الفصل الرابع
نزوعات الثورة والمشروع الحضاري
لاشك ان الثورة الحسينية في محتواها الا يبستمولوجي تعني الواقع الأجتماعي والسياسي وأصلاحه . وهذا الأتجاه الموضوعي في محتوى التفكير مستمد من الإسلام وقوانينه الخاصة بالجماعة والدفاع ، ولقد عبر الإمام الحسين من خلال خطابه السياسي عن طموحات الثورة وأهدافها في بيان وصفي يمكن أستدراجه على النحو التالي 1 – لما خرج الإمام الحسين من المدية مضطراً مجبراً ومكرهاً كتب إلى أخيه محمد بن الحنفية وصية ضمنها أهدافه وطموحاته حيث كتب يقول : [ ... وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي .. ] (1) مقتل الخوارزمي ج 1 ص 188 نقلاً عن أبن اعثم صاحب كتاب الفتوح ، ومع ان العبارة لم تذكر إلا في تاريخ ابن اعثم ولكن مفهومها المعنوي ينطبق على الأدلة الأخرى ويوافق روح الثورة عند الأنبياء ولهذا فهي عين الحقيقة2 – وأيضاً ورد ذلك في كتاب الإمام إلى أهل البصرة لما طلب منهم المساعدة والنصرة حيث كتب يقول : [ .. فأن السنة قد أميتت وأن البدعة قد أحييت ..] (2) تاريخ الطبري ج 4 ص 2663 – وايضاً ورد ذلك المعنى في خطبته بمنزل ( البيضة) عندما إلتقى بالحر قال : [.. ايها الناس ان رسول الله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مُخالفاً لسُنة رسول الله يعمل في عباد الله بالأثم والعدوان ، فلم يغير (ما) عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله ان يدخله مدخله ، ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود وأستأثروا بالفئ واحلوا حرام الله وحرموا حلاله وانا أحق من غير ، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لاتسلموني ولا تخذلوني فأن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي وأبن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم في أسوة ، وأن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ماهي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وأبن عمي مسلم والمغرور من أغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث فأنما ينكث على نفسه ...] (3) تاريخ الطبري ج 4 ص 304 . وحتى لو كان الإمام قد ألقى هذه الخطبة بعد محاصرته ، فأننا نستطيع أن نستلهم منها عدة مطالب رئيسية هي1 - ان تغيير حكومة الظلم واجب .2 – ومن أجل ذلك لابد من تشكيل الحكومة القوية الثورية .3 – وأن شرائط تشكيل الحكومة موجودة .4 - وأن هدف الإمام هو حماية الدين والدفاع عن الإسلام .نعم سنبحث في هذا الفصل الفقرة الرابعة فقط ، ولكن الفقرات الأخرى تعضد المطلب وتدل عليه . يقول الإمام الحسين : ( من رأى سلطاناً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بألأثم والعدوان فلم يُغير (ما) عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ) وأن حكومة يزيد إنما تقوم على الأثم والعدوان مستحلة لحرم الله ، وناكثة لعهد رسول الله وسنته وأني أرى أن هذا الوضع لا بد أن يتغير ويتبدل وأنا أحقَّ من غير ، وعليه فلا بد أن تقفوا معي لكي نقضي على هذا الفساد الذي تقوده الجكومة ...وأن الطريق للقضاء على هذا الظلم ينحصر بتشكيل حكومة ثورية قوية قادرة على أعادة الحكم إلى وضعه الطبيعي آي مبدأ الشورى وأختيار الأصلح ، ولأن حكومة يزيد ( لزمت طاعة الشيطان ) سالبة من الناس حقهم في الحياة الحرة الكريمة الأمينة ، وأني لن أقبل حكومة تقوم على الظلم لأن قبولي فيها هو أعطاؤها الشرعية في مخالفاتها المناهضة الإسلام . ولا بديل عن تشكيل الحكومة للخلاص من هذا الأنحطاط الحكومي والفساد الأداري حماية للعدل وللحرية ومحاربة للظلم والأستبداد فلا بد من تشكيل الحكومة .ومن أجل تشكيل الحكومة فأن هناك قوى متطوعة وجاهزة ومستعدة لهذا الغرض ، ولودخلت الكوفة فأني الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله سيكون أهلهُا معي ، ولأنكم أهل العراق قد طلبتم مني رسمياً المجئ والبيعة وقد بعثتم إليَّ الكتب والرسل الواحد تلو الأخر على ( أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ) وهذا يعني ان شرائط تشكيل الحكومة متوفرة وموجودة .