله سبحانه وتعالى ، ولكن هذه المحرومية من الحياة وقعت لعلة الجهاد والفداء والتضحية في سبيل الله ونصرة الإسلام ، لا أنه أصبح محروماً من الحياة لعلة ذهاب روحه عن بدنه ، وهذه الإخيرة هي المطلوبة عند الله ولذلك أمر فيها .

ولهذا يتضح مما سبق ؛ أنه لا معنى ان يقول الرسول للإمام الحسين أخرج وأقتل نفسك لأن الله يُريد أن يراك قتيلاً .

بل لعل قول الرسول هو اخرج من أجل الدفاع عن الإسلام وحمايته سواء أنتصرت أم أستشهدت ، لأن الله يُريد أن يراك المدافع والمحامي عن دينه ، وهذا المفهوم في المعنى كما أعتقد لايحتاج إلى قرار جديد لأن الدفاع والحماية عن الإسلام واجبان على كل مسلم .. ومن هذه الزاوية يمكن فهم تحرك الحسين من مكة أولاً : ليُعيد القيادة إلى مركزها الإصلي في الشورى وتشكيل الحكومة العادلة ،

وثانياً : توفر أكثر من 50% من شرائط النصر له

الثاني : أذا كانت تكوينية

إلى هنا أنتهينا من البحث في (شاء ) التشريعية ، وإليك الآن بحثاً أخر في (شاء) التكوينية . ولكي نوضح المطلب نقول ؛ هل يمكن أن تكون (شاء) تكوينية أم لا ؟

يُلزم ان نعُطي توضيحاً قصيراً في البيان : ان كل العالم بنظر المشيئة التكوينية لله سبحانه وتعالى : أي أن الله رتب القضية على أساس قوانين العلة والمعلول .

فكل علة من وجود أي تفسير لا بد أن تكون تلك العلة ناظرة إلى موجود معين ، طبيعي أن أعمال العباد سواء أكانت حسنة أم سيئة لايمكن أن تستثنى من القانون ، فالقانون يشمل الصلاة كما يشمل قتل النفس ، وبالتالي فإن الاعمال الحسنة كما أنها من المشيئة التكوينية فهي مورد نظر الأمور التشريعية الالهية ، مثلاً الصلاة التي تقع في الخارج هي مورد المشيئة التكوينية ، لأن العلل الوجودية للمشيئة حاصلة ، فلذلك وجدت الصلاة ، وأيضاً فهي أمر تشريعي لأن الله سبحانه قد أمر بالصلاة ، أما العمل السئ كقتل النفس لم يقع مورد الأمر التشريعي لانه مبغوض عند الله ؛ لكنه وقع فقط في مورد المشيئة التكوينية لله اي مع توفر علل القتل وقع القتل ووجد ، لكنه في نفس الوقت هذا القتل منهي عند الله سبحانه ، وعلى هذا الأساس فقتل الإمام يقع في مورد المشيئة التكوينية لله وفي نفس الوقت مورد النهي التشريعي ومبغوض عند الله سبحانه ؛

وبالتالي فلا يمكن أن يقع ملاكاً لأمر تشريعي لأن ملاك الامر التشريعي يجب أن يكون محبوباً وذا مصلحة في البين لا أن يكون مبغوضاً ومنهياً عنه ، إذن فلا يمكن القول ؛ إن الرسول أمر الحسين أن يخرج بملاك أن يراه الله قتيلاً بالمشيئة التكوينية والآرادة الالهية ، هذا في الواقع ليس بصحيح لان قتل النفس في نظر الشرع مبغوضة عند الله ، ولا يمكن أن تكون ملاكاً لأمر تشريعي ، نعم إلا أذا سددنا أعيننا عن كلمة ( أخرج ) تصبح كلمة (شاء) تكوينية لآنه يصبح في هذه الحالة معنى ( شاء إن يراك قتيلاً ) هو أن الله مقدر لك القتل وهذا هو عين حديث رسول الله حول مورد شهادة الحسين والذي قاله الرسول مراراً وتكراراً في حياته

