خطبة خط الموت التفسير المفصل لخطبة الإمام المنقولة في كتاب اللهوف لأبن طاووس ، والتي ألقاها الإمام في مكة قبل تحركه نحو الكوفة ، والتي أعتبرها بعض جمهور المتأخرين تؤكد من حيث المبدأ على أن تحرك الإمام من مكة إلى كربلاء ، كان بقصد القتل والأستشهاد ، وليس لأي هدف أخر كما قال جمهور المتقدمين من المتأخرين . وحصر معناها بالقتل يستوجب منا ملاحظة المعاني الواردة فيها وعلاقتها بالعرف العام وانطباقها عليه ، وقبل البدء لابد من توضيح الصورة التي أنشئت بها ؛ وإليك متنها :( خط الموت على وُلد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي أشتياق يعقوب إلى يُوسُف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تُقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً ، لا محيص عن يوم خُط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبرُ على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحُمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعدُهُ ، من كان باذلاً فينا مُهجتهُ ومُوَطناً على لقاء الله نفسُه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إن شاء الله ) عبد الكريم ابن طاووس : اللهوف ص 53 .بعض الناس أدعوا دلالات الخطبة على ان الإمام الحسين : أنما تحرك من مكة إلى كربلاء من أجل أن يُقتل . ولكي نفهم هذه الخطبة المذكورة أعلاه فهماً صحيحاً وواقعياً لابد من التوجه إلى هاتين النقطتين : 1 – يجب فهم موارد استعمال الألفاظ من قبيل ؛ خُط الموت على ولد آدم ، وما أولهني إلى أسلافي ، ومن كان باذلاً فينا مهجته ، ونظائر هذه الألفاظ والعبارات التي تتحدث عن الموت ، ولابد من تفسير موضوعي لهذه الالفاظ حتى يتسنى فهم مداليلها الواقعية .2 – ويجب أدخال كل القرائن الممكنة الحالية والمقالية لنتمكن من ادراك واقعي حقيقي لمفاهيم المعاني الواردة في الخطبة بشكل كامل ، آخذين بنظر الأعتبار سبك ومفهوم وأصطلاح العبائر لغوياً وعرفياً ، لنتمكن بذلك وضع قاعدة جديدة في الفهم ، وسنحاول هنا أن نلقي مزيداً من الضوء على هاتين النقطتين مبتدئين بما يلي :توضيح القسم الأول كلمة الموت شعار الرجال المجاهدين) )تعتبر كلمة الموت في الاصطلاح شعار الرجال المجاهدين ، ويكون ذلك الاعتبار جزءاً من كون الواقع المُعاش والمحيط يخوض غمار صراع بين قوتين متخاصمتين في الاهداف والغايات والوسائل ، ولا ريب أن كلمة النصر لدى المجاهدين حديث عن الموت وليس الموت بما هو أنعدام بل بما هو حياة ، وفي متداول أحاديثهم الكثيرة تأكيدات من هذا القبيل . فهم يقولون ؛ نحن مستعدون للموت ، وتقدموا للموت تنتصروا ، وأبذلوا الأرواح تغلبوا عدوكم ... ومن هذا القبيل نقول في مخاطباتنا العادية ؛ ان الرجل الذي يعشق ويرفض الذل والخنوع للعدو يجب أن لا يرهب الموت ، وأن يدافع عن طريق الحق دفاع الابطال حتى يحقق النصر ، ولا ضير أن من يخشى الموت ويهاب الطعان ،ولا يدافع عن المبادئ بالضرورة فإنه مغلوب من قبل أعدائه ، ولا يجب أن يذهب تصوركم عنا حينما نطلق الموت شعاراً للرجل المجاهد ، أننا نعني به المفهوم الضيق مطلقاً وهو ان نقدم أرواحنا للموت بدون حساب ، ولكي نوضح المطلب نعرض عليكم بعض الادلة التي تؤكد ما ندعي ، وحتى تكون عوناً لنا في طريق الهداية نحو إدراك حقيقي لمعني الخطبة في مذهب العرف العام لنتمكن التدبر منها وهي كما هي :1 – قول الإمام الحسن لأصحابه قبيل أمضاء قرار الصلح مع معاوية : أن معاوية دعا لأمر ليس فيه عز ولا نصفه فإن أردتم الموت رددنا عليه وحاكمناه إلى الله بظبا السيوف وان أردتم الحياة قبلنا وأخذنا لكم الرضا ) (1) ابن الأثير : الكامل في لتاريخ ج 3 ص 204 . ولا ريب أنه معلوم مقصود الإمام من جملة ( فإن اردتم الموت رددنا عليه ) لم يكن معناها هو ؛ إذا أنتم تريدون أن تعطوا أنفسكم للقتل فأننا لانوافق على أمضاء الصلح وسنقاتل . بل أن مقصودها كان كذلك ؛ لو أنكم مستعدون واقعاً إلى حد الموت في سبيل النصر فأننا سنقاتل معاوية ولن نمضي قرار الصلح2 – وأيضاً ، ماقاله مالك الأشتر لجنوده وبروح حماسية ... وقد وطنوا أنفسهم على الموت .. (2) الخوارزمي : المناقب ص 148 طبع النجف . وظاهر القول أن مالك لايريد لجنوده : عليكم أن تقتلوا أنفسكم بالهجوم على العدو ، بل أنه يريد ان يقول : عليكم أن تتقدموا إلى ميدان البراز على أمل النصر والغلبة على عدوكم ، وبدون أي تردد أو خوف من الموت . وهذا ما قاله زهير بن القين عندما ألتحق بقافلة الحسين [ قد وطنت نفسي على الموت ] (3) الدينوري : الأخبار الطوال ص 223 . ولم يكن بالطبع مصدر زهير من قوله ؛ أني ذاهب لأقتل ، بل أنه يقصد القول : أني مستعد لنصرة الإمام وبدون الخوف من الموت وان أقدم نفسي في سبيل نصرة الحق3 – وأيضاً ؛ قول عبد الله بن جحش لاصحابه حينما أرسله الرسول على رأس أحدى السرايا العسكرية الاستطلاعية إلى وادي النخلة ، قائلاً [ من كان منكم يريد الشهادة فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع ] (4) سيرة ابن هشام ج 1ص 223 . ولا ريب ان عبدالله بن جحش لايريد ان يقول لاصحابه : كل واحد منكم يريد ان يقتل نفسه فليتحرك معنا ، انما أراد ان يقول : كل واحد منكم مستعد للتضحية المخلصة والذي لايرهب الموت فليتحرك معنا . وواضح انه فرق بائن بين التعبيرين والفهمين والواقعين .4 – وأيضاً ؛ ما جاء في تاريخ معركة أحد ؛ عندما لبس أبو دجانة الأنصاري ( عصابة الموت ) وتقدم نحو ميدان الحرب (5) سيرة ابن هشام ج 2 ص 68 . ولا ريب ان مقصود قولهم : ان أبا دجانة قد لبس عصابة الموت لم يكن معناها ان يذهب لميدان الحرب ليقتل نفسه بل ان مقصوده من لبس عصابة الموت هو الأستعداد التام للفداء والتضحية في سبيل المبادئ حتى الموت ، وهذا القول لايعني . بالضرورة من مفهومه الأبتدائي هو الموت الواقعي الحتمي الذي لا مفر منه بل هو اصطلاح معروف لدى خطباء العرب ومحدثيهم5 - وأيضاً ماكتبه عقيل بن أبي طالب إلى أخيه الأمام علي كما يذكر ذلك ابن قتيبة الدينوري في الأمامة والسياسة ج1 ص55 ، بعدما رأى طلحة والزبير وعائشة عازمون على حربه ، وهم متوجهون نحو البصرة قال : - فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ...الخ - ، وواضح من كلام عقيل إنه لم يكن يقصد : إنك ذاهب للموت !! أو إنك ستقتل نفسك في الحرب بل انه يريد القول ، ان القوم أجبروك على الدخول بحرب معهم ، وهذا الإجبار يتطلب المزيد من الفداء والتضحية والإيثار ومجابهة الأخطار حتى الموت مادام في ذلك عزة الحق ونصرة الإسلام والمسلمين .