وقد قمت في حركتي هذه ضد الظلم ومن أجل تشكيل حكومة أسلامية ثورية قادرة على أحياء السنة وأماتة البدعة ، فحكومة يزيد قد عطلت الحدود ( وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ) وجعلوا المال شيئاً لهم ومارسوا الطغيان في أحكامهم ، ولذلك قررت النهوض عليهم أملاً بتغيير الوضع الموجود دفاعاً عن الإسلام وحماية للدين ، وحماية الإسلام لها مكاسب عظيمة على الصعيد العالمي والإنساني من الناحية الأجتماعية1 – كل مجتمع سواء أكان صغيراً أم كبيراً يحتاج لنظامه الأداري إلى ثلاث قوى هي ؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والقوة التشريعية ؛ مهمتها وضع وصياغة القوانين التي تنظم حياة المجتمع ، وتعمل على معاصرة نفسها والواقع الأجتماعي والأقليمي والدولي ، وتحاول صياغة نظام أجتماعي متطور ، وأما القوة ؛ القضائية ؛ فمهمتها رفع التناقضات والأختلافات الحاصلة بين أفراد المجتمع وتعمل على حلها ، والحكم فيها بما يُعطي لكل ذي حق حقه . والقوة التنفيذية ؛ مهمتها أجراء القوانين التشريعية والأحكام القضائية بين الناس .وتمثل السلطة التشريعية في الإسلام بعد وفاة النبي : القرآن الكريم والعقل ، ولابد للعلماء في التخصص بالقرآن ليجتهدوا من أجل أستنباط الأحكام الشرعية منه وقضية الأستباط مباحة لكل من تتوفر فيه أهلية الأستنباط وملكته ، أن أستنباط الإحكام لابد ان يكون مستقلاً في أحكامه القضائية والتنفيذية ، لأنه لايجوز أجراء أحكام السلطتين على من له أهلية الفتيا والأفتاء ، وان للفقهاء كامل الحرية في استنباط القوانين الحقوقية والمدنية وما ينظم حياة المجنمع الجديدة ومسأله الحديثة مسايرة لركب التقدم والتطور الأجتماعي ، أخذين كل ذلك من القرآن ثم يضعوا منتجاتهم الفكرية بين أيدي الناس ..ان من الأمور التي تخل ببنية النظام الأجتماعي وتطوره هي التدخل المفضوح من قبل قادة السلطة التنفيذية في صلاحيات وأعمال السلطة التشريعية مما يؤدي إلى سلب الحريات ومصادرتها ، وهذا اللون الراديكالي يجعل من السلطة التشريعية رهينة الأفكار واراء السلطة التنفيذية مما يوقف عجلة التطور ويؤدي إلى تعطيل للقوانين وسيادة الدكتاتورية ، ومن هنا ينشأ الظلم والتجاوز وهذا ما حدث لحكومة الحزب الأموي التي سلبت من السلطة التشريعية أية حرية أو أجتهاد حر وحولت الرجال واصحاب الفكر إلى مرتزقة وأنتهازيين ، فقد كان ابن عباس وابن عمر من أهل الفتيا (1) تاريخ العقوبي ج 2 ص 228 .ولكن الحكومة الأموية صادرت منهم تلك الصلاحية ، واجبرتهم على الأعتراف بحكومة يزيد على أنها أسلامية وقانونية في حين أن مسألة ولاية حكم يزيد هي من المسائل الجديدة التي تحتاج إلى رأي وحكم أهل الفقه والمعرفة وهل انها قانونية ام لا ؟ بحسب الموازين الشرعية والقانونية ، فحق الأجتهاد قد سلبته قوى الدولة من العلماء ، وألزمت الناس بأجراء وتنفيذ أحكام ابن معاوية فقط ؛ فالقانون صار يمثل أرادة يزيد ورغبته وتنفيذ سياسته ، و لا يمثل الإمام الحسين رجل القانون والشريعة فأي قانون يحتاج إلى رأي الإمام وأمضائه ولكن حكومة يزيد صادرت منه هذا الحق الشرعي ، والإمام وحده المعني بصحة خلافة يزيد أم لا ، لأنه الرجل الوحيد الذي يمكنه أن يأمر الناس بصحة أجراء الوظائف والتكاليف حكماً وموضوعاً .ومع هذا فأن حكومة يزيد أرادت منه القبول بخلافة يزيد قهراً والأمضاء على صحتها وشرعيتها ، وهذا الأجراء الأموي شل حركة التشريع لأنها صادرت من رجال القانون في أبداء رأيهم في هذا المجال ، أن الحكومة الأموية ألغت رسمياً أحكام السنة ، وغيرتها بأحكام الدولة وهذا المعنى هو الذي أشار إليه الإمام الحسين في خطبته : ( مخالفاً لسنة رسول الله ..) (1) تاريخ الطبري ج 4 ص 304 .ولما رأى الإمام كما قررنا ذلك مرحلياً من ثورته سعى لتشكيل الحكومة التي تطبق الأحكام وتحافظ على القانون ، بشرط توفر الظروف الموضوعية لذلك ، لأن صيانة القوة التشريعية من الأنحراف كان هدف الإمام الحسين وطموحه من حركته الإصلاحية التغييرية الكبرى .2 - من أجل الحكم العادل بين الناس لابد من سلطة قضائية قوية ومستقلة وحرّة في ممارسة عملها واصدار أحكامها ، لأنها بذلك تكون قادرة على حلّ النزاعات القانونية . والسياسية ، ولابد لها من الحياد التام في حدود القانون حفظاً للحق والعدل .