تفسير
آية
الحرابة الحلقة
الثالثة في
الحلقتين
الماضيتين
كنا قد
تحدثنا عن
المعنى وعن
المفهوم
وعن
الدلالة ،
في قوله
تعالى : -
إنما جزاء
الذين
يحاربون
الله
ورسوله
ويسعون في
الأرض
فسادا ، أن
يقتلوا أو
يصلبوا أو
تُقطع
أيديهم
وأرجلهم من
خلاف أو
ينفوا من
الأرض ،
ذلك لهم
خزي في
الدنيا
ولهم في
الآخرة
عذاب عظيم -
المائدة 33 - . وفي
هذه الحلقة
سنواصل
البحث من
خلال تسليطنا
الضوء على
الروايات
والأخبار
التي تحدثت
عن
العقوبات الواردة
في النص
المتقدم
وكيف يتم إجرائها
؟ ، وفي
ذلك نأتي
ببعض
مارواه
الحر
العاملي في
كتابه
وسائل
الشيعة ،
والتي هي
عبارة عن
مجموعة
أخبار
وروايات ،
في ظاهرها
تبدو وكأنها
في تناقض
وتعارض مع
بعضها
البعض ،
ولبيان ذلك
نقرأ الخبر
الذي روي
عن الإمام
الصادق إنه
قال في
معرض رده
على سؤال
آتاه عن العقوبات
، وأياً من
هذه
العقوبات مقدم
على الآخر ؟
، وكيف يتم
إجرائها
؟ ، قال
الإمام في
جوابه : -
ذلك إلى
الإمام إن
شاء قطع
وإن شاء
نفى وإن
شاء صلب
وإن شاء
قتل -
وسائل
الشيعة ج18 ص 533
. والقول
ظاهر في
ترك الخيار
للحاكم
الشرعي إن
شاء قدم
وإن شاء
أخر حسب ما
يرآه
مناسباً !!
هذا هو
ظاهر
الرواية ،
لكن هذه
الرواية
تعارضها
روايات
أُخرى
توجب
التناسب
بين
الجريمة
والعقاب ،
كقول
الإمام
الصادق : -
ليس أي شيء
شاء صنع
ولكنه يصنع
بهم على
قدر
جنايتهم ،
من قطع
الطريق
فقتل وأخذ
المال
قُطعت يده
ورجله وصلب
ومن قطع
الطريق
فقتل ولم
يأخذ المال
قتل ومن
قطع الطريق
فاخذ المال
ولم يقتل
قطعت يده
ورجله ومن
قطع الطريق
فلم يأخذ
مالاً ولم
يقتل نفي
من الأرض -
وسائل
الشيعة ج18 ص 534
، وهذا تعارض
بين
الروايتين
واضح !!! ،
فهل صحيح
إن بين
الروايتين
تناقض
وتعارض ؟ ،
نقول :
ظاهر
الروايتين
يقول كذلك ،
ولكن
بالتدبر
والتأمل
نجد إن التعارض
هذا ممتنع
أو غير
موجود ، بل
إننا نجد إن
بينهما
تناسب بين
الجريمة
والعقاب ،
وللدلالة
على ذلك ما
رواه بُريدة
بن معاوية
عن الإمام
الصادق قال
: سألت
أباعبدالله
– ع - عن قول
الله : -
إنما جزاء
الذين
يحاربون
الله
ورسوله .. - ،
فقال : ذلك
إلى الإمام
يفعل ماشاء
، قلت :
فمفوضٌ ذلك
إليه ؟ قال :
لا ، ولكن
نحو
الجناية -
وسائل
الشيعة ج18 ص 533
.
لنتأمل
الرواية إذ
جاء في
مقدمتها
قوله : إن
ذلك إلى
الإمام ..... ،
أي إن
الإمام هو
من يختار
نوع
العقوبة ،
يعني إن
الإمام له
الخيار بتطبيق
نوع
العقوبة ،
وعلى أي
نحو شاء ،
وهذه
المشيئة
مشيئة مطلقة
!!! ، لكن
بالتأمل
نجد إن : ذيل
الرواية قد
منع
الإختيار
المطلق
ونفى
المشيئة
المطلقة ،
فالإختيار
لا يجب أن
يكون
مطلقاً -
إنما يجري
الحكم
وفقاً لنوع
الجريمة و
طبيعها -
، فالحاكم
الشرعي ملزم
بإجراء
الحكم على
نحو تناسبي
بين
الجريمة
والعقاب ،
نفهم هذا
من ذيل
الرواية التي
تفسر ماورد
في مقدمتها
، وإذا
تدبرنا هذا
أرتفع
التناقض
والتعارض
فيها ،
فذيل
الرواية هو
بمثابة
القرينة
المتصلة
التي مع
وجودها
ينتفي
التعارض ،
إذ التعارض
الظاهر في
الرواية هو
كالتعارض
بين العام
والخاص
المتصل ومعلوم
إن ذلك في
القواعد
الأصولية
لا يُعد تعارضاً
في الأساس
. وإذا
ثبت هذا
يكون القول
بالتعارض
وعدم
التناسب
بين
الجريمة
والعقاب ،
هو تدمير
للعدالة ولأسس
النظام
الإجتماعي
الصحيح ،
إذ لا
يجوز
مطلقاً
تغيير
الأحكام
تبعاً
لإرادة
الحاكم ،
ذلك لأن
تلك الأحكام
ليست من
إختياراته
ولا من
صلاحياته
، بل إن
ذلك ضد
العدل والقانون
والنظام
، يظهر من
ذلك إن
دعوى
التعارض لا
وجود لها
بين
الروايات ،
طالما إن
الحكم
الشرعي ليس
من
صلاحيات
الحاكم
بحيث يُغير
ويبدل حسب
ما يشتهي
ويريد ، فإن
قلت : إن بعض
الفقهاء
جعلوا من هذا
التعارض حجة
ودليلاً
على جواز
إختيار
الحاكم
للحكم .
قلنا : إن
ذلك الجعل
هو ترجيح
من غير
دليلا و لا
يستند إلى
حجة وبرهان
وذلك ، لأن
الروايات
التي تقول
بالتناسب
بين
الجريمة
والعقاب هي
الروايات
الأكثر
عدداً
والأقوى
حجة
ودليلاً ،
من تلك
الروايات
التي تقول
بإختيار
الحاكم
للحكم ،
كما و إن
القول
بالإختيار
يستلزم
بطلان
القول
بالعدل
الإلهي
الذي أمر
به الله
بقوله : -
إن الله
يأمر
بالعدل -
النحل 90 ،
إذ من
العدل
ضرورة
التناسب ووجوبه
في الحكم
بين
الجريمة
والعقاب ،
كذلك العقل
يأمر بوجوب
أن يكون
الحكم في
العقوبة
متناسباً مع
الجريمة
ومع نوعها
وطبيعتها ،
فلايجوز
الزيادة
كما لايجوز
النقصان ،
ونحن بحكم
الشرع
مطلوب منا
أن نتبع
الحكم
الإلهي
الذي ورد
ذكره بقوله
: - فبشر
عبادي
الذين
يستمعون
القول
فيتبعون
أحسنه -
الزمر 18 ،
أضف إلى
ذلك : إن
قواعد
التشريع
إنما جاءت
لتأكيد
العدالة و
من أجلها
، وكل حكم
مناقض
للعدالة
هو حكم
باطل ،
وكذلك كل
رواية
تناقض
العدل هي
رواية مردودة
ومتروكة .
|