|
آية
الله الشيخ
الركابي |
|
|
|
|
|
|
التفسير
الجديد
للكتاب
المجيد
بسم
الله الرحمن
الرحيم
سورة
الحمد
أو
ما
يسمى بفاتحة
الكتاب
|
هذة
قراءات
تفكيكية
وتحليلية
لنصوص
الكتاب في
الأبواب
والموضوعات
التي
تناولها دار الكتاب
المجيد
للطباعة
النشر |
ثمة
سؤال موضوعي
يتناول طبيعة
الكتاب المجيد
وصحة صدوره ،
وهو سؤال في
قيمة الكتاب
المادية
والمعنوية
وكذا طبيعة
اللفظ
والمعنى فيه ،
هذا السؤال
يرافق جميع
المهتمين
بقضايا الكتاب
منذ قديم
الأيام ، ولا
أحد منا يستطيع
الإجابه عليه
هكذا من دون
مقدمات وقراءات
تفكيكية
وتحليلية
لنصوص الكتاب
في الأبواب
والموضوعات
التي تناولها
، وفي ذلك يجب
ان تكون تلك
القراءات من
وحي طبيعة
الكتاب وطبيعة
خطابه
والفاظه
ومعانيه أو
لنقل عن
الدلالات
التي حكى عنها
أو قصدها أو
تحدث عنها أو
أثارها .
ولكن
ما ذلك السؤال
الذي أبتدأنا
به مقدمتنا ،
وكيف
يجب أن يُصاغ
، قليلون ماهم
الذين تمسكوا
بكون سورة
الحمد هي -
فاتحة الكتاب
– ولهذا كان
السؤال هو :
لماذا تقدمت
سورة الفاتحة
على ما سوآها
من سور الكتاب
المجيد إن لم
تكن هي أول
السور ؟ و
لماذا جُعلت
أو صُيرت
فاتحةً
للكتاب ؟ ، مع
إنها من
الناحية الموضوعية
و التسلسل
التاريخي
تأتي أو جاءت
لا حقاً ، حسب
نزول الكتاب
المجيد وكما
هو مقرر و
الذي أبتدأ
بقوله - أقرء .. - .
وبما
إن السؤال هذا
يقتحم جوهر
الكتاب المجيد
وماهيته و
مضمونه ، فهو
إذن سؤال
معرفي عن الكيفية
التي تم بها
هذا التقديم ،
وعن الطريقية
التي إنتُهجت
في ذلك السبيل
، أعني من ذا
الذي قام بذلك
الفعل وسوآه ؟
، ونعني
بقولنا هذا :
هل إن تقديم
هذه السورة
على ما سوآها
تم وفقاً لإجتهاد
الرسول محمد –
ص - ؟ ، أم إنه تم
وفقاً لأمر إلهي
و إرادة إلهية
جاءت عبر الوحي
في بلاغ خاص ؟ .
والصحيح
عليه ان الوحي
لم ينزل بذلك
التقديم ولم
يذكره وهذا ما
عليه
الإعتقاد لدى
الجميع ، وإذا
كان ذلك كذلك
فلا يجوز
إعتبار هذا
الموضوع داخل
فيما هو
إيماني و
إعتقادي ، هذا
من ناحية و من
ناحية أخرى
وضع شيء في
غير موضعه يُعد
مخالفة
للمنهج العلمي
الواجب
إتباعه في هذا
الباب ، كما
إن الصحيح
إيضاً إن
الرسول محمد -
ص – لم يثبت
لدينا إنه قدم
سورة الحمد
على ما سوآها
من السور ولم
يثبت عنه إنه
أعتبرها
فاتحة للكتاب
، إذ ليس بين أيدينا
خبر أو رواية
صحيحة ومثبتة
في هذا المجال
،
ولأن
السؤال لم
ينته بعد لذلك
يُقال : هل إن
الترتيب هذا
هو من إجتهاد
الصحابة وممن
جاء بعد
الرسول منهم
ممن عُني بجمع
القرآن
وكتابته ؟ .
وفي
هذا الباب
نقول : - إن
الكتاب
المجيد في صورته
ورسمه
الحاليين وفي
ترتيب سوره و
أسماءه ، مُختلفٌ
فيه فمن قائل
إنه من إجتهاد
الرسول محمد –
ص - وأمر منه ،
ومن قائل إنه
من ترتيب
الصحابة
وعملهم ، وفي
كلا الحالين
هو إجتهاد
وليس هو وحي
منزل كي يكون
حجة ملزمة ،
ولا فرق كبير
في الإجتهاد ما
بين إجتهاد
الرسول وأمره
وبين فعل
الصحابة
وعملهم مادام
الأمر يتعلق
بالإجتهاد ،
وحتى لو قيل
إن الرسول – ص –
كان مشرفاً
على وضع
النصوص في
مواضعها من
السور وفي
تسمية السور ،
وحتى لو قيل
بأنه كان
مشرفاً على
عملية التقديم
والتأخير في
وضع الكتاب
كما نقرءه اليوم
، وهذا القول
هو في أحسن
الأحوال مجرد
ظن والظن في
مسألتنا هذه
لا يغني من
الحق شيئا ، وإذا
كنا نرفض فكرة
التقديم
والتأخير في
الكتاب
المجيد من
الرسول – ص - فمن
باب أولى أن نرفضها
من غيره ،
فهذه العملية
أحدثت فوضى في
مسائل الكتاب
وقضاياه ،
لذلك أستسهل
البعض القول
بالتحريف في
مواجهة هذا
الخلط الذي
نلاحظه في
تشكيل الكتاب
ووضعه . .
بقي أن
نقول إن :
إجتهاد
الرسول – ص – من
حيث هو ليس وحياً
بل هو مجرد
رأي ، هو فهم
الرسول – ص -
لسياق النص
ومضمونه
ومعناه
القريب
المتبادر
إليه والذي
يفهمه بحكم
طبيعة الخطاب
وتوجهه ، وهذا
اللون من
الفعل جارِ في
سيرته وفي كل
مواقع العمل
من حياته ،
فهو يعمل حسب
ما يكون ذلك
مناسباً
للحاجة
والغرض ،
وإجتهاده
إعمال للعقل
وبيان للحكم
فيما يمكن
ملاحظته من
الأدلة ، في
كل شأن من
شؤون الحياة ،
و أما الوحي الإلهي
فمنحصر فقط
وفقط في الذي
جاء بين دفتي
الكتاب
المجيد ، ..
وهنا
قد يتبادر
ربما إلى
الذهن من يقول
أو من يسأل : هل
إجتهاد
الرسول – ص – هذا
حجة ملزمة في
كل زمان وفي
كل مكان شأنه
في ذلك شأن
ماورد في
الكتاب
المجيد من وحي
؟ .
وأقول :
إن إجتهاد
الرسول – ص - من
حيث هو إجتهاد
، ليس حجة
ملزمة دائماً
، بل هو بيان
لشأن ما في زمن
ما ،
والإستئناس
بإجتهادات
الرسول – ص - يأتي
من باب
التأييد
للمطلب الذي
نحن فيه ، إن وافق
ذلك وإلاّ فيرمى
به عرض الجدار
كما ورد عنه – ص -
، وبما إنه إجتهاد
وكل إجتهاد
يخضع للشروط
الموضوعية في
القبول
والرفض ،
فكذلك يكون
إجتهاد
الرسول – ص – إيضا
ً خاضعاً
لقوانين
الموافقة
والمخالفة للنصوص
الإلهية
الواردة في
الكتاب
المجيد .
وعلى
هذا القول :
فنحن نرفض
الفكرة التي
يُروج لها
البعض بجعل ما
يسمى بالسنُة
النبوية عدلٌ
للكتاب
المجيد ، بل
ذهب البعض إلى
ترجيح السُنة
على الكتاب !!!
كما هو مذهب
بعض رجال
الفقه ، الذين
جُعلوا من
الكتاب
المجيد واحداً
من أدلة
أستنباط
الأحكام
الشرعية ،
ِشأنه في ذلك
شأن الإجماع
والقياس -
وهذه كما ترون
كبيرة في
بابها - كما لا
يخفى على من
فهم الكتاب
ووعاه !!!
فالكتاب
المجيد عندنا
هو المصدر
الأول والوحيد
في إستنباط
الأحكام
الشرعية ،
والعقل هو الدليل
الوحيد الدال
عليه ، وأما
السُنة فهي عنصر
مساعد ليس
إلاّ ، وأما
الإجماع
فمرفوض عندنا
بشقيه لعدم
إعتبار حجيته
دليلاً في
عملية
الإستنباط ،
وهذا القول
يمكننا
إطلاقه ليكون
الرفض متعلق
برفض المنهج
الذي يتبعه
رجال الأصول
في التعليم الإسلامي
السائد في
الجامعات
والحوزات .
وإذا
كان ذلك كذلك
، فهذا يعني
إننا مع من
يقول بوجوب
تغيير قواعد
الإستنباط
وأصوله ، والقول
هذا هو دعوى
لمن يهمه
الأمر كي يخرج
من الدوران في
الحيز الواحد
الذي وضع فيه
، وهذا موقف
يلزمه
التصريح
والإعلان بان
ما أُسس في
هذا الباب ليس
مقدساً لا
يمكن الخروج
منه أو عليه ،
بل هو رأي
يقبل الصواب
والخطأ كما
يقول واحد من
أعلام الفقه ،
ومن ذلك تكون
دعوتنا لتأسيس
علم أصول جديد
في مسائل
إستنباط
الأحكام الشرعية
مشروعة
ومبررة ،
لأنها حاجة
وضروة لا بد
منها ، في ظل
ما تبين
للجميع من نوع
وماهية الخطأ
في التأسيس
وما قام عليه ..
السورة
الآية عرضAnchor 02
· * * *
و نعود
لنقول : بان
تسمية هذه
السورة
بالفاتحة أو
فاتحة الكتاب
إنما جاء :
1 - للإستفتاح
أو للإستهلال
الممارس في
ألسن الناس
وعاداتهم ليس
إلاّ ، أعني
هو عادة جرى
تقريرها في
عرف المسلمين
في معظم
المناسبات ،
وكون ذلك كذلك
لا يوجب وقوع
الخلط في
الأذهان سواء
في تعريف
دلالة السورة
أو في بيان
مضمونها ولغة
الخطاب فيها .
أضف
إلى هذا كون
الخطاب في
السورة مقيدٌ
للمُخاطب
الحاضر وليس
للغائب الميت
، ولكن البعض أصر
على هذا الخلط
وتبناه مما
أنتج خطأً في
فهم مُراد
السورة وما
تُريد بيانه .
ومن
هنا - [ فنحن لا
نُجيز قراءة -
سورة الفاتحة
- على الأموات
ولا نعتبر ذلك
من لزوميات
مجالس العزاء
والذكر ] ،
فالأموات
عموماً لا
تنتفع بأجر
هذه السورة
ولا بثوابها ،
ونحن نعلم إن
الخطاب
والغاية منه
فيها للمخاطب
الحي ،
والضمير يعود
كذلك فيها
للمخاطب الحي
، بدليل قوله
تعالى : - أهدنا -
، وفعل الهداية
: فعل يُخاطب
فيه الحي
العاقل
الواعي المُدرك
ولا يُخاطب
فيها الميت
المُغيب ، كما
إن فعل
الهداية في
لغة العرب فعل
دنيوي هكذا يقول
أهل الدلالة ،
والمُراد منه
إن يهتدي الإنسان
الحي في عمله
وفي حياته ،
ولا يُعقل بل
لا يصح أن
يطلب المولى
سبحانه
وتعالى من الميت
أن يهتدي ،
فالإنسان حين
يموت ينقطع
عمله ، وقد
أشار الله إلى
ذلك بقوله - كل
أمرءً بما كسب
رهين ، وكل
نفس بما كسبت
رهينة - وإلى
ذلك نبه
الإمام علي
بقوله : - اليوم
عمل ولا حساب
وغد حساب ولا
عمل - ، والميت
لا ينتفع من
عمل الحي بشيء
، ومن هنا
نقول : الميت لا
ينتفع بالحج
نيابة عنه ولا
ينتفع
بالصلاة والصيام
ولا بسائر
الأفعال من
عبادات ومعاملات
ولا شيء من
هذه الأفعال
يقع صحيحاً من
الأحياء إلى
الأموات .
فإن
قلتم : أفتى
معظم الفقهاء
بجواز
الإنابة في
الحج عن الميت
وبقضاء
الأعمال
نيابة عنه .
قلنا :
لا يجوز
القيام
بالأعمال
نيابة عن
الميت لا على
سبيل القضاء و
لا على سبيل
الأداء وكل
فعل في هذا
الشأن فهو غير
صحيح و غير
جائز ، والشخص
الذي يقوم بهذه
الأعمال
نيابة عن
الميت فعمله
هذا وأجره وثوابه
يقع للحي وليس
للميت ،
وللمثال نقول
: لو إن
إنساناً في
نيته القيام
بالحج أو بالعمرة
أو بغيرها من
الأعمال ومات
، فهو عند الله
يُعد مؤدياً
للعمل إن كانت
نيته في ذلك
صادقة وسليمة
، وهذا ما
تنبه إليه
الإمام الصادق
بقوله – نية
المؤمن خير من
عمله - وهو
يُريد هذا ،
وكذا باقي
الأعمال
وتمام
الصدقات ،
وكلها تقع
للحي الفاعل
أجرها
وثوابها .
ومنها
نقول : إن
قراءة سورة
الفاتحة
للأموات بداعي
حصولهم على
الأجر ، قول
لا يستقيم مع
قول الله : - كل
أمرء بما كسب
رهين – أو - كل
نفس بما كسبت
رهينة - ، فالميت
حين يموت يطوى
سجله و كتابه
ويختم ويُعلق
بيمينه أو
بشماله من دون
زيادة لا حقه
أو نقصان لا
حق ، وكل ذلك
مرتبط بنوع
وطبيعة هذا
الإنسان
وعمله ، ولا
يُضاف على ذلك
الكتاب فعل أو
عمل ثواباً أو
عقاباً .
وعليه
تكون قراءة
سورة الحمد -
الفاتحة - في
مجالس العزاء
مُفيدة
للأحياء ،
تذكرهم
بالموت وتهديهم
للعمل الصالح
، بدليل قوله
تعالى : - أهدنا
الصراط
المستقيم – ،
والخطاب
والضمير فيه
للحي وليس
للميت بكل
تأكيد ،
فهداية الميت
بعد الموت
للصراط
المستقيم قبح
في حقه وفي من
يقول بذلك ،
وحين يموت
الإنسان
ينقطع عمله ،
وإذا انقطع
عمله فلايكون
توجيه الخطاب
إليه من الله
كما هو ثابت
في العقيدة
السليمة .
2 - وسورة
الفاتحة هي
ليست – السبع
المثاني - كما
يزعم البعض ،
ولا يجوز إطلاق
ذلك عليها
لمجرد الظن ،
الذي علق في
الذهن في
كونها تُثنى
في الصلاة ،
وهذا تعليل بل
إطلاق ليس على
ما ينبغي ، إذ
الإطلاق هذا
متعلق بدليل
غير ثابت وغير
وجيه ، خاصة
إذا ما أخذنا
بعين
الإعتبار
صلاة الرسول –
ص – ، فالثابت
عندنا إنها لم
تكن بفاتحة
الكتاب ، بل إنه
كان يقرء ما
تيسر له من
الكتاب ،
بدليل قوله
تعالى : -
فأقرءو ما
تيسر منه – ،
وهذا الخطاب عام
مطلق ولا
تقييد يخرجه
عن إطلاقه ،
بل هو شامل
لجميع نصوص
الكتاب وسوره
، فالصلاة
فيها تؤدي
الغرض
المرجوا منها
، وهذا يعني
إن ما ذهب
إليه البعض
بالقول أن : – لا
صلاة إلاّ
بفاتحة
الكتاب – ليس
على ما ينبغي
، كما إن نسبة
ذلك القول إلى
الرسول – ص - ليس
صحيحاً ، فالخبر
الذي أقيم
عليه
الإحتجاج
ضعيف الإسناد
ضعيف الدلالة
معارض لعمل
الرسول وفعله
، ثم إن التثنية
بالصلاة في
سورة الفاتحة
، يعارضه عمل
غالب
المسلمين
الذين يقرؤن الفاتحة
في جميع
الركعات وليس
في ركعتين فقط .
3 - وقيل إن -
سورة الفاتحة
- هي : - أم
الكتاب - :
والمُراد من
ذلك القول
إنها السورة
التي جمعت أو
أحتضنت
معلومات
الكتاب وموضوعاته
المتعلقة
بالكائن الحي
ما يجب عليه
وما لا يجب ،
بدليل ذكرها
للصفات
الإلهية
شديدة الإرتباط
بالإنسان
وبحركته ،
يظهر ذلك في
حديثها عن
الربوبية و عن
المالكية وعن
الرحمانية وعن
الرحيمية ،
وهي صفات
ترتبط بوصف -
الذات الإلهية
- بما هي
مرافقة
وقريبة من
الواقع الموضوعي
للإنسان
وعقله ،
وسنأتي على
شرح ذلك وتفصيله
في القريب .
4 - وقيل هي : –
أم الكتاب –
لأنها تناولت
مفهوم - الصراط
المستقيم -
ماهيته
ولوازمه
وبيان معناه ،
ونسبة الصراط
إلى المستقيم
هي نسبة في
وصف الدليل
الدال على
العمل الصالح
، كما هي نسبة
في وصف الحالة
الوسطية في
العلاقة مع
الأشياء ، يظهر
ذلك في نفي
الغلو ونفي
التطرف ، [
والصراط
المستقيم ]
فيها لا يعني
الخط
المستقيم
الغير منحني
كما قد يتبادر
من الفهم
الأولي ، بل
هو : - الإتباع لأوامر
الله في
الإيجاب وفي
السلب ،
والأوامر : هي
مجموعة النظم
التي تحدد
طبيعة ونوع
السلوك
الواجب على
الإنسان
إتباعه ، والصراط
المستقيم هو
الوصايا
العشر
الواردة في كل
الكتب
السماوية .
وترجيحنا
للإتباع
كمعنى للصراط
المستقيم دليله
عندنا قول
الله تعالى
مُخاطباً
رسوله محمد – ص - :
- وأستقم كما
أومرت - ، أي
أتبع ما يوحى
إليك من دون
زيادة أو
نقصان - أي ولا
تحرك به لسانك
، ولا تعجل
بالقرآن من
قبل ان يقضى
إليك وحيه - ..
* * *
بِسمِ
اللهِ
الرَّحَمِن
الرَّحِيمِ ] [
النص
هنا وفي معظم
سور الكتاب
المجيد له
دلالة ، دلالة
في ترويض
الإنسان لكي
يفهم خطاب الله
، وهو خطاب في
توجيه
الإنسان إلى
قيمة صفات الله
وأهميتها هنا
حين يتحدث
عنها ، ويكون
الإبتداء -
بالله - تلك
الصفة الدالة
على الإله
المعبود ،
والتي لاتتم
العبادة من
دونها ، كما
يكون
الإبتداء -
بالرحمن -
مرتبط صفة
بعالم الخلق
والتعليم ،
ويكون
الإبتداء -
بالرحيم -
دائماً في
إشارة و دلالة
على أهمية
الرفق بالإنسان
والحرص على
سلامته
وسلامة مستقبله
، إذن فهو
خطاب توجيه
وإرشاد
للإنسان كي يتعرف
منذ البدء على
طبيعة الإله
الخالق الرحيم
الذي يهمه
سعادة
الإنسان في
الدنيا والأخرة .
من أجل
هذا تكرر النص
في الكتاب
المجيد كله إلاَّ
في سورة
التوبة ، التي
ورد فيها
مصحوباً بخطاب
دعوة إلى
السلام لملكة
سبأ وممن
حولها من
الأنصار ، فهو إذن
مفهوم دال على
معنى أستخدمه
الله في خطابه
في الكتاب
المجيد وحده
من دون الكتب
السماوية
الأخرى ..
[ الحَمدُ
للهِ رَبّ
العَالَمِينَ ]
مفهوم -
الحمد - في لغة
العرب يرتبط
بمعنى الشكر
والثناء ، -
فهو حمد لله
رب العالمين
أي أن نشكر الله
رب العالمين -
لذلك جاءت
الإضافة لله
تلك الصفة
الدالة على
إخلاص
العبادة لرب
العالمين ،
ورب العالمين
هنا هو المربي
وهو المعلم وهو
القائم على
تنظيم خط
حركتنا ، وكأن
النص يتحدث عن
سلسلة صفات
فاعلة في حياة
الإنسان ، مما
يستوجب شكرها
والثناء
عليها ، وليس
المقام هنا
كما يقول
البعض جعل
الرب هو الإله
، إذ مقتضى
حال الربوبية
صفة فعل
وتنظيم يتصف
بها الإله أو
هي أحد مظاهره
التي يُعرف
الناس بها عن
نفسه ، ولكي
يكون الله
الإله
المعبود في التعريف
دالاً على
الربوبية
فهذا يقتضي ان
يكون المقام
دالاً على ذلك
، وعندنا
مفهوم - الرب -
أو كما هو في
اللسان
العربي : يعني
المربي ويعني
الراعي ويعني
المعلم ويعني
المهيمن ، وفي
الكتاب
المجيد ورد
اللفظ في سياق
واقع الحال
فقال : رب
العالمين ،
ولفظ -
العالمين -
لفظ مركب
ويعني به هنا
عالم الإمكان
، أي عالم الحياة
وليس عالم
الأخرة ، ففي
عالم الأخرة
يكون الحديث
منه تعالى عن
الملكية والمالكية
، التي تعني
إنتفاء صفة
الإرادة والإختيار
من الآخر ،
وفيها لا يكون
معنى للربوبية
دور لا في
مجال الرعاية
ولا في مجال
التعليم
والهداية ،
فالربوبية
كصفة منه
تعالى ترتبط
بالكائن الحي
العاقل وغير
العاقل وهي
تبين القدرة
على تنظيم
حياة هذا
الكائن وتكون
للعاقل أداة
له في الخيار
بين الخطأ
والصواب وبين
الخير والشر ،
وتنتفي هذه
الصفة عن
الإنسان في
العالم الآخر
، حيث هناك
تكون
المالكية لله
، لذلك ورد
التقابل بعد
ذكر الربوبية
على العالمين
أو للعالمين .
قال –
مالك يوم الدين
- ، هناك حيث
يكون مالكاً
ليوم الدين
الذي هو اليوم
الموعود وهو
القيامة ،
وطبعاً حين يتحدث
الله عن
الملكية هناك
فهو يتحدث
بشكلٍ غير
مباشر عن
المشيئة
يتحدث عن
الحساب وعن
العقاب ،
وطبيعي جداً
أن يكون الملك
مع فقدان الإنسان
للإختيار
وفقدان
الإنسان
للعمل وفقدان
الإنسان لكل
لوازم وصفات
عالم
الربوبية ،
هنا تتقدر
المشيئة منه
تعالى في
العقاب وفي الثواب
، وتلك شأنية
لا دخل
للإنسان فيها
، لكن في عالم
الربوبية
تتدخل
الإرادة
الإنسانية في
العمل وفي
طبيعتة ،
وبالتالي
يستطيع الإنسان
في عالم
الربوبية ان
يصنع مستقبله
وفق شروط عالم
المُلك ، وكل
هذا مرتبط
بطبيعة الفعل
من الإنسان .