خلاصة البحث : في هذا الحديث ( إن الله قد شاء أن يراك قتيلاً ) إن هذا الحديث ساقط عن الأعتبار لوجود معارض له في المقام ، أضف إلى ذلك أن كلمة (شاء ) في الحديث قد لا تكون تشريعية بحيث يمكن الأستفادة منها بالأمر، ومع صرف النظر عن كلمة ( أخرج) تكون (شاء ) تكوينية التي هي بمعنى حديث عن شهادته والي تحدث عنها مراراً . وعلى هذا الأساس فلا نستطيع القول بأن الإمام فهم من حديث رسول الله هذا ! هو أمره للخروج لكي يُقتل هناك .

ملاحظة : يقول صاحب اللهوف ( يمكن أن تكون علة صطحاب الإمام لأهل بيته معه ، حتى لايأتي بهم يزيد أسرى من الحجاز إلى الشام بالقرب منه ، ولكي لا يُسئ معاملتهم ، ويكون ذلك سبباً في إعاقة الإمام عن خوض الجهاد وفي النتيجة من يُحرم من سعادة الشهاة (عبد الكريم بن طاووس : اللهوف ص 74 )

من هذا الحديث يعلمأن صاحب اللهوف لم يجر التحقيق اللازم في إستدلاله بهذا الحديث ويقول ! إن علة حم الحسين أهل بيته معه لأن الله أراد أن يكونوا أسرى وأراد أن يرهم على هذه الحالة ( إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ) لا أن قول ، الإمام حمل عياله وأهل بيته كي لا يقعوا أسرى بيد يزيد ، ولكن كثيراً من علماء الحديث ينقلون روايات كثيرة في كتبهملا يعتقدون بصحتها كما فعل الشيخ الصدوق في كتابه ( عيون أخبار الرضا ج1 ص 328 ) ومافعله العلامة الملسي عندما كتب قصة فاطمة والحسين علق بالقول قبل أن ينقل القصة : الكتب التي أنل عها هذه القصة غير قابلة للأعتماد (محمد باقر المجلسي : بحار الأنوار ج10 ص 50 ) .

والأن لنطرح السؤال التالي : بض لأفراد لديهم عقيدة تقول ، إن الإمام قرأ في الصحيفة السماوية أنه يجب أن يتحرك إلى كربلاء ليُقتل فيها . ويقولون أيضاً : أن الإمام الحسين بالمدينة رأى في المنام رسول الله وقال له ذلك القول فهل أن هؤولاء الأفراد يقولون ، أن رسول الله جاء لملاقاة الحسين في النوم بمكة ليكرر عليه ، ما أقره في الصحيفة السماوية وما قال له في النوم بالمدينة ؟ ما الداعي لتكرار هذا القول ؟ إلا والعياذ بالله كان الإمام متردداً في العمل بما قاله الرسول له وبما جاء في الصحيفة ، أو أنه أراد التقليل من تنفيذ هذا القرار كي يحتاج إلى تأكيد وتكرار لتنفيذه !! .

وأخرج بأقوام للشهادة

روى الكليني في الكافي عن أبي جميلة ، عن معاذ بن كثير ، عن الإمام الصادق إنه قال : - ... فلما توفى الحسن ومضى ، فتح الحسين الخاتم الثالث ، فوجد فيها : أن قاتل فأقتل وأخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك ... - محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي ص 280
وروي الخبر نفسه على النحو التالي في الكافي بهذه الصورة قال : ... ثم دفعه إلى الحسين فك خاتماً فوجد فيه أن أخرج بوم إلى الشهادة إلا معك . نفس المصدر

