تعدد الزوجات

المفهوم والمصداق

- 2

تنويه :

تعدد الزوجات بين المفهوم والمصداق ، في هذا الباب نجد التباين والتضاد بين نصوص الكتاب المجيد وبين الأخبار والروايات المنسوبة إلى النبي محمد ، والتباين هذا والتضاد أساسه وسببه الرئيسي هو : هيمنة الإسلام السياسي أو إسلام القبيلة لا الإسلام الديني والفكري هيمنة الإسلام العمري - نسبة إلى عمر بن الخطاب - ، والإسلام العمري هو الذي شكل لنا معارفنا ووعينا وفقهنا ومواقفنا وإعتقادنا وسلوكنا ، إنه الإسلام السياسي بإمتياز الذي فيه نجد الخدوش والتضاريس والفروقات والخلاف والقلق ، والذي باعد بيننا وبين الكتاب المجيد ، فصرنا نقرئه ونتعلمه ونلتزم به وونادي وندعوا له بدل أن نقرء الكتاب ونتعلمه ونتدبره وندعوا له .

أقول : إن هذا الإسلام الذي نعيش قوانينه وفكره وشرعيته ، هو الإسلام السياسي الذي ساد فينا وتحكم من خلال أو عبر أوهام القبيلة وأوهام السوق ، وحين نقول ذلك إنما ننطلق من إعتبارات وأسباب موضوعية وتاريخية منها :

أولاً : - كون النبي محمد بن عبدالله - ص - لم يتح له في مكة الوقت الكافي لكي ينظم المجتمع على القوانين وعلى الشريعة التي جاء بها الكتاب المجيد ، لأنه ببساطة كان مشغولاً بصراع فكري وعقدي بينه وبين زعماء قريش ، هذا الصراع كان يدور في الغالب العام حول صحة نبوته وصدق رسالته ، وهل إنه مبعوث من قبل الله أم لا ؟ ، وفكرة النبوة والرسالة جادل فيها أهل قريش وزعمائها ومن أجلها حاربوه وفرضوا عليه الحصار والإضطهاد ، وذلك الذي حال بينه وبين الإلتفات إلى قضايا المجتمع الأخرى ومن بينها قضية المرأة وحريتها وحقوقها .

عنف قريش إذن حال بينه وبين نشر أو إبلاغ مشروعه الإجتماعي بين الناس ، وحتى الذين آمنوا به منهم أضطرهم هذا العنف للهجرة والفرار في المنافي والبلدان ، وكذلك فعل هو نفسه بعد حصار شعب أبي طالب السيء الصيت ، هاجر إلى يثرب بعد عشر سنوات قضاها من الظلم والقهر وعنف القبيلة ، حياته المكية إذن لم يتح له فيها الإنفتاح على قضايا المجتمع و قضايا الحريات والحقوق والواجبات .

وثانياً : - كذلك ولم يكن لديه الوقت الكافي لتطبيق القوانين والتشريعات في المدينة ، لأن صراعه الذي كان في مكة أخذ طابعاً آخر ، طابعاً حربيا ومعارك في الداخل والخارج ، صراع ضد قريش التي كانت تؤلب العرب والقبائل وصراع داخل المدينة ضد المنافقين من أهلها ومن بعض أصحابه ، إضافة إلى إن الكتاب المجيد لم يكن قد نزلت كل فصوله وأبوابه عليه بعد .

وكان إنشغاله في الحروب خارج المدينة سبباً في عدم تطبيق الكثير من المفاهيم والأحكام ، ومجمل التطبيقات التي كان يجريها عبارة عن قضايا وأحكام شخصية ، لم تأخذ البعد المجتمعي العام لا في التطبيق ولا في الممارسة ، ومنها قضايا الحريات وحقوق المرأة وقضايا الثروة وقضية الحكم ، ولذلك نقول : إن النبي والرسول محمد لم يشكل لنا نظاماً إجتماعياً يمكننا الحكم من خلاله وتبعاً له ، ناهيك إن أغلب القبائل العربية التي آمنت به لم تكن قد تعرفت بعد على تفاصيل الأحكام والحقوق ، وجُل مالديها عموميات وكليات تتعلق بالإيمان بالله وبرسوله ، إذن فالإسلام المحمدي هو الإسلام المُغيب الذي نقرءه في الكتاب المجيد هو إسلام النصوص والأفكار ، والذي لم يتح له الإنفتاح على كل قضايا المجتمع ، ولم يطبق منه في حياة النبي إلاّ النزر اليسير ، ولهذا لايمكننا إطلاق القول هكذا كان يفعل النبي ويطبق !!! .