وفي الإسلام يجب ان تكون السلطة القضائية خارجة عن الخضوع لقوة الجيش والشرطة ، وليس لآية سلطة أخرى حق النقض في أحكامها ، والإسلام يُعطي للمتحاكم كامل الحرية والأستقلال في ممارسة حقه الدستوري وصيانة للحق العام فلا غني ولا فقير إلا بحدود علاقتهم بالحق : ( فالقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه والضعيف عندي قوي حتى أخذ الحق له ) (2) البخاري ج 6 ص 184 .ومن هنا فالحرية في ظل القانون تعني عدم تضييع حقوق الضعفاء ، ولابد ان تحافظ على مال الناس ودمهم وعرضهم ، ولكن حكومة الحزب الأموي قد صادرت تماماً من القاضي حرية الحكم وجعلت من المحاكم أداة لتنفيذ رغبة الحزب وطموحاته ، وقد تأثر القضاء بشكل مباشر بسلطة الجيش والشرطة مما أفقده الأرادة والأختيار وحسن الأداء ، فعبيد الله بن زياد الحاكم الديكتاتوري المغرور استطاع ان يملي على شرُيح القاضي ارادة الحزب الأموي وذلك لما أمره وقال له : ( أدخل إلى صاحبهم ، فأنظر إليه ، ثم أخرج إليهم فأعلمهم أنه حي ففعل ) (3) الأخبار الطوال ص 328 ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 206 .ومن هنا يجب ان تكون القوة القضائية حافظة لحقوق المجتمع ومكتسباته لا ان تكون حافظة للحقوق الشخصية وحقوق الحكام والولاة . وأذا أصبح الثاني هو المعمول به في الدولة فأن ذلك هو الخلاف الواضح لقوانين الإسلام وسنة النبي مما يؤدي إلى شياع البدع ورواجها ، والإمام الحسين بأعتباره الحافظ لقوانين الإسلام وسنة النبي لا يستطيع السكوت امام هذا الزيف المنظم والأختراق المقصود لحرمة الإسلام وقوانينه ولهذا جاء في كتابه إلى أهل البصرة تذكيراً لذلك وتوكيداً على لزومية التغيير ( ان البدعة قد أحييت ..) (4) تاريخ الطبري ج 4 ص 266 . فالإمام بحكم النصوص الروائية والدستورية قد أهتضم حقه ولاتوجد سلطة قضائية مستقلة يمكن الرجوع إليها للنظر بأمره والموجودة لا يمكنها ان تدافع عن حق الحسين وتترافع له ضد الحكومة واجهزتها القمعية ، ولهذا رأى الإمام الحسين أنه لو توفرت الشروط الموضوعية لتشكيل الحكومة يسعى لذلك حماية للقضاء من الأتحراف وتضميناً للحقوق العامة وحمايتها ، وهذا المسعى هو جزء من هدف الإمام الإصلاحي وطموحه الثوري .3 – لاشك ان كل أمة من الأمم يحكم عليها بالتقدم أو التخلف من خلال ما تعكس من آراء ومعالجات يقوم بها الكتاب والأدباء والعلماء ، فالكتابة هي عصارة الذهن البشري في البحث والتحقيق لمبتكرات العقل الإنساني المفكر والمبدع ، والكتابة هي وسيلة من الوسائل الرقي لأنها تنبه النفوس إلى المعرفة والعلوم التطبيقية والتجريبية ، وهي أستقراء لموضوعات حياتية شتى تساهم في التطوير الأجتماعي ونظريايته العلمية .. ان فن الكتابة من أروع الفنون الصناعية على الأطلاق لأنه يساهم أذا كان حراً في تدعيم وتقوية النزعة الإيجابية والموضوعية في فهم الحياة والكون ، لأنها في عملها اللامباشر تقوم بدور توجيهي أنتقادي قياسي ومنطقي للاوضاع والشؤون الأجتماعية .. أنها تعنى بشكل أساسي بحل كثير من الطلاسم والمعميات والمبهمات التي تمارسها الدولة في تعاملها مع الناس .. ان الإسلام يولي بطبعه أهمية فائقة لحرية التأليف والكتابة بالحدود الأخلاقية والأيمانية ، والتي لاتتعارض مع الجو العرفي وطبيعة المجتمع وثوابته ، أنه يشجع على الكتاب حول مواضيع لها مسيس صلة بالمجتمع وسعادته وتقدمه ، وان ما يقدمه وينتجه العقل العالم يفوق بكثير كل الوان العطاء البشري وحتى أغلاها قيمة وهي دماء الشهداء ، فقد قيل ( مداد االعلماء أفضل من دم الشهداء ) ..ان العالم الحر المتمدن يسعى إلى تطوير مؤسساته الصحفية ، ويعتبر ذلك مسؤولية دولية تدعم البناء الديمقراطي لحياة الناس ، ولكن حكومة الحزب الأموي بما تقوم عليه من نزعة محافظة رجعية صادرت هذا الحق ، واعتبرته مرهوناً بالتأييد لسلطة الحاكم ومارستة في هذا الأتجاه الدور الأقتصادي المالي الذي يقوم على أساس الدفع الأكبر مقابل شراء الذمم والضمائر ــ وهذا ما يجري استخدامه في عصرنا الراهن ــ وتتبناه مؤسسات وحكومات وشركات خاصةهذا الأنحراف التوجيهي المعلن لنوايا الناس وأفكارهم لابد له من قيام حركة تناهضه ، وتبرز أخطاره إلى زعماء أهل البصرة ، حيث تكلم فيه عن الممارسات والتحولات السياسية والأجتماعية التي جرت على الساحة بعد وفاة النبي حيث كتب يقول ( .. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وانا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ) (1) تاريخ الطبري ج 4 ص 266 . لقد ظن أحد زعماء البصرة ان ذلك الرسول كان دسيساً من جواسيس ابن زياد ، ولهذا أخذه عند ابن زياد حاكم البصرة الذي أمر به فقتل (2) الكامل في التاريخ ج 4 ص 23 . وهذا التصرف ينبه إلى أي حد كانت الكتابة مسلوبة الارادة والحرية وكم كان الناس يعيشون في ظل حكم أرهابي فكري خطير ؟ وهذا الوضع بكل أبعادة سجل مؤشراً لابأس به معلنا عن صحة التزام الإمام بمبدأ الرفض للحكومة ، واعتبر حرية الكتابة جزء من هدفه الكلي في الإصلاح والتغيير لأسس النظام الحكومة والمؤسساتي4 – ان كل مجتمع له علل وعوامل تؤدي إلى التكامل وتدفع به إلى الرُقي وهذا العامل هو حق التعبير عن الرأي سواء بالقول أو بالخطاب الذي يُفسر ويحلل منطق الأحداث ولغته ومحتواه وفحواه وطبيعي ان حرية التغيير اداة عظيمة في تغيير بنية الأجتماع وهيكليته سيما أذا كان هادفاً في التأكيد على مواطن الضعف والقوة وصولاً إلى منحى فكري يقدم لا يؤخر . الإسلام دين يؤمن تماماً بحرية التعبير ويدفع إليها إلى حد يطور من المعلومات والآراء ويقدم نتاج علمي متطور ، وأن الأصل في ذلك ان لا يكون هناك أجحاف متعمد أو أصرار بالسعادة العامة لكنه يدفع إلى ممارسة قول الحق وأظهار الحقيقة في جو لايخدش بالبناء العام إيماناً يمقولة ( الغاية تبرر الوسيلة ) فأنها مقولة صحيحة ومنطقية جوهرياً لا شكلياً في الإسلام ، الكل يعلم ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض الإسلامية المهمة بل هو بتعبير الحديث ( أسمى الفرائض ) (1) الكافي ج 5 ص 55 .ولو مورس حق التعبير بصورة صحيحة فأنه يكون اداة ثمينة في تأدية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأسمى صورة لصور التعبير الإصلاحي الموجه ، ولهذا قال أمير المؤمنين ( لاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ) (2) نهج البلاغة ج 2 ص 86 طبع القاهرة .وحكومة الحزب الأموي صادرت هذا الحق وعطلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بحيث جعلت من المصلحين والصحابة ، وأهل السابقة الحسنة في الإسلام لايتجرأ أحد منهم لتشخيص الفساد والسعي لاصلاحه . وعندما أراد معاوية بن أبي سفيان ان يأخذ رأي ( الأحنف بن قيس تلك الشخصية العربية البارزة في وية العهد ليزيد ، فقال الأحنف نخافكم أن صدقنا ونخاف الله أن كذبنا ) الكامل في التأريخ ج 3 ص 508 .ففي حكومة الحزب الأموي لامجال لحرية التعبير والبيان إلا في المدح الخاص بأظهار الخليفة الأموي على انه مظهر الكمال والتقوى ، وقد دلل على ذلك ماقاله ابن زياد في مسجد الكوفة حول يزيد : ( وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة ميمون النقيبة محسناً إلى الرعية متعاهداً للثغور يعطي العطاء في حقه حتى أمنت السبل على عهده واطفئت الفتن بجهده .. ) (4) مقتل الخوارزمي ج 1 ص 242 . فالحكومة الأموية تمنع بشدة اظهار الحقائق للناس ، ولهذا أعتبر الإمام الحسين ان توفير حق التعبير بحرية إلى الناس جزء من هدفه الإصلاحي التغييري في الأمة 5 – ان من أهم مقومات بقاء أي مجتمع متماسك قوي هو ؛ قوة وسلامة توزيع الثروة والأحتياطي من المال في الخزينة العامة ..وهذه القاعدة يجري النظر إليها في كل بلد ويُصار إلى تطبيقها ، والخزينة هي بيت مال المجتمع العام ، والحكومة تعتبر الأمين على هذا المال ولا يحق لها ان تصرفه بقضايا وشؤون لا علاقة لها بالمجتمع فلا يجوز ان تصرفه على منافعها الخاصة وشؤونها وشؤون الحاكم بل يجب ان تصُرف بشكل عادل على اسعاد المجتمع وتطويره ، وينبغي ان يكون الصرف مراعياً لقواعد التوزيع العادل بحيث ( لاضرر ولا ضرار ) ولا أسراف ولا تبذير ولا اجحاف وهذا ما كان يفعله أمير المؤمنين علي في زمن خلافته اذ لم يصرف ديناراً واحداً على شؤونه الخاصة (1) الوسائل ج 6 ص 79 ـ 80 ـ 83 .