مساء يوم التاسع من المحرم وفي مساء يوم التاسع من المحرم جمع الإمام الحسين أصحابه وخطبهم قائلاً : أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء اللهم أني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين .. أما بعد فأني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، إلا وأني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ألا وأني قد رأيت لكم فأنطلقوا جميعاً في حّلٍ ليس عليكم مني ذمام هذا ليلٌ قد غشيكم فأتخذوه جملاً (5) تاريخ الطبري ج 4 ص 317 . والأرشاد ص 231 . ولقد كان طلب الإمام هذا من أصحابه واقعياً جدياً ولكن أصحابه وأهل بيته عبّروا عن أرادتهم ورغبتهم المطلقة في الوقوف مع الحسين حتى آخر قطرة من دمائهم ، مؤكدين على عظمة الموت معه على الحياة دونه فكانت كلماتهم تعبر عن : لانفارقك أو نموت دونك (6) تاريخ الطبري ج 4 ص 318 والأرشاد ص 213 . معبرين عن صدق ألتزامهم وأدائهم للتكليف وكانت مواقفهم من أكثر المواقف دلالة على صدق النية وحسن الإيمان والأخلاص وصلابة العقيدة . ( ولأن الجهاد في الإسلام يكون يكون واجباً في حال الدفاع عن المظلوم ، والحسين هنا وقع مظلوماً فيكون الدفاع عنه واجباً على كل مسلم )ملاحظة يقول الإمام السجاد عندما كان أبي يردد :يــادهـــر أفٍ لـــك مـــن خـــليــــل كـــم لـــك بـــا لأ شــراق والأصـــيــل مـــن صــاحـب أو طـالــب قــتــيــل والدهـــرُ لا يــقــنــع بــالبــديــل وأنمـــا الأمــرُ إلى الجــلــيــل وكـــلُ حـــيّ ســـالـــك الســبيــل فلما أعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها فعرفت ما أراد فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ، ولزمت السكون فعلمت أن البلاء قد نزل فأما عمتي زينب فأنها سمعت ما سمعت فلم تملك نفسها وقالت : واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ، فقال لها الحسين : أخُيّة لا يذهبن بحلمك الشيطان ، فقالت : أفتغتصب نفسك أغتصاباً فذلك أقرحُ لقلبي وأشد على نفسي ، قال : ( لو ترُِكَ القطا ليلاً لنام ) (*) فرائد الأدب المنجد حرف التاء ــ يضرب مثلاً لمن حمُل على مكروه من غير أرادته ــ يعني أن الوضع الموجود قد فرُض عليَّ ، لو ترُكتُ حراً لرجعت من حيث أتيت ؛ لذلك قالت له زينب : أفتغتصب نفسك أغتصاباً ؟ فلذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ولطمت وجهها وخرت مغشياً عليها (1) تاريخ الطبري ج 4 ص 319 والأرشاد ص 232 .فلو كان الأمر من البداية معروفاً يعني حينما تحرك كان لأجل أن يُقتل وأعاد هذا الأمر مرات عديدة ، لما كان الأمر بالنسبة لزينب شيئاً مستغرباً مستنكراً ، أذ لا معنى لحزن زينب كل ذلك الحزن حينما سمعت الإمام يقول تلك الأشعار ، مما جعلها تقول : ليت الموت أعدمني الحياة ! ثم قالت : أفتغتصب نفسك أغتصاباً ؟ وما معنى قول الإمام : لو ترُك القطا ليلاً لنام ، إلا أنه لو ترُك حراً لرجع ؟وبناء عليه فهل يصح أن يكون الإمام قد تحرك منذ البداية لكي يُقتل ؟ !