وانا مُرقلُ نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت - ، ولاشك إن الإمام هنا لايريد أن يقول لمعاوية : إن جنودي يتحركون لكي يُقتلوا ، وانما أراد من قوله : إني أسير برجال لايرهبهم الموت طمعاً في النصر والغلبة على عدو الله ، وهذا الإستخدام قد أطلقه أمير المؤمنين في العديد من المناسبات ليوضح فيه مدى قابلية الفرد المؤمن على الفداء والتضحية من اجل إرساء قواعد الحق.
إلى هنا أتضح بشكل رئيسي ان الإلفاظ التي وردت في الخطبة أعلاه من قبيل - خط الموت - وما أولهني إلى أسلافي - ... التي جاءت ضمن حديث الخطبة والتي تتحدث عن - الموت - لم تكن في الواقع دليلاً مقنعاً يعتمد به في مقام الدعوى التي يطلقونها ، بل إنها جاءت للتوكيد من باب آخر على إن إرادة الإمام تتحدث : على إنه إنما لم يتحرك من مكة لكي يُقتل في كربلاء ، - بإي نحومن موارد إستعمال هذه العبارات - ، ولذا يُمكن حمل كلام الإمام إن صح على إنه كان يتحدث عن الموقف العام من مسألة الدفاع عن الإسلام و التصميم على عدم التفريط بالحق ولا زم ذلك عدم الخوف من - الموت - في سبيل الإنتصار على الظلم والإستبداد .
ومن هنا اعتبر البعض هذه العبارة في الإصطلاح من قبُيل الدلالة على المقصد الذي أراده الحسين في تحركه ، ولكي لا يلتبس الموضوع حاولنا ان نجري التحقيق التالي تضميناً للفائدة وعوناً في الهدف .أن كلمة (مهجة ) بالمفهوم المعجمي : وحسب إستخدامها الظاهري تؤول إلى عدة معاني نذكر منها : 1 - المهجة تعني الدم . 2 - المهجة تعني دم القلب . 3 - المهجة تعني الروح . ولكن مع التوجه إلى الموارد التي تُستعمل فيها هذه اللفظة ، يعلم للوهلة الأولى إن معناها عام ويدل على مطلق مفهوم الجهاد بدلالة وجود لفظة – بذل - ، ولكي نُثبت ذلك إليك بعض الإستعمالات التي جاءت تاكيداً لما ذهبنا إليه :
1 - قول الإمام الصادق في وصف الصلاة قال : - لاتتم الصلاة إلا لذي طهُر ، فهو واقف بين اليأس والطمع .. كأن الوعد له صُنع والوعيد به وقع .. بذل في الله المهجة وتنكب اليه غير المحجة .. فإذا اتى بذلك كانت هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر - ، ولاريب ان معنى كلمة بذل مهجته إنما جاءت في هذا القول لتتكلم عن مطلق الجهاد ، وليس ذا خصوصية خاصة في القتال ، فهو لفظ حثُ على العمل في سبيل الله بجد وعلى كافة الأصعدة 2 - ومنها ما ورد في فضائل الباقر ، يقول : ابن شهر آشوب في المناقب ج4 ص208 : - كان أصدق الناس لهجة ، وأحسنهم بهجة وأنبلهم مهجة - ، وطبيعي أن أبذلهم مهجة في الحديث لم تكن دالة على إن الإمام الباقر ، كان أكثر الناس سعياً من أجل القتال . بل إن معناها الواقعي هو : إن الإمام الباقر ، كان أكثر الناس عملاً وتضحية في طريق الله ونشر الدعوة والأفكار الإسلامية 3 - وما جاء في رسالة معاوية بن ابي سفيان إلى الزبير ، كما في شرح النهج لأبن أبي الحديد ج10 ص 236 ، وهو يدعوه للقيام بوجه أمير المؤمنين ويؤمله بإرجاع الخلافة اليه قائلاً : -وانت الباذل في الله مهجته - ، ولاريب ان هذا القول تذكير من معاوية للزبير عن فترة جهاده مع رسول الله . وليكون معلوماً بإن معاوية لايريد بقوله هذا للزبير : إنك قد قتلت نفسك في زمن رسول الله ، و الرسالة التي بعثها معاوية للزبير كانت في الفترة الأولى من خلافة علي وفي حياته ، إذن فمعاوية يريد أن يقول للزبير : إنك قد جاهدت وضحيت في سبيل الله وطريقه ، وهذا المعنى للقول موافق ومنطبق على الواقع أنئذاك 4 - وما جاء في حديث لرسول الله ليلة المعراج قولة ( بَذُلكَ مهجتك في محاربة أهل الكفر ) (ابن قالويه : كامل الزيارات ص 332 .) ولاريب أنه لم يكن معنى الحديث هو أن رسول الله مأمور في حربه مع الكفار أن يقتل نفسه ويعُطي روحه . لماذا ؟ لأن رسول الله حارب الكفار والمشركين سنتين لم يُقتل في مدة حربه تلك . إذن فيكون المقصود من هذا الحديث أن رسول الله مأمور في حربه مع الكفار بالجهاد والتضحية والعمل الدؤوب المثمر من أجل إقامة الحكم الألهي وهذا المعنى له ما يؤيده على وجه البسيطة وبالتالي فهو إثبات برهاني على مرتبة البذل الإضطلاحي .5 - وما قاله عبدالله بن هاشم المرقال في حرب صفين وهو يبعث روح الحماس بين صفوف جنده : كمافي شرح النهج لأبن أبي الحديد ج8 ص 30 : -جودوا بمهُجكم في طاعة الله ولاريب إن عبدالله بن هاشم لايريد ان يقول لجنده عليكم أن تذهبوا إلى ميدان الحرب لكي تُقتلوا بل إنه يريد القول : - جاهدوا في طريق نصُرة امير المؤمنين - تهزموا عدوكم ، وعلى هذا الأساس فإن الذين ذهبوا إلى ميدان الحرب ، وقتلوا من جماعة معاوية ، وعادوا سالمين إلى مواقعهم إنما عملوا بوصية عبدالله بن هاشم في بذل مهجهم بطاعة الله .وهكذا أتضح لنا فيما سبق إن هذه الموارد التي ذكرناها في هذا المقام ، أتضح بإن معنى - بذل مهجته - من الناحية اللغوية والدلالية ، لم تستعمل في المعنى الحصري للفظة ، بل أستخدمت في معناها العام المطلق ، وهذا لون من الوان الإستعارة بالمعنى ويحسب ذلك من فنون البلاغة ، وهذا الإستعمال الإستعاري موجود في معظم اللغات ، وهو اقتباس المعنى وتحرير جزئياته ، وهذا اللون من الإستعارة هو ما نطلق عليه - بالإستعارة التبعية - ، ومعناها في مطلبنا هو الجهاد تشبيهاً لها بمن ضحى بنفسه .