فحين
يقول الرب : -
أهدنا الصراط
المستقيم - أي
خُذ بيدنا إلى
الصراط
المستقيم ،
فالهداية إلى
الصراط
المستقيم فعل
متعلق ولازم
لجملة الأعمال
الواجب فعلها
من قبل
الإنسان ،
بإخلاص العبادة
لله الواحد
الأحد ،
ولازمه كذلك
نفي الشرك بكل
أنواعه و
متعلقاته ،
ومحو كل ما
يؤدي إليه .
والشرك
مفهوم مركب
يقود صاحبه
إلى عدم الإلتفات
في الفعل
والعمل ، يظهر
ذلك في الدعاء
و التوسل بغير
الله لجلب
النفع ودفع
الضرر ، [وغير
الله ] هنا : هو
كل شيء من
البشر والحجر
من الأحياء والأموات
، من الأنبياء
وغير
الأنبياء ، و
يتحقق الشرك
بالفعل حين
يُصدّق المرء
ويؤمن بقدرة
غير الله على
جلب الخير
ودفع الضرر في
الحياة وفي
الممات ، و
فعل الشرك من
الذنوب
الكبيرة كما
تقرره
العقيدة
السليمة ، وكل
ما ينتج عن
الشرك ويترتب
عليه باطل
وفاعله من
أصحاب النار .
والشرك
كما يظهر فعل
مُخالف
للصراط
المستقيم ،
الذي هو :
الوصايا
العشر في لسان
ومقال جميع
الأنبياء
والرسل ،
والتي جاءت
مرتبة في الكتاب
المجيد في
سورة الأنعام
من 151 إلى 153 ،
وعلى النحو
التالي :
1 - الإقرار
بالوحدانية
وتحريم الشرك بالله .
2 – الإحسان
إلى الوالدين
3 – تحريم
قتل الأولاد
خشية الإملاق
والفقر والحاجة .
4 – تحريم
الفواحش ما
ظهر منها وما بطن .
5 - تحريم
قتل النفس .
6 - حماية
مال اليتيم .
7 - والعدل
في الميزان
8 - والعدل
في القول
9 - والوفاء بالعهد .
10 - والإيمان
بالوحدة
الإنسانية
والبشرية
هذا هو
صراط الله
المستقيم
الواجب
إتباعه كما
قال : [ وأن هذا
صراطي
مستقيماً
فاتبعوه ] ...
والأيمان
الواردة في
جميع الكتب
السماوية ، أي
إنه الجامع
الكلي الواجب
الإيمان به و
الإتفاق عليه
من والصراط
على هذا النحو
هو الجامع
لأوجه
الإسلام
للجميع ،
وبناءً عليه تخرج
جميع
التفاريع
والإجتهادات
من المكان والزمان
، كما تخرج من
ذلك بعض
الأوامر
والنواهي من
حيث كونها
مقيدة وغير
مطلقة
ومحكومة بالزمان
والمكان
الموضوعي
الخاص .
لهذا
قال تعالى في
إتمام صيغة
العرض على
مستوى البيان
بالقول : - صراط
الذين أنعمت
عليهم غير
المغضوب عليهم
ولا الضالين -
، والتقابل
بين فعل أهدنا
وفعل أنعمت
تقابل في
القاسم
المشترك بين
الإسلام
والإيمان وما
يترشح عنهما ،
وجملة - غير المغضوب
عليهم ولا
الضالين -
جملة بيانية
مهمتها
التعريف بمن
يتنكب عن
الصراط
المستقيم ، فهو
مغضوب عليه في
الآخرة ، وحين
يُنسب الغضب
من الله فهو
صفة مرتبطة
بحياة ما بعد
الموت سواء في
وصف الحال أو
في تقريره ،
ولفظة – الضالين
- هي صفة
متعلقها في
الحياة
الدنيا والموصوف
بها من ضل في
الحياة ولم
يهتدي إلى
الصراط ولم
ينل الخير
والنعمة
الكثيرة ،
والصفة والموصوف
في مجمل
العبارة لم
يردا للحصر
والتعريف
بطائفة أو فئة
معينة من
الناس كما توهم
رواة الأخبار
ذلك ، بل
الصيغة كما هي
وكما أسلفنا
وصف لحالة
دائمة الحدوث
دائمة التكرار
، يعيشها
الناس حينما
يتنكبوا عن
الصراط المستقيم
وما يؤدي إليه
، والمُراد
منها على مستوى
المعنى منع
الفتنة
وإنزلاق
الناس في جدل
المفاهيم أو
التنابز
بالألقاب ،
لذلك بين الله
حدود الصراط
ومعناهAnchor 03 ..
...
سورة
البقرة
|
||
|
أسماء
سور الكتاب
المجيد لها
دلالة خاصة ،
ترتبط وصفاً
ودلالة
وتسمية بما هو
قريب ومتبادر
، ولكن أصل
التسمية
خاضعة
لإشكالية
معرفية لذلك
ورد في شأنها
كلام كثير وجدل
كثير ، وأصل
هذا الجدل و
مرده يعود على
من سمى هذه
السور
بأسمائها
ولماذا ؟ ،
والظاهر إن
غالب هذه
الأسماء إما
إشتقاق من
معاني الكلمات
والنصوص أو هي
ألفاظ بعينها
وردت في السورة
، أو فعل
النبي كما
يقول البعض
بناءاً على
الرأي القائل
بان أسماء سور
الكتاب توقيفية
وليست
إجتهادية ،
ويقولون إن
النبي هو من
سمى هذه
السورة –
بالبقرة -
نسبة إلى بقرة
بني إسرائيل
المثيرة
للإهتمام
والجدل في
الحكاية
المشهورة ،
ولهذا قيل : إن
جميع اسماء
السور
توقيفية
وليست
إجتهادية وهو
قول كما ترى
فيه نظر ،
خاصةً مع
أفتقادنا
للدليل
القطعي الدال
على ذلك ،
وذهب البعض
للقول : بان
التسمية في
الأصل هي أمر
مولوي قام
بتنفيذه
النبي - ص - ،
داعياً
أصحابه
لمراعاته
وعدم مخالفته
، ولكن ذلك
منهم هو مجرد
قول لا يعضده
دليل سوى الترجيح
، ولكن الذي
أعتمده
وأرجحه في هذا
الباب : هو إن
تسمية السور
بأسمائها الدارجة
والمعروفة تم
وفق إجتهاد
نبوي محض ولا علاقة
للأمر
المولوي فيه ،
من أجل هذا
نجد إن لبعض
السور أكثر من
أسم مشتق من
معاني النصوص وشهرتها
...
* * *
-1- ] الم] قوله:
يجب
الإشارة إلى
إن ثمة تميُز
للكتاب
المجيد عن
غيره من الكتب
السماوية ، هو
في هذه الكلمات
المقطعة في
اللفظ وفي
القراءة ،
ومنذ التفسير
الأول للكتاب
فقد أُختلف في
معناها ودلالتها
وفي وجودها
وفي ضرورتها ،
والإختلاف له
ما يبرره
بلحاظ طبيعة
القراءة
الغير مسبوقة
في اللغة
واللسان
العربي .
1 - لذلك
أعتبر البعض
هذه الكلمات
المُقطعة -
إعجاز لغوي -
جيء به
للتدليل على
أهمية البيان
الوارد بعده ،
وهو إعجاز في
الإستخدام
بحسب الموضع
الذي تردُ فيه
، وقد مال إلى
هذا الرأي بعض
من المفسرين
القدامى وبعض
من المتأخرين
، وهو نمط من
التفكير
يُركن إليه
حين يختلط على
البعض كشف المعنى
المُراد من
هذه الكلمات .
2 - والبعض
الآخر أعتبر
التقطيع في
الكلمة
الواحدة في اللفظ
وفي القراءة
إنما هو أمر
إلهي يدور
مدار الخطاب
ودلالته في
السورة ،
وأحرف هذه
الكلمة
مُستلةٌ في
الغالب من
بدايات كل
سورة بحسب الوضع
والطبع.
3 - ومنهم
من سد باب
البحث في معنى
الكلمة
وطبيعتها
ومُرادها
موكلين ذلك -
لله سبحانه -
في العلم
والمعنى ،
معتبرين ذلك من
- الغيب - الذي
لا يعلمه سواه.
4 - ومنهم
من قال : إن
هذه الكلمات
المقطعة
اللفظ إشارة
من الله لتباين
حدود اللسان
المخلوق عند
المتكلمين من
الناس ، أي إن
لكل لغة في
العالم
الوجودي أحرف
معلومة تعرف
بها ، ولكل
لغة حدٌ في
العدد والرسم
والصوت فهناك
حدٌ أعلى وحدٌ
أدنى ، وهنا
يُشير الكتاب
المجيد إلى
ذلك ، طبعاً
هذا مأخوذاً
بلحاظ حذف
المكرر من الأحرف
والباقي يشكل
أحدى عشر
حرفاً ، وهذا
هو الحد
الأدنى للسان
البشري
الموجود لدى
أهل جزر سيشل
في المحيط
الهندي .
5 - وهناك من
أعتبرها رموز
وأشارات ليوم
القيامة.
والمتفحص
لمجمل هذه
الأراء يجد
إنها لا تخرج عن
الظن الذي لا
يغني من الحق
شيئا ، إنما
هي إحتمالات
ربما تصح أو
لا تصح و لا
يقين فيها .
ونحن
نقول : إن كل
لفظ في الكتاب
المجيد له معنى
في الحياة ،
لأن اللفظ في
الكتاب عبارة
عن خطاب للناس
وهو بيان لهم
، ولا يُعقل
ان يخاطبهم الله
بنوع من
الخطاب مبهم
وغير معروف أو
إنه خطاب معجز
لا يستطيعون
تمثله أو
الإلتزام به ،
لهذا فنحن مع
من يقول إن
الكلمات
المقطعة اللفظ
هي إستهلال
وترويض
للإنسان كي
يستشعر قيمة
ما خوطب به ..
* * *
- 2 - [ ذلك الكتاب
لا ريب فيه
هدى للمتقين ]قوله :
هذا
النص هو تعريف
بنوع الكتاب
وهدفه و المُراد
منه ، ونفي
الريب
والترديد
والشك فيه ،
هو إثبات
للمُراد في
كون ذلك
الكتاب صحيح
من جهة الصدور
وصحيح من جهة
المعلومة ، -
والكتاب - هنا
يعني كتاب
النبوة
والرسالة ،
ولفظ الكتاب كما
ورد معرفاً
للتدليل على
معنى معين ولم
يرد هنا على
نحو مطلق و
قوله تعالى -
هدى للمتقين -
، هي جملة
بيانية تُشير
إلى طبيعة
الكتاب
وماهيته
وهدفه
الرئيسي الذي
هو : هداية
للناس لكي يكونوا
متقين .
والتقوى
: ملكة تقع في
نفس الإنسان
كصفة إيجاب
تدور مدار
العمل وتلازمه
، وهي ليست
صفة مستقلة
يمكن إن يوصف
بها المرء من
دون عمل ،
إنما هي صفة
لاحقة يوصف
بها عموم من
خوطب بالكتاب
وأمتثل لأمره
، إذن فهدف الكتاب
الأول هو
حماية الناس
من الفساد
والإنحراف
والجريمة
والعدوان ، أي
إن هدف الكتاب
هو صُنع مجتمع
يمتلك أدوات
الحماية الذاتية
التي تقيه من
الوقوع في
الخطأ أو
أرتكاب الجرائم
والمفاسد ، ..
* * *
[ قوله : - الذين
يؤمنون
بالغيب
ويقيمون
الصلوات ومما رزقناهم
ينفقون ] - 3 -
يأتي
هذا القول بعد
التعريف
بطبيعة
الكتاب وهدفه
، يأتي في
سياق بيان
ماهية وطبيعة
المتقين وكيف
يجب ان يكونوا
؟
،
فيقول :
إن أول شرط
لازم لكي يكون
المرء متقياً
، إن يؤمن
بالغيب ، أي
إن الإيمان
بالغيب شرط
لازم من شروط
المتقين ،
والغيب في
اللفظ يعني
عموم ماهو غير
مشاهد
بالنسبة
للإنسان ، والإيمان
بالغيب هنا
يعني الإيمان
بالله والغيب
يعني عالم
الآخرة ، وكل
ما غاب عنا في
هذا المجال
يجب ان نؤمن
به ، وفي سباق
المضمون
وسياقه يكون
الإيمان
بالأنبياء
والرسل واليوم
الآخر إيمان
بالغيب كذلك
قال
تعالى : [ والذين
يؤمنون بما
أُنزل إليك
وما أُنزل من قبلك
وبالأخرة هم
يوقنون ] - البقرة
4 - هذا النص هو
من أحكام
النبوة وليست
من أحكام الرسالة
، الذي يأتي
فيه ذكر الشرط
الرابع والخامس
والسادس في
سياق الحديث
عن التقوى
وشروطها
ولوازمها ،
وهذه الشروط
أعني الأول
والرابع
والخامس
والسادس تقع
كلها في باب
الإيمان بالغيب ..
والشرط
الثاني
للتقوى هو :
إقامة الصلاة
، و للصلاة
معنى معروف
لدى الجميع
لكنها هنا
ليست هي
مجموعة تلك
الأعمال
المعروفة من ركوع
وسجود ، كما
إنها ليست
الدعاء كما
تُعرف عند
صاحب اللسان .
بل هي
الصلة
والإتصال ،
قال ابن فارس :
والصلاة
أصلها صحيح من
الفعل - صلى -
وهي من الصلة
ضد القطع ،
ويمكن إعتبار
معناها هو
كذلك بدليل
المُراد منها
كحلقة إتصال
وجمع بين
المختلفين ،
وكأن الله
يريد ان يقول :
إن المتقي هو
من يعمل
للوحدة وينبذ
الفرقة بين
مكونات
المجتمع ، ولا
يتحقق ذلك إلاَّ
بالعمل
الصالح ، وأما
الصلاة بمعنى
الشعيرة
المعروفة فهي
وظيفة عملية
خاصة ، وفعلها
والمُراد
منها خاص كذلك
، أي
إنها فعل مخصوص
بين العبد
وربه ، وأثرها
خاص كذلك سواء
في أدائها أو
عدمه ، وأما
فعل - أقام - فهو
فعل ثلاثي
صحيح المصدر ،
ومعناه
التسوية
والتعديل والنهوض
، ويكون معناه
إن المتقي هو
من ينهض لتعديل
الأوضاع
الإجتماعية
وتسويتها
بالعدل والإحسان
،
وأما
الشرط الثالث
للتقوى فهو
قوله تعالى : -
ومما رزقناهم
ينفقون -
الرزق
عنوان عام
يعني كل شيء
حصل ويحصل
عليه الإنسان
مادي كان أو
معنوي ،
وإنفاق الرزق
يعني بذل
الرزق في
مساعدة من
يحتاج إليه ،
وهو التزكيه
كما ورد في
التعريف
اللغوي
والدلالي ، ولذلك
أعتبر الله
الإنفاق شرط
من شروط التقوى
، الذي به
يتحقق
التوازن في
الحياة وبه
يُقضى على
التفاوت
الطبقي بين
الأفراد وبين
المجتمعات ،
ومعنى ذلك هو
إيجاد الفرص
لكي يعيش الناس
بكرامة ، وهذا
هو الشرط
اللازم لخلق
مجتمع التوازن
، من هنا جعل
الله هذا
الشرط من
لوازم التقوى
، فلا تكتمل
الشخصية
الإنسانية من
دون ان تنفق
وتبذل مما
رزقك الله به
، وإنفاق
الرزق و إقامة
الصلاة هو
العمل الصالح
، ولو تأملنا
موضوع ذلك
الكتاب في
بيان التقوى
أو في تبيان
طبيعة
الشخصية
المتقية ، نجد
إن هذه النصوص
تُحدد الإطار
العام لمعنى
الإسلام الذي
هو : الإيمان
بالله ،
والإيمان
باليوم الأخر
، والعمل
الصالح - ..
* * *
[قوله:
أُوْلئك على
هدى من ربهم
وأُوْلئك هم المفلحون ] - 5 -
يأتي
هذا بعدما بين
الله شروط
التقوى ، وكيف
يجب ان تكون ؟
، جاء هنا
ليقول : إن من
يتمسك بهذه الشروط
فهو على هدى
من ربه ، أي
إنه يسير بالإتجاه
الصحيح في
الحياة ، ذلك
الإتجاه الذي
يحقق لمن تمسك
به الفلاح والنجاح
، ووجود أسم
الإشارة
والضمير معاً
دليل على
أهمية التقوى
في الفعل
والعمل كونها
تؤدي للفلاح
والنجاح في
الحياة ،
وبذلك العرض تكتمل
الصورة في
بيان الشرط
وبيان
المشروط لتحقيق
المجتمع
الصالح الذي
يُبنى على
أساس التقوى ،
وبالمحصلة
يكون كل متقي
ناجح وكل ناجح
من الأتقياء ..
Anchor 04* * *
[ قوله : إن
الذين كفروا
سوآءٌ عليهم
ءأنذرتهم أم
لم تُنذرهم لا
يؤمنون ] - 6 -
ظاهر
النص وسياقه
يتحدث عن
الطبيعة
النفسية الدائمة
الملازمة
للذين كفروا ،
والنص يبين إن
هذه الجماعة
كفرت بالإيمان
بالله ، أي إن
فعل كفروا
متعلق بالله ،
والكفر : أسم
صفة يتسم بها
ممن أغلقوا
منافذ العلم والفكر
، والكفر من
المتقابلات
التي هي من سنخ
الجهل الذي هو
ضد العلم ،
فبالتضمن
يكون الجهل
أساس الكفر
وفي المقابل
يكون العلم
أساس الإيمان
، والتلازم
بين الإيمان
والعلم هو
كالتلازم بين
الكفر والجهل
، فلا إيمان
من دون علم
ولا كفر من
دون جهل ، و
الإنذار مع
الجهل غير ذات
جدوى طالما إن
العلم بمعنى
الإيمان
ومايؤدي إليه
غير معلوم ،
وعليه
فالإنذار وعدمه
واحد من جهتي
التأثير
والأهمية لدى
الذين كفروا ،
فالكافر بشيء
ما هو في
الواقع واقف
أزاءه لا
يتحرك من أجل
معرفته
والتعرف عليه
، ولايعطي
لعقله المجال
في الفهم
والإدراك
والتحليل
وإتخاذ ما يجب ..
* * *
[ قوله : ختم
الله على
قلوبهم وعلى
سمعهم وعلى
أَبصارهم
غشاوةٌ ولهم
عذاب عظيم ] - 7 -
الختم :
في اللغة هو
الإمضاء
والتوكيد ،
والختم لايُنسب
إلى الله
إلاَّ عندما
يكون المختوم
قد تجاوز حدود
القدرة في
الرجوع
والتراجع
وتصحيح
الأمور ،
والختم ليس
فعلاً أو
إرادةً من الله
حتى يمكن
نسبته إليه بل
هو إمضاء منه
بعد العجز من
إمكانية
التغيير أو
الإصلاح في
الفعل والعمل
، والقلوب
المختومة هي
القلوب المعطلة
عن التفكير ،
والقلب هو
الأداة
المفكرة أو القادرة
على التفكير
والبحث
والتأمل ،
وليس هو
العضلة التي
تضخ الدم [
وتعطيل هذه
الأداة من
التفكير هو
فعل يقوم به
الإنسان وليس
الله ] ، وكذلك
الحال يكون
حين تعطل أداة
السمع عن أداء
دورها في
الإستماع
والإنصات
الذي يؤدي إلى
الفهم ، ونفس
الشيء يقال
حين تعطل أداة
البصر من رؤية
الحقايق كما
هي ، وحين
يُعطل الإنسان
أدواته
المعرفية
الحسية عن
العمل يكون
الإمضاء من
قبل الله
تحصيل حاصل ،
و يكون العذاب
العظيم في
الكيفية
والنوعية
والشأنية هو
نتاج فعل
الإنسان
وصنعه ...
* * *
[ قو له : ومن
الناس من يقول
ءامنا بالله
وباليوم الأخر
وماهم
بمؤمنين ] - 8 -
هذا
النص يتحدث عن
البعض من
الناس الذين
تتناقض
أقوالهم مع
اعمالهم ، فهم
يدعون
الإيمان بالله
قولاً ،
وبالقول
أيضاً يدعون
الإيمان باليوم
الأخر ، وهم
في قولهم هذا
أو في دعواهم هذه
يكذبون ،
فالقول
المناقض
للعمل كذب محض
، وشرط الإيمان
بالله واليوم
الأخر هو في
تطابق القول
مع العمل ،
والعمل هو
مظهر للقول ،
والتناقض
بينهما يخرج
الإنسان من
ساحة الإيمان
، ويصبح قوله
في الإيمان
مجرد دعوى
كاذبة ليس لها
أساس بالفعل ،
وعليه فكل
مُدعي
للإيمان
بالقول دون
العمل فهو
كاذب في دعواه ...
* * *
[ يُخادعون
الله والذين
آمنوا
ومايخدعون
إلاَّ أنفسهم
ومايشعرون ] - 9 -
الأصل
في الخداع هو
الحيلة ، وقيل
هو الغش كما
ذكر ذلك أبن
منظور في
اللسان ، وقيل
هو الإستهزاء
كما عند أبن
زيدون ، وقيل
هو الإيهام ،
والنص في
ظاهره يتحدث
عن بعض الناس
بقوله إنهم :
يُخادعون الله
والذين آمنوا
، فالخديعة في
معنى الحيلة
والتحايل
تعني عدم
الإيمان
بالله وبما
جاء من عنده
من كتب ورسل
وبينات ، لكن
مفعول الحيلة
يظهر في
الواقع من
خلال - الذين
آمنوا - وهم
الذين ربما
ينخدعوا
بدعوى
الإيمان
الكاذب بالله
وبكتبه ورسله
، تلك الدعوى
التي تصنعها طبيعة
المُدعي
المُحتالة ،
نعم قد تنطلي
هذه الدعوى
على الذين
آمنوا ،
ولكنها لا
تنطلي على
الله العالم
بالسرائر ،
لذلك قال : وما
يخدعون إلاّ
أنفسهم
ومايشعرون -
وهنا يبين
الله إن
التحايل
والتضليل لا
أثر له على
الله وعلى
الذين آمنوا
على نحو
الفاعلية ،
إنما أثره وتبعاته
عليهم خاصة ،
وهذا ما
لايشعرون به
نتيجة لجهلهم
وعدم إيمانهم ...