قيل : يدور بين ألسُن الناس حكاية تقول ؛ أن بعض أصحاب الإمام الحسين قد تفرقوا عنه ، وتركوه ليلة عاشوراء ، وحاولنا ان نتحقق من صدق هذه الحكاية ، فلم نجد لها ذكراً في الكتب الموثقة والتي تناولت قضايا وقعة كربلاء وإليك فهرست بهذه الكتب التي لم تجد فيها هذه الحكاية :1 – تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 231 .2 – تاريخ الطبري ج 4 ص 318 .3 – مقاتل الطالبيين ص 112 .4 – الأرشاد ص 231 .5 – أعلام الورى ص 235 .6 – روضة الواعظين ص 183 ــ 184 .7 – الكامل في التاريخ ج 4 ص 57 ، 58 .8 – مقتل الخوارزمي ج 1 ص 247 .9 – تذكرة السبط ص 249 .10 – مثير الأحزان ص 26 .11 – تاريخ ابن كثير ج 8 ص 176 ، 177 ،12- ، واللهوف ص 80 ، 82 .13 – المناقب لأبن شهر أشوب ج 4 ص 99 .14 – مطالب السؤل .15 – تاريخ أبي الفداء .16 _ التهذيب لأبن عساكر .17 _ الأخبار الطوال .18 – الأمامة والسياسة .19 – مروج الذهب .20 - العقد الفريد .بل على العكس فقد جاء في الكتب من 1 ــ 13 المذكورة أعلاه ، أنه لم يقبل قول الإمام أي واحد من أصحابه ، وكلهم أعلنوا أستعدادهم للتضحية والفداء في سبيل أهداف الحسين ورسالته . نعم وردت هذه الحكاية في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري في تفسير قوله تعالى : ( وأذا قلنا للملائكة أسجدوا لأدم ) (1) البقرة آية 34 .فقد جاء فيه ؛ ولما أمتحن الحسين ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه ، قال لعسكره : أنتم في حلَّ من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم ، وقال أهل بيته : قد جعلتكم في حلَّ من مفارقتي فأنكم لاتطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم وما المقصود غيري ، فدعوني والقوم ، فأن الله يعينني ولا يخليني من نظره كعادته في أسلافنا الطيبين ، فأما عسكره ففارقوه وأما أهله والأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا : لانفارقك . (2) التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (ع) ص 87 .قلنا أن الإمام الحسين في منزل ( الزبالة ) لما وصله خبر مقتل مسلم بن عقيل قال : من أحب منكم الأنصراف فلينصرف ؟ فتفرق الناس عنه واخذوا يميناً و شمالاً حتى بقي في أصحابه (3) الأرشاد ص 223 .فأذا كان المقصود بهؤلاء الذين تفرقوا عن الإمام في منزل ( الزبالة ) فهذا صحيح .ولكن ما قرأناه في هذا الكتاب لاينطبق على المعنى ، لأنه ورد في التفسير ان جميع أصحاب الإمام قد تفرقوا عنه ولم يبق معه غير أهل بيته ، في حين تذكر أكثر التوارخ أن الذين تفرقوا عن الإمام في ( ا لزبالة ) هم الأعراب وليسوا الأصحاب أضافة إلى ذلك فأن ثلثي شهداء وقعة كربلاء هم من غير أهل بيته كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وزهير بن القين وبرير بن خضير ، مع أنه يوجد في التفسير المنسوب ؛ أنه لم يبق معه من عسكره إلا أهله .وأذا كان المقصود ؛ أنه في ليلة عاشوراء لم يبق معه من أصحابه إلا أهله فهذا المطلب مخالف للحقيقة ، لأن المصادر التاريخية التي ذكرناها لم تذكر هذا الشئ بل قالت : أنه لم يفارق الإمام الحسين أحد من أصحابه وأهل بيته ليلة عاشوراء .أذن فمقصود صاحب التفسير المنسوب ليس واضحاً وليس صحيحاً ، فهو لم يُوضح ما كان يعنيه ، فهل هم الأعراب الذين تفرقوا من ( الزبالة ) أم أصحابه ليلة عاشوراء ؟وربما يُفهم من جملة ( وما المقصود غيري ) أنه تحديد لليلة عاشوراء كونها أقرب إلى الذهن وأكثر أنسجاماً مع هذا البيان المعنوي ..