في المنجد حرف الميم : - من محّضك مَوّدته فقد خولك مهجته - ، وهذا الإستعمال إيضاً من باب الإستعارة التبعية لأنها تمثل الإخلاص في الحب والصداقة ، كمن يهب روحه وبدنه ، وهذا التشبيه كما علمت جاري في موارد كثيرة ، وله في التعامل اليومي امثال وصور متعددة .ولنعد إلى صلب الموضوع فلقد أتضح لنا مما تقدم ان جملة - بذل مهجته - لم تستخدم بمعناها اللغوي المقيد بل أستخدمت بمعناها المطلق والذي يقصد الجهاد العام ,, الخ . ومع ذلك فليس بالميسور قبول أحكام رأي من مال الى تفسير كلمة ( أبذلهم مهجة ) التي وردت وصف الإمام الباقر والقائلة بكونه كان أكثر الناس في عطاء دمه وروحه . لماذا ؟ لأن هذا التفسير من الناحية الموضوية لا يخضع لواقع في الفهم الدقيق ومصدر السؤال يكمن بالنتيجة الواقية لحياته . وهذا التفسيرالصحيح يناسب مقام الإمام الشامخ أولاً . وأهداف حركته ثانياً ، ولهذا أصبح واضحاً من مجموع ما مضى من المعاني لكلمة ( بذل مهجته ) التي جاءت ضمن خطبة خط الموت ـ التي هي بالأساس ‘ مورد بحثنامن كان فينا باذلاً مهجته فليرحل معنا ، إنه لم يقصد طبعاً في قوله هذا إني ذاهب لكي أقتل ، ومن يستعد منكم لذلك معي فليتحرك معنا ، لأن هذا المعنى ليس هدفاً للناس العقلاء ولا حتى للمهرجين منهم إذن فمراد الإمام كان شيئاً آخر هو كما يلي [ من كان منكم مستعداً للجهاد والتضحية ونصرة الحق وإحياء معالم الدين فليتحرك معنا ، فإننا عازمون على ذلك ] وهذا المعنى له ما يؤكده وليس له ما ينفيه وجود، من ثبوتيات الأمر ، أن هناك من أرتحل معه ولم يُقتل امثال الحسن المثنى وعمروبن الحسن وآخرين جاؤوا معه !!ولكن لم يُقتلوا ، نعم إنهم عملوا بكلامه !! وبذلوا مُهجهم وجاهدوا وضحوا ولكن لم يستشهدوا إلى هنا أنتهينا وإياكم من القسم الأول من توضيح وتفسير ألفاظ وردت في سياق الخطبة - كخط الموت ، ومن كان باذلاً مهجته - والتي تتحدث عن الموت وظهر لنا ما ذا تعنيه تلك الالفاظ حسب سياقات الدلالة اللغوية والإصطلاحية القسم الثاني
ونعني بذلك القرائن الحالية و القرائن المقالية التي تدخل في فهم وتحليل معنى - خطبة خط الموت - القرائن الحالية هي عبارة عن مجموع كل القضايا والأحوال والمناسبات والنفسيات والأفكار لصاحب الحديث ، وسامعه الذي يشترك ويدخل في مفهوم هذا الديث ، ونستطيع ان نقول ، أن نشوء هذه الخطبة المزعومة ، والقرائن الحالية : تعني إذن الجو العام الذي قيلت فيه تلك الخطبة ، ولهذا سنحاول جاهدين توضيح ذلك الجو الذي أنُشئت فيه تلك الخطبة ، وكيف صيغت عباراتها ؟ وهذا يعني إننا سنبحث بالفعل عن ماهية ذلك الجو وطبيعته الموضوعية ؟ وإليكم التوضيح إن الحسين هاجر في أواخر سنة 60 للهجرة من المدينة إلى مكة ، وكان ذلك نتيجة طبيعية لرفضه البيعة ليزيد ، و كذلك محاولةً منه تجاوز مراحل الخطر التي كانت تلاحقه ، وهكذا هاجر الحسين ليلاً ، ومكث في مكة اكثر من 4 أشهر ، وهذه الفترة من الناحية العملية كانت تعني بالنسبة إليه فترة جمع وتقصي المعلومات والأخبار عن الأوضاع السياسية في العراق وفي أرجاء الدولة الإسلامية . و كذلك يمكن إعتبارها إيضاً مرحلة للتعرف على دور القوى المعارضة ، و كذا الجماعات المؤيدة لحكم يزيد ، وهذا العمل كان له ما يبرره من الناحية الموضوعية والسياسية ذلك لإن اهل الكوفة من أهل العراق قد راسلوه وكاتبوه وأعطوه العهد ، وهذا الإجراء منه طبيعي وضروري في الفكر السياسي والتنظيم العام لذلك قام بمايلي : أرسل مسلم بن عقيل سراً إلى الكوفة ليتحقق من صدق توجهاتهم ، وهل هم جادين بالفعل أم لا في دعوتهم إياه ؟ ، وكذا ليّطلع على أوضاع الكوفة السياسية والإجتماعية عن قرب ، ومن ثم يبعث إليه بما يجمعه من اخبار وتحقيقات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كتب رسالة إلى زعماء البصرة يطلب منهم العون والمساعدة وليعرفوه بدقة عما يجري عندهم ، وكيف يُمكن لهم إن يكونوا جزءاً من مشروع التغيير والإصلاح ؟
ومسلم بن عقيل كان مقتنعاً في أسلوب تحركه ، و لهذا كتب للحسين كما جاء في الإرشاد للشيخ المفيد ص 221 : - فعّجل الإقبال حين يأتيك كتابي هذا فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى - . وقد أصبحت تلك التأكيدات من قبل مسلم عامل إطمئنان مضاف لدى الإمام - حول أهداف تحركه ، وعلاقة ذلك بالكيفية التي يمكن من خلالها تشكيل حكومة عادلة في الكوفة . وهذه الأمور تخضع بالضرورة لعامل التجاوب الجماهيري الذي كان بمثابة عامل مساعد في تحريك الوضع العام ، من أجل إعادة بناء المجتمع على أسس صحيحة تلغي ما كان قد فعله معاويه من طبقية وعصبوية ، أعني إعادة تشكيل المجتمع وفق قيم العدل والحرية والسلام . كما يجب ان نعترف بان الحكومة الأموية قد فقدت الكثير من بناءاتها وضعفت في عموم إداراتها بعد هلاك معاوية ، ومع ذلك فهي كانت تراقب عن كثب تحرك الإمام - وموقفه تجاه هذه الأوضاع وماهي النظرة التي يروم القيام بها ؟ و لهذا أتخذت قراراً خطيراً للوقوف بوجه الحسين وإن تطلب ذلك قتله وإستباحة حرمته !! . ولكن هل يجوز للحسين تضييع الفرصة المهيأة له من أجل رفع الظلم والمساهمة في تشكيل حكومة عادلة ؟ ولكن ماذا نعني بالفرصة تلك ؟ ، هي مجموعة العناصر من قبيل :1- أستعداد الجماهير الكوفية صاحبة الدعوى من اجل الثورة حتى تحقيق النصر . 2- ضعف حكومة يزيد في إدارتها للدولة . 3- الإستياء العام والنفور الجماهيري من حكومة يزيد . 4- إستعداد الإمام للقيام بواجباته الشرعية تجاه هذه الأمة . إذن فإن أكثر من 50% من عوامل النصر كانت مهيأة للإمام - ، وليس بالميسور التساهل أو التهاون في حساب هذه النسبة أو تضييعها وفق المذهب السياسي ، وفي مثل هذا الجو المكفهر الذي يحتاج قبل كل شئ إلى تصميم وإرادة وشجاعة وفداء ، وهو موضوعياً يحتاج إلى قائد من طراز فريد كما يحتاج إلى صدق استعداد من قبل الناس الذين دعوه ووثقو به .ولو فرضنا وفرض المحال ليس بمحال صحة الخطبة وصحة صدورها ، فإنها في أحسن الأحوال لا تخرج من كونها إنشاء بمعنى الحث على الفداء والتضحية في سبيل القيم الكبيرة ، وهنا يكون الهدف والوسيلة جزءاً واحداً أو هما واحد من كل . ولذا وحسب هذا الإفتراض ستكون خطبة خط الموت إنشاء سيكيولوجي يراعي فيه جميع الظروف ويعتبر النصر حالة ملازمة لمن يجد ويجاهد أكثر .