وقبل البدء في التفاصيل لا بد من القول ، لا شك أن الروايتين كانتا منقولتين بالمعنى هذا أولاً عند القول بأنهما روايتان ، وإلاّ فهما رواية واحدة ، وهذا الإحتمال وارد يؤيده سياق الروايتين كما هو ظاهر ، أما : الإختلاف في بعض عبائر الروايتين فناشئ من تعدد الرواة
ففي الرواية الأولى : والتي سندها أبي جميلة ، وابوجميلة هذا هو - مفضل بن صالح - ، الذي قال عنه العلامة الحلي : - إنه كذاب يضع الحديث - 3- خلاصة الرجال ص 258
وأما الرواية الثانية : ووفق ما قاله العلامة المجلسي في - مرآة العقول ج1 ص 200 - إنها رواية مجهولة السند
قد يتصور المرء للوهلة الأولى حينما ينظر للروايتين ان الإمام الحسين ، كان قد عمل منذ ذلك الوقت لكي يُقتل في كربلاء ، وهذا المفهوم الخاطئ يحتاج منا إلى توضيح ، طالما ونحن نعلم ان المطلب المهم هنا والذي يجب معرفته هو : - هل ان هذه الرواية حددت الوظيفة العملية للإمام الحسين ، ضمن أدوار إمامته التي دامت 11 عاماً ؟ أم إنها عينت الوظيفة العملية لتحرك الإمام ، في زمن مخصوص ومحدد من أدوار إمامته ؟

ومن أجل توضيح ذلك نقول : - إن عمل الإمام الحسين من الناحية الفعلية تابع لما يقرره الكتاب المجيد وسيرة أبيه وجده ، وفي هذا يكون عمله أفضل مفسر للرواية ، في حال طبقنا المعنى على الخارج الموضوعي ، وفيه إيضاً يمكننا معرفة الزمن الموضوعي الذي خرج فيه الإمام مع أصحابه للشهادة ؟ وفي ذلك وحده يمكننا إدراك المعنى الحقيقي للروايات
وبديهي إن الإمام لم يخرج للشهادة بعد وفاة الإمام الحسن مباشرة ، بل إنه عاش زهاء ال 10 سنوات في صلح مع معاوية
وهو لم يخرج للشهادة في حياة معاوية ، ولكنه خرج من المدينة إلى مكة بعد هلاك معاوية ، حين أجبر على البيعة ليزيد ، وفي مكة أقام الإمام الحسين إرتباطاته بأهل العراق

وهو لم يخرج للشهادة حتى في ذلك الوقت ، ولكنه خرج بعد إن وصلته أنباء موثقة من مبعوثه مسلم ، وبعد إن أحس بالخطر من عامل يزيد على مكة ، فتحرك نحو الكوفة لكي يقيم حكومة عادلة كما كان يرغب أهل الكوفة بذلك

وهو لم يخرج للشهادة حتى في ذلك الوقت ، بل وحتى بعدما التقى بالحر ومادار بينهما من حوار ، ودعوته لهم بترك الخصومة والحرب ، وهذا المبدأ في نهجه أوضح من الشمس

وهو لم يخرج للشهادة حتى في ذلك الوقت ، نعم : إنه دخل في الحرب مضطراً بعدما إضطره العدو للدفاع عن نفسه يوم العاشر من المحرم

وطبيعي في مثل هذه الحالة التي يُرغم فيها على القتال لابد من تحمل كل تبعات الحرب وفضاعاتها ن الحرب التي أدت إلى قتله و أستشهاده هو ومن كان معه من الأصحاب ، وفي موقفه السلمي هذا حطم الإمام الحسين - كل الركائز التي أستندت إليها حكومة يزيد المجرمة والظالمة ، وفي هذا السياق يكون مضمون الرواية من الناحية الفعلية منطبق على يوم عاشوراء وليس على الفترة التي تلت إستشهاد الإمام الحسن ، وهذا كما ترى تأكيد من وجه على إن الإمام الحسين : لم يخرج للشهادة مطلقاً ، وإنما كانت الشهادة حالة لا مفر منها للوضع الذي كان عليه
ومنه يظهر إن عمل الإمام ، في الواقع الموضوعي ينفي دعوى الإستفادة من هاتين الروايتين ، في إثبات إن الله سبحانه أعطى أوامره للحسين ، ليخرج بوقته هذا لكي يستشهد هو وأصحابه ،

إذ لا مخصص في البيان ومع عدم التخصص يخرج الحديث كله من كونه علة إلزامية في الكلام هنا