وقد طبق صاحب كتاب ناسخ التواريخ عبارة التفسير المنسوب وقال . ( وبالجملة فأن الإمام الحسين قد أمتحن أصحابه ليلة عاشوراء ، وقد جاء مسطوراً في تفسير الإمام أنه ، قال الحسين لعسكره : أنتم في حلِّ من بيعتي فألحقوا بعشائركم ومواليكم ) ــ وقد أشتبه صاحب ناسخ التوارخ في قراءته لكلمة ( أمتحن ) لأنه قرأها بصيغة المبني للمعلوم ــ ثم قال لأهل بيته : ( أذهبوا فقد أذنت لكم فأنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعداداهم وقواهم ، وما المقصود غيري فدعوني والقوم ، فان الله يعينني ولا يخليني من نظره كعادته في أسلافنا الطيبيين ، فاما عسكره ففارقوه ، واما أهله والأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا لا نفارقك ) (1) ناسخ التواريخ ج 6 ص 222 .ويتضح من ذلك ان صاحب كتاب ناسخ التواريخ قد طبق ذلك على ليلة عاشوراء ، وقال : ان جميع أصحابه من غير أهل بيته قد فارقوه وهذا يعني حصر شهداء كربلاء فقط بأهل البيت في حين أن ثلثي شهداء وقعة كربلاء كانوا من الأصحاب والأنصار . واضافة إلى أن المطلب عاري من الصحة التاريخية وكتبها الموثقة ، فأنه لابد ان نعرف رأي علماء الشيعة ومفكريهم بكتاب التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكريوقال أبن الغضائري صاحب كتاب الضعفاء : والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير (2) مجمع الرجال ج6 ص 25 القهباني .وقال العلامة الحلي في الخلاصة : والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير (3) خلاصة الأقوال ص 256 .وقال الشيخ البلاغي : ( واما التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري فقد أوضحنا في رسالة منفردة في شأنه أنه مكذوب موضوع ومما يدل على ذلك نفس مافي التفسير من التناقض والتهافت في كلام الراوين وما يزعمان انه رواية ومافيه من مخالفة الكتاب المجيد ، ومعلوم التاريخ كما أشار إليه العلامة في خلاصته وغيره ) (4) الآء الرحمن ج 1ص 49 . وللمحقق التستري : صاحب كتاب الأخبار الدخيلة بحث رائع في هذا المجال راجع ج 1 ص 152 ــ 228 . وهكذا قال الشيخ الشعراني : صاحب الحاشية على مجمع البيان ، وهكذا رأي السيد الخوئي كما في المعجم ج 134 ص 159 وج 20 ص 209 وج 17 ص 172 وغيرهم الكثير .عندما رأى الحسين أصحابه ومدى تمسكهم به أعطى أوامره ليلة العاشر من المحرم ، بأن تقرب الخيام إلى بعضها البعض وتسُد الثغرات بينها على أن تكون بنسق منظم واحد يشكل نصف دائرة وسيعة يتخذ الإمام الحسين فيها مكاناً داخل مركز نصف الدائرة ، وقد حفر بجانب الخيام خندقاً كبيراً ألقوا فيه الحطب والقصب وقالوا : أذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا وقاتلونا القوم من وجه واحد ففعلوا وكان لهم نافعاً (5) تاريخ الطبري ج 4 ص 320 والأرشاد ص 232 . هذا الأجراء الدفاعي ضروري ولازم بعدما أصر حاكم العراق على موقفه العدواني وطبيعته الأنتقامية . وهي أجراءات وقائية لرفع مخاطر فرق الأرهاب الجوالة عن مضايقة النساء والأطفال ، وهي بعد حاجز دفاعي يحدد حركة الخصم ويقيد من أندفاعه على كافة الجبهات ولما أصبح الحسين يوم عاشوراء صلى بأصحابه صلاة الصبح وصّفهم للحرب ؛ وخرج ابن سعد بجيش عظيم وقد صّفه للحرب ، وأراد الإمام ان يبين للقوم قبل بداية الحرب جملة حقائق يعرض فيها مسؤوليته تجاههم ، ولأنه يعلم ان قضية الحرب والسلام قضية على غاية . من الأهمية ولا يمكن التفريط تبعاً لمشاعر وهواجس عدوانية مخيفة لا تشعر بالمسؤولية الأجتماعية وأخطار الجريمة ، ثم خرج الحسين إلى القوم وهو يلبس