* * *
[ في قلوبهم
مرض فزادهم
الله مرضاً
ولهم عذاب أليم
بما كانوا
يكذبون ] - 10 -
هذا
المرض عارض
وليس ذاتي ،
ناتج عن فعل
سلبي يقوم به
المُخادع
يُعطل أو يمنع
ذلك الفعل
أداة التفكير من
العمل ، ونسبة
المرض إلى
القلب هي نسبة
إعتبارية ، أي
بإعتبار إنه
الأداة
المفكرة التي تُعطل
عن العمل بشكل
مقصود ، وأما
قوله تعالى :
فزادهم الله
مرضاً .. لا
يعني إن الله
شارك على نحو
الفاعلية في
زيادة المنع
والتعطيل في
الجهاز
الفكري ، بل
إن المُراد من
قوله – فزادهم
الله مرضاً -
هو تقرير واقع
الحال وإمضاءه
، وهذا يأتي
كنتيجة وليس
كفعل منه
تعالى ، أي
إنه نتيجة
لإصرار وتعمد
هؤلاء على
تعطيل أداة
التفكير من
البحث
والتحقيق
وبمنعها من إتخاذ
الموقف
الصحيح على
نحو متعمد ، فزيادة
المرض هي
نتيجة فعل
يختاره البعض
في إصرار
وتعمد في
الكذب
والخديعة في
العلاقة بالله
وبالذين
آمنوا ،
والزيادة
تكون على هذا
النحو إقرار
وتوكيد منه
تعالى في
إستحالة التغيير
والإصلاح مع
وجود أسباب
المرض وعلله
المستحكمة ،
ولذلك قال في
نفس السياق :
ولهم عذاب
أليم بما
كانوا يكذبون
. . فالعذاب
الأليم وجوده
مرتبط بسبب
وجود الكذب
والتحايل
والإصرار على
ذلك ، وليس
بسبب إن الله
يريد إن يزيد
في مرضهم ،
تعالى ربنا عن
ذلك علواً
كبيرا ، وعليه
يكون العذاب
الأليم مرتبط
دائماً بنوع
العمل الذي
كانوا يقومون
به ، والذي هو
منهم ومن
أختيارهم
* * *
[ وإذا قيل لهم
لاتفسدوا في
الأرض قالوا
إنما نحن مصلحون
] - 11 -
التقابل
بين الفساد
والإصلاح
تقابل موضوعي وجدلي
دائم الحدوث
دائم الوجود ،
فالفساد كفعل
هو التخريب
المتعمد
لقواعد
الحياة الطبيعية
في الأرض وهو
الخراب كصفة
نعت ، و عكسه
الإصلاح سواء
كفعل أو كصفة
والأصل فيه
الإعمار والبناء
والتنمية في
الأرض ،
والفساد يكون
على نحو مطلق
حين تكون
إرادة
المفسدين
اقوى وأظهر ،
وفي مثل تلك
الحالة يكون
هدفه تدمير
الإنسان
وحركته من أجل
البناء
والإعمار ،
والفساد كما
الإصلاح
أنواع منه
ماهو مادي
ومنه ماهو
معنوي وروحي ،
والمُراد به
هنا هو مطلق
الفعل في
الأرض التي
تكون هنا
بمثابة
المتعلق أو الساحة
التي يتحرك
فيها المُفسد
والمصلح معاً
من الناحية
الموضوعية ،
إذ لايكون
لفعل الفساد
أو الإصلاح
موضوعية من
دون وجود
متعلق تظهر
فيه إرادة
الفساد
وإرادة
الإصلاح ،
والكاشف
الطبيعي
المُميز
بينهما الأثر
الموضوعي
المتحقق
للجماعة على
الأرض ،
فالعلاقة بين الأرض
والإنسان هي
علاقة
تبادلية
وعلاقة كاشفة
لطبيعة الفعل
ونوعه وأثره
وما يتحقق منه
في الواقع ..
* * *
[ ألآ إنهم هم
المفسدون
ولكن لا
يشعرون ] - 12 -
هذا
تأكيد من الله
على إنهم في
فعلهم مفسدون
ليس مصلحون ،
و دعوى الإصلاح
التي يزعمون
هي دعوى لا
تستقيم مع
الواقع ولا
تستقيم مع ما
يترشح منهم من
عمل و فعل ، وحين
يصف الله قوم
بانهم لا
يشعرون ، يعني
هذا إنهم قد
فقدوا
الإحساس
وفقدوا
الميزان في الحكم
على الأشياء ،
وفقدان
الإحساس هذا
من طبائع
الطغاة
وأصحاب
النفوذ ، فهم
ومن أجل تحقيق
مصالحهم
يقومون بكل
قبيح من الفعل
كالقتل
وإنتهاك
الحرمات
وإنتهاك
الأعراض ، فاذا
قيل لهم :
لماذا تفعلون
ذلك ؟ قالوا :
إنما نريد
الإصلاح ، أي
إنما نحن
مصلحون !!
وعندهم الإصلاح
لايتم من غير
تدمير ، أي إن
الإصلاح
عندهم هو
التدمير
والتخريب في
مقومات بناء
المجتمع
وأسسه لكي
يستقيم الأمر
ويستحكم ...
* * *
[ وإذا قيل لهم
آمنوا كما آمن
الناس ، قالوا
أنؤمن كما آمن
السفهاء ألآ
إنهم هم
السفهاء ولكن
لا يعلمون ] - 13 -
خطاب
النص هذا دال
على الأمر وهو
موجه لتلك الجماعة
التي تكذب
وتتحايل ،
الأمر دال على
الوجوب وهو هنا
لبيان الحجة
وإتمامها ،
وأمر الله فعل
واجب على
المُخاطب
ويأتي دائماً
في صيغة
العموم والإطلاق
، والخطاب هو
دعوة من الله
للإيمان به
وبكتبه ورسله
واليوم الأخر
، ولأنه كذلك
فهو لايقبل
التجزئه لا
على أساس
الوضع الإجتماعي
ولا على أساس
الوضع
الإقتصادي ،
وخطاب الإيمان
للناس واحد في
اللفظ وفي
المعنى ، والتخصيص
والتقييد فيه
باطل لأنه
يُخرج الأمر من
معناه .
وصيغة
الأمر في
الوجوب كما
يُقال في
قواعد الأصول
إنها مطلقة
غير مقيدة ولا
مستثناة ، ولأنها
كذلك فهي لا
تعجب أصحاب
النفوذ
والسلطان
الذين
يعتبرون
أنفسهم فوق
الجميع ، من
هنا إستنكروا
على الله
خطابه في
صيغته
المطلقة ،
قائلين :
أنؤمن كما آمن
السفهاء ؟؟!! .
والسفيه
: في الإصطلاح
هو كل من يضع
الشيء في غير
موضعه ، وهي
هنا ضد الحكمة
التي من
خصائصها وضع
الشيء في
موضعه ، وصيغة
الإستنكار
المقدمة منهم
تعني بطلان
المساوات في الخطاب
والتوجيه من
الله للسادة
والعبيد ، وهم
يريدون القول
إن شمولهم
بنفس صيغة
الخطاب غير
صحيحة ، وكان
يجب ان يميزهم
الله بخطاب
خاص ، فوحدة
الخطاب منه
غير ملزمة لهم
، ولذلك استنكروا
على الله
شمولهم بنفس
الخطاب ، ومن هنا
أعتبر الله
تلك المقاربة
منهم دليل على
جهلهم ،
فالإيمان
يلزمه العلم
ومن يؤمن لابد
ان يكون قد
علم ووعى
ماهية
الإيمان
ومُراده ، لهذا
نعتهم الله
بقوله : [ ألآ
إنهم هم
السفهاء ولكن
لا يعلمون ] ،
وعدم العلم
متعلق بطبيعة
الإيمان ، فهم
لا يعلمون
معنى الإيمان
لذلك فهم
السفهاء ، ومن
هنا يتبين : إن
السفيه هو من
عطل أو ضيع أو
جعل أداة
العلم من
التفكير والبحث
في غير محلها ...
* * *
[وإذا
لقوا الذين
آمنوا قالوا:
آمنا ، وإذا
خلوا إلى
شياطينهم قالوا
: إنا معكم
إنما نحن
مستهزءون ] - 14 -
لازال
الكتاب
المجيد يتحدث
عن صفات هذه
الجماعة التي
لاتؤمن بالله
ولا باليوم
الأخر ،
ولازال
الكلام في وصف
طباعهم وكيف يفكرون
، فتارةً
وصفهم
بالمخادعين
في القول والعمل
، وطوراً
وصفهم
بالكاذبين ،
ومرة ثالثة
سماهم
المفسدين
والسفهاء ،
وفي هذا النص
يبين حالهم
كما يصفون
أنفسهم
بالقول : [ إنما نحن
مستهزءون ] ،
والإستهزاء
في اللسان
العربي يعني
السخرية ، اي
إنهم يسخرون
بالله وبالمؤمنين
به ، ونرى في
النص إشارة
للتقابل
المضطرد
الدائم بين من
يؤمن بالله
وبين من يتخذ
الشيطان له
وليا ، وإذا
كنا قد تعرفنا
على المؤمنين
بالله من خلال
صفاتهم ومن
خلال ما وصفهم
به الله . لذلك
فإننا هنا
أيضاً سنتعرف
على الشياطين
من هم ؟ وكيف
يفكرون ؟؟
وكيف يفعلون ؟؟
، وإذا كان
الأصل اللغوي
للشيطان : هو
من فعل شاط
الثلاثي ، ذلك
الفعل الناتج
عن الإنسان وما
يقوم به ، إذ
ليس للشيطان
ماهية مستقلة
أو هيئة
مستقلة
يمكننا
التعرف عليها
في الخارج ،
وبالمناسبة
الشيطان ليس
أبليس كما قد
يتوهم فذاك
ماهية مستقلة
معروفة
الخواص ، لكن
الشيطان وصف
لفعل الإنسان
المخالف والمناقض
لإرادة الله ،
، ويجب ان لا
يلتبس على الأذهان
إستخدام فعل –
خلوا – فهو هنا
لتقريب الصورة
لكي تكون أكثر
وضوحاً في ذهن
الإنسان ، وهي
تبيان لحالة
الإنسان في
التبدل
والتغير من
حالة إلى أخرى
، وهذا النحو
من الفعل وصفه
الله -
بالإستهزاء -
، وصيغة
الإستهزاء
ملازمة لعدم
الإيمان في أي
موضع وحالة
جاءت أو أتت ،
والمستهزء
الفاعل هو
الساخر
بالشيء الذي لا
يؤمن به ،
وكذلك هو حال
هذه الجماعة التي
لا تؤمن بالله
، ينعكس عدم
الإيمان هذا
بالإستهزاء
بالله
وبالمؤمنين
وباليوم
الأخر ..
* * *
[الله
يستهزئُ بهم
ويمدهم في
طغيانهم يعمهون
] - 15 -
إعتقادنا
إن الله منزه
عن ساحة الفعل
ورد الفعل في
الدنيا تجاه
هذه الجماعة
أو غيرها ،
والتنزيه
مرتبط بقانون
العدالة في
العقاب
والثواب
الأخروي الذي
لا يتقدم ولا
يتأثر بالوضع
والحاجة
الزمانية
والمكانية ،
وحتى لو خُيل
للبعض إن النص
أستخدم الفعل
المضارع في رد
الفعل
المتقابل ،
لكننا نعلم
إنه تعالى
أستخدم هذا
الفعل بصيغة
المضاف إليه
مع الضمير ،
التي هي صيغة
بيان وتوكيد
على إن الله
عالم بما يفعل
هؤلاء وبما
يفكرون به ،
ولأنه عالم
فقد ترك ساحة
العقاب في
الدنيا ، أي
إنه ترك صيغة
التدافع
تتحرك بشكل
طبيعي بين
المؤمنين
وبين هؤلاء ،
بدليل قوله
تعالى : – يمدهم
في طغيانهم
يعمهون - أي إن
فعل الله في الدنيا
متعلق بالعلم
وحده ، وأما
رد الفعل منه
في صيغة
العقاب
فمتعلق
بطبيعة الفعل
ولكن ليس في
الدنيا ، ولفظ
- يمدهم - هو
توكيد على ما
تقدم أي
استغراق رد
الفعل في
الملاحظ والترك
لحين ، ولفظة –
طغيانهم -
تعني الخروج
على القانون
وعلى الطبيعة
الإنسانية
والتمادي في
الشر ، وهي
صيغة مبالغة
دالة على كثرة
التعدي
والخروج على
القانون
والناموس الإنساني ...
* * *
[ أُؤلئك
الذين أشتروا
الضلالة
بالهدى فما
ربحت تجارتهم
وما كانوا
مهتدين ] - 16 -
بعدما
بيّن الكتاب
المجيد صفات
المستهزئين بالله
وبالذين
آمنوا ، أعتبر
: كل علاقة لا
تقوم على أساس
الهدى علاقة
غير صحيحة ،
والناتج عنها
كذلك غير صحيح
، اي إن كل
علاقة تقوم
على أساس
المنفعة
الذاتية وحدها
هي علاقة غير
صحيحة ، وإن
كل ما يترتب
عليها غير
صحيح ،
فالعلاقات
التي تؤسس على
الربح دون
النظر إلى
القيمة هي
علاقات باطلة
، لأنها لم
تبن على أسس
صحيحة ، والله
يريد ان تقوم
العلاقة معه
وتبنى على
أساس الإيمان
به والإيمان
بوحدة الجنس
البشري ، وان
تقوم على رفض
التمايز
الطبقي أو
العرقي أو
الوظيفي بين البشر
، فكل نوع من
أنواع
المعاملة
التي تقوم على
غير الإيمان
هي علاقة
خاسرة في
نتائجها وأبعادها
ومضامينها ،
لأن الملاك
الذي تقوم عليه
هو الكسب
المادي وحده ،
وهذا النوع
سماه الكتاب
المجيد -
التجارة
الضالة - أي
التي تستبدل
المنفعة
الواقعية
بالمنفعة
الموقتة ، كمن
يستبدل الهدى
بالضلال ،
فالضلال يأتي
من هذه
الناحية ، وكل
إستبدال على
هذا النحو فهو
باطل وهو ضلال
، لذلك قال
تعالى : [ فما ربحت
تجارتهم
وماكانوا
مهتدين ]
Anchor 05* * *
[مثلهم
كمثل الذي
استوقد ناراً
فلما أضآءت ما
حوله ذهب الله
بنورهم
وتركهم في
ظلمات لا يبصرون
] - 17 -
هذا
النص مصداق
للمفهوم الذي
جاء بصيغة
الوصف
والمثال ، أي
إنه جاء
لتقريب
المفهوم إلى
ذهن المخاطب
في سياق
المبني للمعلوم
، وهذا اللون
من الوصف
يتّبعه الله
في بيان
المفهوم وفي
بيان الواقع ،
وكيف يمكن ان
يكون ؟ ، فعند
الله : إن من
يستبدل الهدى
بالضلال في العلاقة
معه ومع
الواقع ،
مثلهم كمثل من
يستوقد ناراً
من أجل حصول
المنفعة منها
، لكنه لم يرى
من نورها شيء
ولم ينتفع
منها ، ومثله : [
كمثل الذي
أستوقد نارا
فلما أضاءت ذهب
الله بنورهم ]
، أي كالذي
فقد بصره ولم
يرى سوى
الظلام ،
ونسبة ذهاب
النور منهم
إلى الله هي
نسبة
إعتبارية ، أي
بإعتبار إن
الله هو واهب النور
في البصر ،
وليس معنى ذلك
ذهاب النور على
وجه الحقيقة ،
فالنص هنا
يتحدث عن
نتيجة فعل ،
وليس عن فعل
الله حتى يمكن
نسبة ذلك إليه
، والفعل في
الواقع هو من
صنعهم ، لذلك
قال : - ذهب الله
بنورهم - ، ولو
تأملنا العلة
الفاعلة فسوف
نجد إنها
تابعة لطبيعة
الفعل وأثر
منه ، وهذا
يعني ان الله
لم يذهب
بابصارهم كفعل
منه بل كنتيجة
فعل منهم ، ويجب
التنبيه إلى
إن معنى ذهاب
البصر هنا ،
جاء على نحو
المجاز وليس
على نحو
الحقيقة ،
وجاء بصيغة
مثال في بيان
المفهوم
وتقريبه ،
وليس ذهاب
البصر حقيقةً
في الواقع
مدار الكلام ،
إنما جاء
بصيغة الوصف
والإعتبار
الدال على
مخالفتهم
لطريق الهدى
وسيرهم في
طريق الضلال ،
لذلك جاء وصف
الله على هذا
النحو -
كنتيجة فعل وليس
فعل - ، ومثله
كما ورد في
النص كمن ذهب
الله ببصره
ولم يرى ما
حوله : [ وتركهم
في ظلمات لا يبصرون
] وهذا هو
المراد من
جميع الخطاب ..
* * *
[ صُمٌ
بُكمٌ عُمىٌ
فهم لا يرجعون
] - 18 -
يواصل
الكتاب
المجيد إستكمال
عرضه في الوصف
والتعريف
بالجماعة
التي تتعمد
تعطيل
أجهزتها
المعرفية في
الحس والإدراك
، والتعمد هذا
هو موقف مع
سبق الإصرار
من الإيمان
وما يتعلق به
، يصعب معه
الرجوع أو التراجع
في الموقف وفي
الرأي ،
ومعلوم ان
المعرفة
الإنسانية
تتعرف وتحكم
على الأشياء
من خلال أدوات
المعرفة هذه ،
لذلك أستعمل
النص فعل - لا
يرجعون -
المرتبط
بالواقع - أي
واقع الحال - الذي
لايمكن فيه
العودة
والنظر
والتأمل فيما هو
مطروح تجاه
قضية الإيمان
والهدى
والموقف من
قضية الإصلاح
في الفكر
والدين
والحياة ، وهذه
قضايا ترتبط
بشكل مباشر
بالمعرفة وأدواتها ....
* * *
[أو
كصيب من
السمآء فيه
ظلمات ورعد
وبرق يجعلون أصابعهم
في آذانهم من
الصواعق حذر
الموت والله
محيط
بالكافرين] - 19
...
الصيب :
في اللسان
العربي جاءت من
أصاب
أي الذي
يُصيب
، والذي
يُصيب هو الذي
يُحدث الضرر ،
ونسبة
الإصابة إلى
السماء توحي
بالفعل القوي
المؤثر
بإعتبار موقع
السماء
بالنسبة
للإنسان ، ولذلك
قيل : إن
الصيب هو
المطر النازل
من السماء على
نحو
غزير وفيه
هلاك وسيول
وفيضانات
وظلمة ، ووصف
الفعل على هذا
النحو
وصف مجازي ،
ومعناه تعظيم
ما يحل بهذه
الجماعة
المعاندة ، و قد
ورد الفعل في صيغة
وصف الحال
التي هم عليها
من الخوف
والفزع في
مواجهة ما
يحيط بهم ، وهذا
الوصف جار في
اللسان
العربي وهو
وصف مجاز ووصف
إعتبار
، وليس وصف
حقيقة حدوث الفعل
على نحو
الواقع ،
بدليل صيغة
الوصف التالية
قوله : [
يجعلون
أصابعهم في
آذانهم حذر
الموت ]
،
والحذر هو
الحيطة
الدالة على
الخوف الشديد
، و هذا
دليل على
عجزهم
في مواجهة
قوى الطبيعة ،
التي هي مظهر
من مظاهر قوة
الله وقدرته
، وهذا
دليل على
ضعفهم في
مواجهة آثار
قدرة الله
وفعله ، وهو
توكيد منه
تعالى على
ضعفهم في
مواجهة قدرة
الله ،
ولذلك قال : [ والله
محيط
بالكافرين ]
فهي إحاطة هيمنة
وقدرة وفعل ،
ومتعلق
الإحاطة كما هو
ظاهر بقدرة
الله وفعله ...
يكاد
البرق يخطف
أبصارهم كلما
أضاء لهم مشوا
فيه ، وإذا
أظلم عليهم
قاموا ولو شاء
الله لذهب
بسمعهم
وأبصارهم إن
الله على كل
شيء قدير ] - 20
فعل
كاد يدل
على الإحتمال
في صيغة وصف
بيان حال
المعاندين
للحقيقة
والإيمان ، والوصف
يأتي من باب
الإعتبار الذي هو
تقريب للمعنى
في ذهن
المتلقي ، أي
وصف
حالة
الإرتباك
وعدم وضوح الرؤية
الناتجة من
فقدان الهدف ، الذي
يجعلهم
يتحركون
وفقاً للظروف
الموقتة ،
وليس وفقاً
للمقاييس
والأهداف
والقيم
النبيلة ، وهذا
هو حال من فقد
بصره في
مواجهة ما يحدث
له من نور
شديد
،
والتحرك من
هؤلاء في
القيام
والقعود
لاتنظمه
ضوابط
وقوانين
يمكن الحكم
عليها
، وهم في ذلك
كالذي
فقد بصره من شدة الخوف
الشديد
الناتج من
فقدان
الهدف والتوازن
، قال
تعالى : [
ولو شاء الله
لذهب بسمعهم
وأبصارهم إن
الله على كل
شيء قدير ] ، ولفظة – شاء
الله -
تحتمل
التشريع
وتحتمل
التكوين .
وهي
هنا لاتأتي بمعنى
التشريع ، ذلك
لأن التشريع
هو تكليف وأمر
، وأمر الله هنا :
1 - إما
ان يتعلق
بذهاب البصر
والسمع ، وهذا
الأمر غير
صحيح ،
لأن الله
لايأمر
بذلك .
2 – وإما
ان يتعلق بذهاب
أداة
السمع
والبصر
،
وهذا من باب
الإنفعال
وليس من باب
الفعل ، وامر
الله فعل وليس
إنفعال ، أي
إنه ليس ردة
فعل .
3 – أو
ان يتعلق
الأمر
في إعداد
وتهئية المقدمات
التي تؤدي إلى
فقدان البصر
والسمع ، وهذا
غير ممكن إذ إن
الله لايفعل
أمر لا يريده
بالفعل .
*
ولو
كانت -
مشيئة الله
هنا تعني
التكوين -
، فهذا من
حيث الكلية
المطلقة
ممكن
،
بلحاظ كون
العالم كله بما
فيه يقع تحت
فعل تكوين
الله ،
المرتبط
بقوانين
العلة
والمعلول ، وأعمال
الناس سواء
أكانت حسنة أم
سيئة لا يمكن
ان تستثنى من
هذا القانون ..
ويجب
العلم ان ملاك
الأمر
التشريعي يجب
ان يكون
مرغوبا من قبل
الله ،
وإذهاب السمع والبصر
من حيث هو غير
مرغوب
فيه وغير مطلوب منه ،
ولكن حدوث ذلك على نحو
التكوين ممكن
بلحاظ قدرة الله ...
* * *
[ يأيها
الناس اعبدوا
ربكم الذي
خلقكم والذين من
قبلكم لعلكم
تتقون ] -
21 -
الفرق
بين الربوبية
والألوهية
معلوم ،
والدعوة هنا
لعبادة الرب
الخالق لا
لعبادة
الله الإله
المعبود وهذا
واضح من خلال
السياق
، وفي
النص دعوة للناس
على نحو مطلق
مما يعني إن
المُراد ليس
الصلاة
والصوم والحج
من حيث هي
عناوين خاصة ، بل
المراد
هو تنظيم
علاقة الكائن
الحي في
الواقع وفي
الكون
، لتحقق الغاية
من الخلق
والغاية من
الوجود ، ضمن
تعاليم
الرب
واحكامه في كل ما
يتعلق بحركة
الإنسان
والحياة والكون ، ولم
يكن الربط في
عبادة الرب
الخالق
عبثياً
بل جاء
في سياق هذا
المعنى
ومقتضاه ،
وعليه
فالعبادة
بمعنى
الشعائر
والطقوس ليست
هي المطلوب هاهنا
، بدليل كون
المراد من هذه
الدعوة عموم علاقة
الإنسان
بخالقه
، من أجل
تحصينه أولاً :
من كل عوامل
التعدي والتعريه
التي تمارسها
قوى الإنحراف
، وثانياً :
هي دعوة
لتقويم حركة
الإنسان في
الدنيا وتجاه
كل ما يحيط به
من كائنات
لخلق واقع
يمتلك كل
عناصر
الحماية .
