إعتقادات الإسلاميين

3 - الغلو .

الحلقة الثالثة

أشرنا في الحلقة الماضية إلى المعنى اللغوي والإصطلاحي للغلو ، وفي الحلقة الماضية ايضاً تحدثنا عن غلو أصحاب وأتباع الإمام إبي حنيفة فيه ، وفي هذه الحلقة سنواصل البحث في الغلو في مفرداته وفي القائلين به ، ونجد في هذا السياق المثال نفسه والغلو نفسه لدى أغلب الفرق والمذاهب الإسلامية في أئمتهم وزعمائهم ، من دون إستثناء فهاهم اتباع الإمام - مالك بن أنس الأصبحي - مؤلف كتاب الموطأ وصاحب المذهب المعروف ، يقولون و قالوا فيه الشيء الكثير من الأقوال المبالغ فيها والتي لاتنم عن واقع أو حقيقة بحيث ، قالوا : إن الإمام مالك بن أنس عاش في بطن أمه ثلاث سنيين - أنظر مقدمة تنوير الحوالك ص3 - ، و لا ندري ماالفائدة من هذا القول وما القيمة المرجاة من ذلك ، وكلنا يعلم إن بقاء الطفل في بطن أمه ثلاث سنيين مخالف للطبيعة ولسنن الحياة ، أعني إستحالة أن يظل الطفل أكثر من تسعة أشهر في بطن أمه ، إذن : فما هي الفائدة في بقاء الطفل ثلاث سنيين في بطن أمه ؟ وما هو الفضل في ذلك ؟ !!!!!.

وقالوا كذلك : إن النبي محمد – ص – كان يأتي مالكاً في كل ليلة في منامه !!!! ، وزادوا فيه فقالوا : إن مالكاً هو حجة الله على خلقه !!!! ، ثم قالوا : لا يوجد كتاب صحيح في الأرض بعد كتاب الله غير كتاب الموطأ للإمام مالك !!!!!! .

كل هذا الكلام و كل هذا الخيال أنتشر وذاع في أيام الخلافة العباسية والتي بظلها كثر الوضاعون ودُست الأخبار والفضايل لمن هب ودب بحق مالك وبحق غيره ، يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء ص294 : إن هارون الرشيد ذهب ذات مرة إلى المدينة وكان بمعيته المأمون والأمين فقرءو الموطأ عند مالك .

وقد قيل في ذلك : إن ما قام به الخليفة هارون وولديه من فعل هذا لم يكن إلاّ ككون كتاب الموطأ قد كتبه شخص رباني مقدس وليس بإعتباره كتاب فقه وأحكام !!!! ، والمتأمل يجد في سلوك الخليفة هارون هذا ليس سوى سلوك سياسي ودعائي ليس إلاّ ، كان يُريد منه رسم سياسة معينة في مقابل سياسة أخرى ، كما إننا لم نجد في فعل هارون هذا : هو بجعل أو رفع مالك بن أنس لمصاف القديسين والإلهيين ، إنما كان فعلاً سياسياً خالصاً يهدف من خلاله الترويج لحكمه والتبرير لعمله ولمذهبه السياسي ، لكن هذا الفعل وذلك السلوك قد وظف من قبل أتباع مالك لوضع الأخبار في فضله وفضائله والمغالات فيه ، بحيث صار عندهم رجلاً إلهياً مقدساً ليس مثله أحد في هذا الكون !!!! .

نعم إن الغلو في الإشخاص وفي الفرق هو المذهب وهو الطريقة المتبعة لدى المريدين والأتباع ، فهذا الإمام الشافعي محمد بن أدريس قد غالى فيه أصحابه ومحبيه بحيث قالوا فيه أشياء ومعجزات غريبة وعجيبة ، فمثلاً قال فيه إسماعيل المُزني وهو من تلاميذ الشافعي : بإن النبي جاءه في المنام وقال له ، يا إسماعيل : من طلب محبتي وسار على سُنتي ، وجب عليه إتباع محمد بن أدريس الشافعي لأنه مني وأنا منه !!!! ، ومثل ذلك قاله أحمد بن نصر قال : سألت الرسول في منامي ، قلت : يا رسول الله ، من نتبع في أمور ديننا ومعتقدنا ؟ فقال : عليكم بمحمد بن أدريس الشافعي فهو مني وأنا منه ، وإن الله قد رضي عنه وعن أصحابه والتابعين له إلى يوم القيامة !!!! ، وهكذا قال أحمد بن حسن التيريذي قال : رأيت النبي في المنام وسألته عن الإختلاف بين ابوحنيفة ومالك والشافعي فأجابني : عليك بالشافعي فإنه مني وهو المُتبع لسنتي - الغدير ج5 ص244 - .

والمتأمل يرى كيف أصبح الغلو من التابعين نهجاً وسلوكاً وكيف غدت الروايات والفضائل تُفصل تبعاً و كلاً حسب مذهبه وجماعته ، والغريب في كل هذه الفضائل إنها كانت تأتيهم وهم نيام ، والغريب كذلك إن النبي فيها يوزع الفضائل تبعاً لرغبة المريدين والأصحاب !!!.

والغلو كما قلنا وكما عرفناه مرض وعقم عقلي وعلمي يلجأ إليه قليلي الحيلة في مقابل قوة العلم والمعرفة ، إنه الحب الأعمى الذي يُضل صاحبه فيغويه ، وفي مقابل هذا الحب هناك الحقد والكراهية والبغضاء الذي يأتي من المعارضين ، وقد نال الشافعي من هذا الشيء الكثير قولاً وفعلاً ، كقولهم : إن الشافعي رجل خارج ومخالف للدين الحنيف !!! ، وفي ذلك جاءوا برواية عن أبي هريرة قال فيها ، إن النبي محمد – ص – قال : سيظهر في أمتي رجل يُقال له محمد بن أدريس تفتتن به الأمه وتكون فتنته أشد من فتنة أبليس - الغدير ج5 ص 244 - !!!

إذن فالغلو له طرفين يرتبطان بالإفراط في الحب تارةً وفي الكراهية تارةً ، وهو في كلا الحالين مرض خطير وخروج عن الطريق يؤدي بصاحبه للخطأ في الحكم .

يتبع