عمامة لرسول الله ويتقلد سيفه ويرتدي ثيابه ، وقد فعل ذلك ليقول لهم أنه وارث النبي والقائم بأمره ، أراد أن يقول لهم : أنا أحق من هؤلاء الأدعياء الذين يسوقونكم إلى الموت والهلاك ، ثم رفع الحسين يديه بالدعاء قائلاً ( اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من هم يضرب فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته ، فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة ) (1) تاريخ الطبري ج 4 ص 321 .ثم قال : ( ايها الناس فانسوني فأنظروا من انا ثم أرجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فأنظروا هل يحل لكم قتلي وأنتهاك حرمتي ، ألست ابن نبيكم وأبن وصيّه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه ؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي ؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم إن رسول الله قال لي ولأخي : ــ ( الحسن والحسين أبنائي) ــ فأن صدقتموني بما أقول وهو الحق ، والله ماتعمدت كذباً قد علمت ان الله يمقت عليه أهله ويضر به من أختلقه ، وان كذبتموني فأن فيكم من سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري أو أبا سعيد الخدري أو سهل بن سعد الساعدي أوزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبركم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي ، أما لهذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ فأن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثراً ما أني ابن بنت نبيكم فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ! أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم أستهلكته أو بقصاص من جراحة ؟ فأخذوا لا يكلمونه (*) مشهور على ألسن الناس أن أهل الكوفة قالوا للحسين . ( نقاتلك بغضاً منا لآبيك ) والواقع أننا لم نعثر على هذه الجملة في الكتب التاريخية المعتبرة نعم وجناها في كتاب ( نور العين للأسفرائيني ص 57 ) وكذلك في المقتل المنسوب لأبي مخنف الموجود بضميمة البحار د 10 وردت فيه هذه الجملة في الصفحة 74 طبع بغداد ، ولقد قال المحدث النوري في اللؤلؤ والمرجان ص 156 حول هذا المقتل ( والمقتل هذا يحتوي على مطالب كثيرة مخالفة لأصول العقيدة والمذهب ...) ونحن لا نعتقد بما يأتي من كتاب نور العين أو هذا المقتل المنسوب لسقوطها من الأعتبار كما صرح به غير واحد من علمائنا الأعلام .. .فنادى يا شبث بن ربعي ويارحجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار وأخضر الجناب وطمت الجمام ، وأنما تقدم على جند لك مجند ؟ قالوا : لم نفعل ، فقال : سبحان الله ! بل والله لقد فعلتم . ثم قال : أيها الناس أذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض ، فقال قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بني عمك فأنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصلك منهم مكروه ، فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ؛ أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله لااعطيهم بيدي أعطاء الذليل ، ولا أقر إقرار العبيد ، عباد الله أني عذت بربي وربكم أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، ثم أناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه ) (1) تاريخ الطبري ج 4ص 321 .
