إعتقادات الإسلاميين

 

· الشفاعة

 

الشفاعة في اللغة : لفظ صحيح المصدر صحيح الإشتقاق وأصله مشتق من مادة – ش، ف ، ع – أي الزوج أو الرديف ، وفي الكتاب المجيد ورد اللفظ على نحو : الشفع والوتر ، والشفع يعني الزوج أو الذي يضاف إلى الوتر فيكون به زوجاً ، هكذا قال الفارسي وصاحب القاموس المحيط وكذا قال أبن منظور في اللسان : فالشفع عنده خلاف الوتر ، فيقال : كان وتراً فحين شفعته صار شفعاً ، وقولنا : شفع لي - بالفتح - شفاعة ً : أي طلب ليّ الشفاعة ، والجمع شفعاء ، وفي الكتاب المجيد نقرء قوله : - من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها - فتكون الشفاعة على هذا الحال متشكلة من قطبين أو قل من طرفين هما : المشفع بالفتح أي الذي يقبل الشفاعة ، والمشفع بالضم الذي تقبل شفاعته ..

والشفاعة في الإصطلاح : هي الطلب من صاحب الأمر العفو والتجاوز عن المسيء ، قال الجرجاني في كتابه التعريفات ص 56 : - تعني السؤال في التجاوز عن الذنوب - ، أو هي طلب العون من الغير للمساعدة في تخفيف الحكم أو إلغاءه ، كما يفعل بعض الناس في طلب العون في حياتهم ، أو كما يفعل البعض منا حين يدعوا النبي محمد - ص - ظانين به أنه بمقدوره مساعدتهم في غفران الذنوب وفي أدخالهم الجنة ، وهذا هو معنى الشفاعة لهم أو التشفع لهم عند الله . من هنا يتبين إن الشفاعة مصطلح أرتبط بالدين وأرتبط بمفهوم الثواب والعقاب ، ولأنه كذلك فهو بحاجة إلى إعادة تأصيل وإعادة فهم ، كي نخرج منه ما علق في الأذهان والعقول من أخطاء وترسبات جعلت منه أو هكذا خُيل للبعض إنه هو الملاذ للعاصين والمذنبين وأهل الكبائر من الناس ، متناسين دور العمل وما تقدمه الأيدي وما تكسبه إذ العمل عند الله هو الملاك في النجاة من الذنوب والعقاب ..

ولهذا نحن نقول : إنه لم يرد لفظ الشفاعة ولا مادته ولا مفهومه في الكتاب المجيد على نحو يستفاد منه معنى رفع العقاب عن العاصين والمذنبين على نحو قطعي ، كما لم يرد اللفظ في إثبات أو ثبوت الشفاعة لأهل الجنة على نحو قطعي كذلك ، ولم نجد في نصوص الكتاب المجيد ما يفيد بإن محمد النبي أو غيره له أو لهم القدرة على الشفاعة أو التشفع بمن هم مذنبين من أمته أو قومه ، والذي فهمناه من عامة النصوص في هذا الباب هو : إن رفع العقاب عن المذنبين والعاصين مرتبط بعملهم وبما قدمت أيديهم - كل أمرء بما كسب رهين ، وكل نفس بما كسبت رهينة - ، أي إن رفع العقاب عن المذنب لا يتم عبر توسط النبي أو الولي له بل يرتبط ذلك بعمله وبطبيعة ذلك العمل وحجمه وضرره ، لذلك ربطت النصوص الشفاعة بمشيئة الله وأذنه ، أي إن الله حين يشفع لعباده إنما يشفع لهم بناءاً على قاعدة : المُحسن منهم والظالم - ، وعلى طبيعة ونوع عملهم الذي لا يخفى على الله منه شيء .