وثالثاً : - لما مات النبي أختلف الناس في أمر الحكم من بعده ، وحين تولى أبي بكر الحكم في جو السقيفة المعروف ، لم تكن ولايته دينية بالمعنى الدقيق بل كانت ولاية سياسية ، وهذه الولاية السياسية عاشت الصراع والحرب مع المرتدين أو دافعي الضرائب ، إلى أن مات أبوبكر وأعطاها إلى عمر في عملية إستخلاف غريب !!! ، وعمر بن الخطاب هذا رجل سياسي طامح في الحكم ولم يكن من أهل العلم والفكر من صحابة رسول الله ، وفي عهده شغل الناس في حروب وغزوات في العراق والشام ومصر ، ولم يبق معه في المدينة إلاّ نفر قليل من الصحابة .

وقد أستمرت خلافته مدة طويلة أتيح له فيها من الوقت ما مكنه من إرساء مشروعه وفهمه للدين بطريقة السياسي ، و السياسي غير المفكر كما نعلم ، السياسي هو الذي يعمل وفقاً لمصالحه دون النظر إلى طبيعة الأفكار والقيم ، وفي ظل حكم عمر بن الخطاب تأسس القانون الذي يحكم المرأة المسلمة إلى يومنا هذا ، القانون الذي منع المرأة حقها في الحرية وفي المشاركة السياسية ، المرأة في ظل ذلك القانون صارت عبارة عن سلعة تباع وتشترى وفقدت حريتها لمصلحة الرجل .

أقول : مع الدين السياسي تفقد المرأة حريتها ، ومعه ينعدم مفهوم المساوات ، ويسود المفهوم الفقهي الخاطئ لمعنى - للذكر مثل حظ الأنثيين - ، ومعه يكون الرجال قوامون على النساء في كل حال ،

والذي أنتج هذا الدين السياسي هو الخليفة عمر بن الخطاب ، وهو الدين الذي يحكمنا ويتحكم بمصائرنا دين الرجال .

· * * *

هذا التنويه نرآه ضرورياً في مواجهة خطأ الأفكار والمفاهيم السائدة عن المرأة وعن حدود حريتها التي فرضتها السياسة ، لنقول : إن دين المسلمين اليوم هو دين عمر بن الخطاب لا دين محمد بن عبدالله ، هو الدين السياسي لا الدين العقلي والفكري والإجتهادي .

نعم لقد تكلمنا في القسم الأول من هذا الفصل عن مفهوم التعدد وعن مصداقه ، وأين يقع ؟ ولماذا يصح ؟ ، وفي هذا القسم سنواصل الكلام عن معنى التعدد المباح ومعنى التعدد الممنوع ، ننطلق في ذلك من تأكيد نؤمن به ونلتزم ألاّ وهو : سعة الحرية للمرأة في الكتاب المجيد ، وبانها حق طبيعي لها ، من دون وصاية أو ولاية من أحد ، وفي تأكيدنا على الحرية إنما نقصد قدرتها في الحكم والحاكمية سواء على نفسها أو على غيرها في كل الحقوق والمجالات ، والأدلة في الكتاب المجيد كثيرة ومتعددة ومنها :

قوله تعالى : - إذا نكحتهم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها - الأحزاب 49 - .

ظاهر الخطاب في هذا النص خطاب للرجل ، ولكن الفعل كما هو فعل ثنائي لا يصح من دونهما معاً ، والنكاح في اللغة هو الوطء كما يقول الزمخشري ، ولايعني النكاح معنى العقد كما قد يتوهم البعض في الإعتبار أو الكناية أو المجاز لأن ذلك بعيد ، إذن الله يتحدث هنا عن معنى معين عن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة - العلاقة الصحيحة والمشروعة - .

وطبيعة النكاح وصفته يصح فيها التعدد بالفعل وبالقوة طالما أراد ذلك الخطاب وعناه ، والتعدد في معنى العدد المفرد الصحيح أو العدد المضاف ، والتعدد هذا لا يجوز في الزواج على نحو مطلق إلاّ في حال وصف فعل النبي ، المُستثنى ودلالة الإستثناء تظهر في المباينة ككونه نبي لا غير ، والنكاح الذي نقول عنه صحيحاً : هو ذلك الفعل الذي يقوم على عقد ، في صيغة مفهومية دالة على القبول والرضا من الطرفين ، سواء أكانت هذه الصيغة لفظية أو غير لفظية ، المهم فيها أن تكون قائمة على هذه الشرطية ، والتي تسمى في لغة الناس وعرفهم - بالعقد - ، الذي بموجبه يتم إستحلال الفرج وتتم المعاشرة الجنسية ، طبعاً بضميمة كون هذا الفعل يتم خارج معنى الخيانة والإغتصاب والزنا .