وعندما سأل أحدهم أمير المؤمنين علي : عن سبب لبسه الخشن وحياته الضيقة قال : ( ان الله فرض على أئمة العدل ان يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره ) (2) نهج البلاغة رقم 204ولعل التبذير الذي تمارسه الحكومة الأموية من عهد عثمان يحكي عن الأستخدام الغير مشروع لبيت المال وتحويله إلى منافع شخصية خاصة ، وقد مارس معاوية هذا الأسلوب المتدني بنهب الثروات العامة وصرفها لمصالحه الخاصة من أيام سلطته وخلافته ، حيث وزع الثروة على حاشيته وخاصته وعماله وولاته ، ومعاوية عاش حياة ملكية بما تعُنيه هذه الكلمة ، في حين يعيش أبناء الشعب بكافة طبقاته حياة بؤس وحرمان ، وهذا اللون من التعامل الأقتصادي أدى إلى نشؤ المجتمع الطبقي في الإسلام وأستمر الحال بهذا الأتجاه حتى بعد هلاك معاوية .ولعل من جاء بعده أستأثر بالمال وصرفه بغير مواطنة قطعاً ، فهذا يزيد الذي صرف مال بيت المسلمين على المغنين والمطربين فيما يعيش عامة الشعب حياة الفقر ، وكان قرداً يطرح له متكأً ويحمله على قباء من حرير (3) مروج الذهب ج 3 ص 67 . وفي عهده أزداد أثراء الحاشية والخاصة ، فهذا عباد بن زياد كان يملك ألف مملوك أقل ماّ مع أحدهم عشرة آلاف (4) تاريخ الطبري ج 4 ص 362 . وقد سرق أخوه عبد الرحمن بن زياد من بيت المال عشرين ألف ألف درهم (5) تاريخ الطبري ج 4 ص 234 . هذا كان حال حكومة الحزب الأموي وخليفته وانصاره ، وقد اشار الإمام الحسين إلى هذا التصرف اللامسؤل من قبل الحكومة في الخزينة العامة حيث قال : في خطابه إلى الحر بن يزيد الرياحي : ( واستأثروا بالفيئ ) (6) تاريخ الطبري ج 4 ص 304 .وهذا المنحى في الخطاب اشارة إلى هدف الإمام من الإصلاح وقضية العدالة الأجتماعية التي حطمها الأمويون ، وخاصة في المجال الأقتصادي وتوزيع الثروة . ولأن الأمر في محتواه وطبيعته يحتم على الإمام التركيز على أعادة الوضع الأقتصادي إلى حالته الأولى ، وهذا لا مجال لتحقيقه إلا بتشكيل الحكومة التي من خلالها يمكن الوقوف على طبيعة التوزيع الأقتصادي والمالي ، لذلك صار جزءاً من هدف الإمام الإصلاحي وطموحاته الثورية .. في البنية التحتية للواقع الأجتماعي وخيوطه وخطوطه حماية للثروة وللتوزيع العادل لها 6 – أن الجانب السياسي والدور السياسي لكل أمة هو الذي يُحدد لها وضعها الدولي والأقليمي وحتى القطري ، ان العالم ينظر إلى الأطروحة السياسية التي تتباها هذه الدولة أو تلك على الصعيد الخارجي ، والحرص على تدعيم المواقف العادلة المناهضة لكل أشكال التعددية والعنصرية وعدم التساوي ، أن التمدن الحضاري يعني المساهمة في بناء عالم تسوده عناصر المحبة والسلام والعدل والحرية ، وهذا ما يجعل البلدان قادرة على أستيعاب نظريات التطور الأجتماعي والتكنولوجي ، أن أي بلد يحاول ان يجد له موقعاً متقدماً من بين دول العالم لابد له من ثلاثة أشياء هي :1 – قائد محنك .2 - طريقة في الحكم معتدلة .3 – قوانين متطورة .فالقائد المحنك هو الذي يستطيع ان يكون رمزاً لقضايا العدل والحرية والنضال من أجل توفير حياة سعيدة لأبناء شعبه ، ويعمل بجد من أجل تطوير وسائل الأنتاج المعرفي والعلمي والأقتصادي وأشاعة الفضائل الأخلاقية وتنمية المواهب الإنسانية ، ويواكب حركة التطور العلمي في العالم ويرفع مستوى دخل الفرد المعاشي ، وتوفير الأمن السكاني والغذائي و ... الخ ، عند ذلك فانه سيكون قائداً مرموقاً وقادراً على كسب وتأييد الدول الأخرى مما يجد له موقعاً بين دول العالم وقادتها وأيضاً فالبلد الذي تحكمه ضوابط من العدل والحرية لخدمة المجتمع وإدارة سياسة داخلية وخارجية واعية تعمل على الروابط الأخوية والشعور بالمسؤولية والصداقة والسلام والتفاهم بين الدول ، وهذا الأتجاه يعزز مكانة هذه الدولة ويجعلها تتبوأ مكاناً متقدماً بين الأمم .