يجب التذكير بان مجموع الأخبار والروايات والخطب التي تُنسب إلى الحسين والتي وردت في تاريخ وقعة كربلاء جاءت أو قالها بعد أن تحرك من مكة . ولكن يجب ان نعلم بان تفكيره الإمام عندما تحرك من مكة كان واضحاً محدداً ، وإليك بعض هذه القرائن المقالية اللازمة في هذا المقام القرينة الأولى : يذكر الشيخ المفيد في الإرشاد ص 199 ، ان الإمام الحسين - عندما التقى في الطريق بالفرزدق وبعد أن اجرى معه محادثات عن توجهات اهل الكوفة وافكارهم العامة قال له - : ( أن نزل القضاء بما نُحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ويعني بذلك ان الذي نحبه ونرجوه أن يمدنا الله بالنصر ، ولاريب إن معنى النصر في كلامه - هو البحث عن وسائل ممكنة لرفع الظلم وقيام حكومة عادلة في الكوفة ، و هذه هي الخطوة الأولى التي يُمكن من خلالها تغيير النظام السياسي في دار الخلافة ككل .
هو ما كتبه الإمام لأهل الكوفة في وسط الطريق قبل سماعه بخبر إستشهاد مسلم بن عقيل ، وقد ضمّنها شكره الحار لأهل الكوفة : كما يقول الشيخ المفيد في الإرشاد ص 200 : - أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم وإجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وإن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ،فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم ، وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه - . ولاريب إن الإمام هنا يؤكد على مسألة التلاحم ورص الصفوف ويطلب إليهم العمل الدؤوب للإستعداد لتشكيل الحكومة العادلة
ماقاله الإمام - للطرماح وهو في طريقه إلى الكوفة : كما جاء في بحار الأنوار للمجلسي ج44 ص 369 : - إن يدفع الله عنا فقديماً ما انعم وكفى وإن يكن ما لابد ففوز وشهادة - .إذن فهكذا يتحدث الإمام - : ( إن يدفع الله الشر عنا فسننتصر ) وهذا في الواقع دليل على إن الإمام ، كان يأمل بالغلبة والنصر في جهاده ، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد على ان لو أستشهد فذلك فوز له إيضاً . القرينة الرابعة : قول الحسين عندما التقى بالحر بن يزيد الرياحي ، كما روى ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد ص205 : - أما بعد ، أيها الناس فإنكم أن تتقوا الله وتعرفوا الحق لإهله تكن ارضى لله عنكم - .وواضح أن الإمام الحسين إنما يتكلم عن الخلافة الإسلامية وحقه فيها لإنه أولى بها من يزيد ، وأيضاً في حديث آخر له مع الحر وأصحابه قال : ( أيها الناس إني لم أتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسُلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق .كل هذه كانت أدلة موضوعية في سبب تحركه نحو الكوفة إلى جانب ما أبدته القوى الجماهيرية لأهل الكوفة بالعون والنصرة ، وكانت كلها بمثابة عوامل مساعدة لإقامة حكومة عادلة ، والعمل على نجاة العراق وشعبه من سلطة يزيد وحكومتة الظالمة .
ما قاله الإمام - لنافع بن هلال وثلاثة آخرين من أصحابه كانوا قد قدموا من الكوفة ، كما يقول الطبري في ج4 ص306 ، وعند التحاقهم بركبه قال لهم : - أما والله أني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا - ، ولاريب إن مسألة النصر أو الشهادة الإثنتين معاً كانتا حديث الإمام ، وبديهي أن يعمل الإمام من خلال البحث عن النصر ولا ضير إن وقع شهيداً في ذلك الهدف ، لوجود الملازمة بين مفهوم الشهادة ومفهوم النصر ، وهذا منه ليس بجديد وإنما هو إقتباس من بعض نصوص التنزيل الحكيمالقرينة السادسة : وماقاله رسول الله حول شهادة الإمام الحسين هو في الواقع عين ما قاله الرسول حول شهادة عمار بن ياسر يعني إطلاق العموم . ولكنه لم يحدد الوقت والزمان والمكان
تفسير خطبة خط الموت
( إن الحسين يعيش حالة صراع مع حكومة يزيد ، وان مبعوثه إلى أهل الكوفة مسلم بن عقيل ، كتب إليه بأخبار تؤكد عزم أكثر أبنائها على مساعدته والوقوف معه حتى يتمكن من إعادة بناء مؤوسسة السلطة والحكم ، وهم في هذا مع الحسين كذلك فقد وصلته أخبار مشجعه من البصرة ، مفادها بأن بعض زعمائها الرئيسيين أبدوا تمام الإستعداد لمساعدته والوقوف إلى جانبه ، وإنه أمام كل هذه الشروط الموضوعية يرى نفسه ملزماً بإداء وظيفته الشرعية والأخلاقية ، في العمل من أجل تبني مشروع إصلاحي عام يشمل كل مفاصل الحياة في مجتمع الخلافة آنئذاك ، ولهذا فهو يرى وجوب حماية هذه القوى التي تبدي أهتماماً واسعاً بمساعدته ورعايتها .وطبقاً لما ذكرناه سالفاً من ملاحظات فإنه أي الحسين أصبح جاهزاً للتحرك نحو الكوفة وذلك لمساعدة أهلها الراغبين في التحرر والإنعتاق من سلطة الظلم الأموي ، وإن الوقوف مع اولئك يعتبر بمثابة الإحياء الواقعي لحكومة الإنسان ، والحسين يعلم بان حكومة يزيد ستعمل بكل إمكاناتها المتاحة لتدمير كل تحرك شعبي مناهض للظلم والإستبداد ، ولذلك أبقى الحسين هذا الإحتمال قائماً في حسابه ، بان يقوم مرتزقة يزيد وعُماله بإحباط تحركه هذا ، وهذا الإحتمال في حد ذاته يعتبر مصدر خطر في حال تنفيذه ، وهو يعلم كذلك إن الأبواب جميعها سوف لا تكون مفتوحة امام تحركه ولعله سيواجه الموت ، ولأن الموت أعلى مراتب الخطر لذلك قال : إننا لانرى بأساً في الموت لأنه أمر مكتوب على ولد آدم ، وما أولهني إلى أسلافي ، ولا يمكن الفرار من قدر الله ، و لوقدر لنا الإنتصار في هذه المبارزة فإن تلك نعمة يمن الله بها علينا ، ولا نستطيع إتمام الشكر له عليها ، ولو قدر لنا وقتلنا ولم ننتصر فذلك أمر لامفر منه ولاراد له ، وما يرتضي الله فهو رضانا نصبر على ذلك ، فمن منكم مستعد لتحمل أعباء مسؤولياته تجاه الإسلام ونجاته من يد الحكومة الظالمة ، عليه أن يكون موطناً نفسه للموت ، وليستعد معنا للتحرك فإنني راحل غداً أن شأءالله : - ومن كان باذلاً فينا مهجته فليرحل معنا - قبل فوات الأوان لنتمكن من تشكيل حكومة عادلة بيد الأحرار المحامين عن الحق والمطالبين لقدومنا والتواقين للحرية والسلام ...تنبيه ثان
، بين النواويس وكربلاء ، والنواويس هي : - قبور النصارى - ، ولكنه ورد في رواية أخرى كربلاء فقط من دون ذكر النواويس - راجع تذكرة السبط ص250 لابن الجوزي ، وجيء في رواية ثالثة بابل كما : عند ابن كثير ج8 ص 163 ، وفي رواية رابعة العراق كما في ذخائر العقبى ص148 ، وفي رواية خامسة شط الفرات كما في الصواعق المحرقة ص 191 ، وفي رواية سادسة الطف كما في كامل الزيارات ص 74 ، وفي رواية سابعة قريب النهرين كما عن ابن كثير ج8 ص165 ـ وكامل الزيارات ص 72و73 ، وجميعهم يقصدون هدفاً واحداً
وحتى الروايتين المشتملتين على كلمة - كربلاء - لم تكونا بمستوى واحد ، لإنه قد جاء في إحداهما ذكر كربلاء بمفردها ، وفي الثانية جاء ذكر - بين النواويس وكربلاء - وهناك ثمة فرق بينهما ، وهذا يعنى إن مكان إستشهاد الإمام قد جاء على نحو تقريبي ، وليس على وجه دقيق ومحدد وهذا مخل في وحدة بناء النص وحقيقتة ، وهذا الإشكال الموضوعي ينفي جدلاً شبهة تحديد محل الإستشهاد - بكربلاء - وحدها من دون النظر إلى الرواية الأخرى بين النواويس وكربلاء أوالروايات الأخرى التي أشرنا إلى بعض منها .هذا المطلب أعتقد أصبح معلوماً بالنسبة لمن تتبع مجريات البحث ولكن يوجد مطلب آخر ، يجب التوجه إليه وقراءته بدقة وهو : ما نقل عن الإمام الحسين قوله لعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير : - لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب الىّ بأن تسُتحل بي حرمة مكة - عبدالكريم بن طاووس اللهوف ً 55 ،وإيضاً ورد في رواية أخرى وبعضها معتبرة الصدور قوله لمحمد بن الحنفية : - يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة البيت - المصدر نفسه .