هذا
التنظيم في
سلوك
الإنسان اطلق عليه
النص معنى : [ لعلكم
تتقون ]
، أي
إن الهدف
النهائي
الناتج عن العبادة
للرب الخالق
هو :
الوقاية من
كل ما من شأنه
الإضرار
بالإنسان
وبوجوده ، إذن
فهو هدف
لحماية
الإنسان
وحماية
عالمه الذي
يعيش فيه ...
* *
*
[ الذي
جعل لكم الأرض
فراشاً
والسماء
بناءً وأنزل
من السماء
مآءً فأخرج به
من الثمرات
رزقاً لكم فلاتجعلوا
لله أنداداً
وأنتم تعلمون ] - 22
-
يجب
التنبيه هنا
على إن فعل
جعل وأنزل
بمعنى واحد ،
وهو التحول
والتبدل من
حالة إلى أخرى
ومن هيئة إلى
أخرى ، والجعل
كمفهوم هو فعل
يأتي دائماً
بعد
فعل الخلق ، و [ جعل
لكم الأرض
فراشاً ]
، أي
صيرها وحولها
بالفعل
لتكون
المحل الذي تكون
الحياة فيه
ممكنة ،
[والسماء بناء ]
أي جعلها في
شكل وهيئة
تحمي الأرض
والإنسان
وتوفر لهما كل
عوامل
ومقومات العيش .
والجعل
في الإصطلاح :
هو تنظيم في
طبيعة العلاقة
التي يجب ان
تكون بين
الأرض
والإنسان ،
وتنظيم ذلك
بشكل متوازن يرتب
الحاجة
والحركة بما
يتلائم مع
القدرة على
العيش
والحياة .
ويجب
التنويه على
إن الأرض
والسماء هما من
طبيعة واحدة
ومن سنخ واحد
، وقد ورد في
موضع أخر قوله : [
إن السماوات
والأرض كانتا
رتقاً
ففتقناهما ] ،
ولهذا لايمكن
الفصل
الموضوعي
والعلمي بين الأرض والسماء
، سيما إذا ما
لاحظنا طبيعة
وكيفية تحرك
الأرض في جو
السماء
، نعم
وضعت الأرض
للأنام
، والوضع لغة
ومفهوماً هو
الجعل
، أي
جعل الأرض
لتكون قادرة
على حياة
الأنام فيها ،
وذلك مرتب ضمن
قوانين دقيقة
ونسب معينة ، ومن
هنا يكون
معنى : - وأنزل
من السماء مآء
..- ، أي
جعل في السماء
قدرة على تكثيف
الهواء
وإنزاله على
شكل ماء ينتفع
به الإنسان
والكائن الحي
على الأرض
،والماء كما ذكره
الكتاب هو
مصدر الحياة ، وصيغة
أنزل تأتي في
اللغة على وزن
- أفعل - الدال
على مطلق معنى
ومفهوم
النزول ، أي
مطلق ما ينزل
من أعلى ، ثم
يؤكد النص على
نفي الند لله
في هذا العمل ،
أي نفي
الفاعلية
والقدرة
لغيره في فعل
ذلك كله ،
وهذا كما يقول
النص هو للعلم
والتذكير
والتنبيه [ فلاتجعلوا
لله أنداداً
وأنتم تعلمون ]
* *
*
[ وإن
كنتم في ريب
مما نزلنا على
عبدنا فأتوا
بسورة من مثله
وادعوا
شهداءكم من
دون الله إن
كنتم صادقين ] - 23
-
النص
في الحقيقة
دعوة للحوار
العلمي ، دعوة
من أجل التعرف
على طبيعة هذا
الوحي النازل
على نبي الله
محمد – ص -
، أي إنه
دعوة للدخول
في جو هذا
القادم من
السماء
، والدعوة في
ظاهرها
أتخذت
شكل السجال
الذي يتحرك
وفقاً لطبيعة
الواقع المتحكمة
به قوى الريب
والشك التي
تفرض مفاهيم الرفض
والمخالفة في
الفعل ورد
الفعل
، كما يظهر
من قوله
: [ إن كنتم في ريب
مما نزلنا على
عبدنا فأتوا
بسورة من مثله
] ،
مستخدماً أداة
الشرط لتكون
مصدراً في
الفعل
، أي :
إن الذي نزل
على عبدنا لا
يمكن ان تأتوا
بمثله
هذا هو الشرط
، والمشروط
هو ان تأتوا
بمثله
، الذي لايمكنكم
الأتيان به في
الكيف و في
الماهية و في
الموضوع
والمعلومة ،
وهذا الخطاب لا
ينحصر في
الجماعة
المخاطبة على
نحو مباشر ، بل هو
خطاب تحد
لمطلق من يصله
ذلك ،
أو لنقل هو خطاب
تحد لمطلق من
يتردد ويشك في
مصدر هذا
الوحي وما
يأتي به ،
* * *
[ فإن
لم تفعلوا ولن
تفعلوا
فاتقوا النار
التي وقودها
الناس
والحجارة
أُعدت
للكافرين ] - 24 -
خطاب
الشرط هذا
متعلق
بجوابه
، وصيغة التحدي
فعل في معنى النفي
المطلق
في كل حال ، يظهر
في قوله :
[ فإن لم
تفعلوا ولن
تفعلوا ] فالنفي
والجزم
في الشرط
وجوابه ، دال
على التوكيد
في إستحالة
وتعذر الفعل
منهم في الواقع وفي
الإمكان ...
لهذا
قال بعد ذلك
مباشرة
: [ فاتقوا
النار التي
وقودها الناس
والحجارة أُعدت
للكافرين ] ، التي
يكون فيها
معنى التحدي
هو للوقاية
والحماية من
النار
،
التي قال في
وصفها : –
النار التي
وقودها الناس والحجارة
– وهذا الوصف
تعليل
للمراد
من التحدي .
•
لكن كيف
يمكن للناس إن
يكونوا
وقوداً للنار
؟ وهل هذا
النص فيه
تناقض
مع
العدل
الإلهي
؟ ثم هل
المراد
بالناس هو
مطلق الناس ؟
أم إن
المُراد هو
بعض الناس ؟ وهل هم مطلق
الكفار أم
المجرمين الظالمين
منهم
؟ ، هذه الأسئلة
تفرض نفسها
لكي نتعرف على
طبيعة المفهوم
ودلالته
المعرفية
الواردة في سياق
النص
، نعم
ذكر الكتاب المجيد
: إن
الناس كل الناس
سيردون جهنم كما قال
في سورة مريم : [ وإن
منكم إلاّ
واردها كان
على ربك حتماً
مقضيا ] ، لكن
الورود
هذا
يعني
الإشراف أو
النظر أو
التعريف بها و
لا يعني
دخولها أو
البقاء
فيها
والخلود ، كما
إنه لا
يعني العذاب
والعقوبة ،
إنما هو مجرد
ورود في
المطلق ، بدليل
إن الله ذكر
إن
البعض من الناس
سيُخلدون في
النار
، والخلود :
في المطلق
خلاف العدالة
و ضد
لها ،
فالعدالة من
لوازمها أو من
مقتضياتها ان تكون
العقوبة
مقدرة بحسب
نوع وطبيعة
الجريمة
وحجمها
، وهذا يعني
إنه
لابد
للعقوبة من
فترة من الوقت تزول بزوالها ، هذا حسب
قانون العدل الإلهي
الذي لايجوز
ان
تتجاوز فيه
العقوبة حدود
الجريمة ،
ووفق
هذا المعنى
وبناءً عليه
ينتفي
مفهوم
الخلود في
النار الذي
يرد في لسان
النص ويُفهم
على غير معناه .
•
ومن
أجل رفع
التناقض هنا
نقول : بالجمع
بين معنى
الخلود في النار
الوارد في
لسان النص
وبين مفهوم
العدل الإلهي
كما هو
،
والجمع
بينهما يقتضي
القول : بتحول
من هم في
النار خالدين إلى جنس
النار
وماهيتها ، بحيث
تنتفي معه النار
على العذاب أي
تنتفي قدرتها
على ذلك ، وهذا القول
يستلزم تحول
هؤلاء من
الطبيعة البشرية
ومن الإحساس
بالنار
ليكونوا جزء
من النار ومن
ماهيتها
وطبيعتها ، وبهذا
الجمع ينتفي
معنى
دوام
العقوبة ،
وبها إيضاً يتحقق
المراد في
صيرورة البعض
وقوداً للنار
،
طبعاً هذا
الوصف مرتبط
ببعض الناس ممن
قد تجاوز حدود
الله في
الجريمة
والظلم
والقتل ،
وليس هو لمطلق
معنى الكفار ، لأن
لفظ -
الكفر -
كما هو وارد
في لسان العرب
لفظ متعدد المعاني
من جهة الوضع
ومن جهة
المفهوم ، ولا
يجوز إطلاق
لفظ الكفر
هكذا من دون
ذكر القرينة
والمصداق
الدال عليه .
•
لهذا
نقول إن
المخلدين في
النار هم بعض
الكفار
، وحصراً هم
القتلة والمجرمين
والظلمة ..
•
وقد ورد في
ذيل النص
عبارة تقول : [
أُعدت للكافرين
] ،
ومفهوم
الإعداد
مفهوم متوالي
متتابع
، وهذه
إشارة منه
إلى إن يوم
القيامة
يبدأ
حين يموت
الإنسان - فتقوم
قيامته -
، بدليل إن
الله جعل بعض
الناس وقوداً
للنار التي
أعدت
للكافرين ،
ولايتم هذا
هذا من دون أن
تقوم قيامتهم
، فالتحول إلى
جنس النار
وطبيعتها
لايأتي هكذا
فجاءت بل يجب
ان يتم وفق
معايير
الحساب
والعقاب ، ويعني
هذا إن كل
إنسان حين
يموت يُحاسب
على ما فعله
في الدنيا ، فإن
أستحق العذاب
وكان من
المجرمين
عوقب ونال
جزاءه ، ويخرج
بالتالي من
العقوبة
ليكون جزءاً
منها .
•
ويعني
هذا إن ما
يسمى -
بالبرزخ - هو
تماماً
مانطلق عليه
بمقدمات
المحاكمة التي
تبدأ مع الموت
ولا تنفصل هذه
عن قيامة الإنسان
بل هي جزء
منها
....
|
وبشر
الذين آمنوا
وعملوا
الصالحات أن
لهم جنات تجري
من تحتها
الأنهار كلما
رزقوا منها من
ثمرة رزقاً
قالوا هذا
الذي رزقنا من
قبل وأُتوا به
متشابهاً ،
ولهم فيها أزواج
مطهرة وهم
فيها خالدون ] - 25 -
يصادفنا
في العادة
مصطلحين أو
مفهومين يذكرهما
الكتاب
المجيد الأول
هو : - الذين
آمنوا -
والثاني هو : - المؤمنين
أو المؤمنون - ،
والفرق
بينهما يدخل
في باب العموم
والخصوص ، - فالذين
آمنوا
-
مفهوم خاص
ويُراد
به من هم من آمن بمحمد
بن عبدالله
نبياً
ورسولاً خاصة ً ،
وأما
المؤمنين أو
المؤمنون :
فهو مفهوم عام
يطلق على كل
من آمن بالله
من أهل الديانات
السماوية ،
وبناءً على هذه
القاعدة
يكون
مفهوم -
الذين آمنوا
- هو جزء
من مفهوم
المؤمنين أو
المؤمنون ،
بإعتبار
إنهم
آمنوا بالله
وآمنوا بمحمد
بن عبدالله
نبياً
ورسولاً ، لكن
الذي
يجري عليهم
من احكام
الرسالة المحمدية
لا يجري ولا
يلزم
غيرهم من عموم
من آمن بالله .
لكن
احكام النبوة
المحمدية
ملزمة
للجميع
وهي غير أحكام
الرسالة ،
والفرق بين
أحكام الرسالة
وأحكام
النبوة
كبير وواضح ،
فأحكام
الرسالة تتعلق بالوظائف
العملية
والعبادات
والطقوس ، في
حين
تتعلق أحكام
النبوة بالمفاهيم
العلمية
والعقلية
وهذه غير هذه بكل
تأكيد
، إذ
إن أحكام
النبوة عامة
مطلقة
وأحكام الرسالة
خاصة
مقيدة ..
نعم
ذكر النص فعل - بشر - كفعل
ماض وعلقه -
بالذين
آمنوا – بشرط
العمل الصالح
، والعمل
الصالح
: هو مصطلح
يطلق على كل
عمل الخير ، العمل
الذي يستهدف
بناء الإنسان
وتحقيق
سعادته في الدنيا ، من دون
تمييز بين
إنسان وإنسان
آخر ،
لا على أساس
اللون ولا على
أساس العرق
ولا على أساس الدين
أو الطائفة أو
المذهب ، بل
جعل من العمل
الصالح مفهوم
مطلق وهدفه
الإنسان وسعادته ،
والعمل
الصالح هو ليس
الصلاة أو
الصوم ولا هو
سائر الطقوس
والشعائر ، بل إنه
يعنى مطلق
عنوان
المعاملة
الحسنة
والسلوك
الحسن في الحياة
وفي المجتمع ،
وهنا تكون
الجنات التي
بشر الله بها - الذين
آمنوا -
وردت في
السياق ذاته
وفي المعنى
نفسه .
النص
يقول :
إن مصير
الإنسان الذي
يعمل الصالحات
هو الجنة أو
الجنات
، والبشارة
حينما جاءت في
النص - للذين
آمنوا
- إنما
جاءت من
باب ذكر
المصداق
القريب كبيان
وكتوضيح وليس
كإلزام وخصوص
، إذ إن كل
مؤمن بالله
ويعمل صالحاً
فهو من أهل
الجنان وله
أجره عند الله
ولا خوف عليه .
نعم ذكر
النص وصف
للجنات وما
فيها من نعم ، وهذا
يجري في سياق
الحث والتمسك
بالعمل الصالح
وفعله
من الذين
آمنوا ، كما
إنه حينما وصف
التشابه في
النعم والرزق
في الجنة هو
من أجل ذلك
الهدف
، هو قول
يجري في بيان
غلبة النعم
وكثرتها ، كذكر
الأزواج فيها
إنما جاء في
هذا السياق
بدليل إنه
ذكرها من دون
ذكر العلاقات
بينهما
،
ليجعل منه
ذكراً مطلقاً
، في
السعة وفي
العطاء وفي
النعمة والفضل
، وذكر الخلود
في الجنات لمن
يعمل الصالحات
تعبير منه على
أهمية العمل
الصالح وما يدره
في الحياة
الآخرة
، ولم يميز
الله في العمل
الصالح وفعله
بين الذكر
والأنثى بل جعل
ذلك لعموم من
آمن بالله
واليوم الآخر ...
* * *
[ إن
الله لا يستحي
أن يضرب مثلاً
ما بعوضة فما فوقها
، فأما الذين
آمنوا
فيعلمون أنه
الحق من ربهم
، وأما الذين
كفروا
فيقولون ماذآ
أراد الله
بهذا مثلا يضل
به كثيراً
ويهدي به
كثيرا ، وما
يضل به إلاّ
الفاسقين ] - 26
-
هذا
النص يتحرك في
دائرة تعميم
فكرة الإيمان
بعد العلم ، أو لنقل
إن الله ومن
أجل إثبات
الحق لا يجد حرجاً
في إستخدام كل
العناصر
المؤدية إلى هذا
الغرض ، والتي
تساهم في
عملية
التوعية العلمية
والمعرفية
لدى الناس ،
من خلال
إستخدام
وسائل
التعليم
المعروفة
التي تؤدي إلى
إيصال الذهن
إلى المطلوب ،
فالبعوضة
استُخدمت
كمثل في التنبيه إلى
قدرة الله في
الخلق
، وفي هذا
الإستخدام
البسيط لم يرى
الله بأساً في
ذلك ،
فالإشارة
منه تركزت
على القدرة في
الخلق لا على
الحجم
ولا على غير
ذلك ،
هذه القدرة في
الخلق
أعتبرها الله
مطلقة
، تبدأ
من أصغر مخلوق
إلى أعظم
مخلوق ،
ولتعميم هذه
الفكرة ذكر الله
ان : -
الذين آمنوا
يعلمون إنه
الحق -
فالتركيز من
الله هو
بالإعتراف في
قدرة الله على
الخلق
، ثم
يأتي العلم
بعد ذلك بان
هذا الكون بما
فيه مخلوق من
قبل الله ،
وهذه الجدلية
المعرفية
مرتبطة مفهوماً
بالذين آمنوا بالله
والذين
يؤمنون بان
الخالق لهذا
الكون بما
فيه هو
الله ،
وكأن الله
يشير إلى
المعنى الذي
يسود في ألسن
الناس والقائل
إن - الإيمان
يدعوا للعلم - ، فالعلم بحقيقة
الخلق أثر من تعليم
الرب ، وهذا
ما اشار اليه
النص بقوله –
انه الحق من
ربهم -
، أي
إن الذين
آمنوا يعلمون
إن الله هو
القادر على
الخلق
،
وهذا العلم
جاء من
التعليم الذي
تلقوه من
الرب
،
وبالضد من هذا
العلم يقف
المعاندين
موقف السخرية
والتشكيك في
إرادة الخلق
التي ضربها
الله مثلا للناس
بالبعوضة
كمخلوق صغير
وضعيف
، وهذا دليل
على ان الكفر
أصله عدم
العلم ،
فالذين كفروا
لايعلمون ،
وعدم العلم
ناتج لعدم
الإيمان ،
فالإيمان
يدعوا للعلم
والعكس صحيح
...
* *
*
[ الذين
ينقضون عهد
الله من بعد
ميثاقه
ويقطعون مآ
أمر الله به
أن يوصل
ويفسدون في
الأرض أُلئك
هم الخاسرون ] - 27
-
النقض :
في اللغة ضد
الإبرام ، قال
البراء :
والنقض : هو الإلغاء بعد
الإبرام ، وأصله
ثلاثي صحيح من
نقض[ ن، ق ، ض ] أي
الغى ، وجملة
- الذين
ينقضون عهد
الله - دالة
على إن الذين
ينقضون ما
عاهدوا الله
عليه ورد في
صيغة -
ميثاق -
، و العهد :
في
الإصطلاح إتفاق بين
الله والناس ، وهو
العقد :
الذي يعني
الإتفاق بين
الناس بعضهم
البعض
، والصيغة
الجامعة
للعهد وللعقد
هو الميثاق فلا عقد
من دون ميثاق
ولا عهد من
دون ميثاق ،
والميثاق : هو
مجموعة
القوانين والبنود
التي يتفق
عليها بين
الأطراف
ومهمتها
تنظيم وتحديد
العلاقة
بينهم
، ونقض العهد
مع الله هو
إلغاء للميثاق
كله أو بعض
بنوده
وفقراته ، والإلغاء يؤدي
إلى قطع
العلاقة مع
أوامر الله
التي يجب ان
توصل ، والقطع
هذا هو الفساد
في الأرض ،
فإلغاء أي من فقرات و
بنود
الميثاق المتفق
عليه بين الناس
وبين الله ،
يؤدي إلى
الفساد في
الأرض ،
بإعتبار كون
الميثاق يتكفل
بتنظيم
العلاقة بين
الناس ومع
الله ، هذا
التنظيم الذي
يؤدي إلى
إصلاح الإنسان
وعمارة
الأرض
، والتي هي
غاية الميثاق
والعهد
الإلهي مع
الناس ، ودون
ذلك يكون
الخسران
وخيبة الأمل
وفقدان
المستقبل ...
* *
*
[ كيف
تكفرون بالله
وكنتم
أمواتاً
فأحياكم ثم يميتكم
ثم يحييكم ثم
إليه ترجعون ]
- 28
-
–
- كيف
تكفرون بالله
- أي كيف
تنكرون الله وقد
كنتم -
أمواتاً فأحياكم -
، أي ولم
تكونوا في
الوجود أصلاّ ،
ويجب
التنبيه إلى
إن
مفهوم -
أمواتاً - هو ليس الموت
الطبيعي
المتعارف
عليه[ أي
فقدان الروح
عن البدن ] إذ
لا بدن في
الأصل حتى
تكون هناك روح ، إذ الأصل
هو عدم
الوجود
بالفعل
[أي عدم
الوجود المحسوس بالفعل
] ، وأما
مفهوم –
يميتكم –
فهو فعل دال
على الموت
الطبيعي
المتعارف
عليه - أي الإماتة
بعد الإحياء - [ أي
فقدان الروح
عن البدن ] ،
والروح
: هي
ذلك الدم المتحرك
في جسم الكائن
الحي ، وهي
بهذا المعنى جزء
من المادة ،
بدليل قوله
تعالى : [
يسألونك عن
الروح قل
الروح من أمر
ربي ] ، وأوامر
الله جميعها
أما مادة أو
تتعلق بمادة
،
وعالم الأمر
الإلهي
هو عالم مادي
بإمتياز .
–
ومفهوم
أمواتاً لا
علاقة له
بمعنى الموت
الطبيعي إلاّ
من حيث الوصف
والتقريب ، ذلك
لأن متعلق
الفعل فيه
ولازمه هو
الخلق والتكوين بدليل
قوله –
فأحياكم - ، والإحياء :
هو الخلق من
عدم ، والخلق
من عدم يعني
بداية
بث الروح في البدن
، وبعد
هذا قال :
- ثم يميتكم
ثم يحييكم -
والتقابل
بين الموت
والحياة هو
تقابل
موضوعي
محسوس معلوم
، فالحياة هنا
تأتي بعد الموت
مباشرة
،
والتي يُقال
عنها الحياة
الآخرة
، فهي تلك
التي يكون فيها
كل شيء مختلف
عن الحياة
الدنيا .
–
وقد
قلنا : إن القيامة
أو قيامة
الإنسان
تقوم
بمجرد موت
الإنسان ، وهذا
هو معنى
الحياة التي
أشار إليها
النص هنا ،
وإستعمال لفظ الموت
هو للتدليل عن
الإنقطاع عن
العالم المحسوس
بالنسبة
للإنسان في
الحياة
الدنيا ، وذكر
الحياة بعد
الموت ورد
للتدليل على
حقيقة القيامة
وعالم الآخرة ،
ومنه نفهم
معنى قوله تعالى : [ ثم إليه
ترجعون ]
والرجوع إلى
الله هو
الرجوع إلى
العالم الأول
الذي هو عالم
ما قبل الخلق ..
* *
*
[ هو
الذي خلق لكم
ما في الأرض
جميعاً ثم
استوى إلى
السماء
فسواهن سبع
سموات وهو بكل
شيء عليم ] - 29 -
الخلق : هو
الصنع من عدم
، وأصله ثلاثي
صحيح من – خ، ل ،
ق -
واللفظ
متعلق بفعل
الوجود
والتكوين ،
وهوهنا يتعلق
بالغاية من
الفعل
والوجود ، فكل
مافي الأرض
مخلوق من عدم
أي لم يكن
فكان ، وكما
قلنا لابد
للخلق من غاية
يتعلق الفعل
بها ، ومادام
الخلق مرتبط
بالأرض فهو
حتماً يرتبط
بمعنى
التوازن
وتمهيد الأرض ، لتكون
صالحة للحياة
فيها أو عليها
، وقوله –
استوى -
، والإستواء
: ليس بمعنى
القيام
والوقوف بل هو
الإنتهاء ،
والمراد منه
أي أنتهى من
تسوية وتنظيم
السماء فجعلها
– سبع سماوات - أي سبع
منظومات
متشكلة من
كواكب وأجرام
تسير وتتحرك
وفق قواعد
محددة بحيث
لاتصطدم مع
بعض ولا يزاحم
بعضها بعضا .