وقضية تطوير القوانين وصيانتها من التلاعب والتجاوز ، وأنشاء نظام ضبط وربط يقوم على أساس رؤية أجتماعية محددة الملامح ، وتطبيق القانون بحذافيره والحفاظ عليه ، فأن ذلك حتماً سيؤدي إلى سيادة القانون وتطوير النظام الأجتماعي وإشاعة روح المحبة والسعادة . ولعل من يقرأ حول مدينة العرب أيام الرسول سيجد ان ذلك التقدم أنما يعود لهذه الأشياء 1 – وجود قائد عظيم محنك .2 – أسلوب علمي تحرري في قيادة الدولة .3 – وجود قوانين متطورة حية معاصرة لنفسها وللزمن .الإسلام أستطاع أن يحقق المعجزات بعهد رسول الله نتيجة لآمتلاكه هذه الأشياء المهمة في تقدمه وتطوره وموقعه الأقليمي والدولي خارجياً ومحلياً ، فالدولة الإسلامية أستطاعت بما تملك من قوى روحية عالية أن تجد لها مكاناً مرموقاً بين دول العالم ، لأنها لاتسعى للتدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى وهذا الأتجاه المنطقي جعل دول أوربا تكن لها أحتراماً خاصاً ، يُنقل عن الفيلسوف الأنكليزي (ولز ) قوله : ( ... لو سار الإسلام بنفس طريقته الأولى ، لتمكن من السيطرة على العالم بأسره ...) (1) عظمة الحسين ص 74 الهامش ، عبد الله الزنجاني طبع ايرانولكن الإسلام بدأ يتراجع عند النصف الثاني لخلافة عثمان وسيطرة الحزب الأموي نفسياً على مقاليد البلاد الطبيعية القبلية والعشائرية التي ينتمي الخليفة إليها ، وهذا التراجع سبب أنحراف معلن لمسار الدولة الإسلامية وقيادتها ، ولأن الإسلوب الفني في أدارة الدولة قد تبدل وتغير ، وفقدت منه حاجات لها مسيس صلة بالواقع الأجتماعي كالحرية ومبدأ العدالة ، وسيادة النزعة الطغيانية والأستبداد والفردية ، وأثارة موجة جدل عقيم بين رجالات الأمة على قضايا هامشية وبحدود سطحية جزئية ، مما عطل حركة الأبداع الفكري والعقلي العلمي . وهذا الإتجاه التراجعي في مستوى الممارسة وعلى مستوى الخطاب السياسي كان له أثر مباشر في الثورة على عثمان وقتله وشيوع موجة من الفوضى واللاستقرار والجنوح نحو الجريمة والفتنة التي أشعلها فيما بعد معاوية بن أبي سفيان أذ جرت على الأمة حروباً وصراعات ونزاعاً دموياً مسلحاً أدى إلى قضية التحكيم وما نتج عنها ، وبعد أستشهاد أمير المؤمنين علي حاول معاوية أخضاع العراق بالقوة والأكراه ، وفرض عليه مبدأ الأمر الواقع مخالفاً بذلك منهج الإسلام نصاً وسلوكاً ، إلى أن تمكن من قبض السلطة بين يديه وحوَّلها إلى مُلك أمبراطوري تتحكم فيه قوى الشر الدكتاتورية المناهضة لقوى التحرر في العالم تلك الملكية التي قال عنها مسلم بن عقيل : ( تسفك الدماء وتقتل الأخيار ويعمل فيها أعمال كسرى وقيصر .. ) (2) تارريخ الطبري ج 4 ص 282 . والأرشاد ص 217 . وطبق نظام الحكم الوراثي فعقد لأبنه يزيد بولاية العهد مخالفاً رأي الإسلام وقوانينه ، وقيل أنها جاءت عن مشورة المغيرة بن شعبة الذي قال له : ( أعقد له فأن حدث بك حادث كان كهفاً للناس ... ) الكامل في التأيخ ج 3 ص 349 .وما ان هلك معاوية حتى تسلم من بعده ابنه يزيد الفاسد المنحرف عديم التجربة ، والإمام الحسين رأى أن الإسلام بدأ يتراجع على الساحة الدولية وصار خطابه السياسي عديم التأثير ، لذلك حاول تطوير منهجه الأداري والسلطوي والعودة به إلى مكانه اللائق بين الأمم ، بعدما تدنت مكانته الدولية الإسلامية ، وأخذت بالعد التنازلي في قوس النزول ، يقول أحد الكتاب : ( أن أحد علماء المانيا قال لأحد أشراف مكة : يجب علينا نحن الأوروبيين أن نبني لمعاوية بن أبي سفيان تمثالاً من ذهب وننصبه في قلب برلين العاصمة لأنه استطاع أن يبدل النظام الإسلامي من النظام الديمقراطي إلى الحكم الديكتاتوري الأستبدادي الفردي ولولا معاوية ذاك لكانت أوربا اليوم جميعاً مسلمة ) (4) تفسير المنار ج 11 ص 260 .في زمن الحكم الأموي وخاصة حكم معاوية فقدت الدولة الإسلامية نفوذها العالمي وقدرتها الدولية وتراجعت إلى الوراء ، وهذا التراجع جعلها تقيم معاهدات أستسلام لدول أوروبا كما حدث حينما عقد معاوية مع قيصر الروم معاهدة تفضي بالكف عن الحرب ويتبعها بدفع الخراج والعطايا لهم لسنوات طويلة .. وفي سنة 60 هجرية قام الإمام الحسين بنفس السنة التي عقد معاوية معاهدة عدم التعدي مع قيصر الروم .. وجاءت المعاهدة في بنودها على النحو التاليالفصل الأول :هذه المعاهدة عقدت من أجل ترك النزاع والحرب لمدة 30 سنة بين أمبراطور القسطنطينة وبلاد المشرق والغرب الأوروبي وملك روما واليونان والمغرب وبين معاوية بن أبي سفيان ملك العرب وايران وماوراء نهر سيحون الفصل الثاني :على معاوية بن أبي سفيان والحكام من بعده أن يدفعوا من دون أستثناء كل عام ألف ليرة ذهبية وثمانمئة أسير وثمانمئة جواد عربي ويُرسلون إلى القسطنطينية .