وإذا كان ذلك كذلك فعقد النكاح عقد صحيح ومشروع أباح الله معه التعدد وفقاً لمعطى الزمان والمكان والحاجة ، ولايشترط في النكاح الميثاق الذي قلنا بوجوبه بين الأزواج .

والنكاح الذي لا تتم به المعاشرة الجنسية لا يوجب العدة على المطلقة ، ومن موجبات فسخ عقد النكاح هو عدم الإتفاق بين الطرفين أو عدم قدرة الرجل على الوطء ، والطلاق رخصة أُبيحت حين لاتكون العلاقة الجنسية ممكنة سواء من طرف الرجل أو من طرف المرأة ، ذلك لأن النكاح في الأصل هو علاقة جنسية ليس إلاّ ، وحين لا تكون تلك العلاقة ممكنة يتم الطلاق ، فالموجب للطلاق في حال النكاح هو عدم القدرة على المعاشرة الجنسية كذلك وأشياء أُخر ، لكن عدم المعاشرة الجنسية لا يستلزم ولا يوجب على المرأة العدة بعد الطلاق إن أرادة أن تستنكح رجلاً آخر ، من خلال إقامة علاقة أخرى صحيحة مع رجل آخر إن رغبة هي بذلك ، فلاحاجة أن تعتد إستبراءاً كعُدة للمطلقة .

وعندنا يجوز للمرأة أن تباشر بعقد جديد مع رجل جديد لكن شرط ذلك ولازمه صحة عدم الوطء والمساس الذي يتم عبر العلاقة الجنسية ، وقد أكد الكتاب المجيد على ذلك بقوله - من قبل أن تمسوهن - هذا هو الشرط الموضوعي اللازم الذي لا يستوجب معه العُدة للمطلقة في هذه الحالة ، وهذه هي القاعدة في حالة عدم التماس والوطء .

وللتذكير نقول : إن من مصاديق النكاح - المتعة - التي تبرز في معنى قوله تعالى : - وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين - الأحزاب 50 - .

النص هنا يطرح قضية جواز فعل النكاح في صيغة - الهبة - والهبة هنا تصح لمن يملك ، والمرأة هنا مالكة لفرجها فيجوز لها أن تهب ذلك لمن تشاء ، ولهذا أجاز الإمام أبو حنيفة : نكاح الهبة وعقده - معتبراً ذلك ليس خاصية للنبي دون أمته ، بل هم في الأحكام سواء إلاّ ماخصه الدليل .

كما إن من مصاديق النكاح - الإجارة - والتي تظهر في قوله تعالى : - اللاتي أتيت أجورهن - الأحزاب 50

يقول أبوالحسن الكرخي وهو من علماء السنة : - يجوز للمرأة نكاح الإجارة ، وهو من العقود الصحيحة المؤقتة ( عقد المتعة ) ، أي إن للمرأة الحق في إجارة فرجها بعقد صحيح ، من أجل المال أي من أجل أن تعيش المرأة من غير حاجة .

كما إن من مصاديق النكاح - ملك اليمين - الذي يؤسسه القول التالي : - وما ملكت يمينك - الأحزاب 50 - .

وملك اليمين مرتبط بالحاجة للجنس وللمال وللحياة ، وفي ذلك يقول النص : يجوز للمرأة أن تعيش مع رجل وأن تعاشره إن حقق لها كرامة العيش من غير إبتذال وسفاح وإغتصاب ، وملك اليمين لا يعني المرأة التي تقع أسيرة في الحرب ، فهذه لا يجوز وطئها إلاّ بموافقتها ، وهي ليست ملك لأحد حتى يمكنه توزيعها مع الغنائم ، المرأة في حال الحرب كالرجل تماماً ، ودالة ذلك في الحالين قوله تعالى : - ولقد كرمنا بني آدم - وهذا لهما معاً في حالتي الحرب والسلام ، ولا يسلب هذا الحق في كل حال ، ومن يفعل ذلك يُعد مغتصباً ومتجاوزاً على حدود الله ، وما نقرءه عن الإماء في تاريخ المسلمين فهو الذي عنيناه من تنويهنا المتقدم عن الدين السياسي الذي تأسس مع عمر بن الخطاب ، والذي ضاعت معه وفيه أغلب الحقوق والحريات ، وأصبحت المرأة سلعة تُباع وتُشترى والمالك لها هو الرجل ، في عملية تزوير للدين وللإسلام ..

يتبع