ولفظة
– سبع – لاتعني
العدد الصحيح
في الحساب ، بل
إنه إستطراد
جاء في صيغة
الإستعارة
المجازية
التي تعني
الوصف في
السعة
والتنظيم
والدقة لوضوح
المعلوم وهو
الأرض ، وقياس
ذلك في ميزان
العلم
وقوانينه ،
ومن هنا قال : [
وهو بكل شيء
عليم ] أي عالم
بكل تفاصيل
عملية الخلق ،
عالم بكل أشراطها
وقوانينها
ونتائجها ،
معتبراً هذه
العملية
الجبارة
برمتها خُلقت
من أجل خير
الإنسان
وسعادته ..
[ وإذ
قال ربك
للملائكة إني
جاعل في الأرض
خليفة قالوا :
أتجعل فيها من
يفسد فيها
ويسفك الدماء
، ونحن
نسبح بحمدك
ونقدس لك ؟
قال : إني أعلم
مالاتعلمون !!
] -
30 -
هذا
النص يشير من
الناحية
المعرفية للتحول
الذي طرء على
التغيير في حياة الكائن
البشري
، أي التحول
من الطبيعة البشرية
إلى الطبيعة
الإنسانية .
ومعلوم
إن الكائن
البشري مخلوق
من عدم
، وأما
الإنسان فهو
تحول في حياة
وطبيعة الكائن
البشري هذا ،
وهذا التحول
أطلق عليه
النص مفهوم - الجعل -
والجعل : لغة هو
التطور
والتحول ،
وهو
موضوعياً
يعني
الصيرورة
فيما بعد الخلق ، و
الفرق بين
الخلق والجعل
يظهر بكون :
الخلق :
هو
بداية
النشأة والتكوين ،
أي بداية
الوجود من العدم ،
والكائن
البشري حينما
خلق لم يكن
موجوداً
بالفعل ، فكانت
بداية خلقه من
طين ثم
بث فيها
الروح
، وطبيعة
الكائن
البشري
المخلوق هو
الطبيعة الحيوانية
من الغرائز
والشهوات
والتي بها
يتحرك وبها
يفعل ويقيم
علاقاته
تبعاً لشهواته
وغرائزه وهو
في هذا يشبه
كل الكائنات
الحية .
–
وأما
الجعل :
فهو تحول في
طبيعة هذا الكائن
البشري
، وعملية
التحول : هي
تطور داخلي
حدث لهذا
الكائن تطور
في العقل و في
الوعي العقلي
وفي الإرادة ،
هذا التطور
أدى إلى تحكم
هذا الكائن
بغرائزه
وشهواته
لمصلحة إرادة
العقل
، وقد أشار
الله لهذا التحول
في صيغة
: [ إني جاعل في
الأرض خليفة ] ،
والجعل
أصله
فعل ثلاثي
صحيح من
– جعل - ،
وإستخدام أسم
الفاعل هنا
لوقوع
فعل التطور و
التحول
بالفعل في
حياة وطبيعة
الكائن البشري
ليصبح ويكون
إنساناً ،
من خلال تطور
قوآه ومداركه
العقلية لكي
تستوعب القوانين
والأنظمة
وتتحكم
بإرادة الأمر
والنهي
والإختيار ، ومن
خلال هذا
التحول أصبح
بمقدوره
العمل
والتحرك
والبناء
وفقاً
لما يحقق
نماءه
وسعادتة
وتقدمه
، لكن عملية
التحول هذه
مرت بمراحل متعددة
وأزمنه
متعددة
لاندري
مدآها
وكيفيتها ، عاش
فيها الكائن
البشري
صراعاً
مع الغير ومع
قوى الطبيعة ،
وكان صراعاً
دموياً في
الغالب أعتمد
على القتل
وسفك الدماء من أجل
تحقيق رغباته
وشهواته .
–
في
ظل هذا
الواقع جاء
الإستفهام
الإنكاري من
الملائكة
منسجماً مع
واقع الحال
وليس غريباً
عنه ، لأن
الخلافة عن
الله في الأرض
تقوم على
العدل
والإنصاف في
تطبيق
القوانين
والعمل بها ، ولما
كان ذلك
الكائن قد
مارس القتل
وسفك الدماء
، فهو
لذلك لا يصلح
لكي يكون
خليفة لله في
الأرض
هذا -
من وجهة نظر
الملائكة - .
–
ونحن
نقول : إن
الإستنكار
هذا منهم طبيعي
لأنه أصطحب
وأخذ بعين
الإعتبار
واقع حال هذا
الكائن
البشري وما
كان يمارسه من
أعمال وقتل
وجريمة ، ومثل
هذا
الكائن لا
يصح ان يكون –
خليفة – لله ،
من هنا جاء هذا
الإستنكار ،
وهو إن
أخذناه في
سياقه
الموضوعي فهو
إستنكار وجيه .
–
–
والإستنكار
كما نفهمه هو
إستغراق : في
المعنى أي إن
من يتولى دور
الخلافة عن
الله وتنظيم
وعمارة الأرض
يحتاج إلى
التقوى
والطاعة
والإنقياد
لأوامر الله ،
أي إن
المستخلف يجب
أن يعمل وفقاً
لما يأمر به
ويريده الله ،
لذلك قالوا : [
ونحن نسبح
بحمدك ونقدس
لك ] ، أي
إننا نحن أحق
بهذا الدور من
هذا الكائن
الدموي
الشرير ..
–
طبعاً يجب
القول بان -
دور الخلافة - عن الله
في الأرض ليس
بالضرورة إن
المستخلف
متقياً فقط ،
بل يجب أن
يكون
المستخلف
عالماً وعاقلاً
ومتقياً ،
أعني إن صفة
التقوى وحدها
لا تجعل من
صاحبها خليفة
ذلك لأن
كثيراً من
الأتقياء لا
يصلحون ليكونوا
خلفاء لله ،
فالتقوى
وحدها لاتؤدي
الغرض في
إدارة شؤون
الحياة
وتنظيم
السلوك
العام ، نعم
التقوى لازمه
ولكن لزومها
يجب ان يكون
مصحوباً
بالعلم
والعقل ، وهذا
ما أراد النص
بيانه من خلال
حذف فكرة الطاعة
العمياء وتنفيذ
الأوامر من
دون علم
وقناعة ووعي ،
وهذا ما لم
يلاحظه
الملائكة في
إنكارهم ، فهم
لم يلاحظوا
التطور
الداخلي في
الوعي
والإرادة والتحكم
العقلي لهذا
الكائن .
–
ولهذا
قال إيضاً : - إني
أعلم ما
لاتعلمون - ، وهو
هنا ينفي ان
يكون
المستخلف عنه متقياً
مطيعاً وحسب ،
بل جعل ذلك من
اللوازم
التابعة
للعلم والعقل
، خاصة في
مجال إدارة
الحياة
وعمارة الأرض
، وهذه خاصية
يلزمها النظر
والإرادة
والإختيار ،
وليس الطاعة
والخضوع
والإنقياد
وتلبية الأمر
فقط من
دون علم ووعي
، وهذا منه
تعالى تنبيه
إلى أهمية الإختيار
لمن يتصدى لقيادة
المجتمع
والحياة ....
–
–
–
–
* *
*
–
–
–
[ قال : -
وعلم آدم
الأسماء كلها
ثم عرضهم على
الملائكة ،
فقال :
أنبئوني بأسماء
هؤلاء إن كنتم
صادقين؟ * قالوا
: سبحانك لا
علم لنا إلاّ
ما علمتنا إنك
أنت العليم
الحكيم ]
- 31 ، 32
-
–
–
–
بعد
الكلام
المتقدم عن
مفهوم جعل
الإنسان
خليفة لله على
الأرض ، جاء
النص هنا
ليؤكد :
إن عملية
الإستخلاف
وطبيعتها
ترتبط بالعلم
والعقل
والمعرفة
إرتباط معلول
بعلته و
إرتباط وجود
بعدم ،
ولايرتبط
الإستخلاف
بمدى الطاعة
والخضوع والإنقياد ، لأن
قضية
الاستخلاف
لله تقوم على
أساس
العلم والقدرة
على
الإختيار بين
الأشياء ، وليس على
أساس التقوى
وحسب .
–
فالتقوى :
وإن كانت
ضرورية وهامة
لصيانة الفرد
والمجتمع من
الخطأ ، لكنها
تظل قضية
شخصية وليست
قضية عملية ،
فالتقوى وحُسن
العبادة من
دون العلم
وحدهما
لايؤهلان
الفرد ليكون
قادراً على
قيادة وتنظيم
المجتمع ،
وهذا ماأراد
النص بيانه
وتوضيحه ، ولو
دخلنا عالم
النص لوجدنا
فيه التالي :
–
1- إن
الله -
علم آدم
الأسماء
كلها - وتعليم
آدم
هذا مرتبط
بقدرت آدم
العقلية على
التقبل
والتأمل
والنظر ،
وجملة -
علم آدم - جملة
خبرية
متعلقة
بمجموعة
النظم والإشارات
التي تساعد في
عملية التعرف
على الأشياء ،
التعرف على
أسمائها وصفاتها
والفائدة
منها
، ومن
وجودها ومدى
الحاجة إليها .
–
2 - ثم
إن -
آدم - هو أسم
جنس لا أسم
نوع ،
والمقصود به مطلق
الكائن البشري
الذي خلقه
الله من أديم
التراب ، والله
حين خلق جنس آدم
لم يكن الخلق
منه على مستوى
الفرد والنوع العددي
، بل ان هذا
الخلق وصف في
الإستغراق الدال
على الكثرة في
العدد وفي
النوع
، وجنس آدم
لا يعني
الذكر دون الأنثى
كما يظن البعض
، بل
يعني الذكر والأنثى
على السواء ،
وأما - حواء -
فلا وجود لها
في الكتاب المجيد ،
لكنها
موجودة في
الخيال وفي
الميثولوجيا
وفي الوهم
والخرافة
العتيقة .
–
3 - والله
حين خلق آدم
الجنس خلقه من
ذكر وأنثى كثيراً
ومتعدداً
ومختلفاً في
اللون وفي
اللغة وفي
البيئة
والمكان .
–
–
* نعم
لقد دخل آدم
النوع تجربة
في الإعداد
والتوجيه
لمعرفة الوعي
والقدرة
العقلية
والذهنية
لديه ،
وبالتأكيد لم
تكن تجربة
الإعداد تشمل
كل الجنس البشري
بل كانت
التجربة لبعض
النوع منه ، ومهمة
التجربة كما
يظهر الحكم بأهلية
هذا الكائن
ليكون خليفة
لله على الأرض .
–
–
قال تعالى :
- وعلم
آدم الأسماء
كلها -
والأسماء :
هي الموجودات
المخلوقة
بالفعل
على الأرض من
الكائنات
الحية وغير
الحية ،
ومعلوم إن
معرفة آدم
بهذه الأسماء
هي معرفة
ذاتية ، تولدت
بشكل طبيعي
لدى آدم الذي
عاش صراعاً مع
هذه القوى ،
ومن خلال ذلك
تطور وعيه
المعرفي
والعلمي بهذه
الموجودات
وبماهيتها ، وتعرف
على خيرها
وشرها
، وأستطاع ان
يميز بين ما
ينفعه
منها
وما يضره ،
واضعاً لهذه الموجودات
أسماء وصفات
تُعرف بها
وتتميز بها عن
غيرها ، هذا
الشيء هو الذي
جعل آدم
عالماً بماهية
وطبيعة
المخلوقات
الأرضية التي
هو جزء منها ، لكن
الملائكة
التي أعترضت على
خلافته لا
تعرف العالم
الأرضي
بمخلوقاته
وموجوداته ،
وعدم العلم
منها طبيعي
كونها
مخلوقات من
عالم آخر ومن ماهية
أخرى
، وقد
أختبر الله قدراتهم
العلمية في
معرفة
الموجودات
الأرضية فكان
جوابهم
: - سبحانك
لا علم لنا
إلاّ ما
علمتنا –
،
وهنا أثبت
الله إن
إستنكارهم
كان خاطئاً من
وجهين
:
–
الأول : إن
الملائكة لها وظيفة
في التسبيح
وفي تبليغ
الأوامر من
الله ، وهي
لذلك مخلوقات
مجبرة لا
تستطيع
الإختيار
ولا تملك
الإرادة .
–
والثاني : إن
الملائكة
ليست من
المخلوقات
الأرضية أو
الكائنات
الأرضية بحيث
يقع عليها ما
يقع لهذه
الكائنات البشرية
، ولهذا
فلايتاح لها
ان تدير شؤون
عالم غير
عالمها ، يُظهر هذا
محدودية
علمها
وقدرتها في
هذا الشأن
بدليل قولهم المتقدم ..
–
–
*
* *
[ قال
: يا آدم
أنبئهم
بأسمائهم ،
فلما أنبأهم بأسمائهم
، قال : ألم أقل
لكم إني أعلم
غيب السماوات
والأرض ،
وأعلم ما
تبدون وما
كنتم تكتمون ] - 33 -
الإنباء
: لغة هي
الإخبار
الصادق الذي لا
يحتمل الكذب ،
وتوجيه
الخطاب لأدم
كي يخبر الملائكة
بالأسماء محل
الجدل ، دال
على ثقة الله
وعلمه بهذا
الكائن حين
جعله خليفة في
الأرض ، قال : -
فلما أنبأهم
- على
نحو الحقيقة
جاء التأكيد
منه تعالى على
نحو قاطع - ألم أقل
لكم إني أعلم
غيب السماوات
والأرض -
، أي أعلم إن
عملية
الاستخلاف
هذه تتم وفق
معايير وشروط
موضوعية
أساسها
العلم
بالمستخلف
والعلم
بماتؤدي إليه
عملية
الاستخلاف
ككل ، أي إنها
ليست عملية عبثية
أو عملية
ترجيحية
للإختبار فقط .
والأسماء
محل الجدل
والإختبار هي :
1 - أما
ان تعني مطلق
اسماء
الموجودات
المخلوقة في
الطبيعة
والأرض وهذا
هو الراجح
والذي يؤيده
أخبار مروية
عن الإمام
الصادق .
2 - وإما
ان يكون
معناها خصوص
أسماء
الملائكة بدلالة
قوله – أنبأهم
بأسمائهم -
والمخاطب
القريب كما هو
ظاهر
في فعل-
أنبأ -
هم الملائكة
، والباء
فيها
للتخصيص أي
خصوص أسمائهم ، أي
أخبرهم
بأسمائهم
واحداً بعد واحد
، [
والإخبار
على هذا النحو
مشعر بحقيقة
كون
علم هذا
الكائن
مستقل
وذاتي
، وفي
المقابل ظهر
عجز الملائكة في بلوغ
ذلك العلم
وتحصيله ] .
والجمع
في صيغة -
أعلم غيب.. - دليل على
تحقق المُراد
في القضية محل
البحث ، أي [ ألم أقل
لكم إني أعلم
غيب السماوات
والأرض وأعلم
ما تبدون وما
كنتم تكتمون ]
، والربط بين
علم الغيب
وعملية
الاستخلاف
ربط في المتعلق الذي
اصله واحد هنا
،
ويعني هذا
صحة توكيل الكائن
المستخلف
ليقوم بعملية
البناء
والإعمار في
الأرض ، التي
هي أصل الوجود
وغايته ، وفي
الجملة يكون
ذكر علم
الغيب
هنا كتوكيد على
قدرة الله
وإرادته ..
* *
*
[ وإذ
قلنا
للملائكة
أسجدوا لأدم
فسجدوا إلاّ إبليس
أبى وأستكبر
وكان من
الكافرين ] - 34 -
–
وإذ قلنا
للملائكة
أسجدوا لأدم ، فعل - قلنا –
فعل ماضي ،
وفعل – أسجدوا –
فعل أمر
، والجمع بين
الماضي
والحاضر في
محل واحد هو
للتفصيل
والبيان ، و-
أدم - في هذا النص هو - أدم
الترابي -
ذلك الكائن
البشري
الأول
الذي خلقه
الله من طين ،
وهو ليس -
أدم العقلي - الذي
صار خليفة لله
في الأرض ، فالسجود
المطلوب هو
لأدم
الترابي ، وفعل -
أسجدوا – لا
يعني السجود
المتعارف
عليه -
أي بتعفير
الجبين على
الأرض -
كما نفعل في
الصلاة ، بل
إن السجود هنا
: هو الإعتراف
بهذا المخلوق
الجديد ،
ولذلك بادرت
الملائكة
بالإعتراف بهذا
المخلوق ، لأن
الملائكة
تفعل ما
يأمرها الله
به ، لذلك
قال : - فسجدوا –
أي فسجد
الملائكة
إمتثالاً
وطاعة لأمر
الله ، ويجب
ان نعرف إن
الخطاب في هذا
النص عام ورد
بصيغة الخاص
بدليل ورود
ذكر الجن في
البين ،
أي إن خطاب العموم
هذا لجميع
المخلوقات
التي حضرت
الأمر
بالسجود ، لكن
الجن رفض
الإعتراف بهذا
الكائن
الجديد ،
معللاً هذا
الرفض بداعي الأفضلية
في الخلق ، دل على
ذلك قوله الصريح
- ءأسجد
لما خلقت طينا
- بلحاظ
كون الجن
مخلوق من نار - والجان
خلقناه من نار
السموم -
، والنار
أفضل في
الماهية من
الطين
، وفي صيغة
التفاضل هذه
كذلك قال : -
خلقتني من نار
وخلقته من طين
- ، وهذا
القياس في
الرتبة والدرجة أوجد في
نفسه التكبر
والرفض قال :
- فأبى
وأستكبر -
إعتزازاً
بذاته
وبمادته
المصنوع منها
ولم يعترف ،
وفعل -
أستكبر - أصله من
الكبر أي
التكبر أو
الإستكبار
الدال على الطغيان
وعصيان
الأوامر لذلك
كان – من
الكافرين - أي كان
من الرافضين
لوجود هذا
الكائن
الجديد ...
* *
*
[ وقلنا
: يآدم أسكن
أنت وزوجك
الجنة وكلا
منها رغدا حيث
شئتما ولا
تقربا هذه
الشجرة
فتكونا من
الظالمين ] - 35 -
الياء
للإستغراق ،
والأمر
الإلهي لأدم
ان يسكن هو
وزوجه الجنة
أمر وجوبي ،
والغرض منه
بيان ماهية
هذا الكائن
وبيان ردات
فعله تجاه ما
يؤمر به
، [
والجنة هي ليست الجنة
الموعودة جنة
عدن ، بل هي
مكان في الأرض
جمع الله فيها
من كل الثمرات
والخيرات
والرزق الذي
خلقه الله في
مكان ومحل
واحد ، وإطلاق
لفظ الجنة
عليه من باب
المجاز لتنوع
الخيرات فيها
والثمرات ] ، وأدم
وزوجه وردا على نحو
الإستغراق
والمثال لا العدد
والزوج
المعدود ،
وذكرهما في
سياق النص بيان
لتجربة
الإختبار التي
قصدها الله
وأرادها في الفعل
ورد الفعل
والإستجابة
من هذا
المخلوق .
لذلك
قال تعالى :
- وكلا
منها رغدا حيث
شئتما ولا
تقربا هذه
الشجرة –
، والتقييد
للأمر
المطلق كان بمثابة
المعرفة
المقصودة
لردات فعل أدم
تجاه الأمر و
النهي ،
معتبراً
الإقتراب من الشجرة
مورد النهي عصيان
للأمر ،
وعصيان الأمر
ظلم بحق
العاصي ، أي إن العاصي
يظلم نفسه
بعدم
الإمتثال
للأوامر ، قال
: - فتكونا من
الظالمين - ...
* *
*
[ فأزلهما
الشيطان عنها
فأخرجهما مما
كانا فيه ،
وقلنا :
أهبطوا بعضكم
لبعض عدو ولكم
في الأرض
مستقر ومتاع
إلى حين ]
- 36 -
فعل
– أزل – من
الزلل أي
الخبط وعدم
التركيز
والميل
والإنحراف عن
الجادة
الصحيحة ، و-
الشيطان - لغة من
شاط وهو
هنا بمعنى
الغرائز
والشهوات لدى
الكائن البشري
، والشيطان
ليس كائناً
منفصلاً عن
الطبيعة
البشرية بل هو
منها ،
وجملة -
فأزلهما
الشيطان - جملة
خبرية تدل على
غلبة
الغرائزية
على العقلية
لدى
أدم
،
ولذلك فهو لم
يمتثل للأمر
بالنهي عن
الإقتراب من الشجرة ، مما
أدى إلى خروج
أدم من الجنة محل
التجربة ، خروج بعد العصيان
وعدم
الإمتثال
للأوامر ،
لذلك قال تعالى
: -
أهبطوا
بعضكم لبعض
عدو ولكم في الأرض
مستقر ومتاع
إلى حين -
وفعل - أهبطوا
- :
من هبط
والهبوط
يعني
الإنخفاض في
الدرجة
والمنزلة ، وهو
هنا ليس بمعنى
النزول من
أعلى
كما قد
يتوهم
وإن كان من
مصاديقه ، بل هو
هنا يعني
الإنتقال من
مكان محدد
يتبع نظاماً
معيناً في
الأوامر
والنواهي ،
إلى مكان أوسع
يكون الأمر
والنهي فيه
خاضعاً لإرادة
الإنسان
وإختياره ،
ومع الأمر
بالهبوط تتجلى
الحكمة من
الخلق في
صيرورة هذا
الكائن مريداً
مختاراً ، وليس
مجبراً
ومسيراً ، وجملة
- بعضكم
لبعض عدو –
إشارة إلى
الصراع الذي
سيعيشه هذا
الكائن مع
رغباته
وشهواته [ وهو
صراع ذاتي ] وهذا
الصراع
سيستمر مع وجود
هذا الكائن
على الأرض ،
وهو
صراع بين
إرادة الخير
والشر وصراع
بين إرادة
الحق والباطل
، وصفة – العدو
– وردت للإستغراق
في وصف الحال
في كل زمان
وكل مكان ،
وهو وصف لما
يخص علاقة هذا
الكائن بمحيطه
وبنزوعاته .
•
ملاحظة :
يعتبر العدل
والحرية
والسلام من
الأهداف المطلوبة
في ذاتها
لذاتها ، ولكي
تتحقق على الأرض ، يتطلب
وجودها سيادة
للقانون الذي
يلزمه هزيمة
للإستبداد
والدكتاتورية
والظلم ، ولأن
منطق الصراع
في الأرض
منطق
مادي موضوعي
لذلك جُعلت -
الأرض -
مستقراً
لهذا الكائن في
إدارة صراعه
وإنجاز
قضاياه
وتحقيق
مطالبه
، وكونها – متاع - فهي
مكان للتمتع
بالحياة لما
تحتويه من نعم
وخيرات ، لكنه
متاع إلى حين
وهذا منه
تذكير باليوم
الأخر اليوم
الموعود ...
