أسباب النزول في الكتاب المجيد

هذه المقالة هي دراسة وهي بحث تابعنا فيها أصحاب القصص والخيال من الصحابة ومن التابعين ممن أخترع لنا مقولة - أسباب النزول - أو موضوعة - شأن النزول أو مناسبة النزول على رأي الزركشي في البرهان - ، ومقولة - أسباب النزول - جاءتنا من خلال أقوال تُنسب إلى بعض صحابة رسول الله (ص)، وقد ألف فيها جماعة من العلماء وكان الأشهر من بين هؤلاء أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، والذي يُعد كتابه - أسباب النزول - الأوسع شهرةً من بين الكتب والمؤلفات الأخرى في هذا الفن بحسب شهادة جلال الدين السيوطي في ذلك .

يقول الواحدي : - فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب ، إبانة ما أنزل فيه من الأسباب ، إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها ، وأولى ما تصرف العناية إليها ، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها ، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها - .

ويؤيده في ذلك ابن تيمية بقوله : - إن معرفة سبب النزول يعين على فهم الآيات ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب - .

ولكن الزركشي في كتابه البرهان لم يقتنع بالسبب فقال بالمناسبة نقرأ ذلك بقوله : - قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا ، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب في نزولها ، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع - ، وعبارة الزركشي هذه إشارة إلى ما يُنسب إلى الإمام علي عليه السلام في قوله - مناسبات النزول - لا أسباب النزول - ، والفرق بين المناسبة والسبب فرق واضح لا يخفى على أهله ولمن أحاط بعلوم اللغة ودلالتها .

وجدلية القول بوجود السبب للنزول لازمها أو تابعها هو : أن لا يتم النزول ضرورة إلا بوجود السبب لذلك !! ، وهذا القول أو هذا الإلزام : هو من قبيل إساءة الظن بالله و نسبة الجهل إليه - نعوذ بالله - ، ففي الغالب يكون السبب المذكور مخالفا للعقل وللمنطق ومستلزم لنفي العقيدة الصحيحة للإسلام ، ومن أجل بيان تهافت القول - بسبب النزول - ، نورد لكم بعض النصوص لا على التعيين لترون بأنفسكم نوع وطبيعة هذا التهافت وهذا الجهل ، الذي أستشرى وساد في أوساط كتب المفسرين والفقهاء والمحدثين ، ومنه سوف تعلمون كذلك كم نحن بحاجة إلى مراعاة الدقة في قراءة النصوص والأحكام قبل الإنسياق في دهاليز البحث والتفسير .

النص الأول :

هو ما أدعاه بعض المفسرين حول جملة - غير أولي الضرر - الواردة في قوله تعالى : - لا يستوي القاعدون من المؤمنين ( غير أولي الضرر ) والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم – النساء 95 ، والتي قالوا عنها إنها لم تكن موجودة في كتاب الله مع هذا النص ثم جاءت أو نزلت لا حقاً وعلى نحو مستقل ومنفصل ، ومن ثم أدمجت مع هذا النص .

وقالوا في تعليل سبب نزولها : إن – عبدالله بن أم مكتوم - استغاث بالله وتضرع إليه قائلاً : - اللهم إني ضرير فرخص - فأنزل الله قوله - غير أولي الضرر - ، فهم قالوا إن قوله : - لا يستوي القاعدون من المؤمنين .. - لم يستثن العاجزين من الجهاد ، وإن النص أعطى الفضل وعلى نحو مطلق للمجاهدين على القاعدين ، فقال أبن أم مكتوم لرسول الله : يا رسول الله مالي رخصةٌ ؟ قال : لا ، قال : أبن أم مكتوم - اللهم إني ضرير فرخص – فأنزل الله ( غير أولي الضرر ) وأمر رسول الله الكاتب فكتبها - تفسير الطبري ج5 ص 228 و229 - ، والحق إن النص 95 من سورة النساء يتحدث عن القاعد من غير سبب وليس القاعد بعذر ، وأما أهل السبب فمرخص لهم القعود عن الجهاد وعن القتال ، ولو أخذنا بما يقولونه عن سبب نزول هذا النص ، فإن ذلك يستلزم القول أو نسبة الجهل إلى الله ، أي إن الله وهو يضع أحكامه إنما يضعها من غير علم أي إن الله يفوته الكثير من الاحكام حتى يذكَره الناس !!!!!! وهذه مغالطة واضحة فالله حينما يضع أحكامه يضعها شاملة كاملة تامة ليس فيها نقص أو نسيان ، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى تذكير من أحد فيما يجب وفيما لا يجب ، والنص كما هو لا يحتاج إلى كل هذا التكلف وهذا التعقيد بحيث يتعذر على الله إيجاد عذر شرعي لمن به علة وعجز بالفعل ، يدعوه ذلك العجز لترك الجهاد والقعود عنه ، ويكأن الله ينتظر من يذكَره بما عليه فعله !!!!! ، وهذا كما ترون قول مخالف للعقل وللمنطق لأن ذلك المفهوم يولد الكثير من التوالي والتوابع الفاسدة ، والتي تستلزم جهل الله بأحكامه وقوانينه للحياة .

