الإحتياط

هو من فعل حاط حوطاً وحياطةً ، والحوط والحيطة يعني : الأخذ بكل مايكون مانعاً من الوقوع في الخطأ أو المخالفة ، وهذا المعنى الدلالي وظفه الفقيه في مجال بحثه وعمله حين يستنبط حكماً أو فتوى ، وهو من حيث هو طريق مشروع للعمل بالوظيفة الشرعية ، لكنه عمل محفوف بالمخاطر سيما وإنه يستلزم العمل وفقاً لجميع الآراء الفقهية ، وهذا اللزوم فيه كُلفة وفيه مشقةً ليس بوسع آحاد المكلفين القيام به وعلى النحو المطلوب ، ولهذا فهو مندوب إلاّ في حالات سنأتي على ذكرها ، لكنه في كل الأحوال طريق للعمل بالحكم الشرعي يُستعان به حين يكون العامل عارفاً بمجالات إستخدامه ، والمشتغل في الإحتياط عملاً إنما يُريد براءة ذمته والتيقُن من وقوع عمله مطابقاً للحكم الشرعي كما هو بالفعل .
و لايخفى على أهله إن العمل بالإحتياط في تمام المسائل الشرعية صعبٌ الإتيان به على جميع المكلفين ، ولهذا ننصح من لاطاقة لهم به عليه ان لا يعملوا به إلاّ عند الضرورة ، كما إن معرفة جميع الأراء الفقهية مشكل بحد ذاته ، ولا يقدر عليه إلا من هو أهل له كأن يكون مجتهداً أو من أهل الخبرة والإختصاص في مسائل الفقه وأحكامه ، والمكلف المحتاط يحتاج بالضرورة إلى تفرغ تام سواء في العلم به أو بتنفيذ ه على وجه الدقة ، لأن في الإحتياط قد يكون الفعل الواحد في المسألة الواحدة مستلزماً للتكرار وهذا هو المشكل الحقيقي في القضية ، خاصةً مع إنشغال حال المكلفين بمسائل العيش والحياة .

وكلامنا هذا عن المعنى اللغوي والدلالي للإحتياط ، ولكن هناك ثمة معناً أخر يردُ في كلام الفقهاء ورسائلهم العملية منه ماهو واجب ، وذلك يرد في كلام الفقيه حين لايتم التوصل للحكم النهائي ، يحصل هذا مع فقدان الدليل القوي في المسألة المستنبطة ، ومنه ماهو مستحب وذلك الذي يرد من غير تفضيل بحيث يمكن العمل على خلافه ، والفرق بينهما يكون من خلال معرفة اللفظ أو قول الفقيه نفسه كأن يشير أو يبيح العمل وفق فتوى فقيه أخر داعياً إلى العمل وعدم الترك ، والأحوط هو مقتضى الإحتياط أي أن ما يقتضيه الاحتياط هو الأحوط ، وأحوط الأقوال هو أقربها إلى الإطمئنان فكل ما يؤدي إلى الإطمئنان ولا يخالف الحكم الشرعي فهو الأحوط عملاً .