* *
*
[ فتلقى
أدم من ربه
كلمات فتاب
عليه إنه هو
التواب
الرحيم ] 37 -
التلقي
هو التلقين ،
و - كلمات –
بصيغة التنكير
تعني مجموعة
القيم
والقواعد
التي تحدد
سلوك وعمل أدم
في الحياة ،
أي إن أدم
تلقى
أو تلقن من
مربيه – ربه - هذه
القواعد
التي
هي : الوصايا
العشر التي
وصى بها الرب
جميع
الأنبياء
والرسل ،
والتي وردت مرتبةً
في سورة
الأنعام من 151
إلى 153 ،
و على النحو التالي :
الكلمة
الأولى : هي
التوحيد وعدم
الشرك .
والكلمة
الثاني :
هي بر
الوالدين
والإحسان
إليهما .
والكلمة
الثالثة : هي
تحريم قتل
الأولاد خشية
الفقر
والإملاق .
والكلمة
الرابعة :
هي تحريم فعل
وإرتكاب
الفواحش ما
ظهر منها وما
بطن .
والكلمة
الخامسة : هي
تحريم القتل
إلاّ بالحق .
والكلمة
السادسة : هي
حماية مال
اليتيم من
التعدي
وحماية
اليتامى من
الظلم الذي يلحق
بهم .
والكلمة
السابعة :
هي العدل في
الميزان وفي
الأحكام
والعدل في
الحياة .
والكلمة
الثامنة :
هي الصدق في
القول والعمل
وتحريم الكذب
في القول
والعمل .
والكلمة
التاسعة : هي
الوفاء
بالعهد والوفاء
بالإلتزامات
وعدم نقض
المواثيق من غير
سبب .
والكلمة
العاشرة :
هي الدعوة للوحدة
ونبذ الخلاف
وحماية الفكر
وحماية الحقوق
وحماية الحياة
من التعدي
والظلم
وحماية
البيئة من
التعسف
والخرق .
هذه
الكلمات التي
تلقاها أدم من
ربه وتعهد بالإلتزام
والعمل بها ،
هي التي أهلت
أدم من جديد ،
ومن خلالها جدد
الله الثقة به
وتاب عليه من
العصيان وعدم
إمتثال
الأوامر ..
ملاحظة :
سياق
النص وعمومه مشعران
بأهمية قبول
الآخر
المختلف ،
وعدم الإنجرار
إلى ردات
الإنفعال
المتعجلة
التي تحدث في
الغالب
نتيجة
لتناقض
الأراء وإختلافها
، فالرب
هنا أراد
تعليم الخلائق
على الصبر
وعلى الحكمة
في إتخاذ
المواقف من
الغير
في القبول
والرفض
، فالمطلوب
هو :
1- طرح
تأثيرات
العواطف
والإنتماءات
الضيقة
جانباً .
2 – والخروج
من دائرة
الإنفعال
والإجراءات
المتعجلة
والسماح
للعقل ان يأخذ
دوره اللازم .
فارادة
الرب تريد عدم
الإحتكام
للإنفعال والغضب الذي
تخلقه
العواطف
الجياشه الغير
منضبطة وكذا
تصنعه
المرحلة
وضغوطاتها ،
فالنظر إلى
الأمام
وتحرير الفعل
من واقع
الزمان والمكان
المحددين هو
مُراد
الرب
، يظهر هذا
في موقفه من
أدم
حين مارس
الخطيئة ، إذ
إنه لم
يستحظر
إغراءات
العقاب
، بل قدم
عوضاً عنها
مجموعة
قوانين تعيد
لأدم توازنه
وشخصيته ، وهي
من وجهة نظر
أخرى تبدو
تعاليم الرب
لأدم وكأنها
بمثابة
التنبيه من
خطورة الإنفعال
،
وعليه يجب ان
يكون مرناً في
مواجهات
التحديات
والمشكلات التي
تعترضه ، لكي
يكون
إيجابياً في
سعيه للخير ،
ونحن نعلم ان -
لا صواب مطلق
أو لا خطأ
مطلق -
هذا بالنسبة
للطبيعة الأدمية ،
وهذا ما أكده
الرب في دعوته
للعمل الصالح
وأثره في
تحرير أدم من
الذاتية ،
وعلى ضوء ذلك قبل
الرب توبة أدم
، بعدما وجد
فيه العزيمة
والإخلاص
والصدق ،
ومعلوم إن فعل
- تاب - فعل
ثلاثي صحيح ،
يأتي في
السياق صفة
وأسماً دالاً
على معناه ، ولذلك
كان - هو
التواب
الرحيم -
ورحمة الله جاءت في
صيغة الصفة
المضافة التي
سبقت عقوبته ،
وذلك لأهمية
العدل والعفو
والسماح
للمخطأ في ان يعيش
لكي يعالج
خطأه ...
قلنا
: أهبطوا منها
جميعاً فإما
يأتينكم مني هُدى
فمن تبع هُداي
فلا خوف عليهم
ولا هم يحزنون
] - 38 -
جملة
-
أهبطوا منها
... - جملة
خبرية في صيغة
الجمع لأدم ومن معه
، لكي يتركوا
دار التجربة
والإختبار
ويعيشوا دار
الواقع
المؤهلة
لحمله
وحمايته ، والتي
من أجلها
خُلق ،
فالخلق في
البدء كان من
أجل بناء
الأرض
وعمارتها ،
ولكي يكون ذلك
كذلك : لابد
لأدم ان يعيش
صراعها
وعنفها بكل
وعيه وبكل
قدرته ، إذ لم
يكن مطلوباً
منه في البدء
وعلى الدوام
ان يعيش الكسل
والدعة
والخمول ،
فالحياة السلبية
مرفوضة من
وجهة نظر الله
لأنها لاتنتج
الإبداع ولا
تصنع الحياة
المثمرة
البناءه ، من
أجل ذلك وعليه
كان يجب لأدم
ان يعيش
الحياة بكل
تناقضاتها
ومشكلاتها
وردات فعلها
ومدى تحمله
وقدرته على
تجاوز ذلك
بنجاح ، وحين
جاء الأمر
الربوبي –
بترك محل
الإختبار
والتجربة - واصل
الرب رعايته
وتوجيهه
قائلاً : - فإما
يأتينكم من
هدى ... -
أي إنكم لن
تتركوا لوحدكم
في مواجهة
قدركم ، بل
سنمدكم بكل
أسباب القوة
وبكل عناصر
الفعل
الإيجابي ،
الذي يمكنكم
فيه تسخير ما
في الأرض
لخدمتكم
ولخدمة
مشروعكم في
البناء
والإعمار ، وموضوعة
الهداية
موضوعة
مشتركة
وفاعلها الله
وأدم في الأمر
والنهي ، لذلك
قال متابعاً : -
فمن تبع هُداي
فلا خوف عليهم
ولا هم يحزنون
- ،
والملاك في
الطمأنينة هو
بالعمل وفق
القواعد ووفق الوصايا
والأصول
المقررة ،
لذلك يكون لا
خوف من الضلال
ولا خوف من
الإنحراف ولا
خوف من إرتكاب
الحماقات ،
وهم في الأخرة
لا يحزنون بل
يفرحون بما
قدمت أيديهم
إتباعاً
للهدى وعملاً به ...
* *
*
[ والذين
كفروا وكذبوا
بآياتنا
أُولئك أصحاب النار
هم فيها
خالدون ]
- 39 -
الكفر
كما بينا في
صفحات سابقة
له معاني متنوعة
ترتبط
بموضوعه
وسياقه ،
والكفر هنا
يعني الإنكار ، كما إن
الكذب هنا
يعني التزييف ، وظاهر
النص يتحدث عن
الجماعة التي
تُنكر وتزيف
آيات الله
البينات ، والآيات
هي جمع آية
والمُراد
بها كل
شيء
معجز أو هي
كل شيء لا
يستطيع الإنسان
الإتيان
بمثله ، ولهذا
عرفت الآية
بأنها المعجزة ،
والآية في
لسان النص
عبارة عن كل أمر
تكويني ، فخلق
السماء آية
وخلق الإنسان
آية وو
...ألخ ،
والغيب هو آية
ونكران الغيب
هو نكران
للآيات ،
ولهذا ربط
الله الكفر
بالآيات وبين
العقاب
المترتب على
ذلك ، فجعل
النار للمنكرين
مثوى لهم
خالدين فيها ،
وقد مربنا شرحاً
لمعنى الخلود
في النار
ومُراده فلا
نُعيد ..
ملاحظة :
نرى
إن النص
يتناول مفهوم
التقابل بين
الإيمان
والكفر ،
ونكران
الإيمان هو
تكذيب للحقايق
الكونية
ولعالم
الوجود ، والتقابل
كما نفهمه من
وجهة نظر
الكافرين ، هو
عدم إتباع أو
لنقل عدم
إلتزام بمبدأ
الهدى ، والذي
يجر إلى رفض
مبدأ الخلق
والخالقية ،
ولذلك وجه
النص الأنظار
لهذا المضمون
، في سياق توجيه
لطبيعة الكفر
والتكذيب ،
وهذا التوجيه
تعيين للواقع
العملي
المطلوب وهو
كذلك تنويه
للخروج من
دائرة
التنظير ،
فنكران
الحقايق
والتكذيب بها
هو نكران
للواقع
الطبيعي ولنظمه
وقوانينه ،
وهذا مالم يتم
وفق دليل وعلم
وحجة ، يكون
صاحبه من أهل
النار بل
مخلدٌ فيها ،
أي إن المطلوب
هو الدليل في
الرفض وفي
القبول ، ...
* *
*
[ يابني
إسرائيل
أذكروا نعمتي
التي أنعمت
عليكم وأوفوا
بعهدي أُوف
بعهدكم وإيآي
فارهبون ] - 40
-
و -
إسرائيل – الصفة
لفظة مركبة من
، - إسرا
- بمعنى
العبد ، و – إيل - بمعنى
الله ، أي إن
إسرائيل هو : - عبدالله
- ، و-
إسرائيل –
الأسم يعني : -
يعقوب بن
إسحاق بن
إبراهيم ) ع ( - ، وبني
إسرائيل هم
بنو يعقوب ،
والخطاب في
النص للجمع ،
ويعني كل بني
إسرائيل من
الأولين
والأخرين ،
قال -
أذكروا
نعمتي التي
أنعمت عليكم - ،
ومفهوم النعمة
التي أنعم بها
عليهم
هي نعمة
: -
النبوة
والرسالة - إذ جعل منهم
الأنبياء
والرسل ،
وأختارهم
للقيام
بمهمات
النبوة
والرسالة وتنفيذها
وكالة عنه
تعالى ، هذه
هي النعمة العظيمة
التي خصهم بها
دون سوآهم ، وبها فضلهم على
كثير ممن خلق
تفضيلا
، وفعل –
أذكروا – يعني
بلغوا
وانشروا هذه
النعم على
العالمين ،
بلحاظ كون
التفضيل بتلك
النعم لا
يخصهم
وحدهم فهو لهم
ولغيرهم من
بني الإنسان ،
، والنعمة هذه
هي شرف لهم
وتميز كما
إنها عهد
وميثاق بين
طرفين هما :
1 - الله
من جهة كونه
صاحب هذه
النعم
وملهمها ومبدعها .
2 – بنو
إسرائيل من
جهة ثانية
الذين
أصطفاهم وفضلهم
بها على
العالمين .
والعهد
صفة شرعية
قانونية تتم
وفق شروط
ومعايير ، تكون
في صيغتها
الإجرائية
على نحو ميثاق
بين طرفين ،
وأي مخالفة
لشروط وفقرات
الميثاق هذا
يُعد ذلك خروجاً
على العهد وما
أُلتزم به ،
والعهد
بطبيعته
الإجرائية
ملزم للطرفين
والتحرر من
هذا الإلتزام
يلزمه موافقة
من الطرفين ،
إذ لا يجوز الخروج
عليه من دون
إذن أو موافقة
الطرف الآخر ،
والإلزام صفة
شرعية
: وهي تذكير
بأهمية العهد
قبل إجراءه أو
الموافقة عليه
، ولهذا نرى
ذلك جلياً في
قوله تعالى : -
وأُوفوا
بعهدي أوف
بعهدكم - ،
فالمطلوب هو
إلتزام
متقابل ، ولا
يعقل ان
نطالب
من
طرف
الإلتزام بأداء
ما عليه من
واجبات
واستحقاقات
دون إلزام الطرف
الأخر بها ،
وهنا يأخذ
التذكير هذا
شكل الإجراء
الحاسم في
اللحظة التي
تتم فيها عملية
الإخلال
بمشروعية
العهد
وميثاقه ،
فالعهد وما
يتبعه ليس
عملية عبثية
أو مزاجية
تابعة للتقلبات
والأهواء ، بل
هو مشروع
متكامل وقانون
فيه عقوبات
وجزاءات ،
وهذا ما يجب
النظر إليه
بعين الرعاية
والإعتبار ،
خاصة وإن
الطرف الأول
الذي هو الله
صاحب النفوذ
والقدرة المطلقة
، لذلك قال في
هذا الشأن : -
وإيآي
فارهبون - ،
والرهبة : هي
الخشية وهي
الخوف ، وقيل :
بل هي الخوف
المركب من
الكلمة
ومعناها ، أي
الخوف من قدرة
الله
والعلم بذلك
على الهلاك
والإهلاك ....
* *
*
[ وأمنوا
بما أنزلت
مُصدقاً لما
معكم ، ولا
تكونوا أول
كافر به ، ولا
تشتروا
بآياتي ثمناً
قليلا وإياي
فاتقون ] - 41
-
أبتدأ
الخطاب هنا
بالدعوة
للإيمان
والتصديق
بالذي أنزله
الله مؤكداً
وموثقاً للذي
نزل عليكم ، وفي
هذا المجال
قال تعالى : - وأمنوا
بما أنزلت
مُصدقاً لما
معكم - ،
فسياق الكلام
في النص
وظاهره ، هو دعوة
للإعتراف بإن
الإيمان في
ذلك واحد غير
مجزء ،
ووحدة
الإيمان كما هي
منتظمة في
سُلم وفي سلك
واحد ، بمعنى نفي
التفكيك
والتفريق في
موضوعة
الإيمان وفي
طبيعته وفي
المطلوب منه ، أعني
الوحدة بين
الإيمان في
المتقدم و
الإيمان في
المتأخر من
الكتب
والأنبياء
والرسل
، بإعتبار
كون مصدر
الإيمان
وغايته واحدة
في هذا الشأن
، فالإيمان
بالمتقدم
يلزمه تصديق
بالإيمان
بالاحق ،
والإيمان
المطلوب : هو
الإيمان بصحة
المُنزل وصحة
صدوره ، وبأنه
صادر من مشكاة
واحدة ، لهذا
يلزم ان يُصدق
بعضه بعضاً ،
وهذا ليس من
قبيل قول أهل
الكلام بل هو
مُراد صاحب
التنزيل ، وقد
خص – بني
إسرائيل – في
البيان دون
سواهم
لإعتبارات
ذكرناها ، منها كونهم
أهل كتاب ، و منهم
كذلك عامة
الأنبياء والرسل
، ولهذا فهم
أولى من غيرهم
بالتصديق بما
نزل من كتاب
وحكمة ، سيما
وإن هذا
النازل يُصدق
بالذي
معهم
، وكما قلنا :
فالهدف منه
تحقيق وحدة
الإيمان ووحدة
مصدر الإيمان
وغايته
، والنص
يُركز على
أهمية ذلك في
سياق تركيزه على
وحدة
الرسالات والكتب ، وذلك
يستلزم
الإيمان لا
الكفر بها وعدم
التصديق أو الرفض
لها ، ،
فالرفض يعني
رفضاً لمفهوم
النبوة
والرسالة من
أصل لما
بينهما
من ترابط
وتداخل ، لذلك
قال منوهاً في
هذا السياق : -
ولا تكونوا
أول كافر به – في
صيغة النفي
والتوكيد المعرفي
، ثم تابع في
السياق نفسه
قائلاً
: - ولا تشتروا
بآياتي ثمناً
قليلا -
أي إن
الإيمان الذي
نطلبه ليس
داخلاً في باب
التجارة
والمساومات
التجارية من البيع
والشراء ، لأن
الإيمان هنا
متعلقه الله
وآيات الله
وهذه ليست من
الأشياء التي
يقع فيها بيع
وشراء ،
إذ مهما كان
الثمن
المدفوع في
هذا المجال
فإنه ثمن بخس ، قليل
الفائدة لذلك
نعته بالقول
إنه –
ثمناً قليلا- ، وهذا
إحتراز قدمه
الله لبني
إسرائيل لكي
لايدخلوا
الإيمان
بالله
وبانبياءه ورسله
في الصفقات
المادية
التجارية ، فذلك
غير هذا في
الماهية وفي
الطبيعة وفي
الغاية ،
وتخصيص بني
إسرائيل في
المقام إشعار
منه بطبيعة
المسؤولية
الملقات على
عاتقهم
ولعلمه بهم ،
جاعلاً من
التخصيص
عنصراً مضافاً
،
يُحتم عليهم
القيام بما
أُوكل إليهم ،
لذلك قال : -
وإياي فاتقون
- رابطاً
بين ذلك
الإيمان وبين
الوقاية من
عدم التصديق
به حماية لهم
ولما هو مطلوب
منهم بالفعل ...
* * *
[ ولا
تلبسوا الحق
بالباطل
وتكتموا الحق
وأنتم تعلمون
] - 42 -
- لا
تلبسوا –
أصلها من
الإلباس
بمعنى الخلط
والتمويه ، وجملة :
- ولاتلبسوا
الحق بالباطل
- أي لا
تخلطوا
الحق وقيمه
في
الباطل
وزواياه ،
فيظهر من ذلك
وكأن الحق هو
الباطل ،
والإلباس
يجري
ليس فقط في
الجانب النظري
والفكري بل
وفي الجانب
العملي
السلوكي إيضاً ، يتم
هذا من جهة
الواقع حين
يكون الكلام
عن الحق بلغة
الباطل في
الإستخدام وفي
التوظيف ،
وبذلك يتم
المُراد من تشويش
الذهن والعقل
معاً لدى
المتلقي ،
بحيث تبدو
وكأن دعوة الحق
ماهي إلاّ
دعوة باطل ،
وطبعاً يتم
هذا وفق منهج
وعمل كيدي
مقصود بذاته
لغيره
، واللبس
والتلبيس في
لغة العرب
المتعلق فيها
وبها دائماً
المُخاطب
سواء أكان
الفرد
أو
الجماعة ، لذلك
قال في السياق : - ولا
تلبسوا .. - أي
ولا تخلطوا
على الناس
مفاهيم الحق وكأنها
الباطل
، متبعاً ذلك
بالقول : - وتكتموا
الحق -
، [
وفعل -
كتم - يدل على
الإخفاء دون
الإظهار في
الشكل والصورة
والصوت ]
، أي إخفاء
في الدال
والمدلول
والدلالة ، لذلك قال ولا
تكتموا الحق ،
والحق هنا هو
التنزيل الذي
جاء
مصدقاً لما هو
موجود بالفعل
من الكتب
ومبينٌ لها ،
فإخفاء
الحق هو في
إلباسه ثوب
الباطل والحديث
عن الحق في
هذا اللباس ، هذا مع
العلم بإن
الحق ورد في
صيغة تأكيد
العلم به قال : -
وأنتم تعلمون
– أي إنكم
تعلمون إنه
الحق ومع ذلك تلبسونه
ثوب الباطل
إخفاءاً له كي
لا يتعرف عليه
الناس
فينجذبوا إليه ...
* *
*
[ وأقيموا
الصلاة وأتوا
الزكاة
واركعوا مع الراكعين
] -
43
-
–
أقيموا - الفعل
في صيغة الجمع
يعني التشييد
والبناء
ومفردها - أقم – ، و إضافت
- الصلاة – إلى
الفعل
من باب التعريف
بالمُراد ،
والصلاة هي
الصلة بين
العبد وربه ،
وهي الصلة بين
الإنسان
وأخيه
الإنسان ،
والأصل فيها من
الوصل ضد
القطع ، وقيل : هي
الدعاء
لغةً
، وفي
الإصطلاح :
قيل هي
مجموعة
الأعمال
المخصوصة
التي يؤديها
الفرد بنية
التقرب إلى
الله ، والأمر
بالصلاة
متعلق بما تؤدي
إليه من
مُراقبة الفرد
لنفسه ،
وهو يعيش
لحظات اللقاء
والتقرب مع الله ،
والصلاة
يلزمها
الوضوح والصدق
لكي تكون
علاقة صحيحة مع الله ،
أي رفض لما يقوم به
البعض من
الإلباس والتلبيس
في الأعمال ،
و معلوم إن مفعول
فعل صلى
وفاعله
متعلق
بالفرد نفسه صاحب
الفعل ، لكن
أثرها عام
بدليل فعل
الإتصال بالغير
من خلال الصلة
بالله ، التي
تجعل من
الشعور
بالأخر جزء من
الشعور
بالنفس ،
ولهذا جعل الرب
الأمر
بالصلاة
ليكون فعلها
في الحياة
أشمل من
حركاتها
الوظيفية
المحددة ، ذلك
لأن الهدف هو
بناء الوحدة
الإجتماعية
المتصلة مع بعضها
، ولكي تكتمل
صورة البناء
المجتمعي عزز دعوته
بالقول : -
وأتوا
الزكاة -
وفعل أتى من
القدوم
والتقديم
والحضور ،
والزكاة من
زكا أي نمى ،
والزكاة هي
التنمية في
مقابل الهدم ،
وهي عنوان عام
لكل ما يمكن تزكيته في
المال والنفس
والعلم
، بل
وفي كل ما من
شأنه ان
يُنتفع به على
نحو عام
، ولهذا أمر الله
بتقديم
الزكاة
تحقيقاً
للتنمية والمصلحة
العامة ، و
تكون أوكد مع
المال بإعتباره
مصدراً
لرعاية
المعوزين
وأهل الحاجة ،
يؤخذ من
الأغنياء
ليكون عوناً
للمحتاجين ، ولهذا
قيل عنها بإنها العنصر
الهام في
ترميم وبناء
المجتمع
والدولة ، ولذلك
تبدو الحاجة إليها
واضحة
، كما تبدو
الحاجة هامة
لدافعي
الضرائب في
ترسيخ الوحدة
الإجتماعية والشعور
بالإنتماء
الوطني
والإنساني ،
ناهيك عن إن
تجميع المال
بيد طبقة
معينة من
الناس وحرمان
الأخرين منه ،
إجحاف بحق
المجتمع وبحق
الحياة نفسها
التي تقوم في
الأساس على
التبادل ،
ولذلك جاء الأمر
بالزكاة على
نحو الإلزام ،
معززاً ذلك الأمر
بدعوته
بالقول : -
وأركعوا مع
الراكعين -
والركوع هو
الخضوع
وإمتثال
الأمر
من
فعل ركع ، وليس
هو الحركة
التي نؤديها
وقت الصلاة
المعينة ،
وصيغة الأمر
بالركوع
مشعرة بوحدة
السياق
في وحدة
الأمر في وجوب
الإتباع
للأوامر في
الصلاة
والزكاة
والركوع لبناء
الحياة
وتطورها ....