وللجواب نقول : لعل الأخبار التي تقول بشهادته في العراق أو قريباً من الفرات إنها من الأخبار البدائية القابلة للمحو والأثبات ، وبالنتيجة فلا يكون إستشهاد الإمام - في العراق أو بين النواويس وكربلاء قطعياً وحتمياً ، ومن هنا أحتمل الإمام - أن يسفك دمه في مكة أو في مكان آخر . مما تقدم يتضح لدينا بان عبارة : - ( كأني بأوصالي تقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) ، التي وردت في الخطبة المزعومة لم تكن دليلاً وحجة على ان الإمام - يريد أن يقول ( أنني حتماً سوف أقتل بين النواويس وكربلاء ) ، ولهذا السبب تحركت نحو العراق ، بل إن هذه العبارة : إن أحسنا الظن بها فهي لا تعدو ان تكون من باب الإحتمال ،والإحتمال في باب العقايد لا يبنى عليه كما هو واضح ومقرر في أصول الإعتقاد .
، التي سأل عنها الحسين قائلاً : ما أسم هذه الأرض ؟ ، قال : كربلاء وهناك إحتمالات في هذا المقام .الإحتمال الأول : أن تكون - كربلاء - هي الأرض التي تقع بالقرب منها ، وتكون هي محسوبة من توابعها ، وفيها تكون الأرض التي بين النواويس وكربلاء ، وإنما جاءت لفظة - كربلاء - من باب المسامحة في الإستعمال . والإحتمال الثاني : أن تكون هذه الأرض التي إستشهد فيها الإمام إنما كانت هي كربلاء حقيقة ، ولم تكن من باب المسامحة في الإستعمال بل هي كربلاء ، ويكون حسب هذا الإحتمال إن الإمام أستشهد في كربلاء وليس بين النواويس وكربلاء .. وبالتالي فإنه لم يتضح لدينا المطلب بشكله الصحيح بل إنه مجرد ظنون والظن لايغني عن الحق شي
قال : - كما يخبرنا بذلك الشيخ المفيد في الإرشاد ص 200 (... إني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ، أن يكون فيه هلاكك ) ، ونحن في تفسيرنا لمعاني خطبة خط الموت إتضح لنا بالفعل إن الإمام لم يكن يريد بقوله إني ذاهب لكي أقتل في كربلاء هذا من جانب ، ومن جانب آخر معنى و مفهوم الإعتراض الذي أبداه عبدالله بن جعفر وإصراره لكي ينصرف الإمام من سفرته تيك ، معللاً ذلك بالخطر الذي سيواجهة في حال سفره ... وبالإضافة إلى ما تقدم فان زينب حينما سمعت الحسين ليلة العاشر من المحرم يردد أشعار ( يادهر أف لك من خليل ) ، إتجهت صوب خيمته وقالت : بتعجب وعدم رضى سائلة منه أخي - أفتغصب نفسك إغتصاباً ؟فأجابها قائلاً : - لوُتِرك القطا ليلاً لنام -أي إن هذا الوضع الذي أنا فيه و ترينه إنما حُملت عليه ، وهو على خلاف ما أبغي وأريد ، فإنكِ ترين أن القوم قد هيأوا كل وسائل الفتك بي ، وها أنا لو تركت حراً لرجعت ، فقالت زينب : - فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي . فلو كان الحسين قد قال في مكة إني ذاهب لكي أستشهد في كربلاء فعند ذلك لا حاجة إذن لإستغراب زينب وعدم رضاها ، لأنها ستكون في تلك الحالة عالمه بمصيره وعندها فلا حاجة ان تسأله : - أتغتصب نفسك إغتصاباً - ؟ ولكان عليها بعدما سمعت كلام الحسين وجوابه ، ان لاتتعجب وان لا تقع مغشياً عليها ... يظهر من حكاية زينب وعبدالله بن جعفر إنهما وهما من أقرب الناس إليه لم يكونا على علم بانه ذاهب لكي يُقتل في كربلاء ملاحظة يجب ان يعلم القارئ العزيز إن خطبة (خط الموت) وبهذه الصورة التي نقلناها لم توجد في أي من الكتب التأريخية المشهورة من أمثال : 1- تاريخ اليعقوبي . 2- الأخبار الطوال . 3- الإمامة والسياسة . 4- تاريخ الطبري . 5- العقد الفريد . 6- مروج الذهب . 7- مقاتل الطالبيين . 8- الإرشاد للشيخ المفيد . 9- إعلام الورى . 10- روضة الواعظين . 11- الكامل لأبن الأثير . 12- التذكرة للسبط . 13- التهذيب لأبن عساكر . 14- تأريخ أبن كثير . فالخطبة لم تذكر في جميع تلك الكتب والمصادر المدونة أعلاه وليس لها وجوداً فعلياً ، بل إنها جاءت فقط في كتاب اللهوف والكتب التي تلته ، روتها عنه من دون سند يذكر ، وعلى أساس هذا : فالخطبة ليست متواترة أو يقينية ، وليست لدينا قرينة قطعية على صحة صدورها ، وليست هي بمستوى الخبر الواحد الصحيح الإعتبار ، بل إنها من جهة الإعتبار تأتي بمرتية الخبر الواحد المجهول السند الذي لايُعتد به
حديث أنزل الله النصر أنزل الله النصر : جاء في كتاب الكافي للكليني حديث بهذا الشكل : ( عن أبي جعفر قال أنزل الله تعالى النصر على الحسين حتى كان بين السماء والأرض ثم خُير : النصر أو لقاء الله فأختار لقاء الله ) (1) محمد بن يعقوب الكليني : أصول الكافي ج1 ص260. قد يتصور أحدكم أن مقصود الإمام كان يريد أن يُقتل نفسه, ولكن يجب أن يعلم أن هذا الحديث لايصل إلى حد الحجيّة لمجموعة من العلل نذكر منها ما يلي1- وجود معارض له في المقام كحديث (لوط بن يحيى) المروي بهذه الصورة , (قال عقبة بن بشير الأسدي : قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين : إن لنا فيكم يابني أسد دماً قال : قلت : فما ذنبي أنا في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر , وما ذلك ؟ قال : أتى الحسين بصبي له وهو في حجره إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين دمه فلما ملأ كفيه صبه في الأرض ثم قال : رب أن تك حبست عنا النصر من السماء فإجعل ذلك لما هو خير وإنتقم لنا من هؤلاء الضالمين )(1) تاريخ الطبري ج4 ص342فالحديث السابق الذي رواه الكافي يتحدث بإطلاق عن نزول النصر من السماء على الحسين , لكنه هنا وفي حديث لوط بن يحيى لم يدعي نزول النصر ومع تعارض الخبرين نرجع إلى التحقيق فيهما فرواية الكافي وطبق ما كتبه المجلسي رحمه الله في كتاب مرآة العقول ج1 ص189. قال عنها بإنها رواية حسنة , ومصطلح الرواية الحسنة عند علماء الحديث يعني مقبولة إلى بعض الحدود . ولكنها لا تصل إلى مستوى الحديث الصحيح .. وأما رواية لوط بن يحيى فهي أيضاً مقبولة إلى بعض الحدود . لأن لوط بن يحيى وحسب ماصرح به النجاشي في رجاله في الصفحة 245 إنه (قابل للإعتماد ). والرااوي الآخر للحديث عقبة بن بشير ينقل عنه آبان بن عثمان الذي هو من أصحاب الإجماع . فهو إذن مقبول إلى بعض الحدود ويمكن الإطمئنان إليه ( الكافي ج4 ص 205 حديث 4 ) وعلى أي حال فلو إفترضنا ان رواية لوط بن يحيى لم تكن بمستوى رواية الكافي من حيث السند ، لكن هذا المقدار من الإعتماد ينُزل رواية الكافي عن الحجية .2 – وأيضاً ؛ يلزم في حديث الكافي أن يكون الحسين مخالفاً في العمل لسيرة رسول الله ، لأن رسول الله وحسب ما نقل في الروايات المعتبرة إنه إستنزل النصر الألهي في معركة بدر التي كانت هذه المساعدة الغيبية عامل حسم ونصر ونجاة للإسلام والمسلمين .