قال تعالى : - يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يشفعون إلاّ لمن أرتضى وهم من خشيته مشفقون – الأنبياء 28 - فالله هنا في هذا النص ربط بين علمه وشفاعتة ومشيئته وأذنه ، وضمير الجمع في يشفعون يُعود على الملائكة ، كما يُشير إلى ذلك النص الآتي في سورة مريم 87 قوله : - لا يملكون الشفاعة إلاّ من أتخذ عند الرحمن عهدا – أي إن الملائكة لا يملكون حق الشفاعة بأحد أو لأحد والإستثناء في النص مرتبط بفعل الخير ومن عاهد الله على ذلك الفعل من الناس ، أي إن الله يشفع لمن كان قد عاهد الله على ذلك ، أي عاهد الله على التوبة فالعهد في لسان النص هو التوبة عن كل ذنب أقترفه العبد توبة صادقة ، وتأكيداً على ذلك قال : - ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلاّ من شهد بالحق وهم يعلمون - 86 - ، وهذا رد على من قال بإمكانية الشفاعة من أحد أو قدرة هذا الأحد على التوسط في رفع العقوبات أو تخفيفها ، وكأن الله في هذا النص ربط المفهوم ومعناه به وحده ، لاغياً دور الوسائط ومحفزاً العباد على التوجه إليه وحده دون سوآه ..

من هنا نفهم معنى الأذن الإلهي المشار إليه في هذه النصوص ، كما نفهم معنى الرفض الذي يقدمه الله لمن يستعين بغيره أو يطلب العون منه ، كما يظهر ذلك في سورة البقرة 255 قوله : - من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه – ، أي إن إذن الشفاعة مرتبط به وحده ، وإذن الله كما قلنا مرتبط بعلمه سبحانه وتعالى ، ولذلك لاتتم الشفاعة من الله إلاّ لمن كان أهلاً لها حقا ، والأهلية المقصودة بكلامنا متعلقها عمل الأفراد ولا يعلم طبيعة عمل الأفراد هذا على نحو الحقيقة والوضوح غير الله ، فهو يعلم طبيعة العمل ونيته هذا هو إيماننا وهذا هو إعتقادنا ، ولا أحد يمتلك هذا الحق دونه ، لذلك فهو وحده من يمتلك حق التشفع بمن ولمن ، أعني إن حق الشفاعة والتشفع لا يمتلكه نبي مرسل ولا ملك مقرب .

من هنا نقول : يجب ان يكون عمل المرء معياراً لشفاعة الله ، فالله هو من يُقدر طبيعة العمل وهو الذي يُقدر أستحقاقه ، لذلك قال : - ولا يشفعون إلاّ لمن أرتضى - الأنبياء 28 - ، وطبيعي إن رضى الله لا يرتبط بالوسائط بل يرتبط بطبيعة العمل ونوعه ، وأما الأخبار الحاكية عن الشفاعة أو عن شفاعة النبي فهي ليست عندنا بشيء ، لأننا في الأساس لا نعتبر - السُنة النبوية دليلاً أو حجة أو قاعدة في إستنباط الأحكام الشرعية ، فمابلك بقضايا العقيدة ومسائلها - ، لكن قد يقول قائل : وماذا عساكم فاعلين بهذا الكم الوافر من هذه الأخبار والتي قيل في شأنها إنها قد فاقت حد الإستفاضة ؟ ، هنا نقول : إن المسألة عندنا إنما تتعلق بالمنهج الذي نتعبه ولا تتعلق بالعاطفة أو بالرواج الخبري ، ولأننا في الأساس مع من يقولون ببطلان حجية الأخبار فيما يتعلق بتقرير قضايا العقيدة ومسائلها ، ورفضنا أساسه التمسك بحجية الكتاب بإعتباره الدليل الوحيد في هذا المجال ..