* *
*
[ أتامرون
الناس بالبر
وتنسون
أنفسكم ؟ وأنتم
تتلون
الكتاب
أفلا تعقلون
!! ] - 44 -
يسلط
النص هنا على
الإضطراب
الوظيفي والنفسي
والإزدواجية
التي يعيشها
البعض في الفكر
والممارسة ،
جاعلاً من ذلك
الإضطراب إشكالية
معرفية
وإشكالية
منهجية خطيرة
، فقوله
تعالى : -
أتامرون
الناس بالبر -
، ورد هذا
البيان في
صيغة
الإستفهام الإنكاري
، أي إنكار
لحال الناس
الذين يأمرون بالبر
وينسون أنفسهم
، إذ القاعدة
العقلائية
تقول :
إن الأمر
بالشيء يقتضي
الإيمان به ،
لأن العمل مرتب
على أساس
الإيمان
ومقتضاه ،
ولا يتم الأمر
بالبر ويكون صادقاً
من دون الإيمان
بلوازم البر
وما يقتضيه
فالبر يلزمه :
أولاً
: ان
يبتدأ من
الذات المعبر
عنها بلسان
النص بقوله - أنفسكم - .
وثانياً
: إلى
الأخر الذي هو
موضوع البر .
فالأمر
بالبر -
ونسيان النفس
- يعني
ذلك خرق
لقواعد
الإيمان ،
الذي يعني
التضليل
والتجهيل في
مقابل الوعي ،
فالدعوة
للخير والعدل
والسلام دون
الإيمان بها
وممارستها ذاتياً
يعني الكذب
والتضليل
والجهالة والتناقض ،
فالأمر بالبر
لازمه كما قلنا :
1 - الإيمان
به ، إيماناً
ينعكس في صيغة
العمل .
2 - إن
تكون النفس
الآمرةبالبر
قد عاشته على
مستوى الوعي
والقناعة
والعقل
والضمير .
3 - ان
تكون النفس
الآمرة بالبر
حاضرة في
دعوتها غير
مغيبة ولا
غائبة .
وأي
خلل في ذلك يعني
خلل في
الإيمان
بالبر
والإحسان
والعمل الصالح
، وذكر النفس
في هذا إنما
يتجلى في التذكير
بقوله : - وأنتم
تتلون الكتاب
- ، والتلاوة
تعني الترتيب
والتنظيم في
مُرادات الكتاب
وغاياته
وموضوعاته ،
والتلاوة ليست
القراءة
المجردة بل هي
القراءة
القائمة على
التحليل
والتفكيك
والمقاربة ،
لكي تتضح من
الكتاب ما
يريده وما
يطلبه بالفعل
، لذلك ذيّل
ذلك بالقول : -
أفلاتعقلون - ، أي إن
الأمر بالبر
يتطلب حضور
العقل قبل كل
متعلق ، ولهذا
جاءت لفظة
وتنسون بعد
لفظة أتامرون
ولهذا دلالة في
تمام المراد
وحركيته ..
* *
*
[ وأستعينوا
بالصبر
والصلاة
وإنها لكبيرة
إلاّ على
الخاشعين ] - 45
-
في
النص 43 كان الأمر
بإقامة
الصلاة على نحو
تحقق الخضوع
والإمتثال
المطلوب في
معنى - صلاة
الراكعين - ، و يقول
هنا : -
أستعينوا
بالصبر
والصلاة – في
صيغة الأمر ،
والإستعانة :
لغة هي طلب
العون
والمساعدة ،
وأصلها
- أعان –
فعل رباعي
صحيح ،
وطلب العون لا يكون
إلاّ من الآخر
، ومن هنا حدد
الله العون
المطلوب وممن
يطلب فقال : -
أستعينوا
بالصبر
والصلاة - ، وهذا دليل
على إن
الإستعانة
بما هي مصدر
تكون أما ذاتية
وأما موضوعية
، والذاتي معلوم
والموضوعي
مكتسب من
الغير – والصبر
والصلاة تكون
الإستعانة
بهما على كل
مالايمكن
تحمله من جهة
البدن والنفس
، لهذا قال –
أستعينوا
بالصبر
والصلاة - والصبر
المحمود
الموجب :
يعني تحمل
الأذى مع القدرة
على دفعه
ومواجهته ، ولا
يُعد تحمل
الأذى مع عدم
القدرة صبراً
، وأما الصلاة
فهي
الصلة والإرتباط
بعالم القدرة
والفعل ، وطلب
العون
لازم من أجل
التمكن في حال
التدافع وعدم
الأستسلام
واليأس ،
ولذلك قال : -
وإنها لكبيرة
-
والضمير
يعود على
الصلاة وليس
على
الإستعانة ،
أي إن الصلاة
في عمقها
قادرة على
الضخ في عمق الإنسان
كل دواعي
ومقومات
القوة في حال
المواجهة
والتحدي في
الدعوة وفي
الإيمان ، وهي
لهذا كبيرة
ولكن : - على
الخاشعين - الذين
يعيشون
الصلاة بكل
أبعادها
وعمقها
ودلالتها ، وهي
كبيرة للذين
يعيشون
معناها
معايشة حضور ورؤية
، - والخاشعين –
هم كل الذين
تعرفوا على الحق
معرفة اليقين
في كل بُعد
وزاوية من
حياتهم وفي كل
شأن من شؤونات
الكون ...
* *
*
[ الذين
يظنون إنهم
ملاقوا ربهم
وإنهم إليه راجعون
] - 46 -
كان
الحديث في
النص المتقدم
عن صفات
ولوازم -
الخاشعين - ، ولكي
يستكمل هذه الصورة
جاء بالوصف
التالي قال : -
الذين يظنون
إنهم ملاقوا
ربهم ..-
والظن هنا هو
اليقين وليس
الشك كما توهم
بعض التعريفات
المعجمية ،
وصفة اليقين العلم
الموصول بين
عالمي الدنيا
والأخرة ، فهم
يعلمون
إنهم ملاقوا
ربهم في
الدنيا ملاقاة
تجلي في
الصفات
والأسماء ، وليس
ملاقات
مشاهدة و عيان
، وهم في ذلك على
يقين ،
كما إنهم على
يقين بأنهم
إليه راجعون : -
وإنهم إليه راجعون
- وعطف
اللقاء على
الرجوع من باب
الحتم
واليقين
بالنسبة لهم ،
وهذا يستلزم
الإتباع
الواعي
لمتطلبات
الأمر
في العمل
الفكر
والممارسة ...
* *
*
[ يا
بني إسرائيل أذكروا
نعمتي التي
أنعمت عليكم
وأني فضلتكم على
العالمين ] - 47
-
الخطاب
في هذا النص
عام لجميع من
يقع تحت عنوان
أو مسمى -
بني
إسرائيل -
،
ولما لم يُكن
هناك تقييد
نتمسك بالإطلاق
الذي يدل على
ان لفظ
الأبناء في
اللغة والإصطلاح
هم ليس
الأولاد ،
والفرق بين
الأبن والولد
فرق واضح ،
فالأبناء : لفظ عام
ولا يعني
الأولاد من
الصُلب
،والأبناء هم مطلق
الأتباع ومن
بينهم
الأولاد
البايولوجيين
، أي إن كل من
ينتمي إلى
إسرائيل من
جهة نبوته فهو
له أبن
، وكل
الجماعة التي
أمنت به نبياً
من أبناءه ،
والأبوة هنا من جهة
الرعاية
والتعليم لا
من جهة
الولادة
والتناسل ،
وقد أستخدم
النص هذا
لتقريب اللفظ
إلى المعنى
وهذه عادة
جارية في لسان
العرب ، وهي
إستعارة
مجازية في
تقريب اللفظ
إلى المعنى
المُراد بحسب
الواقع وما
كان سائداً في
نسبة المؤمنين
من اليهود [
ببني
إسرائيل] ، فالخطاب
إذن يقول : إن
أتباع
إسرائيل
النبي قد حباهم
الله بنعم
وافرة ، وهي
كثيرة
ومرتبطة بطبيعة
إسرائيل
ودعوته التي
جاءت وفق ما
قرره الله
وأراده ، ومن
بين تلك النعم
إنه أخرجهم من
هيمنة
الطاغوت
وسلطته إلى
فضاء الحرية
ورحابتها ،
ومنها إيضاً
إنه علمهم
الشريعة ونظام
الحياة وحدد
لهم الحقوق
والواجبات ،
فالتفضيل هو
من هذه الجهة ، أي من
جهة كونهم يعلمون
السنن
والشريعة
وغيرهم
لايعلمون
النظام
والقانون ،
فالتفضيل حسب
الواقع تفضيل
للشريعة وما
فيها ، وليس
هو تفضيل لهم
من حيث بشريتهم
، فالبشر عند
الله سواء ،
ونسبة الفضل من
الله إليهم في
ضمير المتكلم
هي نسبة
إعتبارية تعود
لما عندهم من
الشريعة
والنبوة ، فكون
إسرائيل
نبيهم
والنبوة فضل
ولطف واصطفاء منه
تعالى ، لذلك
فضلهم
بالنبوة
وإتباعها ، ولم
يفضلهم
ككائنات
بشرية ، إذ
التفضيل في
الخلق مخالف
للعدل الذي
فيه الكل سواء
قال تعالى : - ولقد
كرمنا بني أدم
- ، ومنه يظهر
معنى كون – فضلتكم
– تعليل
وإشارة لما
سبق من النبوة
والشريعة ،
فهو تفضيل
تشريع لا
تفضيل تكوين ...
* *
*
[ وأتقوا
يوماً لا تجزي
نفس عن نفس
شيئا ولا يُقبل
منها شفاعة
ولا يؤخذ منها
عدل ولا هم
ينصرون ] -
48
-
نحن
هنا أمام فعل
خاص هو
فعل - أتقوا
– المعطوف
الذي والذي
يخاطب به
الواحد في صيغة
الجمع ،
والتقوى هي
الوقاية وهي
الحذر والحيطة
، وفي الفقه
هي الإلتزام
التام بأحكام
الشريعة ، أي
إن العمل
بالشريعة في
الدنيا وقاية
من العقوبة في
الآخرة ، إذ
إن أحكام الآخرة
ناجزة غير
قابلة
للإستئناف ،
وفيها إيضاً : - لا تجزي
نفس عن نفس
شيئا -
ففي الآخرة
تنتفي
الوسائط مع
إنتفاء العمل
بالموت ،
ولايمكن فيها
طلب العون
والنصرة من
أحد ، مهما
كان ذلك الأحد
نبياً أو
إماماً أو
ولياً صالحاً
، ولم يبق
للمرء غير
عمله الذي قام
به في الدنيا
، ذلك هو
العمل الصالح
، وفي اليوم
الآخر تنتهي
السلطة
الزمنية
للأنبياء
ولغيرهم ، وتبقى
سلطة الله
وحاكميته
التي تعمل وفق
ما عمل المرء
في حياته
الدنيا ، وهذا
القول : نفي للشفاعة
في الآخرة من
النبي أو من
غيره كما يدعي
أهل المذاهب
والفرق ،
فهناك تتجلى
أهمية العمل
في الدنيا
وصلاحه ، وفي
سياق نفي
الوسائط حث
الرسول محمد –
ص – أبنته
فاطمة على
العمل وعلى
الإيمان
قائلاً كما في
الخبر
المشهور : - يافاطمة
بنت محمد
أعملي ،
فوالله لا
أغني عنك من
الله شيئا - ، إذن
فالمطلوب هو
صحة العمل
وصحة الإيمان
، وهذا وحده
الكفيل بصيانة
الإنسان
وحمايته في
اليوم الآخر ،
إذ إن مقتضى
العدل الإلهي
ساري في
التطبيق
والجريان على
الجميع دون
تمييز ،
ولكن لماذا
قال تعالى : -
ولايؤخذ منها
عدل - ؟؟
مالمُراد بذلك
؟ وماهو
العدل
المقصود ؟ ، قلنا :
إن العدل في
اليوم الآخر
هو الأحكام
التي تصدر من
المولى بحسب
طبيعة عمل كل
فرد في الدنيا
، أي إن العدل
صفة للموصوف
الذي هو العمل
، فالعدل هناك
من جنس العمل
، ومقياس
العدل في
الآخرة يتناسب
طردياً مع
طبيعة العمل
في الدنيا ،
قال تعالى : - فمن
يعمل مثقال
ذرة خير يره ،
ومن يعمل
مثقال ذرة
شراً يره - ، وهذا لا
ينفي حصول
العفو
والرحمة منه
والعفو والرحمة
كذلك يتحركان
وفق آليات
وسياقات
العمل وطبيعته
، إذ من غير
الممكن وقوع
العفو منه
تعالى في
الآخرة ، لمن
أجرم وظلم
وأستباح دماء
الناس
وأعراضهم ،
وهو غير ممكن
الحصول لمن
أستحل حرمات
الناس وقذف
محصناتهم ،
فهؤلاء محرومون
من رحمة الله
وغفرانه ،
ولهذا جاء
الأمر بالتقوى
قبل ذلك اليوم
تفادياً
وحماية
للإنسان ، كما
إنه رد
للشفاعة من
حيث هي تواكل
وإبطال للعمل
في الدنيا ،
بحجة حصول
الشفاعة في
الأخرة ، وفي
هذا الصدد
ذّكرّ علي بن
أبي طالب الناس
بالقول : -
اليوم عمل
ولا حساب وغداً
حساب ولا عمل -
، فهناك تنقطع
الوسائل
والوسائط ولم
يبق غير العمل
الصالح الذي
ينفع الإنسان
، قال تعالى : -
والعمل
الصالح ينفعه - ...
وإذ
نجيناكم من آل
فرعون
يسومونكم سوء
العذاب
يذبحون
أبناءكم
ويستحيون
نساءكم وفي
ذلكم بلاء من
ربكم عظيم ] –
يواصل
هذا النص
التذكير
بالنعم التي
منَّ الله بها
على -
بني إسرائيل
- بقوله :
- وإذ أنجيناكم
من آل فرعون - ، أي
أنجيناكم من الظلم
والقتل الذي
كان يمارسه
فرعون وجماعته
ضدكم ، ولفظة –
آل -
تعني عموم
الذين أتبعوا
فرعون في فكره
وعقيدته ، وقيل
هي إستغراق في
العدد يُراد
به الكثرة في
الوصف
، وهي لا
تعني – أهل البيت
- أي
خاصة المرء من أهله
،[ كما
توهم
البعض من
المفسرين في قولهم
إن – آل
محمد – هم
خصوص أهل بيته
] ، وهذا
الكلام غير
صحيح
لأن -
الآل
- شيء ،
و- وأهل
البيت -
شيء أخر ، ،
فالأولى
: تعني
كل من ينتمي
أو يؤيد أو
يؤمن بفكر
فرعون فهو من
آل فرعون .
والثانية :
فتعني خصوص
أهل بيت الرجل من
الزوجة
والأولاد ..
وعلى
هذا يكون كل
من آمن بمحمد
نبياً
ورسولاً هو من
– آل محمد -
،
وكذلك الحال
يكون كل من
آمن بفرعون
وفكره
وعقيدته من – آل
فرعون –
، وليس المهم
درجة الإيمان
أو الوعي أو
التمسك بها ، كما
جرى الخطاب في
النص على وجه
العموم ، أي عموم
بني إسرائيل ، أي من
آمن به
نبياً
ورسولاً ،
خاطبهم النص بالقول :
إنني قد
أنجيتكم من –
آل فرعون - ومن
سلطته ومن بطش
أصحابه
وجماعته ،
الذين كانوا
يذبحونكم
وصفاً لحال
التعنيف
والغلظة
والشدة التي
كانوا
يمارسونها بحقهم ، -
ويستحيون
نساءكم - ،
ومفهوم – الإستحياء
- لا
يعني
الحياء ، بل
هو التعدي على
عناصر الحياء
في نساءكم من
الإغتصاب
والقتل
ودفعهن
لممارسة
الرذيلة وكل
عمل مخل
بالكرامة
والحياء ،
والنساء لفظ
عام من – نسا - ويعني
التابعات
لإسرائيل
النبي من
النساء في دعوته
ونبوته ،
والتذكير من
قبل الله بذلك
، إنما يُراد
به حث الجماعة
المؤمنة
بإسرائيل على
التمسك بما
جاء في شريعته
من أحكام ،
كما إن عليهم
واجب الإتباع
وعدم الخروج
على ذلك بدليل
وفرة النعم
التي أغدقها
عليهم
والرعاية والحماية ..
* *
*
[ وإذ
فرقنا بكم
البحر
فأنجيناكم
وأغرقنا آل فرعون
وأنتم تنظرون
] - 50 -
في
النص السابق
كان الكلام عن فعل
النجاة من
فرعون
وجماعته – آل
فرعون - ، وهنا
بيان للكيفية
التي تمت بها
تلك النجاة ،
ضمن الوصف الذي
جاء على نحو : -
فرقنا -
والفرق : هو
التمييز وهو العزل بين
أثنين أو أكثر
بإستخدام وسيلة
أحدى وسائل
العزل
المادية ،
ومادام
الكلام عن
الغرق والبحر
، فالمتبادر
من سياق
الكلام هنا
كون -
الفرق -
بالفعل هو :
الجسر
بمفهومنا
الدارج ،
ولكنه ليس هو
كذلك
بالتأكيد ،
إنما هو وسيلة
عبور أمنة
جعلها الله - لبني
إسرائيل - تحميهم
من بطش فرعون
وآله ، ولهذا جاء
التعليل على
نحو -
نجاة -
بني إسرائيل
، - وإغراق - آل
فرعون -
و فعل أغرق
جاء في
صيغة –
أغرقنا -
التام
الدلالة
المنجز
الفعل
، الظاهر في
قوله : - وأنتم
تنظرون – أي إنكم
كنتم تنظرون
لكيفية
الإغراق
وكيفية النجاة
، وهذه نعمة
مضافة لكم
بفضل مالديكم
من نبوة
ورسالة ، وفعل
– أنجيناكم - فعل
مركب ودلالته
في الإنتقال
بكم من الضفة
التي كان يهيمن
عليها فرعون
وآله ، إلى
الضفة الأخرى
من البحر ،
والبحر هنا
كناية عن
البعد بين
الضفتين ، وهو
من المفاهيم
التي يصح
إطلاقها على
النهر الوسيع
إيضاً ،
بإعتبار ما
فيه من ماء
كثير يصعب معه
العبور ،
ولذلك سمي
البحر كذلك من
هذه الجهة ...
* *
*
[ وإذ
واعدنا موسى
أربعين ليلة
ثم أتخذتم
العجل من بعده
وأنتم ظالمون
] - 51
-
–
واعدنا – من الوعد
الفعل
الثلاثي
الصحيح
المصدر ،
والوعد هنا
ورد في سياق
حركة النقلة
التي حصلت –
لبني إسرائيل
- بعد
نجاتهم
وعبورهم ،
فبعد العبور
والنجاة جاء
دور مرحلة
الإعداد والتوجيه
لتولي مهام
النبوة
والرسالة
والعمل بهما ،
ولأن ذلك
يحتاج لتدريب
مخصوص ، قال –
واعدنا موسى - أي
ضربنا معه
موعداً
لتعليمه وتدريبه وكذا
لإمتحان
قدراته على
ذلك ،
وكان
المُراد من
ذلك ان يعيش
موسى التجربة
في شكلها
العملي
بعيداً عن
المؤثرات في - أربعين
ليلة - ،
ولم يرد في
النص ذكر
للنهار ، وهذا
دليل على ان
نبوة موسى
وملاقاته
بربه كانت تتم
في الليل ، كما في
المرة الأولى
في الطور التي
أنس بها نارا
، كما إن النص
لم يحدد لنا كم
من الليل ، هل
كل الليل أم
نصفه أم ثلثه
؟ هذا الأمر
تركه النص
ونحن لا
نستطيع البت
فيه ، نعم
المتيقن هو إن
اللقاء يتم في
الليل ،
والوصف
بالأربعين
ليلة :
في لغة التنزيل
هي ليست من
الأعداد
الحسابية
المعدودة ، بل هي
للأستطراد
والمثال
والأستغراق
كما نرى
، وهي دوماً
محكومة
بالعامل
النسبي
المختلف في
التحديد
والنظر بين
الله والإنسان
، ويعني ذلك
إن العدد في
لسان النص
يأتي في
الغالب
لتقريب الذهن
، لكي يتقبل
مفهوم حركة
النقلة في المراحل
الزمنية
وتسلسلها
الكيفي ، وهو
تقريب
إقتضائي
ومجال تداوله
- العقل
التجريبي –
الذي هو عقل
كل الأنبياء ،
[ قبل
محمد – ص - الذي
كان عقله
تجريدياً متطوراً
بالنسبة
لعقول باقي
الأنبياء ،
ولهذا قيل إن : العقل
التجريدي
أكمل العقول وأتمها
بالنسبة
للبشر ]
، وذكر –
الأربعين –
لبيان
المتعلق ، وهو
الخرق وعدم
الإلتزام
بقواعد
الشريعة
ووصايا موسى النبي
، والخرق تمثل
في – أتخاذهم
العجل -
إلهاً
ومعبوداً ،
والعجل : هو
ليس ذلك الحيوان
البهيمي
المعروف من
فئة الأبقار ،
بل هو نوع من
الأصنام
عندهم يشبه ما
كان يتخذه عرب
الجاهلية من
الأصنام –
كاللات
والعزى وهبل - ، أي
إنهم في ذلك
قد انحرفوا عن
الشريعة
ووصايا
الرسول إلى
عباداتهم
القديمة في التقرب
إلى الله زلفى
، وهذا دليل
على ضعف إيمانهم
بموسى
وبشريعته ، إذ
لم يكن تمسكهم
بالشريعة في
زمن سلطة
فرعون إلاّ
بإعتباركونهم
مستضعفين
عاشوا الخوف
ولم يكن
إيمانهم عن
إعتقاد راسخ ،
وهذا يعني إن
الإيمان في
زمن الخوف
لايمتلك
مقومات
الصمود لأنه
يعبر عن ردات
فعل هي أقرب
إلى النفاق
منه إلى
الإيمان ،
لذلك كان العبور
من لوازم كشف
الإيمان
وإظهاره على
حقيقته ،
ولذلك قال : - من
بعده وأنتم
ظالمون –
والضمير يعود
لموسى وليس
للعبور
، وقد ورد في بيان
السبب ، أي
إنكم أنحرفتم عن
الإيمان وعن
الشريعة بعد
ذهاب موسى
لميقات ربه ،
والإنحراف
هذا ذاتي وهو - ظلم -
حصل منكم ، ولم
يكن من فعل
الغير كما كان
في زمن فرعون
، أي إنكم
ظلمتم انفسكم
بإتخاذكم
العجل وتركتم
ماعليه موسى
من شريعة
ومنهاج ..