النص الثاني :

روى البخاري عن عبدالله بن عمر في سبب نزول قوله تعالى : - ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره - التوبة 84 .

قال أبن عمر : لما توفي عبدالله بن أبي ، جاء أبنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ، ثم قام يُصلي عليه ، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه ، فقال : تُصلي عليه و هو منافق !!! ، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم ؟ ، قال : إنما خيرني الله فقال : - أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم - ، فقال : سأزيده على سبعين ، قال : فصلى عليه رسول الله وصلينا معه ، ثم أنزل الله عليه : - ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون - صحيح البخاري ج4 ص86 - .

ونحن نرى إن في سبب النزول هذا تهافت واضح ومنه ما يلي :

أولاً : للوهلة الأولى يظهر لنا في هذه الرواية وكأن عمر بن الخطاب أعلم من رسول الله بأحكام الله ونصوصه ، ذلك إن عمر بن الخطاب منع أو أعترض على رسول الله في أن يُصلي على المنافقين ، معتبراً صلاة النبي بمثابة المخالفة لحكم الله وقانونه !!!! .

وثانياً : تقول الرواية : إن رسول الله قال لعمر إن الله خيرني في المنافقين - أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم - وتلا قوله : - أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم - التوبة 80 ، في حين إن المعنى في هذا النص دال على إن الإستغفار أو عدم الإستغفار سواء عند الله بالنسبة للمنافقين - أعني إن الإستغفار للمنافقين أو عدم الإستغفار للمنافقين لا معنى له - ، وذكر العدد سبعين في البين إنما جاء على نحو المبالغة والكثرة لا الحصر العددي ، ومعنى هذا إن رسول الله ليس مخيراً في الأستغفار للمنافقين بل إنه منهي عن ذلك ، وأما قول أبن عمر أو ما يُنسب إليه فلا زمه أن يكون رسول الله لا يعلم مفاد الكلام ودلالته في لغة العرب وقواعدها ، وبالتالي فهو لا يعلم معاني الكتاب المجيد وماجاء فيه - نعوذ بالله من ذلك - .

وثالثاً : والرواية تريد القول : أن لو أستغفر لهم الرسول أكثر من سبعين مرة فسيغفر الله لهم ، وكأن السبعين هي الحد - بين الأستغفار وعدم الاستغفار - !! مع إن كلمة - سبعين - وردت هنا كناية عن الكثرة لا دليلاً على العدد المعين المحسوب ، ومعناه : إن الإستغفار للمنافقين لا معنى له وإن كثُر و زاد .

النص الثالث :

وأيضاً روى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه في سبب نزول قوله تعالى : - ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُربى من بعد ما تبين لهم إنهم أصحاب الجحيم - التوبة 113 .

روي عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أميه ، فقال النبي : أي عم قل : لا إله إلاّ الله ، أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أميه : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب ؟ فقال النبي : لأستغفرن لك مالم أُنه عنه ، فنزلت : - ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم - صحيح البخاري ج8 ص 87 ، ويكأن شأن النزول هذا يريد أو يقصد معنا معين ألاّ وهو - موت أبو طالب مشركاً و من أهل الجحيم - !! هذا هو المقصود وهذا هو المُراد ، ونقول : إن هذا القول باطل من الأساس بدليل :

أولاً : إن هذا النص نزل في السنة التاسعة للهجرة ، وأما وفاة أبو طالب فكانت في السنة الثالثة قبل الهجرة - أنظر سيرة أبن هشام ج1 ص 416 - ، أي إن وفاة أبو طالب كانت قبل نزول هذا النص بأثني عشر سنة ، وفي هذه الحالة لا تصح المقارنة إذ لا مناسبة بينهما .