وبما إننا نحصر مفهوم الشفاعة بالله وحده ، وبما إننا نعرف عدل الله في خلقه ، لذلك فشفاعته مرتبطة بعدله وما يقتضيه ذلك العدل وروحه ، ولذلك فلا معنى لأن تكون الشفاعة مطلقة ، بل يجب ان تكون منسجمة مع عدل الله وطبيعته ، وفي ذلك تتجلى حكمة الله في خلقه وفي عباده ، فمن جهة إن الله يغفر الذنوب جميعا ومن جهة ثانية إن الله لا يغفر لمن يشرك به ، هذه الساحة الواسعة من الرحمة والعدل هي التي تدفع من يرتكب المعاصي ليعود عنها ويتوب ، وبالتالي تشعره بان رحمة الله تسع كل شيء وفي الوقت نفسه تطرد عنه هواجس القنوط واليأس والإحباط ، وتدفعه لعدم تكرار الذنب أو إرتكاب ماهو محرم ، إذن فساحة عدل الله ورحمته من السعة بحيث تعطي لمرتكب الذنب القدرة على تجاوزه والتوبة عنه ، وفي ذلك تتحدد ملامح الشفاعة في الشرط الموضوعي اللازم لها وهو :

توحيد الله وعدم الشرك به وفي هذا نقرء التالي : - إن الله لا يغفر ان يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء – النساء 48 - . هذا هو الشرط الموضوعي والأساسي ، والذي تتضح به ومن خلاله كل قضايا الشفاعة وماتعنيه ، وكأن الله في هذا المجال يُقدم تسهيلات أو إغراءات لكي يتنافس الناس والعباد على ترك الذنوب والأمل في الثواب والمغفرة ..

ولقد تسامحت الشيعة الإمامية وإبي حفص النسفي في مفهوم الشفاعة ليجعلوا من الشفاعة شاملة للنبي وأهل بيته من الأئمة ، والتسامح في هذا لا يستند على دليل سوى أخبار ضعيفة الإسناد ضعيفة الدلالة ومعارضة لنصوص الكتاب المجيد ، والمؤسف إن رجلاً كالشيخ المفيد قد أدعى الإتفاق على ذلك وهو يعلم إن هذا الإتفاق المزعوم أساسه أخبار ضعيفة لا يعتد بها تتعارض مع الكتاب والعقل ، كما أخطأ في ذلك بعض المرجئة الذين قالوا بجواز الشفاعة من النبي ، وذهبت المعتزلة لتقييد شفاعة النبي بالمطيعين دون العاصين حيث قالوا : إن النبي لا يشفع في مستحق للعقاب من الخلق أجمعين - ، والحق إنه لا يجوز الإعتقاد و طلب الشفاعة من النبي على نحو مباشر ، كما إن شهادة النبي في قومه تتعلق بفعلهم الظاهر ومدى إنطباقه على ماجاء به من الوحي ، وشهادة النبي غير شفاعته ، بل إن كل إعتقاد يُفهم منه قدرة النبي على محو الذنوب وتغيير نتائج أعمال العباد ، هو شرك بالله إذ إن النبي في كل شيء لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلاّ ما شاء الله ، كما إن الإعتقاد بذلك يشبه عمل عبدة الأوثان الذين كانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى ، وكانوا يقولون : - هؤلاء شفعاؤنا عند الله – يونس 18 - ، إذن فكل إيمان على هذا النحو باطل كما إن طلب الشفاعة من الأموات أو الإيمان بقدرتهم على تغيير ماهو مكتوب في صحائف الأعمال باطل ..

ومجمل القول في ذلك : إن الشافع والمشفع هو الله وحده ولا تصح الشفاعة من غيره ، ولا يملك حق الشفاعة نبي مرسل أو ملك مقرب أو ولي صالح ، والشفاعة التي نؤمن بها هي المتعلقة بالله وحده وبمشيئته وإذنه ، والتي لا تخضع لإرادة البشر ورغباتهم ، قال تعالى حكاية عن النبي محمد : - إني لا أملك لكم من الله شيئا - ، وبما إن الشرك هو الظلم العظيم فيكون على هذا إن كل ما يقع مصداقاً لمفهوم الظلم لا تناله شفاعة الله قال تعالى : - ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع - غافر 18 - أو كقوله : - فما تنفعهم شفاعة الشافعين - المدثر 48 - ، ويظهر لنا من مجمل النصوص إن الشفاعة فضل من الله أو هي خاصية من خواصه ، قال تعالى : - قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون - الزمر 44 -