ولكن الإمام وحسب ما نقله الكافي رفض الإمداد الغيبي وهو بذلك إنما يخالف سيرة رسول الله .. والمسلم المؤمن لا يمكن نسبة الخلاف من الحسين لسيرة جده رسول الله ) .3 – وأيضاً ؛ يلزم من حديث الكافي أن يفهم المرء أن الإمام الحسين لايريد نزول الإمداد الغيبي الإلهي الذي هو بمثابة عامل مساعد في إحياء الإسلام وإحقاق الحق ونجاة المستضعفين ، وهل يمكن للفرد العاقل نسبة ذلك لأبن رسول الله ) .تنبيه لايمكن القول بأنه كما أن الله لم يكن يريد النصر من خلال المعجزة والامداد الغيبي ؛ وكذلك فإن الإمام لايريد النصر من خلال المعجزة والامداد الغيبي لانقاذ الإسلام من الخطر .. أن مثل هذا القياس ليس بصحيح ، لأن الله لم يكن فرداً مكلفاً ولكن الإمام على العكس فهو فرد مكلف إلى الحد الذي يتمكن فيه انقاذ الإسلام ، ولهذا المعنى قام بثورته وقيامه بوجه الظلم مع تحمله من مشقات وصعوبات ، أضف إلى ذلك بأن الله سبحانه وتعالى في حديث الكافي أراد ان ينزل الأمداد الغيبي لنصرة الدين ولكن الإمام رفض هذا الإمداد .. ولكن يجب ان تنصفوني القول إن حديثاً له ثلاث تقاط ضعف هل يستطيع ان ينهض أن يكون دليلاً على أن الإمام تحرك للشهادة ؟ حديث من لحق بي أستشهد يقول حمزة بن حمران كنت في مجلس الإمام الصادق . قال حمزة فذكرت بخروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه . فقال ياحمزة أني سأحدثك من بما لاتشك فيه بعد مجلسنا هذا إن الحسين لما فصل متوجهاً إلى العراق دعا بقرطاس وكتب فيه ( بسم الله الرحمن من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد فإنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام ) (عبد الكريم بن طاووس اللهوف ص 57 . أبو جعفر الطبري دلائل الإمامةص 7 أبن قولوية امل اليارات ص 75 . مع بعض الأختلاف . ولا ريب انه في معنى هذا الحديث وجوه منها مايلي 1- يحتمل ان يقصد ان كل فرد هاشمي يلتحق به يستشهد ، مثل ابني عبدالله بن جعفر ، ولكنه لم يتحدث عن شهادة شخص الإمام او عدمها حتى عن سائر اصحابه فقد سكت ، ولم يشملهم بالحديث ، وهذا هو ظاهر الحديث2 – ويحتمل إن الإمام يقصد إن كل فرد هاشمي ، وكذلك هو واصحابه وكل من جاء معه فإنهم سُيقتلون ( وهذا من باب كون اللاحق والملحوق في الحكم واحداً ) وهذا الوجه لم ينطبق على الواقع .لأن عدة من أصحاب الإمام لم يستشهدوا وكذلك بعض الافراد من بني هاشم أيضاً لم يستشهدوا بل بقوا أحياء كما هو الحال لابناء الإمام الحسن 3 – يحتمل إن الإمام يقصد إن أكثر بني هاشم سواء التحقوا به او كانوا معه سوف يستشهدون ، ولكن الإمام لم يحدثنا عن شهادة نفسه أو عدمها بل آثر السكوت . وهناك احتمال ان يكون الإمام جزءاً من الاقلية او من الاكثرية ، وهذا الاحتمال جار في كل فرد من اصحابه4 – ويحتمل ؛ ان الإمام يقصد إن بني هاشم سواء الذين التحقوا به أو الذين كانوا معه فإنهم سيكونون بمعرض للشهادة ، لأن إمكان وجود صدام عسكري قائم بين الإمام الحسين وحكومة يزيد الفاسدة .ولكن الإمام في ذات الوقت لم يتطرق إلى نفسه إو إلى أفراد بني هاشم واحداً واحداً ولم يخصهم من جهة الاسم بالذكر5 – ويحتمل ؛ أن كلمة ( أستشهد ) إنما هي اخبار بمعنى الانشاء ويكون فصد الإمام هو طلب الاستنصار من بني هاشم ويريد منهم أيضاً أن يستعدوا للفداء والتضحية مع بث العزيمة في نفوسهم وان يبث فيهم روح الشهامة والشجاعة ، ويكون معنى ( استشهد ) هنا ؛ على كل واحد يلتحق بنا فعليه ان يستعد للتضحية والفداء حتى الشهادة ، إذن وبناء على ما تقدم يكون مقصود الإمام تشويق بني هاشم لكي يلتحقوا به ، ولذا جئ في ذيل الرسالة مايلي ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ) ولن يتمكن من الوصول إلى حافة النصر . وبالتالي فإن بقاءكم في المدينة لايوصلنا إلى النصر ويتحتم عليكم العيش تحت سلطة الظالمين ، وأنه لاشئ أفضل من ان تستعدوا معي وتساعدوني على أمل ان ننتصر على العدو ونقيم حدود الله ونرفع الظلم من الناستنبيه لاريب أن هذا الحديث كان بمحضر الإمام الصادق والإمام في مقام بيان صورة جملة الاستفسار المطروح حول ابن الحنفية وسبب تخلفه ، ولعل أسلوب الحديث يوحي بأن الإمام بمعرض انتقاد آراء الكيسانية التي تدعي امامة محمد بن الحنفية ، وهذا التعليل يبتني على روح سلب الإمامة بجزئها الخاص إلى أي فرد لم يكن ساهم في حرب الحسين . لعله كان هذا ولعله كان غير ذلك والله العالم ملاحظة إن كلمة الفتح في الحديث كما آرى تعني النصر وتشكل الحكومة الإسلامية ، وليس هي الفوز الأخروي تعليلاً لصدر الحديث ، بل أن ما ادعاه بعضهم دعوى بلا دليل مع وجود ما يعارضه كما جاء في رسالة أمير المؤمنين لعقيل بن ابي طالب ( فوالله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت )( ابن قتيبة الدينوري الأمامة والسياسة ج 1 ص 55 ) . وهذا المعنى الاخير صريح في التعليل لأن مبنى القاعدة العقلائية يؤكد على أن مرحلة الحكم على المعنى في الشهادة هي مرحلة تعليل الظواهر بالحاجات المفروضة ، لكن مادام عالم الادلة بنفي ذلك فيثبت جدلاً العكس وهو النصر الإلهي بحكومة اسلامية .خلاصة الوجوه : أما الوجه الأول من الوجوه الخمسة فيحسب المعنى الحقيقي للحديث .