وثانياً : إن أبا طالب كان يعتقد بنبوة محمد وبرسالته وكان مؤمناً بذلك ، وقد مات على هذا الإيمان وهذا الإعتقاد ، بدليل إن أبن هشام في سيرته في الجزء الأول ص 247 يورد أشعارا لأبي طالب يقول فيها :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خُط في أول الكتب

وكذلك لو لم يكن أبو طالب مؤمناً بالإسلام ومعتقداً به لما قال لولده علياً وهو يحثه على السير خلف رسول الله : - إنه لم يدعك إلاّ إلى خير فالزمه - سيرة أبن هشام ج1 ص 352 - ، فلو لم يكن أبو طالب مؤمناً برسول الله وبنبوته لما حث ولده على التمسك بنهجه والسير خلفه بإعتباره يمثل دعوة خير ، إذن فنحن نرى في شأن النزول هذا الدس والغمز المقصود للحط من شأن الإمام علي من خلال والده وذلك حينما عجزوا أن يجدوا في الإمام علي نقصاً أو مثلبه ، فمالوا هذا الميل وهو من عمل السياسة بكل تأكيد .

النص الرابع :

يقول الطبري إنه لما نزل قوله تعالى : - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود - ولم ينزل معها قوله - من الفجر - ، فكان رجال من المؤمنين إذا أرادو الصيام ربط أحدهم في رجله اليمنى الخيط الابيض وفي الاخرى الخيط الاسود ، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما ، قال : فأنزل الله - من الفجر - فعلموا إنما يعني الليل والنهار - تفسير الطبري ج3 ص172

- مع إن مفهوم - الخيط الابيض - هو كناية عن معنى ( الفجر الصادق ) وهذا واضح في لسان العرب ، ولا يعني الخيط الابيض بمفهومه الدارج ، ومن قال بان جملة - من الفجر - لم تكن موجودة في النص ، فهذا القول لازمه نسبة الجهل إلى الله ، لأنه ووفق مقولتهم تلك يستدعي ان الله لم يكن يعلم بأهمية قوله - من الفجر - ولا يعلم كذلك إن عدم ذكر ذلك سيستدعي الشك والإشتباه لدى السذج من الناس فيضيعون ويحيرون في كيف و ماذا يفعلون ؟ !! ، أعني لا يعلمون الوقت الذي فيه ينتهون عن الأكل والشرب في ليالي رمضان ، وهذا كما ترى قول مردود ، إذ إن كلمة - من الفجر - نزلت مع النص لم تتأخر عنه ، أعني إنها جزء من النص ولتدل فيه على وجوب ان يكون الفعل منتظم وغير مضطرب ، ونحن هنا إنما نرد قول الصحابي ومذهبه الذي أعتمده المفسرون في تلفيق - شأن النزول - دون مراعاة للدقة والعلم والكيفية ، نعم إن التلاعب بالوحي وبمراد الله هو تضييع للناس عن الغاية من سر البعثة والنبوة ، ولذلك نقول : إن مقولة - أسباب النزول في الكتاب المجيد - هي مقولة سالبة بإنتفاء موضوعها ولأنها مخالفة لأصول الإسلام وعقيدته الصحيحة ، بل وهي كذلك مخالفة لمبادئ الله العقلية وللفطرة وللطبيعة وللشريعة ، وهي أي مقولة أسباب النزول إنما أبتدعتها السياسة والسياسيين تبعاً لأغراضهم ونواياهم .

النص الخامس :

ما رواه الطبراني عن أبي رافع ، قوله : جاء جبريل إلى النبي فاستأذن عليه، فأذن له، فأبطأ، فأخذ رداءه فخرج إليه وهو قائم بالباب فقال: قد أذنا لك. قال: أجل ولكنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب ، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو ، فأمر أبا رافع أن لا تدع كلباً في المدينة إلا قتلته ، فأتاه ناس فقالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت : - يسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ - المائدة 4.