المرحلة الرابعة ؛ لقد شكل خطاب الإمام الحسين منعطفاً كبيراً على معنويات القوم ، فالخطاب جاء كبيان وصفي ينتقد فيه الإمام أسس النظرية السياسية للحزب الأموي ومنهجيته وطبيعته ؛ ولغة الخطاب البيانية جمعت بين التبكيت والعتاب ومرارة الموقف والوعظ والتضحية والتوجيه ، مما يوحي بأن الهدف الكبير الذي كان يرجوه الإمام هو حشد أكبر عدد ممكن من عناصر الأثارة النفسية والعاطفية والعقلية في تحيرك الجمود النفسي الذي أوحى للجيش بالجمود العقيدي ، وقد أثر هذا الخطاب بدرجة ما في نفسية القوم مؤدياً في ذلك غرضه في الرفض والأ متعاض من أداة الحكم الأموي ، ولهذا خرج ما يقارب الثلاثين نفراً من جيش ابن سعد وأنضموا إلى معسكر الحسين (2) تاريخ الطبري ج 4 ص 322 ــ 323 والأرشاد ص 234ــ235 وقد كان خروج هؤلاء النفر من جيش ابن سعد ذا اثر مباشر على روحية الجيش ككل . وهكذا انضم إلى معسكر الحسين الحر بن يزيد الرياحي بعد أن قال لعمر بن سعد ؛ أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : أي والله ، قتال أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي ، قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى ؟ قال ابن سعد : أما والله لو كان الأمر إليَّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك ، ثم ان الحر جاء إلى الحسين فقال له : جعلني الله فدلك ياابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، أفترى لي من توبة ؟ قال : نعم ، يتوب الله عليك (3) ذخائر العقبى ص 149 وسير النبلاء ج 3 ص 210 . ثم أن ابن سعد قد وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال : أشهدوا أني أول من رمى (4) الأرشاد ص 236 .وربما كان ابن سعد في موقفه هذا يعبر عن جماعة المتذبذبين الذين تحركهم قوى الطمع والمادة يقول العقاد : ( ان هذا السهم الذي رماه ابن سعد قد أصاب صدره ، لأنه أراد به الخلاص من حالة التذبذب والأضطراب ) (1) ابو الشهداء ص 179ومع هذا السهم الذي أطلقه عمر بن سعد تكون الحرب قد بدأت رسمياً وبه تكون ثورة الإمام الحسين زمنياً قد دخلت المرحلة الرابعة ، وربما لا نخُطئ أذا أعدنا ما قلناه بأن الإمام الحسين سعى جاهداً لكي لا تقع الحرب ولكن مرتزقة يزيد أصروا بالحاح على أشعالها مما أحدث فجوة عميقة من المحن تظل مع التاريخ تحكي عدوانية وهمجية الحزب الأموي وقادته ، نعم ان الحرب التي أشعلتها مرتزقة يزيد ربما لم تدم أكثر من ست ساعات ولكنها بحساب الزمن وأدواته ووسائله وما جرته من عنف وأرهاب وقسوة عبرت عن عمل أجرامي ولا إنساني أستهدف المشروع الأصلاحي لرسالة السماء .ولو أردنا أن نحصي مفردات هذه الوقعة لإحتاج منا إلى وقت وزمن وساعات ، ولكن الدخول في التفاصيل والجزئيات يصرفنا عن هدف هذا الكتاب أرتأئينا عدم الخوض في التفاصيل التي دخلت ضمير العالم الحر فحركته على أختلاف أفراده ومذاهبه وطوائفه ، وبالمقابل أثبتت الحرب قدرة الإمام وما يتحلى به هو وأصحابه وأهل بيته من صبر وإيمان وتقوى وأخلاص وشجاعة وفضيلة وعشق لامتناه للحق المطلق والتضحية في سبيل الله وفي سبيل العقيدة : ( فالعقيدة بدون جهاد كالجهاد بدون عقيدة ) (2) سمو المعنى في سمو الذات ص 183 العلايلي طبع بيروت . هذه المرحلة من ثورته مرحلة الحرب المفروضة التي خاضها الإمام الحسين مضطراً مجبراً مكرهاً مدافعاً قدم فيها نفسه وأصحابه وأكثر أهل بيته قرباناً في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله في الكون وفي الحياة .