الفصل الثالث :لقيصر الروم الحق بالتصرف بالمال العربي لمدة 30 عاماً وبأي وجه من الوجوه .الفصل الرابع :على معاوية بن أبي سفيان أن يبعث هذه الأموال بعنوان الخراج إلى الأمبراطور قيصر الروم .ظل هذا الأجراء قائماً على عهد يزيد إلى عهد الوليد بن عبد الملك (1) . حجة السعادة ص 182 ــ 183 . أعتماد السلطنة طبع أيران ملاحظة يقول الإمام الحسين : ( لكم فيَّ أسوة ) (2) تاريخ الطبري ج 4 ص 304 .فلو أرُيد بالمعنى كما قال ( مارتين الأماني )؛ أن الحسين بن علي أراد ان يقتل نفسه هو و17 رجلاً من خيرة رجالات البيت النبوي وأكثر من 50 رجلاً من أفضل رجالات الإسلام ، وانه أراد ان يُقتل بهذه الكيفية الحزينة المؤلمة وان يقع أهل بيته أسرى بهذا الشكل الفاضح وبيد مجموعة من الفاسدين الأوباش ، حتى يكون أسوة .. فهل هذا العمل يكون أسوة ؟ أذا تم بأرادته ورغبته ّالبعض يقول : أن قتل الإمام الحسين هو من أجل إحياء الإسلام ّ ولو ان أحداً قال : أن قتل الإمام الحسين كان جريمة فادحة قامت بها الحكومة الأموية من أجل مصلحة الإسلام ، فأن هذا القول غير قابل للقبول بأي وجه وذلك لأنه1 – اذا كان المقصود ان قتل الإمام الحسين كان لمصلحة الإسلام وانه السبب في العمل بالأحكام الإسلامية في الحجاز والعراق والشام وشمال أفريقيا فهذا المطلب غير صحيح ، لأنه كيف يمكن أن يكون قتل الإمام الحسين دافعاً للمسلمين للعمل بالأحكام الإسلامية أكثر ، فهل أنهم أصبحوا يصّلون أكثر أو يصومون أ وو و و .. ،؟ أو أنهم ينفذون أحكام الإسلام الجزائية بصرامة وبدقة ّ2 – ولو كان المقصود منه أنه كان سبباً لفتوحات أسلامية في الأندلس وسمرقند وبخارى في أيام الوليد بن عبد الملك فهذا أيضأً غير صحيح ، لأنه يربط بين مقتل الإمام والفتوحات ؟ وهل كان وجود الإمام مانعاً من التقدم والفتوحات والنصر ؟3 _ وأذا كان المقصود من قتله أضعاف حكومة بني أمية فهذا أيضاً غير صحيح ، لأن قتل الإمام جعلها قوية وفتاكة من جهة وضعيفة من جهة أخرى (1) الكامل بالتاريخ ج 3 ص 5044 – وأذا كان المقصود منه ان الشيعة أصبحت أكثر تنظيماً فهناك لابد من القول : أن الشيعة بعد أستشهاد الإمام الحسين أصبحت قوية من جانب وضعيفة من جانب أخر5 – واذا كان المقصود من قتله كشف أوراق الحزب الأموي فهذا غير صحيح ، لأن جرائم البيت الأموي ليست سرية حتى تُكشف ، فمعاوية هو الذي قام بوجه الإمام علي وأحدث حرب صفين وقتل سبعين ألفاً ، وهو الذي أمر بقتل شيعة الإمام علي في مدن الأنبار والمدينة واليمن ، وهو الذي صلى بالناس الجمعة يوم الأربعاء وهو الذي قتل حجر وأصحابه وعمر بن الحمق وأشباهه ، وهو الذي أمر بسب أمير المؤمنين علي على منابر المسلمين وقد قال عنه الإمام علي : معاوية : ( ظاهر غيه مهتوك ستره ) (2) نهج البلاغة الرسالة رقم 39 . أو قوله عنه (أنما هو الشيطان ) (3) نهج البلاغة الرسالة رقم 446 – وأذا كان المقصود من قتل الإمام وأسر أهل بيته أن يثير في الناس من اهل الشام المشاعر والأحاسيس لكي يقوموا على يزيد وحكومته ، فهذا المطلب أيضاً غير صحيح ، لأن أهل دنيا وطمع ومادة ، وقد تربوا على هذا النهج من عهد معاوية ، وهم الذين أحدثوا وقعة كربلاء ، وقاموا بمجزرة المدينة في وقعة الحرة ، حيث هتكوا أعراض الصحابة ونواميسهم وقتلوهم صبراً ، وهم الذين أستباحوا البيت الحرام في مكة وإحراقه ، فهل مثل هؤلاء الناس يقومون ويثورون ضده ؟ ــ والأمر لايتعلق بأهل الشام وحدهم بل حتى أهل الكوفة يقول أبن طاووس : ( ما عرفناهم انهم غضبوا في أيام يزيد لذلك القتل الشنيع ولا خرجوا عليه ولا عزلوه عن ولايته ) (4) كشف الحجة ص 47 ابن طاووس طيع ايرانمتفرقات قال عبد الله بن المطيع العدوي عندما ألتقى بالإمام الحسين : ( لئن هلكت لنسترقن بعدك ) (1) تاريخ الكامل لأبن الأثير ج 4ص 20 .