قال المفسرون جلس رسول الله يوماً فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف ، فرق الناس وبكوا ، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مضر واتفقوا على أن يصوموا الليل ويقوموا النهار ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ويترهبوا ويجبوا المذاكير ، فبلغ ذلك رسول الله (ص) فجمعهم فقال : ألم أنبأكم أنكم اتفقتم على كذا وكذا فقالوا بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير ، فقال : إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم ومن رغب عن سنتي فليس مني ، ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال : ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا ، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع ، فأنزل الله: - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ - المائدة 90.

ونلاحظ فيما رواه الطبراني أمور منها ما يلي :

أولاً : قوله أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب !! ، وهذا القول فيه وهم وتناقض مع كتاب الله أولاً ، ومع رحلت جبرئيل مع النبي عبر سنيين بعثته من مكة وإلى يوم نزول هذا النص في المدينة ، إذ ليس هذه هي المرة الأولى التي ينزل بها جبرئيل عليه فيصطدم من الوضع ، ومعلوم إن سورة المائدة هي سورة مدنية بإجماع ، ولا يعقل أن لا يصادف جبريل كلباً ولا صورة ولا تمثالاً على مدى أعوام رحلته مع النبي كل هذه السنيين كما قلنا .

و ثانياً : إن رواية الطبراني فيها إطلاق في الكلام عن الجرو - وهو صغير الكلب - في البيت ، والإطلاق في الرواية واضح بعدم تحديدها لنا في أي بيت من بيوت المسلمين هذا البيت الذي كان فيه الجرو !!! ؟ ، ومعلوم من المفهوم العام للرواية إن الجرو لم يكن في بيت رسول الله ، وإذا كان ذلك كذلك فلا ضير من نزول الملائكة وجبريل على النبي .

و ثالثاً : ورد في الرواية أعلاه إن النبي أمر بقتل كل الكلاب ومن ضمنها كلب المرأة التي جعلته لحراستها ، وهذا الأمر مخالف للفتوى وللحكم في صحة إقتناء كلب الصيد وكلب الحراسة ، وهذا ما عليه المشهور من فتوى الأصحاب ودليلهم قصة أصحاب الكهف .

ورابعاً : وهذه الرواية تتعارض مع النص الصريح الذي اجاز أكل اللحوم التي تصيدها الكلاب المُعلمه ، فكيف يأمر الله بشيء وينه عنه النبي ؟ !! .

يقول الواحدي في أسباب النزول ص4 : … ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب ، إلا بالرواية والسماع ممن شهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلب ، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار ، في هذا العلم بالنار ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال، قال رسول الله : - اتقوا الحديث إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار - .

ويورد السيوطي في كتابه - أسباب النزول” ص 155 نزول قوله تعالى: - أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ - البقرة 187 قال :

روي عن ابي هريره أن عمر بن الخطاب أفطر ليلة ونام فانتبه من النوم ووقعت عيناه على امرأته بغير إزار فأستحسنها وغلبته الشهوة فواقعها ، فلما فرغ ندم واغتسل فصلى وبكى إلى الصباح ، ثم ابتكر إلى رسول الله فأخبره بالقصة فاغتم بذلك رسول الله (ص) فقال ما كنت جديراً بهذا يا عمر، فنزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية فقال أقرأ يا محمد: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم.. كرامةً لعمر رضي الله عنه ورخصةً لأمة محمد عليه السلام، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم يعني عمر بن الخطاب فتاب عليكم يعني عمر بن الخطاب، والآن باشروهن وخاطبه بلفظ الجماعة إكراماً له فهي إباحة بصورة الأمر - تفسير ابن كثير ج1 ص 220 – .

فقيل : إن شأن نزول هذا النص هو تحليل الجماع في ليلة الصيام ، روي هذا عن أبن أبي ليلى – الدر المنثور ج1 ص 198 - ، وفي ذلك يرى البراء بن عازب إن الجماع في ليلة الصيام كان محرماً بعد النوم أو بعد صلاة العشاء ، وقيل إن سبب تكرار الخبر أربع مرات عن أبي هريره وعن أبن أبي ليلى وعن معاذ بن جبل عن البراء بن عازب ، إنما كان كرامة لعمر وأن الله خاطبه بلفظ الجماعة تكريماً وتعظيماً، وتلك لعمري أسخف الطرق لترسيخ فضل عمر على غيره من الصحابة في أذهان الناس، في زمن كانت حرب التفضيل على أشدها بين الطوائف.

 

وللحديث بقية