ولاشك أن أهل البيت قد وقعوا أسرى يُطاف بهم من بلد إلى بلد ، ولا ريب أن معنى طوافهم أسرى في البلدان يحمل أكثر من معنى وتفسير ، ولكننا نميل إلى أنهم أسُروا بالقوة والأكراه ، وتحت وضع مأساوي رهيب ، حيث أدخلوا مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة ، وهكذا نقلوا إلى مجلس يزيد بن معاوية في الشام ، وكانوا يُعرضون في الشوارع على الناس بحجج مختلفة ودعاوي باطلة على أنهم خوارج .ولقد كان لخطبة الإمام زين العابدين في الشام وخطبة زينب الكبرى الأثر البالغ في كشف زيف الأدعاء الأموي ، وأثبتت الوجه الحقيقي لحكومة الحزب الأموي على أنها حكومة دموية أرهابية غاصبة ، تعتمد على البطش والقتل والتنكيل ، وتمارس علانية أرهاب الدولة المنظم ، حيث قالت ليزيد :( أمن العدل يأ ابن الطلقاء ؟ تحذيرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، ... ولا غرومنك ولا عجب من فعلك ، وأنى ترتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيد الأنبياء .. ) (3) الأحتجاج ج 2 ص 308 . الطبرسي .فقد أسقطت الحجج التي يتقولها يزيد وعماله ضد الإمام الحسين وأوضحت بما لا يقبل الترديد وجه لحكومة الحزب الأموي ، بحيث شكلت لدى العامة قناعة عن مدى مظلومية أهل البيت ... ولكن هل كان أسر أهل البيت جزءاً من هدف الإمام الحسين ؟ .والجواب ؛ إن الأسر لم يكن جزءاً من هدف الإمام الحسين بل جاء نتيجة لأثر حربي قهري مفروض ، فما يقوله البعض على أن الأسر كان جزاً من هدف الإمام في كشف زيف الحكم الأموي ؛ هو أصطحاب الإمام لأهل بيته ليقعوا أسرى وبالتالي يفتضح أمر يزيد وحكومته ّ ولكن لابد من القول : ان هذا القول ناتج عن أشتباه في الهدف والنتيجة ، فلم يكن هدف الإمام ذلك مطلقاً ، لأن الأسر وقع على خلاف أرادة الإمام والرسول ولم يكن خلافاً في الرضى فقط ، بل كان خلافاً للهدف الكلي للإسلام .وأيضاً فالإمام لايدري بالمدة التي سيقضيها بمكة عل وجه التحديد لأنه كان يريد ان يجمع المعلومات عن الوضع السياسي والأجتماعي للحكومة ، وبعد فترة من الزمن قضاها في مكة قاربت أربعة أشهر وخمسة أيام أحس بالخطر يتهدده من الحكومة فتحرك إلى الكوفة حسب القرائن المتوفرة لديه ، ولأنه كان يخشى من الحكومة على اهل بيته ان هو تركهم في مكة أو المدينة (1) اللهوف ص 74 . فقد ذكر أحتمال ان تضايق الحكومة آل البيت .ولهذا رأى الإمام من الصالح أن يكون أهله معه حتى يكونوا بمأمن من كل خطر . أذن فأصطحاب العيال أنما كان يريد منه المحافظة عليهم وحراستهم ، وأن يبعدهم عن شر الحكومة وأعتداءاتها ، لا لكي يجعلهم أسرى في ظل الحكومة الظالمة ، نعم أن حكومة الحزب الأموي هي التي أسرت آل البيت ، وهذا القول ؛ يُسقط قول من يدعي ان الإمام أخذهم معه كجزء من هدفه ، أي انه أراد من خلالهم ان يفتضح أمر الحكومة الأموية وزيفها ، وهذا الأدعاء كما ترى سقط من الأعتبار لأنه لاينسجم مع طبيعة الثورة وأهدافها ، ولا ينسجم مع عقيدة الإمام الحسين ، نعم أن القائلين بذلك أنما خلطوا بين الهدف والنتيجة وهو مالا يخفى على أحد ...
|
|
|
|