بسم الله الرحمن الرحيم
في مناسبة إستشهاد الصديق والأخ العزيز
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي - رحمه الله
- التي تكون شهادته تجسيداً لتلك المعاني
التي نشأ عليها وتربى ، كما وإن فيها
إستذكارا للقيم الإسلامية الخالدة التي
عاشها في حياته فكراً وروحاً وجهاداً ،
قيمٌ كانت عنده بمثابة الحياة الحرة له
ولكل المحبين والمريدين .
إن الواقع المُر الذي تعيشه سوريا هذه
الإيام وهذا الصراع العنيف بين مكونات
الشعب ، هو الشر وهو الفتنة التي طالما تحدث
عنها منذ سنيين ، والتي قال عنها : إنها
ستدفع سوريا وأهلها إلى الهاوية ، وإننا في
الوقت الذي نستنكر فيه هذه الجريمة البشعة
التي أستهدفت الدكتور البوطي بكل مايحمل من
رمزية وعنوان ، إنما نستنكر ذلك الدور الذي
لعبه بعض رجال الدين الذين حولوا الإسلام
إلى شعارات وخطب سياسية وكراهية وإرهاب
وعنف ، وهو إستنكار لتلك الفتاوى التي تبيح
الدم الحرام والبيت الحرام ، و التذكير
بهذا الفعل وببشاعته هي مراجعة موضوعية
لمسيرة التنظيمات والحركات التي تتخذ من
الإسلام شعاراً لها في التعبئة والتحريض ،
كما إن التذكير بها هو تحفيز للعقل العربي
المسلم كي لاينخرط إلى الأبد في هذا الفساد
والجدل الأممي .
إن معركة البوطي لم تكن ضد فئة أو حزب أو
جماعة بعينها بل كانت معركةً ضد الجهل
والتخلف والفئوية و الطائفية ، كان مشغولاً
رحمه الله في تنقية الأجواء وإبعاد سوريا
عن المتاهة التي ترسم لها بالخفاء ، وهذا
مالمسته في حديثه ذات مرة عن الجهاد في
البلاد الإسلامية كيف ولماذا ؟ وجدته يتحدث
في المساحة التي أحسست فيها إنه سيدفع
حياته ثمنا لذلك ثمناً لإنتصار الفكرة
واحقاق الحق ، تحدث فيها عن معنى كيف يبدأ
التاريخ من جديد في سوريا التي هي محور
تفكيره وشعوره الدائم الذي يعيشها بوجدانه
وضميره ويعيشها بعقله فكراً ومفاهيم د .
عاشت سوريا في وجدانه بهمومها ومشاكلها
وتطلعاتها بماضيها وحاضرها ومستقبلها
مثلما سيعيش هو بعد اليوم في وجدان ابنائها
واجيالها المقبلة. ، وجعل مقاييسه في
الحياة فكرية وقيميه و حضارية شاملة لا
فئوية أو مذهبية ضيقة ، وبلغ في ثقافته
الدينية مبلغاً كبيراً ، كان عارفا في
القرآن واثقا من نفسه ومن كفاءته ، وكان
الدين عنده رسالة وكانت الشهادة عنده
الرهان الأخير ، بحضوره الحسي الفكري
والعملي في أن يذهب شهيداً للحق ويخلد في
الذاكرة ليصبح مشعلا في طريق الحق متحدياً
طيور الظلام أعداء الله والحق والإنسان .
إن قبوله بالشهادة هكذا هو موقف لا يتاح الا
للصفوة من الرجال المؤمنين المخلصين ، وهو
ليس قبولا للشهادة بقدر ما هو إقبال عليها
يساوي في ذلك تبليغ الرسالة المحمدية
وإبلاغها ، كان مؤمناً بالحياة كإيمانه
بالموت .
ان استشهاد الدكتور البوطي يطرح في آن معاً
محنة سوريا والمأساة التي يعيشها شعبها منذ
سنيين ، ولقد كان له دور في إرساء السلم
الأهلي بحكم علاقاته الشخصية والفكرية
ودوره المؤثر في خلق التفاعل بين مختلف
مكونات الشعب السوري ، ومن هنا ظلت شخصيته
مستقلة دافعة للخير وعاملة عليه .
إن الجريمة البشعة التي أستهدفته ، هي
إرهاب منظم من جماعات ظلاميه ومن فتاوى
حاقدة وتفسيرات دينية خاطئة وعبث وجهل وهوس
وفوضى غير مسبوقة ، لقد أفنى البوطي حياته
مجاهداً في سبيل الحق ونصرة المظلوم وإعلاء
كلمة التوحيد ، عرفته عن قرب وعرفت فيه حب
الخير والعمل الصالح ، ولقد كان في كل
الأدوار داعية للحق في قلمه وفكره ولسانه ،
أغنى المكتبة الإسلامية وأعز الإسلام
والمسلمين بما كتب وبما سطر ، وإن اليد التي
نالت منه إنما نالت من هذا الجهد وهذا الفكر
وهذه الروح الوسطية روح الإسلام والقرآن
العظيم .
إن الشر والفتنة التي تتربص بأهل الشام
وببلاد الشام ، سيعم بلوآها البلاد والعباد
وهي لن تتورع بعد اليوم من إستباحت كل
المقدسات التي أعزها الله ، وإنني في هذه
المناسبة التي أستنكر فيها هذه الجريمة
البشعة ، أجدد الرفض لهذا السلوك العدواني
الذي أستهدف روح التسامح وروح المحبه وروح
التعايش التي كان يدعوا لها ، وإنني إذ أعزي
فيه العالم الإسلامي ورجال الدين المخلصين
وطلبة العلوم والمفكرين ، أدعوا الله له
تمام الرحمة وتمام الرضوان ، ولذويه
ولمحبيه الصبر والعزاء ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
آية الله الشيخ الركابي
23 – 03 – 2013