الأعلمية

 

 

الأعلم : ورد تعريف هذه اللفظة في العروة الوثقى على أنه - الأجود في إستنباط الأحكام الشرعية - ، وهذا التعريف لاينطبق على معنى الأعلم ، بدليل إن الأجود هي صفة مبالغة لكثير الجود ، والجود في اللسان العربي هو السخاء والعطاء ولا دخل لما نحن فيه إلاّ من جهة الكُثرة ، وقيل : إن هذا التعريف ذو خلفية كلامية ، إذا كان المُراد به الأخذ عن الفاضل وترك المفضول - كما ذهب إلى ذلك الشيخ الأنصاري - ، ولكن هذه العبارة أعني - الفاضل والمفضول - هي من العبارات التي راجت في الدرسة الكلامية وخصوصاً لدى المعتزلة ولكن بالتقديم والتأخير ناظرين للإمامة إبي بكر بوجود الإمام علي ، ولهذا نقول : إن هذه العبارة أكثر ما تكون إستخداماً في مجال إثبات إمامة الإمام لدى متكلمي الشيعة ، ،

لكن هل الأعلمية تدخل في هذا الباب ؟ نقول : الأعلمية شأن متعلقه معرفة الأحكام الشرعية على نحو أوضح أو أكمل ، فهي إذن صفة لاحقة متعلقة بمن في مقدوره الفتيا وإستنباط الأحكام ، ولكن لا يجوز بحال الربط بين معرفة الحكم الشرعي ومعرفة الإمام لا في الطريقية ولا في الموضوعية .

فموضوع الأعلمية متعلق بالفتوى في طبيعتها وفي كيفيتها ، أعني هي متعلقة بالحكم الشرعي ، والإشارة إليها وردت في حال التساوي بين الفقهاء أو بين بين الأحكام ، ومعلوم إن ملاك الحكم الشرعي غير ملاك معرفة الإمام ، أضف إلى هذا كون معرفة الإمام شرط متعلق بصحة الإيمان لدى الشيعة ، ولا قائل في ذلك عند الكلام عن الأعلمية ،

بل ذهب أستاذنا الكلبيكاني للقول : بان الأعلمية ليست شرطاً لصحة التقليد - المسألة 22 من كتاب توضيح المسائل - ، ذلك لأن الأعلمية بحد ذاتها غير معلومة الدليل أو قل لا دليل عليها ، وماقيل في حقها من الكتاب المجيد فقول مردود و مخدوش ولايحتج به في هذا المجال ، من قبيل قوله تعالى : - أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي – يونس 35 - ، وقوله تعالى : - قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تعقلون - الأنعام 50 - .

وأنت بصير بان الإحتجاج بهذه النصوص هنا لا محل له ، لا في تعيين الأعلمية ولا في الدلالة عليها ، لأنها نصوص عامة وتحكي عن أمر عام في التبليغ وفي الأمر وفي النهي كما في الدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده ، كما ولا يجوز إحراز الأعلمية من خلال أقوال البعض ، لأن تلك الأقوال لا يعتد بها كونها محفوفةٌ بدعايات خاصة وتهويل إعلامي لايستند إلى حقيقة علمية ، وهو من باب الإغراء أقرب منه إلى باب الإحتجاج ، وهذا الباب مسلك معلوم وسائد في وبين طلبة العلم .

أضف إلى هذا كون الأعلمية من حيث هي هي قضية نسبية ، فحصولها عند البعض لا يلغي حق البعض الأخر بها ، كما لايجوز إتصاف أو حصر الإتصاف بها لدى البعض دون غيرهم ، من هنا لا يمكننا القول بها على الإطلاق ، ولهذا أمتنع الكثير من المتأخرين ومن المعاصرين بالقول بها أو بجعلها شرطاً لصحة عمل المكلف ، وأما الإعتداد ببناء العقلاء في طريقية الإتباع هنا فهو قول مردود لأن مستنده ضعيف ، والخبر في هذا المجال لا يتعدى القول بإطلاق عن مفهوم - الأعدل والأفقه - ، وهو مفهوم نسبي ولا حصر به إلاّ من جهة العموم ، كما إن لازمه المعرفة المجردة ، وهي هنا ليست ملاكاً يمكننا تعميمه أو الإعتماد عليه ، بلحاظ كون الأعدل والأفقه صفة مبالغة ، وتعينها بواحد دون سواه مشكل كما لا يخفى .

من هنا فدعوى الأعلمية دعوى لانص عليها ولادليل يمكن الإحتجاج به ، ولهذا لا نقول بها ولا نعتبرها شرطاً في صحة عمل المكلف ...