وقال زيد بن أرقم في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة : ( أنتم معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ) (2) تاريخ الطبري ج 4ص 349 .وقال أبو أسحاق السبيعي عندما سئل متى ذل الناس قال ( حين قتل الحسين ) (3) البحار ج 44 ص 217 .وقال الإمام علي الرضا : ( فأن يوم الحسين أقرح جفوننا واسبل دموعنا واذل عزيزنا ) (4) الأمالي للصدوق ص 78وما قاله الإمام السجاد علي بن الحسين : ( أن الله قد أبتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد الله الحسين )وان قتل الإمام الحسين كان السبب المباشر في التأخر العلمي والأبداعي وحركة التطوير الفكري والذهني في كل مناحي ومفاصل الدولة الإسلامية ، حيث ورد في زيارة الإمام الحسين يوم عرفة وأصبح كتاب الله بفقدك مهجوراً قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الإمام الحسين : ياعمر أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين ؟ قال : مضيت لأمرك وضاع الكتاب ، قال : لتجيئني به ، قال : ضاع ، قال : والله لتجيئني به ، قال : ترُك والله يُقرأ على عجائز قريش أعتذاراً إليهن بالمدينة ، أما والله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص كنت قد أديت حقه . قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله بن زياد : صدق والله لوددت انه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة ، وان حسيناً لم يُقتل ، قال : فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيد الله (1) تاريخ الطبري ج 4 ص 357 . وقول مرجانة أم عبيد الله بن زياد حاكم العراق : ( يا خبيث قتلت ابن رسول الله والله لاترى الجنة أبداً )(2) تذكرة السبط ص 259 ابن الجوزيوانتشر وضع الأخبار في تبرير مقتل الإمام الحسين حتى صار يعطي على الخبر في ذلك الاموال ، ومن بين تلك الأخبار الموضوعة إقتطفنا هذا الخبر الذي نقلوه عن رسول الله أنه قال : ( يوم عاشوراء يوم تاب الله على آدم واستوت سفينة نوح على الجودي يوم عاشوراء ورد الله الملك على سليمان يوم عاشوراء : وفلق البحر لموسى يوم عاشوراء ، وغرق ومن معه يوم عاشوراء ، وبعث زكريا رسولاً يوم عاشوراء ، وتاب الله على يونس يوم عاشوراء ، وأخرج يونس من بطن الحوت يوم عاشوراء ، ورفع الله ادريس مكاناً علياً يوم عاشوراء ، وكشف ضر آيوب يوم عاشوراء ، وأخرج يوسف من الجب يوم عاشوراء ، وكسى هارون قميص الحياء يوم عاشوراء ، والهم يحيى الحكمة يوم عاشوراء ، إن يوم عاشوراء سبعون عيداً فمن وسع على عيالة وسع الله علية إلى مثلها في السنة (3 )فانظر كيف حاولت الدعاية الاموية وأجهزتها الرسمية أن تختلق هذه المخاريق مدعية ذلك وموجهة أنظار الناس صحة الاحتفال بيوم عاشوراء كعيد مبارك ، وهذا منهم رد على المشاعر والعواطف الإسلامية التي تستذكر كل سنة يوم عاشوراء بالحزن والالم نتيجة لمقتل الحسين هذا اليوم أصبح يشكل تهديداً جدياً لعروش الحكم الآموي ، فأرادو من جعل الاخبار هذه أمتصاص أو الحد من موجة الغضب الشعبي ، وأني بعد ؛ أترك الحكم القارئ ليرى كيف تتعامل أجهزة السلطة وسياستها الإعلامية من التوجهات الحضارية للمجتمع وكيف تدفع بالمجموع للتعزير به ، وتدليس المعاني الواقعية وإبدالها بنظام من المثيولوجيا والاساطير التي تؤخر عملية التفكير وتبعد الأمة عن الاحساس بمسؤوليتها على الصعيد التطبيقي والعملي .وهي بعد نظرة متأخرة في زمنها وتأريخيتها ونظامها الداخلي ، فسقطت منذ بدأت ولم تدم دويلاً ، واتنصرت أيام الله يتقدمهن عاشوراء كمحطة في دائرة التغيير والإصلاح الفكري والاجتماعي والتطوير العلمي المبدع من أجل حياة حرة سعيدة تسود فيها احكام العدل والقانون ويقودها الرجل الكفؤ الصالح وهذه هي رغبة الشعوب والأمم جاءت لتؤكدها رسالات السماء في طول المسيرة البشرية وعرضها ،ولتبقى راية الحسين قاعدة الإنطلاق وجوهر الإنطلاق وركنه الأساس وستظل عبر السنين تعبر عن معنى الحياة وأصالتها وقدرتها وعنفوانها ,,, فمع الحسين في عاشوراء ...
|
|
|
|