* * *
[ ثم
عفونا عنكم من
بعد ذلك لعلكم
تشكرون ] - 52 -
-
-قوله
تعالى :
- ثم
عفونا عنكم - العفو صفة
القادر ، وهي
من صفات الله
الثبوتية
الموجبة ، ونسبة
هذه الصفة إلى
الإنسان من
باب الإعتبار
والمجاز ، كما
في معظم صفات
الله التي يقع
فيها
الإشتراك في
الوصف مجازاً
وإعتباراً ،
وقوله -
عفونا –
الضمير فيه
يعود لله ، ولا
يعود على موسى
، وإن كان
الملاك في
السياق متعلق
بالخلاف مع
منهج موسى
وشريعته ، فيكون
المعنى : - إن
الله قد عفا
عنكم بعد
توبتكم
وإعترافكم
بخطئكم -
وهذا المعنى
يوحي بان
المطلوب عند الله
عدم الإصرار
على الخطأ
والخطيئة ،
وجملة -
لعلكم
تشكرون –
تعليل وإثبات
لحسن النوايا
من جانب ،
ودفعهم
للإعتراف
بخطئهم والعودة
إلى حضن
الشريعة
والوصايا
الحقة من جانب
أخر ،
والشكر يعود
للعفو ، أي إن
شكر من
بإستطاعته
العقوبة
واجب ،
كما إن
العزم على
عدم
العودة
للخطأ
والخلاف من
جديد واجب
إيضاً
، ووجوب
الشكر يلزمه
إعتراف
بالخطأ
وبقدرة الله ...
* *
*
[ وإذ
ءاتينا موسى
الكتاب
والفرقان
لعلكم تهتدون
] - 53 -
فعل
- أتى –
فعل ثلاثي
صحيح المصدر ،
ويعني القدوم
والحضور
والعطاء
والنزول ،
والفعل في صيغته
– أتينا –
تعني قدمنا
إلى
موسى -
الكتاب
والفرقان - [ أي
كلمنا موسى ،
فنبوة موسى
تمت عن طريق
الكلام
المباشر ، وقد
ورد في الكتاب
قوله : -
وكلم الله موسى
تكليما - وليس
عن طريق الوحي
والملائكة ] ومعلوم
إن الإتيان
يتم عن قرب
وملامسه وهو
غير المجيء
الذي يكون فيه
الوقوع من بعد
، والكتاب : هو
رسالة موسى في
الأمر والنهي
وفي
احكامهما ،
والرسالة : هي
مجموعة
النصوص والأبواب
والموضوعات
والفصول ،
مثل باب
الصلاة وباب
الصوم وباب
الزكاة
وغيرها .
وأما
الفرقان : فهو نبوة
موسى في
التوحيد وفي
الغيب وفي الخلق
وفي التكوين
وفي الوصايا
العشر وفي
أحكام الحق
والباطل .
والفرقان : هو فصل
من فصول
الكتاب
و هو جزء منه
، والتفريق
بين الكتاب
والفرقان
لازم لمعرفة كلاً
منهما ،
والفرق بينهما
كالفرق بين
الكتاب
والقرآن ، [
فالقرآن فصل
من فصول
الكتاب وليس
هو الكتاب هو
جزء منه ، هو
النبوة
وليس
الرسالة ]
، والأمر
كذلك بالنسبة
للكتاب
والفرقان ،
أعني بالنسبة
لنبوة ورسالة
موسى ،
وجملة -
لعلكم
تهتدون -
بيانية
تعليليه ، أي
لكي تهتدوا
بالكتاب والفرقان
، لأنهما
أتيا
لهذا السبب ،
فسبب الإتيان
هو الهداية ...
* *
*
[ وإذ
قال موسى
ياقوم إنكم
ظلمتم أنفسكم
بإتخاذكم
العجل فتوبوا
إلى بارئكم
فاقتلوا
أنفسكم ، ذلكم
خير لكم عند
بارئكم فتاب
عليكم إنه هو
التواب
الرحيم ]
54
-
أعتبر
موسى مخالفة
أوامر الله ظلماً ،
ولذلك قال : -
ياقوم إنكم
ظلمتم أنفسكم
- ، وصفة الظلم
من حيث هي إن تعلقت
بالنفس عُدت
من
أسوء أنواع
الظلم
وأقساها ، ومن
أجل رفع الظلم
هذا تقدم موسى
بمبادرة -
التوبة - ، قال فيها
: - فتوبوا إلى
بارئكم -
والتوجه
بالتوبة إلى
البارئ دون
غيره من
الأسماء
والصفات ،
دليل
على إن صفة
البارئ هي
القادرة على
محو الذنب
وإزالته ، وهي
من
الإبراء أو
التبري
، ومعناها
طلب البراءة
من الذنب
الذي
علق في الذهن
والعقل بسبب
الإعتقاد
الباطل في مسألة
العجل ، ولذلك
جعل التوبة
موازية لحجم الذنب
، قال : -
فاقتلوا
أنفسكم –
، أي إن التوبة
الصحيحة في
هذا المجال هي
بقتل النفس ، وفعل –
أقتلوا – ليس
بمعنى أذبحوا
أو أعدموا
أنفسكم
، بل المُراد
به هو تصحيح
الإعتقاد من
خلال إلغاء
سلطة – النفس
الأمارة
بالسوء
– من
الهيمنة
وطردها من
ساحة التأثير
والفعل ، وهذا
تعبير مجازي
جاء من باب
الإستعارة
للتدليل على
عظم وخطر
الفعل الذي
قاموا به
بإتخاذهم
العجل إلهاً ،
فهذا الفعل
منهم هو قتل
للنفس وحرف
لها من ان
تعيش الإيمان
على نحوه
الصحيح ، فجاء
موسى ليصحح
لهم المسار من
خلال التركيز
على قتل دواعي
الإنحراف
بالنفس
معتبراً ذلك
هو التوبة
الصحيحة ،
التي تحقق لهم
رضا البارئ ، من
خلال قوله : -
إنه هو التواب
الرحيم - ،
وصفة التواب
تعني الكثير
التوبة وهي
صفة مبالغة ،
أي إنه قابل
التوبة
لرحمته أولاً
، ولعلمه
بأنفسكم
ثانياً ...
* *
*
[ وإذ
قلتم ياموسى
لن نؤمن لك
حتى نرى الله
جهرة فأخذتكم
الصاعقة
وأنتم تنظرون
] - 55 -
ظاهر
النص يتناول
الطبيعة
المعرفية
للإيمان ، تلك
الطبيعة التي
كانت قائمة
على التجربة والمشاهدة
، وهذه
الطبيعة كانت
جارية في حياة
الأنبياء قبل
محمد – ص -
، فهذا
إبراهيم النبي
وقصته
المشهورة
وقوله – ربي
أرني كيف تحيي
الموتى ؟ - ، وهذا
موسى نفسه سار
على الطريق
يظهر ذلك في
مقولته
الشهيرة – ربي أرني
أنظر إليك - ، أي إن
أدوات
المعرفة التقليدية
في العقل
التجريبي
تعتمد في الإثبات
والنفي على
المشاهدة
الحسية ،
والتي على ضوئها
يحكم ويُصدق ،
والعين هي
واحدة من أدوات
العقل
التجريبي ،
ولهذا طلب قوم
موسى منه ان يريهم
الله جهرة ،
قالوا : - لن
نؤمن لك حتى
نرى الله جهرة
- ، أي
إنهم ربطوا
التصديق بنبوته
وإنه مرسل من
قبل الله
بالرؤية
الواضحة – جهرة
– أي جهاراً ، ،
على نحو عملي
محسوس ومشاهد
، وهذا ليس من
باب رد دعوة
النبوة بقدر
ما هو جري في
سياق ما هو
سائد بالفعل
من المعرفة ،
ولذلك لم يقع
ذلك منهم عند
الله مورداً
للتعجب أو
الإستغراب ،
ولهذا كان
الجواب منه
عليهم من
طبيعة السؤال
نفسه ، قال –
فأخذتكم
الصاعقة
وأنتم تنظرون - ..
ملاحظة :
نرى
في النص إن
الإيمان عُلق
بالرؤية ،
والسؤال
المطروح ، هل
المقصود من
ذلك : هو رؤية
الله بما هو
ذات مقدسة ؟ أم إن
المُراد منها : هو رؤية
صفاته في
القدرة
والعظمة ووغيرها ؟
ظاهر
القول منهم
يبدو وكأن
المُراد هو –
ذات الله – بما
هي هي ، ولكن
هذا السؤال
على هذا النحو
يكون ممتنع
بدليل إن ذاته
ممتنعة قال : -
ليس كمثله شيء
- فذات
الله ليست هي
الله ، إنما
الله مظهر
وصفة من صفاته
، وظهور وتجلي
صفاته ممكن
إذا
كان المطلوب
منه إثبات
الإعتقاد
والإيمان ،
وهذا ظاهر
كلام قوم موسى
في ان يريهم
الله جهرة ،
فاخذتهم الصاعقة
: التي هي
الرجفة مع
فقدان
التوازن
والإحساس
المصحوب
بالذهول
والإندهاش ،
وأصلها من – صعق
- الدال
على الحدوث
اللحظي
الفجائي ، وقد
حدث ذلك لموسى
نفسه حين – خر
موسى صعقا - ،
وجملة -
وأنتم
تنظرون –
متعلقة بجواب
الشرط
-
بالصعقة –
وليست
بالرؤية ، أي إنكم
تنظرون لقدرة
الله وكيف
تجلت بالصعقة
لإثبات نبوة
موسى وإنه
مرسل من قبل
الله ...
* *
*
[ثم
بعثناكم من
بعد موتكم
لعلكم تشكرون
] - 56 -
الملاحظ
لظاهر النص
يجد إنه يتحدث
عن البعث بعد
الموت
الطبيعي ، لكن
واقع حال النص
إنما يتحدث عن
ذلك في ظل ما
تقدم من
سياقات
الإيمان والتصديق
في نبوة موسى
، وهذا يعني
إن مفهوم البعث
هنا هو غير
مفهوم البعث
هناك في الدار
الآخرة ، كما إن
الموت هنا هو
غير الموت
المعروف ، بدليل
كون الموت
هنا
جاء كصفة
للموصوف ، أي
لما كان قد
حصل لقوم موسى
نتيجة -
للصاعقة - ، التي
أدت في لحظة
ما إلى فقدان
الشعور
والإحساس
بالحياة ،
وتسمية
ذلك الحدث
بالموت يأتي
من باب
الإستعارة
اللفظية
والكناية
المعللة ، فالموت
هنا لا يعني
ذهاب الروح عن
البدن ، بل هو
الحدث
المصاحب
للصعقة من
الذهول
والخوف والإندهاش
، وإطلاق لفظ
الموت عليه
تجوزاً لعظمة الفعل
وما تلاه ،
والبعث : هو
ليس عودة
الروح للبدن ،
بل هو عودة
الإحساس
والشعور ورفع
حالة الخوف ،
وهو إرجاع من
وقع تحت هول
الصاعقة إلى
وضعه الطبيعي
، وقد سمى
النص ذلك
بعثاً لأهميته
وعظمته ،
وللتأكيد على
ما نحن فيه ،
تكون الصاعقة
: ليس الفعل
المادي الذي
يحصل من التماس
الكهرومغناطيسي
مع جو الأرض ، بل هو
فعل ذاتي يحصل
للفرد حين
يتعرض لشيء
أكبر مما هو
مألوف ، بدليل
قوله تعالى :
فأخذتكم - والأخذ
بلسان النص
يعني بيان لقدرة
الله أو هو
بيان لما حصل
منها ، ويكون - الأخذ –
في لحظة
التحدي أو في
لحظة التأكيد
عليه ، ولأن
ذلك كذلك : جاء
التعليل
بصيغة التمني
بقوله – لعلكم
تشكرون -
ولا يكون الشكر
إلاّ مع
الوجود
بالفعل ، أي
لعلكم تشكرون
قدرة الله في
عودة الإحساس
والشعور لكم
بالحياة من جديد
بعد ان سلبها
منكم
..
* *
*
[ وظللنا
عليكم الغمام
وأنزلنا
عليكم المن والسلوى
، كلوا من
طيبات ما
رزقناكم
وماظلمونا ولكن
كانوا أنفسهم
يظلمون ] -
57 -
–
وظللنا
عليكم الغمام
– الظلال جمع
ظل وهو كل شيء
يقي الإنسان
من الحر أو
البرد
، [ قال الطبري
و – الغمام - :
هو ما غم
السماء
فالبسها من
سحاب وقتام
وغير ذلك مما
يسترها عن
أعين
الناظرين ،
وكل مغطى فان
العرب تسميه
مغموماً ] ،
والغمام
عندنا هنا : هو
السحاب الخفيف
اللطيف ، الذي
جعله الله لهم
لينزع منهم الخوف
والتوتر الذي
حصل بفعل ما
حدث لهم من -
الصاعقة - ، وأما
قوله –
وأنزلنا عليكم المن
والسلوى -
،[
أنزلنا أي صيرنا
أو جعلنا أو
وضعنا أو
وهبنا
، والأنزال
من باب الأفعال
] ، وقد أعطى
النص
للأنزال هنا
قيمة مادية ، ليتم
به عملية
التهدئة والسكينة
، وهو
لا يعني
النزول من أعلى
كما قد يتوهم
، بدليل إنه
جعل لهم
- المن
والسلوى –
مأكلا وهما من نعم
الطبيعة ،
والجملة كما
يظهر أرشادية
في التنبيه
لأهمية
التوازن
الداخلي وضرورة
– المن
والسلوى – في ذلك
الشأن
، يأتي هذا
بعد ما حصل
لهم من هبوط أثر الخوف
، فكان لازماً
رفع قوى
الحياة فيهم ، لذلك
جعل الله لهم
مما حولهم
طعاماً وشراباً
ونبههم
إلى ذلك ،
بدليل قوله : -
كلوا من طيبات
مارزقناكم - وإضافت
الطيبات للرزق
دليل على إن –
المن والسلوى
- كانتا من
طيبات الرزق في
الطبيعة التي
من حولهم ، [
وهذا الكلام
إنما يجري في
سياق الحركة
التي تمت ، بعد البعث
والأمن
والأستقرار ] ، وأما
قوله تعالى : -
وماظلمونا
ولكن كانوا
أنفسهم
يظلمون -
فهو توكيد
منه على إن
مخالفة
الأوامر -
باتخاذهم
العجل -
كان ظلماً
لأنفسهم ، ولذلك
جاء الربط منه
في الإستثاء
التالي -
ولكن كانوا
أنفسهم
يظلمون - ، أي
إنهم في فعلهم
المخالف قد
ظلموا أنفسهم ...
[
وإذ
قلنا أدخلوا
هذه القرية
فكلوا منها
حيث شئتم رغدا
، وادخلوا
الباب سجدا ،
وقولوا حطة
نغفر لكم
خطاياكم
وسنزيد
المحسنين ] – 58
–
ادخلوا –
هذا الأمر
موجه لموسى
وقومه ان
يدخلوا
– هذه القرية
– وهذا
الأمر ياتي في سياق
الحديث
عن الوضع
الذي عاشه قوم
موسى بعد
العبور ، و -
القرية - هي أسم
لمكان ما ، وقد
أختلف الرواة
في أسمها
وصفتها
، ولم يذكر
لنا الكتاب
المجيد أسم
ذلك المكان
وصفته إنما
ترك الأمر
هكذا مبهماً ،
والقرية
عندنا ليس سوى
مكان لتجمع
الناس
وعيشهم
، وإضافة أسم
الإشارة
إليها يأتي في
مقام البيان
والأهمية
اللاحقة ، من حيث
كونها صارت
مكاناً
للأستقرار
والرزق ،
بدليل قوله
تعالى :
- فكلوا
منها حيث شئتم
- أي
كلوا من خيرات
هذه القرية كما ترغبون
، والمشيئة في
لسان النص هي
للتشريع بدليل
وجود فعل
الأمر –
كلوا – ،
وأما قوله –
رغدا -
فهو تعبير عن
كثرة الرزق الطيب
الهنيء
، ثم قوله : -
وأدخلوا
الباب سجدا - ،
والسجود هو
التواضع ونكران
الذات حين
الدخول ، أي
أدخلوا
بتواضع دخول
المسالمين
وليس دخول
المتكبرين أو
المحاربين ،
ولكي يستكمل مشهد
الدخول أمرهم
بقوله : -
وقولوا حِطةُ
نغفر لكم
خطاياكم –
المطلوب هو ان
يقولوا قولاً
يغفر الله لهم
فيه ذنوبهم ،
وحِطةُ على وزن
فعله ، وهي من
الحط أي الرفع
، ومعناها
أحطط عنا [ أي
أرفع عنا ]
خطايانا
وذنوبنا ، والخطايا
جمع خطيه أي
الذنوب
الكثيرة ،
ويكون معنى
قوله -
حِطةُ
- هي
الإستغفار من
الخطايا
والتوبة
النصوحة منها
، وهذا القول
وحده الذي
يزيل الخطايا
ويحقق
المغفرة من الله
، ومن يستغفر
الذنوب يُغفر
له ، ومن يفعل
ذلك فهو
المحسن ، لذلك
قال – وسنزيد
المحسنين – فضلا
ونعمة ...
–
* *
*
[ فبدل
الذين ظلموا
قولاً غير
الذي قيل لهم
، فأنزلنا على
الذين ظلموا
رجزاً من
السماء بما كانوا
يفسقون ] -
59 -
فعل
– بدل – من
أفعال الحركة
و يعني التغيير
في القول
والعمل
، والتبديل
متعلق بالقول
الذي طُلب
منهم ، وقد
سماه الله - ظلماً - كما
يظهر في قوله
تعالى : - فبدل
الذين ظلموا
قولاً غير
الذي قيل لهم – ، أي
إنهم بدلوا
قولهم ومما
كانوا مأمورين
به بعد
ما دخلوا
القرية
،
وهذا
التبديل في
القول
والعمل
هو الذي وصفه
النص بالظلم ،
قال تعالى - الذين
ظلموا - ، أي إن
الذين بدلوا
قولهم
بالتغيير هم
الظالمين ، و
الظلم في
القول له يظهر
بالكذب
وبتشويه
الحقيقة
وبتغيير
السلوك
، والظلم في
لسان النص هو
كل مايقع على
الإنسان
نتيجة
لمخالفته
الشريعة
والأمر ، والقول
المُبدل هو
القول
: –
حِطةُ -
كما يظهر في
النص السابق ،
الدال على
الإعتراف
بالذنب
والبراءة منه
بالإستغفار ،
وإستبدال ذلك
القول بقول
غيره ، هو
ظلم وتعدي على
– أهل القرية - من دون
وجه حق
، وهو
تخريب
للقرية
وتدمير لخيراتها
وممتلكاتها ،
لذلك قال : – أنزلنا
على الذين
ظلموا رجزاً
من السماء –
، والرجز : هو
العذاب في
صيغة مادية
يعيشونها
بالفعل
والواقع ، ووجود
السماء
مرافقاً
للرجز دليل
على إن العذاب
كان في مقابل
الظلال التي
منّ الله بها
عليهم ،
والإشارة إلى
السماء تأتي
من باب كونها
تمثل مركز
القوة التي لا
سلطة لهم
عليها ،
ويكون ذلك
بمثابة الوصف
للعذاب أو
للعقوبة ككونها
من القوة بحيث
لا يمكن ردها
أو الحؤول دون
وقوعها ،
والسماء :
لا تعني الجهة
في مقابل
الأرض
، بل
هي صفة للقدرة
في تحقق
العذاب من جهة
القول ، وهذا
إستخدام
مجازي من باب
الإستعارة
لغلبة مفهوم
اللفظ ومعناه
في ذهن
المتلقي ، فالأرض
من حيث الواقع
هي سماء لغيرها
من الكواكب .
ويكون
معنى الكلام
في النص هو : إن الله عذب
من بدلوا
قولهم وما
أتفقوا عليه
حين دخلوا
القرية سجدا
وقالوا حطة ، وكل من
يبدل قوله من
بعد ميثاقه
يستحق
العذاب
، وأما قوله :
- بما
كانوا يفسقون
-
فالضمير فيه
يعود على
الذين بدلوا
قولهم
، والفسق : هو كل خروج
على الشريعة ،
وأصله من فسق
المرتبط
بعصيان الأوامر
وفعل
المنكرات ، لذلك
كان العقاب
منه تعالى
مرتبط بطبيعة
فعلهم
وخروجهم على
الشريعة
والنظام ...
* *
*
[ وإذ
استسقى موسى
لقومه ، فقلنا
اضرب بعصاك الحجر
، فانفجرت منه
اثنتا عشرة
عيناً قد علم
كل اناس
مشربهم ، كلوا
واشربوا من
رزق الله ولا
تعثوا في
الأرض مُفسدين
] -
60 -
فعل
-
استسقى – فعل
ثلاثي صحيح المصدر
، من السقاية
ويعني
طلب السقاية ،
وطلب السقاية
يكون بعد
إنحباس
الأمطار ونضوب
المياه ، وطلب
موسى السقاية
من الله لقومه
بإعتبار
كونه
الوسيط
بينهم وبين
الله القادر ، فكان
الجواب منه
تعالى يتحرك
وفق سياقات
الواقع
الموضوعي
الذي رافق
نبوة موسى ،
بدليل قوله
تعالى : -
فقلنا أضرب
بعصاك الحجر - والقول
يبين لنا هنا
حركة النقلة
في إثبات نبوة
موسى موضوعياً ، فجواب
الطلب كان من
الله
على نحو فعل : -
أضرب - ، والضرب
ليس هنا الضرب
المتبادر
الشائع في
الذهن العام ،
بل هو الضرب : هو
الرفع والتحريك
، وإضافة –
العصا -
للفعل
بإعتبار كونها
أداة القدرة
بيد موسى في
إثبات نبوته ، ، فكأن
المُراد هو
التدليل على قدرة
عصا موسى في
تلبية طلب
السقاية ، قال
– فانفجرت – بعد
الضرب –
اثنتا عشرة
عيناً -
، والإنفجار
: هو قوة دفع
داخلي تحصل
بأثر تحريك
خارجي ، يكون
بمثابة قوة
ضغط في إخراج
المياه
الجوفية من
باطن التربة
إلى سطح الأرض
، ولم يكن
الأمر مجرد – خروج
دفعي للماء - ، بل كان
تشقق للصخرة على
نحو منتظم
ومحدد بعدد ما
له دلالة خاصة
، في إستيعاب
هذا
العدد
لقوم موسى ،
والعدد هو - أثنتا
عشرة
عيناً -
: عدد
صحيح دال على
عدد الأسباط من قوم
موسى ،
لذلك قال لكي
يعلم : - كل اناس
مشربهم -
، ثم بعد ذلك
أمرهم بالأكل
والشرب
معتبراً ذلك
العطاء رزق من
الله لهم
يستوجب الشكر
عليه ، قال - ولا
تعثوا في
الأرض مفسدين
- ، وصيغة النهي
في الفعل هنا
للتحريم ، أي
تحريم كل فساد
في الأرض ، لأن
الفساد تخريب
للأرض
بماعليها من
خيرات ونعم
وهبها الله
للإنسان كي
يتمتع بها ...
* *
*
[ وإذ
قلتم ياموسى
لن نصبر على
طعام واحد ،
فادع لنا ربك
يُخرج لنا مما
تنبت الأرض من
بقلها
وقشآءِها
وفومها
وعدسها
وبصلها ، قال :
أتستبدلون
الذي هو أدنى
بالذي هو خير
؟ ! أهبطوا
مصرا فإن لكم
ما سألتم
وضربت عليهم
الذلة
والمسكنة
وباءو بغضب من
الله ذلك
بأنهم كانوا
يكفرون بايات الله
ويقتلون
النبيين بغير
الحق ، ذلك
بما عصوا
وكانوا
يعتدون ] - 61 -