وأما الوجه الثاني فلا يمكن قبوله ، والثلاثة الآخر يمكن قبولهم حسب نوع التأويل الذي يمكن استخدامه ... ولكن مع تلك الإحتمالات المتعددة ، هل يستطيع الفرد أن يطمئن لتلك الاحتمالات ويبني عليها ويقبلها ؟ وهل يستطيع الفرد من خلال هذا الحديث أن يقول إن الحسين تحرك لكي يُقتل ؟ وهل بمكن أثبات ذلك من خلال هذا مع كونه يخالف الرأي العام والمنطق الاجتماعي والعرفي ؟ ونترك الاجابة لكم حديث أم سلمة جاء منقولاً في بعض الروايات الوارد عن الرسول أنه أعطى لأم سلمة شيئاً يشبه التراب الإحمر وقد وضعه في قارورة وقال : لأم سلمة ؛ متى ما أصبح التراب دماً فإعلمي أن الحسين قد قتل ؟ ( البحار ج10 ص 155 ) وجاء في رواية أخرى قوله متى ما أصبح التراب دماً فإن الحسين سيقتل ؟ ( مقتل الخوارزمي ج 1 ص 173 ) وفي رواية آخرى : ان جبيريل أعطى الرسول تراباً أحمر من مقتل الحسين (مقتل الخوارزمي ج1 ص 159 ) . وفي خبر آخر : أن جبرئيل جاء بتراب أبيض واعطاه للرسول دليلاً على ذلك ( مناقب الخوارزمي ج 4 ص 55 ) . وفي خبر آخر : أن جبرئيل أعطى الرسول كمية من تراب مقتل الحسين ( مقتل الخوارزمي ج 1ص 158 )وعلى ما أظن أصل المطلب كان واحداً ، ولكن كل شخص ينقل بصورة معينة ، فأحد قال مثلاً ؛ أن جبرئيل أعطى الرسول تراباً علامة على قتل الحسين ، آخر يقول أعطى للرسول تراباً ، وثاني يقول ؛ كان لون التراب أحمر يقول ، آخريقول أبيض . وشخص ثالث يقول ؛ لم يكون تراباً بل كان شبيهاً بالتراب ، آخر يقول ؛ متى ما اصبح التراب دماً فإن الحسين سيقتل ، إن القدر المشترك بين هذه الروايات يدور حول شهادة الإمام دون أن يعين الوقت المحدد لها .ولقد جاء عن رسول الله وصف ذلك الشئ بالتراب أو ما يشبه التراب قد أعطي له ، وإنه قد تحدث عنه وفي مجالس مختلفة وبدفعات متكررة . ولاشك أن عبائر الحديث مربوطة بزمن حياة الرسول يعني لفترة ما قبل (50 عاماً) وقعة كربلاء ، ولكن هناك أخبار وروايات منسوبة لأم سلمة ومربوطة بزمن ثورة الإمام الحسين أي بعد (50عاماً) من وفاة رسول الله وهذا الاختلاف في موارد النقل يحتاج إلى تحقيق في المطلب وها نحن سنقوم بذلك .رواية أثبات الوصية في البداية لابد من القول ؛ أن كتاب أثبات الوصية هو لمؤلف مجهول بل لايعلم من هو بالضبط وهذا الرأي للعلامة الأميني صاحب كتاب الغدير ، عندما سُئل ، هل إن كتاب إثبات الوصية هو للمسعودي مؤلف كتاب مروج الذهب ؟ فأجاب قائلاً : كلا ، ( إن كتاب إثبات الوصية ليس للمسعودي ) ( الشهيد الخالد ص 409) .وروي عن أم سلمة إنها أتت الحسين لما أراد الخروج إلى العراق قالت له أم سلمة : يابُني لاتخرج قال ولم قالت : سمعت رسول الله يقول يقتل الحسين ابني بالعراق ، واعطاني من التربة قارورة أمرني بحفظها ومراعاة مافيها فبعث إليها والله يأماه أني لمقتول لا محالة فأين المفر من قدر الله المقدور ما من الموت بد ، وأني لأعرف اليوم والساعة والمكان الذي أُقتل فيه وأعرف مكان مصيري والبقعة التي أدُفن فيها وأعرفها كما أعرفك ، فإن أحببت ان آريك مضجعي ومضجع من يستشهد معي فعلت . قالت قد شئت وحضرته ، فتكلم بأسم الله عز وجل الأعظم فنخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومضجعهم وأعطاها من التربة حتى خلطها معها بما كان ثم قال لها إني أقتل في يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من المحرم بعد صلاة الزوال .. وأيضاً جاء عين هذا المطلب في كتاب الخرائج للرواندي ص 26 ، وكذلك في كتاب البحار ج 10 ص 175 مع بعض التفاوت بينهما ولكن قبل أن نرد في تفسير رواية إثبات الوصية ، لابد من التنويه إلى ما جاء في إثبات الوصية من جهة النقل ومن جهة الصدور وأنه غير قابل للقبول لعلتين الأولى : أنه مقطوع السند أو لا سند له ا لثانية : وكون هذه الرواية تخل بإيمان أم سلمة وسوابقها الحسنة ، لأنها حينما تمنع الإمام : بعدم الذهاب إلى العراق كي يتحقق ما قاله رسول الله في صدد استشهاد الإمام وهذا النهي من قبلها إنما يكون عامل تأكيد على إنها لم تكن تؤمن بصحة حديث رسول الله حسب هذه الرواية ، وهذا يخالف الواقع والنتيجة .. أما في هذا النقل المنسوب لآم سلمة والذي تصر فيه على منع الإمام من الخروج إلى العراق كي لا يُقتل ، هذا النقل فيه شئ كثير من التجاوز على شخصية أم سلمة المؤمنة التي لا يمكن ان تفعل شيئاً يخالف حديث رسول الله لأنها بذلك لا تقطع يقيناً بأن ما حدّث به رسول الله هو فعل واقع لا محال .معنى الحديث يحتمل لمعنى حديث إثبات الوصية شكلان من الإحتمال :أولهما : القول بأن مضمون الحديث هو أن الإمام إنما أخبر عن مكان وزمان شهادته ، لا إنه تحرك من أجل ان يُقتل في كربلاء .ثانيهما : القول ؛ بأن مضمون الحديث هو إن الإمام إنما كان نفس تحركه من مكة لأجل ان يُقتل بكربلاء .فيكون على أساس الإحتمال الأول لهذا الحديث إنه لايدل على إن الإمام إنما تحرك لأجل أن يُقتل . وعلى أساس الإحتمال الثاني ان هذا الحديث فإنه يكون مخالفاً لأفعال وأقوال الإمام لأنه وطبق ما تضمنه الإحتمال الثاني لهذا الحديث يكون الإمام قد تحرك من مكة إلى العراق من أجل أن يُقتل مع تحديد مثبت ليوم أستشهاده المعين والساعة المعينة والأرض المعينة أيضاً .. في حال إننا قلنا إن الإمام إنما تحرك من مكة إلى كربلاء لكي يُقتل فيها فنقول 1 – لماذا أرسل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ؟2 – لماذا أعتمد في حركته إلى العراق على رسالة مسلم ؟ فمسلم إنما بُعث عن أخبار وتحقيقات من الكوفة ولم تكن عن كربلاء3 – تاريخ الطبري ج 4 ص 288 (لماذ قال لعبد الله بن الزبير ، قصدي إلى الكوفة ؟ (1)4 – الطوال ص 221 الدينوري الأخبار ( لماذا قال عبد الله بن عباس للإمام لا تذهب إلى الكوفة ؟ (2)5 – الشيخ المفيد الأرشاد 201(لماذا قال عبد الله بن مطيع للإمام لا تذهب للكوفة ؟ (3)6 – تاريخ الطبري ج 4 ص 297(لماذا كتب وهو في وسط الطريق متجهاً إلى الكوفة رسالة إلى أهلها قائلاً ؛ لهم أني سأقدم إلى الكوفة بهذه الإيام ؟ ( 4)7 – الأرشاد ص 203 الشيخ المفيد (لماذا بعد ان سمع بنبأ قتل مسلم شاور أصحابه قائلاً ما رأيكم ؛ نذهب للكوفة أم لا ؟ (5)8 – المصدر نفسه ص 204 (لماذا قال لعمر بن لوذان ؛ أني أذهب إلى الكوفة ؟ (6)9 – لماذا قال للحر بن يزيد الرياحي عندما التقاه : فإنكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ، واني سأقدم إلى الكوفة ؟(7) تاريخ الطبريج ج4ص 303 . وكل قول أوفعل أو أقدام قام به الإمام كان يؤكد على الكوفة لا على كربلاء ، وأيضاً لو كان الإمام قاصدا بحركته :10- الشيخ المفيد الأرشاد ص 205 (فلماذا قال لأصحابه بعد أن أطلع على أوضاع الكوفة ؛ اني سأعود ؟ (1)أ – لماذا بعد أن يئس من جلب الموافقة من الحر بالرجوع إلى الحجاز تحرك ليعود إلى المدينة ؟ (2) تاريخ الطبري ج4 ص 304 )فما تقدم أصبح معلوماً إن ما نقله صاحب الوصية وكتاب الخرائج والبحار لايمكن الأعتماد علية من ناحية الصدور ومن جهة المعنى والمضمون لثلاثة أدلة هي ؛ 1 – كونه عديم السند .2 – كونه يضر بإيمان أم سلمة .3 – كونه يخالف أقوال وأفعال الإمام الحسين ) .تنبيه : إن مضمون الرواية اللامعتبره المنقولة عن إثبات الوصية والتي تؤكد على إن المباحثات التي جرت بين أم سلمة والإمام كانت في مكة عندما عزم على الخروج إلى الكوفة . إذن فحسب هذا النقل تكون المباحثات إنما جرت بمكة لا بالمدينة وأيضاً نقل صاحب كتاب الخرائج عين مطلب إثبات الوصية مع بعض الاختلاف وهو بهذه الصورة ( انه لما أراد العراق قالت أم سلمة لا تخرج إلى العراق فإني سمعت رسول الله يقول : يُقتل ابني الحسين بالعراق ... الخ )( الخرائج للراوندي ص 26 كبع 1301 ) ونفس المطلب نقله صاحب البحار ج 10 ص 175 طبع امين الصرب ، وطبع 1332 خط ميرزا احمد التبريزي ص 175 مع بعض الإختلاف على هذا النحو :وجدت في بعض الكتب أن الإمام لما عزم على الخروج أتته أم سلمة فقالت : لا تحزني بخروجك إلى العراق فإني سمعت جدّك يقول : يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق .. الخ )وبديهي أنه يجب القول أن المباحثات بين أم سلمة والإمام حول سفرته للعراق وعلى فرض وجودها ، وطبق ما نقله صاحب الخرائج والبحار فإن المباحثات كانت في مكة وليست في المدينة .. لأن الإمام عندما خرج من المدينة إلى مكة لم يكن في ذهنه أي تصميم مثبت حول ذهابه للعراق بل ولم يتخذ قراراً بذلك . نعم ان تصميمه كان في مكة وهذا التصميم إنما استند على عدة عوامل منها ما جاء من الاخبار الموثقة من قبل مبعوثه مسلم بن عقيل حول القدوم إلى الكوفة ، بل انه لم يكون يريد الذهاب للعراق قبل أن تأتيه أخبار من مسلم حول الوضع العام للكوفة ومن هنا يتضح بأن الإمام حينما أرسل مسلم بن عقيل إلى الكوفة حمله شرطاً يكون بمقتضاه ما يأتي : ان لم تكن أوضاع الكوفة السياسية والاجتماعية مناسبة وعلى ما يرام يجب عليه ان يعود إلى مكة بسرعة ، إذن فالمطلب المتقدم كان واضحاً من هذه الجهة .. ولكن جاء في كتاب البحار المطبوع سنة 1270 هجرية ، مايلي ( وجدت في بعض الكتب انه عليه السلام لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة فقالت : لاتحزني بخروجك إلى العراق ..الخ ) في الطبعة المملؤءة أخطاء وأغلاطاً وأيضاً لم يوجد فيها أرقام للصفحات . أضيفت كلمة ( من المدينة ) ولعل هذا الاشتباه من كتبه . لاننا نلاحظ في رواية ( إثبات الوصية ) والخرائج وفي طبعت البحار الاخرى التي ذكرناها لم توجد كلمة من المدينة ، ولو لاحظت ما كتب صاحب ( نفس المهموم ) في ص 39 فإنك ترى انه نقل هذه القصة من البحار وكتب كلمة من المدينة ، ولعل صاحب كتاب ( نفس المهموم) نقل هذا المطلب من البحار طبع سنة 1270 أو الطبعات الاخرى المشابهة له ، ولم يلتفت للطبعتين اللتين ذكرناهما .والأن لو اطلع احد على كتاب نفس المهموم أو البحار طبع 1270 من دون الرجوع إلى الطبعات الاخرى ، او الكتاب إثبات الوصية والخرائج فأنه يستحيل أن الإمام الحسين كان يقصد العراق عندما خرج من المدينة ، ولكي يُقتل هناك مع العلم ان منشأ هذا الخبر فقط هو كلمة ( من المدينة ) التي نقول ان كاتبها اشتبه في نقلها ...وعلى فرض ان الواقعية لا يمكن الاعتماد عليها ، لأنه لايعرف مؤلفها ولا ناقلها ومن هنا فلا يمكن جعلها حجة في المقام ملاحظة : لاريب ان المطلب القائل على ان يُعطي الإنسان نفسه بدون مبرر للقتل أمر مرفوض لدى العرف ، ومرفوض لدى العقلاء ولو صادف ان وهب انسان نفسه للقتل فأن هكذا عمل محكوم عليه بالسفه وعدم الدليل ، فالعقل يرفضه إلا إذا كان مرهوناً ومستنداً للتعبد والأمر الألهي . واثبات ان الإمام كان يقصد ان يُقتل في العراق يحتاج إلى دليل وحجة قطعية وثابتة ولا يمكن أعتبار الحجية من حديث أم سلمة لأنه عديم السند كما قلناوبعبارة أخرى ؛ ان أثبات هذا الشئ الذي هو في الواقع يخالف التفكير العام ليس من صلاحية الحوادث التاريخية حتى يمكن الإعتماد فيه على نقل المؤرخين أو بالحديث الذي لا سند له ، بل أن ذلك الشئ في حد المسائل الفقهية أو أعلى بكثير من المباحث الفقهية ويحتاج إلى دليل محكم حتى يمكن ان يتقبله جميع العلماء ، والحديث الذي بحثناه الأن ليس بمحكم ولا مورد قبول جميع العلماء ، وصرف نقل الحديث في كتب الروايات ليس دليلً بذاته ، حتى يمكن لجميع العلماء نقله والاعتقاد بمضمونه .. وايضاً يختص بمسألة علم الإمام بمكان وزمان شهادته من المسائل الكلامية والاعتقادية ، الذي حتى مع ثبوت الخبر الواحد الصحيح لا يمكن ثبوته بدون ملاحظة الاخبار المعارضة ولآيات القرآنية من قبل ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) فكيف الاعتماد بذلك على حديث لا سند له |
|
|
|